النقد والنسيئة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الأوّل : النقد والنسيئة) أي
البيع الحالّ والمؤجّل. يسمّى الأوّل نقداً باعتبار كون ثمنه منقوداً ولو بالقوّة، والثاني مأخوذ من النسيء وهو تأخير الشيء، تقول : أنسأت الشيء إنساءً إذا أخّرته، والنسيئة اسمٌ وضع موضع المصدر.
واعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق بتعجيل الأوّل وتأخير الثاني وبالعكس أربعة أقسام. فالأوّل : النقد، والثاني :
بيع الكالي بالكالي بالهمزة اسم فاعل أو مفعول بمعنى المراقبة، لمراقبة كلّ واحد منهما صاحبه لأجل دينه، والثالث :
السلف والسلم، والرابع : النسيئة.وكلّها صحيحة عدا الثاني، فقد ورد النهي عنه وانعقد
الإجماع على فساده، كما في
الغنية والروضة وغيرهما.
إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ (من ابتاع) شيئاً (مطلقاً) من دون
اشتراط تأجيل في أحد العوضين (فالثمن) وكذا المبيع (حالّ، كما لو شرط) فيهما (تعجيله) فيجب التسليم في الحال، بلا خلاف؛
لانصراف الإطلاق إليه عرفاً. قيل
: وللموثق : في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثم افترقا، قال : «وجب البيع، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد».
ثم اشتراط التعجيل إن كان من دون تعيين زمان أفاد التأكيد خاصّة في المشهور. وإن كان معه بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلاً تخيّر المشروط له لو لم يحصل الشرط في الوقت المعيّن بين الفسخ
والإمضاء ، وفاقاً للشهيدين،
بل استحسن ثانيهما ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضاً لو أخلّ به عن أوّل وقته؛
للإخلال بالشرط.
(ولو شرط التأجيل) في الثمن (مع تعيين المدّة) في الأجل (صحّ) إجماعاً في الظاهر، وحكي عن التذكرة صريحاً،
وأخبار الباب به كما سيأتيك إن شاء الله تعالى مستفيضة جدّاً.ولا فرق فيها بين القصيرة والطويلة حتى مثل ألف سنة ممّا يعلم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادةً، بلا خلاف يعلم منّا في ذلك، إلاّ ما حكي عن
الإسكافي من منعه التأجيل زيادة على ثلاث سنين.
والأصل والعمومات وخصوص إطلاقات أخبار الباب يدفعه، مع عدم وضوح مستنده.
نعم، في الخبرين المروي أحدهما في
الكافي والثاني عن قرب الإسناد : إنّا إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح، قال : «بعهم بتأخير سنة» فقلت : فتأخير سنتين؟ قال : «نعم» قلت : بثلاث؟ قال : «لا»
وقصور سندهما مع عدم مكافأتهما لما مضى يمنع من العمل بهما، مع
احتمال ورودهما مورد التقيّة عن رأي بعض العامّة، كما يفهم من عبارة بعض الأجلّة؛
مضافاً إلى عدم انطباقهما على مذهبه بالضرورة.
(و) ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف، وبه صرّح بعض
أنّه (لو لم يعيّن) المدّة (بطل) المعاملة؛ للغرر، والجهالة فيها، المستلزم ذلك جريانهما في الثمن جدّاً، بناءً على أنّ للأجل قسطاً من الثمن عادةً وعرفاً. (وكذا) تبطل (لو عيّن أجلاً محتملاً) للزيادة والنقيصة (كقدوم الغزاة)
وإدراك الثمرات، أو مشتركاً بينهما وإن كان في الجملة معيّناً، كنفرهم من منى وشهر ربيع أو يوم جمعة أو خمسين مثلاً؛ لعين ما مرّ سابقاً.
وقيل في الأخير : يصحّ ويحمل على الأوّل؛ لتعليقه الأجل على اسم معيّن وهو يتحقّق بالأوّل، لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد، ليتوجّه قصدهما إلى أجل مضبوط، فلا يكفي ثبوت ذلك شرعاً مع جهلهما أو أحدهما به، ومع القصد لا
إشكال في الصحة وإن لم يكن الإطلاق محمولاً عليه.
قيل : ويحتمل
الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك، قصداه أم لا؛ نظراً إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطاً في نفسه شرعاً، وإطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعية.
وهو كما ترى؛ لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقاً، بل إنّما ذلك
بالإضافة إلى إطلاق متصدّعها خاصّة، لعدم دليل عامّ يدلّ على التعدّي أصلاً، وثبوته في بعض المواضع لا يوجبه كلّياً إلاّ بالقياس المحرّم عندنا، أو
الاستقرار الغير الثابت ظاهراً، فتأمّل جدّاً.
•
بطلان البيع بالنقد والنسيئة معا ،(وكذا) تبطل (لو قال :) بعتك هذه
السلعة (بكذا) وكذا (نقداً وبكذا) وكذا (نسيئة) على الأظهر الأشهر.
(ويصحّ أن يبتاع) البائع (ما باعه) من المشتري (نسيئة قبل
الأجل بزيادة) من الثمن الذي باعه به (ونقصان، بجنس الثمن وغيره، حالاّ ومؤجّلاً) بلا خلاف فتوى ونصّاً، عموماً وخصوصاً، ففي الصحيح : عن الرجل يبيع المتاع نسيئة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال : «نعم، لا بأس به» الحديث.
وفي آخر : رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب : أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي، فرضي، قال : «لا بأس بذلك»
ونحوه غيره ممّا سيأتي.ويستفاد من بعض الصحاح المنع عن ابتياعه نسيئة، وفيه : عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك، فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئاً، فقال : «لا يبيعه نسيّاً، وأمّا نقداً فليبعه بما شاء».
إلاّ أنّ فيه
إجمالاً ، مع احتماله الحمل على الكراهة جدّاً جمعاً بينه وبين ما تقدّم؛ لعدم مكافأته له قطعاً.وكيف كان، فالجواز عند الأصحاب مطلقاً مشروط بما (إذا لم يشترط) البائع في البيع الأوّل (ذلك) أي بيعه منه ثانياً، ولا خلاف فيه.ويدلّ عليه ظاهر المروي عن قرب الإسناد وعن كتاب علي بن جعفر عنه عن أخيه عليه السلام : عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم، ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحلّ؟ قال : «إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس».
وربما علّل تارة
باستلزامه الدور؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه.وأُخرى بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع حقيقة.
وضعّف الأوّل : بأنّ المتوقّف على حصول الشرط هو لزوم البيع لا
انتقاله إليه، غايته أنّ تملّك البائع موقوف على تملّك المشتري، وأمّا أنّ تملّك المشتري موقوف على تملّك البائع فلا؛ ولأنّه وارد في باقي الشروط كشرط العتق، وخصوصاً شرط بيعه للغير، مع صحّته إجماعاً. وأوضح لملك المشتري ما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل؛ لتخلّل ملك المشتري فيه.
والثاني : بأنّ الفرض حصول القصد إلى ملك المشتري وإنّما رتّب عليه نقله ثانياً، بل شرط النقل ثانياً يستلزم القصد إلى النقل الأول، لتوقّفه عليه،
ولاتّفاقهم على أنّهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صحّ وإن كان من قصدهما ردّه، مع أنّ العقد يتبع القصد، والمصحّح له ما ذكرناه من أنّ قصد ردّه بعد ملك المشتري له غير مناف لقصد البيع بوجه، وإنّما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلاً، بحيث لا يترتّب عليه حكم الملك وهو حسن.(ولو حلّ) الأجل (فابتاعه من المشتري بغير جنس الثمن أو بجنسه من غير زيادة ولا نقصان صحّ) بلا خلاف يظهر؛ لبعض ما مرّ.
(ولو زاد عن الثمن) الذي باع به أوّلاً (أو نقص) عنه (ففيه) قولان و (روايتان، أشبههما) وأشهرهما (الجواز) وهي : الصحاح المستفيضة المعتضدة بالأصل والعمومات، منها ما مرّ، وفي آخر : عن رجل باع طعاماً بمائة درهم إلى أجل، فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه فقال : ليس لي دراهم خذ منّي طعاماً، فقال : «لا بأس به، فإنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء»
ونحوه في رابع
وغيره.
والثانية : الخبر : عن رجل بعته طعاماً بتأخير إلى أجل مسمّى، فلمّا جاء الأجل أخذته بدراهمي، فقال : ليس عندي دراهم، ولكن عندي طعام اشتراه منّي، فقال : «لا تشتره منه فإنّه لا خير فيه».
وعمل بها الشيخ في
النهاية وكتابي الحديث،
مستدلاً بها فيهما على ما ذكره من
البطلان في الصورة المذكورة في العبارة خاصّة.
ولا دلالة لها عليه بالمرّة، كما لا دلالة لما استدلّ به في
الاستبصار بياناً لما اختاره من رواية أُخرى في المسألة، وفيها : أبيع الطعام من الرجل إلى أجل، فأجيء وقد تغيّر الطعام من سعره، فيقول : ليس لك عندي دراهم، قال : «خذ منه بسعر يومه»
الحديث.هذا مع ضعف سندهما، وقصورهما عن المكافأة لما مضى جدّاً، فليُحملا على الكراهة.وربما قيل بهما مخصّصين بموردهما من الطعام.
ولا وجه له، مع أنّه لا شاهد عليه.
(ولا يجب) على المشتري (دفع الثمن قبل حلوله وإن طلب) البائع إجماعاً؛ تمسّكاً بالأصل،
والتفاتاً إلى لزوم العمل بمقتضى الشرط. (و) منهما يظهر الوجه في أنّه (لو تبرّع) المشتري (بالدفع) حينئذٍ (لم يجب) على أن البائع (القبض) منه، مضافاً إلى
الإجماع عليه كالأوّل. وتخيّل الوجوب هنا بناءً على أنّ فائدة التأجيل الرخصة للمشتري بالتأخير لا عدم وجوب
الأخذ على البائع قبله بعد الدفع إليه ضعيف،
أوّلاً : بمنع استلزام
انحصار فائدته في ذلك بعد تسليمه وجوب الأخذ على البائع، مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النصّ والإجماع،
لاختصاصه بغير صورة الفرض.وثانياً : بمنع الانحصار؛ لجواز تعلّق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل، فإن الأغراض لا تنضبط.(و) أمّا (لو حلّ) الأجل أو كان الثمن غير مؤجّل مطلقاً، في الذمّة كان أو معيّناً (فدفع وجب) على البائع (القبض) إجماعاً.
(ولو امتنع البائع) منه في المقامين (فهلك من غير تفريط من الباذل) فيه (تلف من البائع) مطلقاً، وفاقاً للنهاية والمفيد والديلمي والقاضي وابن حمزة.
خلافاً للمبسوط والحلّي وجماعة،
فخصّوه بصورة عدم التمكّن من الحاكم ليدفع إليه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كلّياً إلاّ بقبضه أو قبض من بحكمه على محلّ الوفاق، والتفاتاً إلى
اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم، فلو قصّر كان كالمفرّط في المال من حيث تمكّنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه فيكون من ماله.
ولا يخلو عن قوّة، بل ادّعى عليه الشهرة بعض الأجلّة.
لكنّه غير ملازم لوجوب الدفع الى الحاكم بعد
امتناع البائع أوّل مرّة؛ لعدم الدليل عليه من إجماع أو رواية، لاختصاصه بصورة الدفع إلى المالك خاصّة. وحينئذٍ فله التصرّف فيه والتأخير بدفعه حيث يكون الثمن كليّاً إلى أن يطالبه المالك أو من يقوم مقامه به، إلاّ أنّ
الإيصال إليه مهما أمكن أحوط، مسارعةً إلى
إبراء الذمّة يقيناً، وتفصّياً عن فتوى جماعة.
(وكذا) الكلام فيما مرّ من الأحكام (في طرف البائع لو باع سلماً) فلا يجب عليه الدفع قبل الأجل ويجب بعده، وعلى المشتري قبوله، ومع عدمه فالتلف منه مطلقاً، أو على التفصيل المتقدّم، وكذا الحكم في كلّ حق واجب امتنع مستحقه عن قبضه.
واعلم أنّ البيع بالنسبة إلى
الخيار بالثمن وعدمه أربعة أقسام؛ لأنّه إمّا أن يخبر به، أولا، والثاني المساومة، والأوّل إما أن يبيع معه برأس المال، أو بزيادة عليه، أو بنقصان عنه، والأوّل التولية، والثاني المرابحة، والثالث المواضعة.
والدليل على جواز الجميع بعد الإجماع عليه كما حكاه بعض الأجلّة
عمومات الكتاب والسنة، وخصوص المعتبرة، ويستفاد منها أنّ الأوّل أفضلها،
ويساعده الاعتبار جدّاً. ويجب فيما عداه ذكر رأس المال من غير زيادة ولا نقيصة، وإلاّ كان خيانة وخديعة منهيّاً عنهما في الشريعة،والأجل وإن لم يكن جزءاً من الثمن لكنّه كالجزء،
لاختلاف الأغراض باختلافه في زيادة الثمن ونقصه.
(ومن ابتاع بأجل وباع مرابحةً) أو مواضعةً أو توليةً (فليُخْبِر المشتري بالأجل ولو لم يخبر به) صحّ البيع، بلا خلاف ظاهراً، وحكي في الخلاف والغنية
صريحاً؛ لعموم الكتاب والسنّة، وخصوص ما يأتي من المعتبرة.ولكن (كان للمشتري) الخيار بين (الردّ
والإمساك بالثمن حالاً) ولم يكن له من الأجل المذكور شيء أصلاً، وفاقاً للمبسوط والخلاف والسرائر والغنية،
وهو الأشهر بين الطائفة، سيّما متأخّريهم، بل ظاهرهم الاتّفاق عليه كافّة إلاّ مَن تأتي إليه
الإشارة .وكذا الحكم فيما لو ظهر كذبه في
الإخبار بقدر الثمن أو جنسه أو وصفه، أو غلطه فيه، ببيّنة أو
إقرار ؛ لغروره الموجب لخياره.
(و) لكن (في رواية) بل روايات معتبرة الأسانيد، عمل بها النهاية والقاضي وابن حمزة
أنّ (للمشتري من الأجل مثله) ففي الصحيح : في الرجل يشتري المتاع إلى أجل، فقال : «ليس له أن يبيع مرابحةً إلاّ إلى الأجل الذي اشتراه إليه، وإن باعه مرابحةً ولم يخبره كان للذي اشتراه مثل ذلك».
ونحوه خبران آخران، في سندهما جهالة، إلاّ أنّ في أحدهما صفوان
وفيه وفي الكافي بتفاوت.
وفي ثانيهما الحسن بن محبوب،
اللذين قد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة، فالقول بها مع صحّة أُولاها لا يخلو عن قوّة.
إلاّ أنّ في مقاومتها للقاعدة التي استند إليها الأوّلون من أنّه عقد على مبيع بثمن معلوم حالّ مقرون ذلك برضاهما فيكون صحيحاً فيملك البائع جملة الثمن بذلك،
وإخفاء الأجل لا يوجب أن يكون للمشتري مثله، غاية ما في الباب إيجابه الخيار، كالعيب إذا لم يعلم به نوع مناقشة، سيّما مع
اعتضاد القاعدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً من متأخّرين الطائفة، مع رجوع الشيخ عن العمل بهذه المعتبرة في النهاية في كتابيه المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة، ولعلّه لهذا توقّف شيخنا الشهيد رحمه الله في النكت،
وهو في محلّه.
وربّما فصّل بين البيع بشرط النقد والحلول فالأوّل، وعدمه بل يبيع بمثل ما ابتاعه فالثاني، وعليه حمل إطلاق الأخبار بل يحتمل البطلان لو قصد المشتري البيع بمثل ما ابتاعه من جميع الوجوه حتى في الحلول والتأجيل؛ لجهالة الثمن على هذا بناءً على أن الأجل له قسط من الثمن. ولذا يجب تعيينه في كل من بيعي النسيئة والسلف إجماعاً. والأجل هنا مجهول
الأصل والمقدار جدّاً (منه رحمه الله)..
ولا شاهد عليه، مع منافاته القاعدة المقرّرة من
اقتضاء العقد بمجرّده النقد والحلول الموجب عند القائل للمصير إلى الأوّل، ولعلّه لذا استشكله المفصّل بعد ذكره، وهو في محلّة.
وهنا (مسألتان :)
(الأُولى : إذا باع مرابحة فلينسب الربح إلى السلعة) وهو كما ذكره الأصحاب كأن يقول : بعتك هذه بكذا وربح كذا؛ لخلوّه عن شبهة الحرمة والكراهة فتوًى وروايةً.(و) لا كذلك (لو نسبه إلى المال) وهو كما قالوه كأن يقول : بعتك بمائة وربح المائة عشرة (فـ) إنّه فيه (قولان، أصحّهما) وأشهرهما بين المتأخّرين، بل لعلّه عليه عامّتهم الجوار مع (الكراهة) وفاقاً للمبسوط والخلاف والسرائر،
استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة عن اختلاف الفتوى والرواية، وفي الأوّل إلى
الأصل والعمومات المبيحة.مضافاً إلى خصوص المعتبرة، منها الصحيح : الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول : أبيعك بده دوازده، أو ده يازده، فقال : «لا بأس به، إنّما هذه المراوضة، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة».
وفي
الاستدلال به كما فعله الأكثر نظر؛ لذيله الآمر بجعل البيع جملة واحدة، الظاهر في أنّ المراد أن يقول : بعتك هذه السلعة بدوازده أو يازده بعين ما فعله مولانا
الباقر عليه السلام ، كما في الصحيح الآتي، المستدلّ به في كلامهم للقول الثاني. وليس في صدره ما ينافيه؛ لاحتمال توجّه نفي البأس إليه بشرط العمل بما في الذيل، أو إذا كان ذلك قبل
البيع .نعم، في الصحيح أو الموثق الصحيح : «إنّي أكره بيع عشرة أحد عشر وعشرة اثني عشر، ونحو ذلك من البيع، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة».
ونحوه الخبر : «أكره بيع ده يازده وده دوازده، ولكن أبيعك بكذا وكذا».
وليسا نصّاً في الجواز؛ لأعمّية الكراهة في زمان الصدور منها بالمعنى المصطلح ومن الحرمة، فلم يبق إلاّ الأصل والعمومات، وفيهما مناقشة بعد ما مرّ في الصحيحة الاولى من
الأمر بنسبة الربح إلى السلعة، والجمع بين الربح والثمن جملة. ولعلّه لهذا ذهب من القدماء إلى القول الثاني جماعة، كالنهاية والمفيد والقاضي والتقي والديلمي.
ويؤيّده الصحيح عن مولانا
الصادق عليه السلام ، قال : «قدم متاع لأبي من مصر فصنع طعاماً ودعا له التجار، فقالوا : نأخذه منك بده دوازده، فقال عليه السلام : وكم يكون ذلك؟ فقالوا : في كلّ عشرة آلاف ألفين، فقال : إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفاً».
وهو وإن لم يكن ظاهراً ظهوراً تامّاً إلاّ أنّ في عدو له عليه السلام عن إجراء الصيغة بنحو ما ذكروه إلى ما ذكره نوع
إيماء وإشارة إلى بأس فيما ذكروه، وهو كالكراهة في الخبرين المتقدمين وإن كان أعمّ من الحرمة إلاّ أنّ
الأمر بما فعله عليه السلام هنا في الصحيحة السابقة قرينة واضحة على الحرمة، وأخبارهم : بعضها يكشف عن بعض كما في الرواية.
إلاّ أنّ في تعيّن المصير إليها نوع مناقشة بعد اعتضاد الأصل والعمومات كتاباً وسنّة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع في الحقيقة، مع رجوع الشيخ القائل بالحرمة في النهاية إلى الكراهة في الكتابين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة، مع دعواه
الإجماع في الخلاف
على الكراهة.مضافاً إلى التأيّد بالخبرين المتضمّنين للكراهة المشعرين بها بالمعنى المصطلح من حيث بُعد
المسامحة في التعبير عن الحرمة بلفظ الكراهة.مضافاً إلى إشعار الصحيحة منهما بها من وجه آخر مستفاد من تتمة لها هي هذه : وقال لي : «أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم عليّ، فبعته مساومة». ولا ريب أنّ المنع أحوط، هذا.
وقد ذكر بعض الأجلّة أنّ الظاهر من المعتبرة هنا كراهة
المرابحة وأولوية المساومة، لا الكراهة في موضع المسألة.
وهو كذلك لولا المخالفة لفهم الطائفة، ولذا بعد الحكم بالكراهة في الصحيحة المتقدّمة، قال : «ولكن أبيعك كذا وكذا مساومة» فتأمّل.
(الثانية : من اشترى أمتعة صفقة) أي في عقد واحد، وسمّي بذلك
اعتباراً بما كانوا يصنعونه من وضع أحدهما يده في يد صاحبه حال البيع، أو أنه يصفق أحدهما على يد الآخر عند
انتهاء العقد (لم يجز بيع بعضها مرابحةً، سواء قوّمها أو بسط الثمن عليها وباع خيارها) بلا خلاف فيما إذا كانت متفاضلة.وكذا إذا كانت متساوية، على الأشهر الأقوى، بل عليه المتأخّرون كافّة؛ لأنّ المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد، وإن تقسّط الثمن عليها في بعض الموارد، كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقّاً.
ولإطلاق الصحيحين : في الرجل يشتري المتاع جميعاً ثم يقوّم كل ثوب بما يسوى حتى يقع رأس ماله يبيعه مرابحةً ثوباً ثوباً؟ قال : «لا، حتى يبيّن أنّه إنّما قوّمه».
خلافاً للإسكافي
فجوّزه حينئذٍ. وهو ضعيف.
(ولو أخبر بذلك) أي ببيعه الأوّل وتقويمه المبيع بما يقابله من الثمن (جاز) مطلقاً، بلا خلاف، و (لكن يخرج) بذلك (عن وضع المرابحة) لأنّها لا بدّ فيها من الإخبار برأس المال، وهو هنا غير حاصل؛ لأنّه لم يشتر تلك السلعة وحدها بشيء حتى يخبر به، إلاّ أنّ ظاهر الخبرين كونه مرابحة، ولعلّها مجرّد تسمية.
ومما ذكرنا يظهر الوجه في قوله : (ولو قوّم) التاجر (على الدلاّل متاعاً) بقيمة معينة (ولم يواجبه البيع) بإجزاء الصيغة (وجعل له الزائد) عنها (أو شاركه فيه، أو جعل لنفسه منه قسطاً) وشيئاً معيّناً (وللدلاّل الزائد) عليه (لم يجز) للدلاّل (بيع ذلك) المتاع (مرابحة) بلا خلاف؛ لأنّه كاذب في إخباره، إذ مجرّد التقويم لا يوجبه.وللخبر : عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق وقد قوّموا عليه قيمة، ويقولون : بع فما ازددت فلك، فقال : «لا بأس بذلك، ولكن لا يبيعه مرابحة».
(ويجوز لو أخبر بالصورة) إلاّ أنّه خارج عن وضع المرابحة (كما قلناه في الأوّل).(و) لو باع زائداً (يكون للدلاّل الأُجرة) أُجرة المثل؛ لأنّه عمل عملاً له اجرة عادةً، فإذا فات المشروط له شرعاً كما سيأتي رجع إليها.
(و) تكون (الفائدة) والزيادة المشترطة له (للتاجر) مطلقاً، على الأشهر، سيّما بين من تأخّر؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه، مع عدم ما يوجبه للدلاّل سوى الشرط السابق وليس بموجب (سواء كان التاجر دعاه) أوّلاً، كأن قال له : بع هذا بكذا ولك ما زاد (أو) كان (ابتدأه الدلاّل) فقال له : خبّرني بثمن هذا المتاع واربح عليّ فيه شيئاً لأبيعه، ففعل ذلك التاجر.(ومن الأصحاب) كالشيخين والقاضي والمختلف
(من فرّق) بين الصورتين، فوافق الأكثر في الثانية وخالفهم في الأُولى؛
استناداً إلى المعتبرة المستفيضة :
منها ـ زيادة على ما مرّ من الخبر الصحيح : في رجل قال لرجل : بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، فقال : «ليس به بأس»
ونحوه الآخر،
والموثق.
وقد حملها جملة من الأصحاب جمعاً بينها وبين القاعدة على صورة
الجعالة ، وردّوا ما يترتّب عليها من الجهالة بأنّ المنع عنها فيها إنّما هو
لأدائها إلى المنازعة، وهي هنا منتفية؛ إذ الواسطة إن زاد في الثمن مهما زاد كانت له الزيادة وإلاّ فلا شيء له بالمرّة؛ لأنّهما تراضيا على ذلك، بخلاف الجعالة المجهولة المؤدّية إلى المنازعة.
وفيه مناقشة؛ لمنع انحصار العلّة في المنع عنها في الجعالة فيما مرّ، فقد تكون شيئاً آخر كالغرر الممكن هنا، لجواز توهّم الدلاّل قدراً يزيد على ذلك ولم يحصل له، فيقع في الغرر المنهي عنه.والمسألة محلّ إشكال، فإنّ اطراح الأخبار الصحيحة من دون معارض صريح مشكل، ومخالفة القاعدة المعتضدة بالشهرة العظيمة أشكل. إلاّ أنّ في دلالتها نوع مناقشة؛ فإنّ غايتها نفي البأس مع المراضاة، ولعلّه لا كلام فيه، وإنّما الكلام في عدمها برجوع ربّ المال عمّا قال، ولا دلالة فيها على لزوم ما قال بحال.
رياض المسائل، ج۸، ص۳۲۷-۳۴۶.