الاعتماد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الاتكاء والاتكال على الشيء.
الاعتماد في
اللغة بمعنى
الاتّكاء والاستناد والاتّكال والركون ، يقال: اعتمد على الشيء، أي اتّكأ عليه واستند إليه، واعتمد على فلان، أي اتّكل عليه وركن إليه.
ولا يختلف
المعنى الاصطلاحي للاعتماد عن
المعنى اللغوي .
يختلف حكم الاعتماد باختلاف موارده في
الفقه ، ويمكن تقسيم المباحث التي تعرّضوا فيها للاعتماد إلى ما يلي:
تحدّث
الفقهاء عن هذا النوع من الاعتماد في بابي
الطهارة والصلاة غالباً، وأهم ما ذكروه هو:
أ- يستحبّ حال
التخلّي الاعتماد على
الرجل اليسرى.
ب- إن لم يتمكّن
المصلّي من القيام بنفسه وأمكنه أن يعتمد على ما يتمكّن معه من
القيام - كالحائط أو العكاز- فليفعل وليصلّ قائماً،
ولو توقّف تحصيل ما يعتمد عليه على
عوض وجب
بذله مع التمكّن منه.
ولو عجز في البعض أتى بالممكن؛ لأنّ القيام شرط وتحصيله بالاعتماد ممكن فيجب، ولأنّ القيام يجب في جميع أفعال
الصلاة ، فإن عجز عن البعض لا يسقط الآخر.
والقادر إذا تجدّد عجزه والعاجز إذا تجدّدت
قدرته ينتقل إلى ما يقدر عليه مستمرّاً، ولا يستأنف؛
لأصالة الصحّة ،
وللامتثال المقتضي للإجزاء، فالقائم إذا عجز اعتمد، ثمّ قعد، ثمّ اضطجع، ثمّ استلقى، وكذا لو قدر
المستلقي اضطجع، ثمّ قعد، ثمّ اعتمد، ثمّ قام.
ج- إن لم يقدر المصلّي على
الركوع قائماً وأمكنه أن يعتمد على شيء حتى يركع لزمه الاعتماد عليه.
د- يجب الاعتماد على
المساجد السبعة حال السجود بإلقاء ثقلها عليها، فلو تحامل عنها أو عن شيء منها لم يصحّ؛
لعدم حصول
الطمأنينة بدونه.
ولو سجد على مثل
القطن والصوف وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت
الأعضاء ، ويحصل مسمّى الطمأنينة إن أمكن، وإلّا لم يصلّ عليه مع إمكان غيره.
نعم، لا تجب
المبالغة في الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء، كما أنّه لا يجب تسويتها في مقدار الاعتماد
لعسره أو
تعذّره .
وصرّح بعض بأنّه لو لم يجد إلّا
الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد.
ه- يستحبّ أن يعتمد المصلّي على يديه قبل رفع
ركبتيه .
و- لو عجز
الإمام عن القيام إلّابما يعتمد عليه فاعتمد حال قيامه تصحّ إمامته بالصحيح.
ز- يستحبّ
لخطيب الجمعة الاعتماد على شيء أثناء الخطبة من
قوس أو
عصاً أو
سيف .
ويقصد بذلك
الاستناد إلى شيء ما غير حسّي، كاستناد
الشاهد إلى علمه حيث بحثوا فيه عن ضرورة أن يكون هذا
العلم حسياً.
ومن ذلك
حرمة الاعتماد على
أمر الظالم بمعنى الركون إليه، قال اللَّه سبحانه وتعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَاتُنصَرُونَ».
ومنه الاعتماد على
حكومة الجور والحاكم الجائر .
ومن ذلك أيضاً الاعتماد على الأدلّة بمعنى الاستناد إليها، فكثيراً مّا استعمل
الفقهاء لفظ: «استناد» مع مشتقّاته كقولهم:«لم نقف على مستند»
أو «مستند هذا الحكم
رواية ...»
أو «استناداً إلى عدّة روايات »
أو «استناداً إلى الأصل وإطلاقات بعض الروايات»،
وهكذا، ومرادهم من ذلك ما يرادف استناد
الحكم الشرعي إلى دليل واعتماده عليه.
للاعتمادات البنكية صور يتّضح معناها من خلال استعراضها:
أن يكون فتح الاعتماد عبارة عن
عقد وتعهّد بين البنك والعميل، بأن يضع البنك بموجب هذا العقد والتعهّد مبلغاً تحت
تصرّف العميل في فترة محدّدة، وله أن يسحب مبلغ الاعتماد دفعة واحدة أو على فترات أو بالشكل المتّفق عليه على امتداد تلك الفترة، وأثره تعهّد البنك
والتزامه بإيجاد الاعتماد
والائتمان للعميل.
وأمّا العميل فلا يكون ملزماً
باستعماله ، فإذا استخدم العميل مبلغ الاعتماد فعلًا أصبح العقد لازماً من الطرفين، وعلى العميل حينئذٍ أن يردّ المبالغ التي يسحبها من الاعتماد ويدفع فوائدها.
الاعتماد المستندي: وهو عقد يتعهّد البنك بموجبه ويلتزم على عاتقه أن يدفع ثمن البضاعة
نقداً أو يقبل
الشيكات عند تسلّم المستندات من المصدر بكامل شروطها المتّفق عليها مسبقاً، وذلك بموجب
طلب صاحب الاعتماد من البنك ذلك لصالح المصدّر مقابل عمولة محدّدة، فإذا تمّ الاتّفاق على ذلك أصدر البنك خطاب ضمان وتعهّد إلى المصدّر وصاحب الاعتماد، ويتعهّد فيها بجميع ما في الاعتماد المستند من الشروط.
وله أقسام:
وهو أنّ من يريد
استيراد بضاعة أجنبية لابدّ له من فتح اعتماد لدى البنك، فيتعهّد البنك بتسديد
الثمن إلى الجهة المصدّرة بعد تمامية المعاملة بين المستورد والمصدّر مراسلة أو بمراجعة
الوكيل الموجود في
البلد ، ويسجّل البضاعة باسمه ويرسل القوائم المحدّدة لنوعية البضاعة كمّاً وكيفاً حسب الشروط المتّفق عليها، وعند ذلك يقوم المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ليقوم بدوره بتسلّم مستندات البضاعة من الجهة المصدّرة.
وهو أنّ من يريد
تصدير بضاعة إلى الخارج أيضاً لابدّ له من فتح اعتماد لدى البنك، ليقوم بدوره- بموجب تعهّده-
بتسليم البضاعة إلى الجهة المستوردة
وقبض ثمنها وفق الاصول المتّبعة عندهم.
فالنتيجة أنّ القسمين لا يختلفان في الواقع، فالاعتماد- سواء كان للاستيراد أو التصدير- يقوم على أساس تعهّد البنك بأداء الثمن وقبض البضاعة.
نعم، هناك قسم آخر من الاعتماد، وهو: أنّ المستورد أو المصدّر يقوم بإرسال قوائم البضاعة كمّاً وكيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المقابلة، والبنك بدوره يعرض تلك القوائم على الجهة المقابلة، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها، ثمّ يقوم بدور الوسيط إلى أن يتمّ تسليم البضاعة وقبض الثمن.
وقد صرّح
الفقهاء بجواز فتح الاعتماد لدى البنك وقيام البنك بذلك،
ولكن اختلفوا في صور الاعتماد:
أمّا الصورة الاولى فذهب بعضهم إلى عدم جوازها؛ لأنّ استخدامه
للمال اقتراض مع
الفائدة ، وهو
ربوي محرّم.
نعم، يمكن
تحويل هذه الفائدة الربوية إلى فائدة غير ربوية باشتراط العميل على البنك القيام بتلك العملية في ضمن
إيقاع عقد معه-
كهبة أو
بيع أو
صلح - مع أخذ نسبة الفائدة فيه بعين الاعتبار.
وأمّا الصورة الثانية فهل يجوز للبنك أخذ الفائدة من صاحب الاعتماد المستندي إزاء قيامه بالعمل المذكور أو لا يجوز؟
ذكروا أنّه يمكن تنزيل معاملة الاعتماد على صورتين، تكون صحيحة في واحدة
وباطلة في الاخرى.
الصورة الاولى: أن يكون دفع المبالغ من جهة البنك
كقرض منه لصاحب البضاعة، فيكون صاحب البضاعة
مديناً للبنك بالمبلغ المدفوع إلى
الشركة ، ويكون حينئذٍ أخذه للعمولة والفائدة باطلًا؛ لأنّه أجرى معاملة قرضية مشتملة على فوائد ربوية،
فالمعاملة باطلة ولا يسوغ له حتى أخذ العمولة، ويكون تسجيله للبضاعة باسمه من حين التصدير إلى يوم تسلّمها من قبل صاحبها
كوثيقة بيده بإزاء ما له على صاحب البضاعة من الدين، ولا
شكّ في
فساد هذه المعاملة.
الصورة الثانية: جوازه، ويمكن تفسيره من الناحية
الفقهية بأحد أمرين:
الأوّل: أنّ ذلك داخل في عقد
الإجارة ؛ نظراً إلى أنّ صاحب الاعتماد يستأجر البنك للقيام بهذا الدور لقاء اجرة معيّنة، مع إجازة
الحاكم الشرعي أو وكيله فيما إذا كان البنك غير أهلي.
الثاني: أنّه داخل في عقد
الجعالة ، ويمكن تفسيره
بالبيع ، حيث إنّ البنك يدفع ثمن البضاعة بالعملة الأجنبية إلى المصدّر، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الأجنبية في ذمّة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه، وبما أنّ الثمن والمثمن يمتاز أحدهما عن الآخر فلا بأس به.
وقد يقوم البنك بخزن البضاعة على حساب المستورد، كما إذا تمّ العقد بينه وبين المصدّر، وقام البنك بتسديد ثمنها له، فعند وصول البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصولها، فإن تأخّر المستورد عن تسلمها في الموعد المقرّر قام البنك بخزنها
وحفظها على حساب المستورد إزاء
أجر معيّن.
وقد يقوم بحفظها على حساب المصدّر، كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد
وإتفاق مسبق، فعندئذٍ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على تجّار البلد، فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدّر لقاء أجر معيّن.
من هنا، صرّح بعض
الفقهاء بأنّ في كلتا الحالتين يجوز للبنك أخذ الاجرة لقاء العمل المذكور إذا اشترط ذلك في ضمن
عقد ، ولو بنحو
الشرط الضمني والارتكازي ، أو كان قيامه بذلك بطلب منه، وإلّا فلا يستحقّ شيئاً.
وهناك حالة اخرى، وهي: أنّ البنك قد يقوم ببيع البضاعة عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها بعد إعلان البنك
وإنذاره ، ويقوم بذلك
لاستيفاء حقّه من ثمنها، فهل يجوز للبنك القيام ببيعها؟ وهل يجوز لآخر
شراؤها ؟
استظهر بعض الفقهاء جوازه؛ لأنّ البنك- في هذه الحالة- يكون
وكيلًا من قبل أصحابها بمقتضى الشرط الضمني الموجود في أمثال هذه الموارد، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً.
وأمّا حكم القسم الأخير وهو: أنّ المستورد أو المصدّر يقوم بإرسال قوائم البضاعة كمّاً وكيفاً إلى البنك- دون
معاملة مسبقة مع الجهة المقابلة- ويطلب منه
عرضها على المستوردين هناك، فإذا عرضها البنك وقبلها المستورد تفاهم مع المصدّر، فإذا حصل الاتّفاق بينهما فتح الاعتماد، ولا ريب في أنّ البنك يستحقّ على المصدّر بعمله هذا عمولة معيّنة غير ما يستحقّه بفتح الاعتماد.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۱۳-۱۹.