العقود والإيقاعات المضافة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أطلق الفقهاء
الإضافة في العقود والإيقاعات وأرادوا بها إضافة العقد أو
الإيقاع إلى وقت معيّن أو تشخّص معيّن، كما إذا اضيف
البيع أو
الطلاق إلى المستقبل بحيث تترتب الآثار عند حلول ذلك الوقت المضاف إليه.
يظهر من الفقهاء أنّهم يقبلون بالإضافة في بعض العقود دون بعض.فالمشهور صحّة إضافة
الإجارة إلى المستقبل،
كما لو آجره الدار بداية الشهر القادم أو السنة القادمة، بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ لذلك بوجهين:
أحدهما: عموم أدلّة الإجارة، وعدم المانع؛ لأنّه لا يشترط في صحّة الإجارة تسليم المعقود عليه في حال الإجارة، ولا كون المنفعة متّصلة به، وإنّما يلزم التسليم في أوّل المدّة التي انعقدت الإجارة عليها، والمفروض إمكان ذلك.
ثانيهما: أنّ
الإيجار فعلي ومنجّز ولا تعليق في الإجارة، إلّاأنّ المنفعة المملوكة بالعقد مستقبليّة فالزمان قيد للمملوك لا للعقد، فإنّ المنفعة في كلّ زمان غيرها في الزمان الآخر، فتتكثّر وتتحصّص بتكثّر الزمان والحصص الزمانيّة، فيكون التمليك والتملّك فعليّاً ومن الآن، إلّا أنّ المملوك استقبالي فلا تعليق في العقد.
وأمّا في سائر العقود- كأن يقول: بعتك الدار يوم الجمعة أو الشهر القادم-: فقد حكموا بعدم الصحّة، وأنّ حاله حال التعليق الذي حكموا
ببطلانه في الجملة إلّا ما خرج بالدليل كالوصية حيث لا تحصل الملكية فيها إلّامتأخّرة.
قال
السيّد اليزدي في المثال المتقدّم:«والأولى أن يقال: إنّه مثل التعليق في الحكم، فإنّ المناط هو عدم كون التمليك فعليّاً، سواء كان ذلك من جهة التعليق أو غيره».
واستدلّ على البطلان في المثال المتقدّم بأنّ الدار في الشهر القادم نفسها الآن وليست عيناً اخرى، فلا يكون الزمان معدّداً لها، فإذا كانت ذاتها مملوكة بالفعل لزم
الانتقال من الآن، وهو خلف، فلابدّ أن يكون الزمان قيداً للمملوك بما هو مملوك، أي قيداً للملكيّة والتملّك، فيرجع إلى التعليق في التمليك فيكون باطلًا، بناءً على شرطيّة
التنجيز في العقود.
ووجه البطلان عموماً اشتراطهم التنجيز في العقود.
وإذا تمّ وجه الاستدلال فإنّ مجمل العقود ستكون حينئذٍ آبيةً عن الإضافة؛ لعدم الفعلية المأخوذة فيها كما يفهم ممّا تقدّم عن السيّد اليزدي.وأمّا الإضافة إلى المستقبل في الإيقاعات- كما إذا قيل- مثلًا-: زوجتي فلانة طالق غداً- فهو كالتعليق على الوقت المحكوم ببطلانه؛ نظراً لاعتبارهم التنجيز في مطلق العقود والإيقاعات إلّاما خرج بالدليل.
ومنه ما فرّع على عدم جواز بيع المجهول كبيع سمك الأجمة وبيع لبن الضرع ونحوهما على تفصيل فيه:
والمشهور
عدم جواز بيع سمك الأجمة ولو مع ضميمة القصب أو غيره، ولا لبن الضرع وإن ضمّ إليه ما يحلب منه، وذلك لما فيه من الغرر والجهالة.
وقيل بالتفصيل بين كون المقصود بالبيع هو الضميمة المعلومة وما عداها تابعاً فيصحّ البيع، وإن عكس أو كانا مقصودين لم يصحّ
البيع ، وعزي ذلك إلى المشهور بين المتأخّرين؛
نظراً إلى أنّ جهالة التابع لا توجب
الغرر ولا صدق اسم المجهول على المبيع عرفاً حتى يندرج في إطلاق ما دلّ من الإجماع على عدم جواز بيع المجهول.
وقيل بالجواز مع الضميمة مطلقاً.
اختاره بعض الفقهاء،
بل نسب إلى المشهور بين المتقدّمين؛
استناداً إلى الأخبار كموثّق
سماعة ، قال: سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع، فقال:«لا، إلّاأن يحلب لك منه سُكرجة، السكرّجة- بضم السين والكاف والراء والتشديد-: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الادم، وهي فارسيّة، وأكثر ما يوضع فيها الكوامخ ونحوها.
فيقول: اشتر منّي هذا اللبن الذي في
السكرجة وما في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في السكرجة».
ونوقشت هذه الأخبار سنداً ودلالة.
هذا كلّه في البيع مع ضميمة. وأمّا بدونها فالحكم بعدم الجواز موضع وفاق بينهم.
الأصل في
الكفالة أن تتعلّق بذات المكفول، وأمّا إذا اضيفت إلى تشخّص معيّن منه، فإمّا أن تضاف إلى ما يعبّر به عن الكلّ والجملة أو تضاف إلى ما لا يعبّر به عن الجملة، وما لا تمكن الحياة بدونه أو إلى ما تمكن الحياة بدونه:
أمّا الأوّل فكما لو قال: كفلت لك وجه فلان أو رأسه، أو قال: كفلته بوجهه أو برأسه، ونحو ذلك، والحكم بصحّة الكفالة هنا ممّا لا خلاف فيه بينهم سوى ما يأتي من
الشهيد الثاني .
وعلّل الحكم بأنّ ذلك ممّا يعبّر به عن الجملة بل عن الذات عرفاً ويراد منه الذات؛ لعدم إمكان
إحضار العضو بدونها، فيصدق عليه عقد الكفالة ويندرج تحت أدلّتها؛ إذ المستفاد منها صحّة الكفالة على سبيل
الإجمال لا خصوص صيغة بعينها، فكلّ لفظ دلّ عليها إمّا بقرينة عرف أو عدم
إمكان إحضار العضو وحده يصلح لها ويكون المقصود الكلّ؛ للأصل وإطلاق الأدلّة.
وناقش الشهيد الثاني في ذلك، فقال:«إنّ العضوين المذكورين وإن كانا قد يطلقان على الجملة إلّاأنّ إطلاقهما على أنفسهما خاصّة أيضاً شائع متعارف إن لم يكن أشهر، وحمل اللفظ المحتمل للمعنيين على الوجه المصحّح- مع الشكّ في حصول الشرط
وأصالة البراءة من لوازم العقد- غير واضح.نعم، لو صرّح بإرادة الجملة من الجزءين اتّجهت الصحّة كإرادة أحد معنيي المشترك... وبالجملة: فالكلام عند
الإطلاق وعدم قرينة تدلّ على أحدهما، فعند ذلك لا يصحّ تعليل الصحّة بأنّه قد يعبّر بذلك عن الجملة».
وأجيب: بأنّ «الحمل على الوجه المصحّح- وهو إرادة الجملة من الجزء- يوجبه أنّه عاقل فيصان كلامه عن الهذر واللغو، وأنّه عقد فيجب الوفاء به ولا يمكن إحضار العضو وحده، فكأنّ الإطلاق غير منفكّ عن القرينة، وحينئذٍ فلا شكّ في حصول شرط الصحّة، وهو
إرادة الجملة من الجزء، فالتعليل صحيح والإطلاق يراد به الجملة، وبعد ثبوت كونه عقداً جامعاً لشرط الصحّة لا يمكن التمسّك بأصل البراءة».
وأمّا حكم الثاني- وهو إضافة الكفالة إلى ما لا تمكن الحياة بدونه كما لو قال:كفلت قلب فلان أو كبده، وكذا الإضافة إلى الجزء المشاع كالثلث ونحوه- فوجهان:
الأوّل: الصحة، وقد اختاره بعض الفقهاء.
ووجهه: أنّ كفالة الجزء الذي لا تمكن الحياة بدونه تفضي إلى كفالة المجموع؛ لأنّ إحضاره لا يمكن إلّابإحضار المجموع.
الثاني: عدم الصحّة، وهو ظاهر المحقّق الثاني
واستوجهه الشهيد الثاني في كتابيه،
وهو محكيّ عن الشهيد في حواشيه.
ووجّه ذلك في المسالك- تبعاً لما احتمله في
جامع المقاصد - بأنّ الإحضار هنا وإن كان غير ممكن بدون تلك الأجزاء التي لا يمكن العيش بدونها إلّا أنّ ذلك لا يقتضي الصحّة؛ لأنّ المطلوب من الكفالة هو المجموع أو ما يطلق عليه كما في السابق على تقدير ثبوته.أمّا إذا تعلّق ببعضه فلا دليل على صحّته وإن توقّف إحضار الجزء المكفول على الباقي؛ لأنّ الكلام ليس في مجرّد إحضاره بل في إحضاره على وجه الكفالة الصحيحة فوجوب إحضار ما لا يتعلّق به الكفالة مترتّب على صحّة كفالة الجزء الذي تعلّقت به، وذلك الجزء ليس هو المطلوب شرعاً بل الجملة، فلا يتمّ التعليل ولا
إثبات الأحكام الشرعية المتلقّاة من الشرع بمثل هذه المناسبات.
ونوقش بأنّ المراد كفالة المجموع؛ لأنّه كناية عنه أو يستلزمه؛ لأنّه عاقل ولأنّ هذا عقد، وأنّ إطلاق نصوص الباب تشمله.
وأمّا حكم الثالث- وهو الإضافة إلى ما يمكن الحياة بدونه كأن يقول: كفلت لك يد فلان أو رجله- فوجهان أيضاً، ناشئان من عدم السريان وإمكان
الانفصال مع بقاء الحياة، ومن إحضار ذلك على صفته لا يكون إلّابإحضار البدن.
وعدم الصحّة هنا خيرة جماعة من الفقهاء،
ولم يستبعد بعضهم الصحّة.
محلّ
النكاح المرأة كما هو ظاهر الكتاب والسنّة،
لكن لو أضيف إلى تشخّص معيّن فيها- كما لو قال: زوّجتك ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء أو نحو ذلك مع فرض وجود بنات متعدّدات متميّزات بالصفات المذكورة- فقد حكم جمع من الفقهاء
بصحّة العقد.ولو لم تكن إلّاواحدة كان الوصف مؤكّداً.
نعم، اشكل الحكم لو كان الوصف بالكبرى
وأختيها حيث لا بنت له سواها، لكن تقوى الصحّة ترجيحاً للاسم، فيلغو حينئذٍ إرادة التشخيص بالوصف.
من شروط
الطلاق إضافته إلى المحلّ، وهو ذات الزوجة، فلو أضافه إلى الأجزاء- سواء كانت معيّنة، كما إذا قال: يدك طالق، أو مبهمة، كأن يقول: ثلثك طالق ونحوها- لم يقع الطلاق
بالاتّفاق .
واحتجّ لذلك بالأصل
والاحتياط وظهور الأدلّة في أنّ محلّ الطلاق ذات الزوجة المدلول عليها بقول: (أنتِ) أو (هذه) أو (زوجتي) وما شاكل ذلك.
المعهود شرعاً إضافة العتق إلى ذات
الإنسان المشار إليه بقوله: (أنت) أو (هذه) أو (عبدي) ونحوه، أو إضافته إلى الأجزاء المشاعة كأن يقول: (نصفك حرّ أو ثلثك أو ربعك) ونحوها من الأجزاء المشاعة.
أمّا لو أضافه إلى الأجزاء المعيّنة- كما إذا قال: يدك حرّة أو رجلك أو وجهك أو رأسك- لم يقع
العتق بلا خلاف فيه،
بل ادّعي الإجماع عليه.
واستدلّ له بالأصل والإجماع.
لكن في الجواهر أنّ الحكم بعدم الصحّة في هذه الأجزاء فيما لو كان المراد تحريرها؛ ضرورة عدم ثبوت مشروعيّته بل الثابت عدمه، أمّا مع إرادة الكناية بذلك عن الشخص نفسه- ولو مجازاً لعلاقة الجزء والكلّ وإن كان على الوجه الفاسد- فيشكل عدم صحّته بتحقّق صيغة العتق التي لم يثبت اعتبار ذكر المعتق فيها باسمه أو بما يدلّ عليه حقيقة، وكون العتق لا يقع بالكناية إنّما يراد به ما يدلّ على التحرير لا المحرّر.
ذكر بعض الفقهاء
أنّ الأيمان تابعة للإضافة مع عدم الإشارة فتزول بزوالها، كما إذا حلف لا يدخل دار زيد فباعها، أو لا يدخل مسكنه فخرج عنه، أو لا يستخدم عبده فباعه، فإنّ اليمين تنحلّ في هذه الموارد.قيل الاستدلال وردّه في كشف اللثام
: ويدلّ عليه خبر
أبي بصير ، حيث سأل
الإمام الصادق عليه السلام في رجل أعجبته جارية عمّته، فخاف
الإثم وخاف أن يصيبها حراماً، فأعتق كلّ مملوك له وحلف بالأيمان أن لا يمسّها أبداً، فماتت عمّته فورث الجارية، أعليه جناح أن يطأها؟ فقال: «إنّما حلف على الحرام ولعلّ اللَّه أن يكون رحمه فورّثه إيّاها؛ لما علم من عفّته».
ولو جمع بين
الإضافة والإشارة كقوله:(لا دخلت دار زيدٍ هذه) أو (لا استخدمت هذا عبدَ زيدٍ) ولم ينوِ أحدهما، فقد قرّب بعض الفقهاء
تغليب
الإشارة وبقاء حكم اليمين وإن زالت الإضافة.وجه القرب: أنّ اليمين تعلّقت بتلك العين المخصوصة، وهي باقية وإن زالت الإضافة فلا يزول حكم اليمين.
واحتمل أيضاً
الانحلال ؛
لأصالة البراءة، ولأنّها علّقت بالعين مع الصفة فينحلّ بزوال أحد الأمرين، ولأنّه يتبادر إلى الأفهام من حلف على مثله أنّه أراد قطع
الموالاة بينه وبين زيد.
قال
الشيخ الطوسي : «وهذا الذي يدلّ عليه أخبار أصحابنا، والأوّل أقوى».
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۸۰-۳۸۷.