بطلان الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في
بطلان الإحرام بمعنى عدم
انعقاده من أوّل
الأمر فيما إذا أخلّ بأحد الشروط المعتبرة في صحّته، كما إذا أحرم قبل
المواقيت بلا نذر أو أحرم بلا
تلبية أو غير ذلك، إلّا أنّه وقع البحث في بطلان الإحرام بعد انعقاده في بعض الموارد نشير إليها فيما يلي
اجمالًا.
لا
إشكال في عدم انعقاد الإحرام من المرتدّ كالكافر الأصلي؛
لاشتراط الإسلام في صحّة العبادات و
الإحرام منها، فإذا أحرم المرتد ثمّ أسلم استأنف الإحرام.
وأمّا إذا ارتد بعد الإحرام فهل يبطل إحرامه بذلك فإذا تاب ورجع إلى الإسلام يجب عليه
الاستيناف أو لا يبطل بل يحكم بصحة إحرامه السابق و
الاكتفاء به؟
المشهور عدم البطلان، وقيل بالبطلان بالارتداد ووجوب الاستئناف إذا تاب، ومنشأ ذلك
الاختلاف في حقيقة الإحرام، وأنّه هل يكون مثل
الصوم الذي يجب فيه نية الصوم استدامة، فإذا عدل عنه أثناء النهار بطل، فكذلك الإحرام يجب فيه
استمرار قصد الإحرام بشروطه والتي منها الإسلام، فإذا ارتفع لم يتحقق المأمور به أو أنّه حالة تتحقق حدوثاً بالقصد والتلبية ويبقى
أثرها كالطهارة من الحدث التي تتحقق باتمام أفعال الوضوء أو الغسل مع النية فلا يضرّ
الارتداد بعد ذلك، بل ولا في أثناء الأفعال إذا وقعت الأفعال مع الإسلام ولم تفت
الموالاة ؛ لأنّ المأمور به تحقق بشروطه.
وقد استند المشهور إلى
إطلاق الأدلّة البيانيّة للإحرام، وأنّه لا يستفاد منها أكثر من
نية الإحرام و
التلبية حدوثاً، كما أنّه إذا شكّ في ذلك كان مقتضى
الأصل كفاية ذلك وعدم وجوب
الاستدامة أو شرطيتها.
إذا أفسد
العمرة المفردة بالجماع قبل السعي فهل يبطل الإحرام ويحصل التحلّل للمحرم بذلك أو يبقى على إحرامه ويجب عليه
إتمام العمرة والتحلّل من الإحرام بذلك- وأمّا
إفساد الحجّ بالجماع قبل المزدلفة فلا إشكال في وجوب إتمامه حتى لو قيل بفساده على ما هو مقرّر في محلّه- لعل المعروف عدم وجوب الاتمام و
بطلان إحرامه.
وقال بعض بوجوب الإتمام فيتحلّل بذلك أو بأنّ العمرة الفاسدة قبل المواقيت بلا نذر أو أحرم بلا تلبية أو غير ذلك، إلّا أنّه وقع البحث في بطلان الإحرام بعد انعقاده في بعض الموارد نشير إليها فيما يلي اجمالًا:
وإن كان لا يجب إتمامها إلّا أنّ الإحرام يبقى على حاله ما لم يتحلّل
بالإتيان بعمرة مفردة.
وقد استدلّ القائلون بفساد الإحرام وحصول التحلّل منه بذلك أنّ الإحرام جزء من المركب
الارتباطي وهو العمرة أو الحجّ وببطلان المركب تبطل أجزائه أيضاً.
وقد يستدلّ لوجوب الإتمام وعدم التحلّل قبل ذلك باطلاق قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»
و باستصحاب بقاء وجوب الإتمام أو بقاء الإحرام وحرمة المحظورات ما لم يتحلّل.
وردّ، أمّا
الاستدلال بالآية فبأنّ موضوعها الحجّ والعمرة الصحيحان وإن شئت قلت: إنّ مفادها عدم جواز ترك أفعال الحجّ والعمرة ورفع اليد عنهما المستوجب للبطلان أو عدم تماميته، بحيث لو أتى بالباقي وقعا صحيحين تامين، فلا يشمل مورداً لا تتم فيه العمرة حتى إذا جيء بالباقي لفسادها بالجماع على كلّ حال، وهذا واضح.
وأمّا
الاستصحاب فلا مورد له؛ لأنّ فساد العمرة يكشف عن عدم وقوع ما تقدم من أجزائها مأموراً به من أوّل الأمر فلا حالة سابقة بعد الفساد لتستصحب، وهذا واضح أيضاً.
إذا أفسد حجّه بترك بعض أركانه أو واجباته بنحو يكون موجباً لبطلان الحج وعدم
إمكان تداركه، كما إذا ترك الوقوفين في الحجّ حتى
الاضطراري منهما فهل يحكم بفساد إحرامه أيضاً وحصول التحلل بذلك أم يبقى محرماً ويتحلّل منه بعمرة مفردة؟ اتضح حكمه مما سبق في الفرع السابق فإنّ الملاك في المسألتين واحد.
إذا أحرم من كان وظيفته التمتّع بحجّ
الإفراد أو بالعكس نسياناً أو جهلًا فهل يحكم ببطلان إحرامه أم يصح ويأتي بعده بالنسك؟
قال
السيد اليزدي قدس سره: «لو وجب عليه نوع من الحجّ فنوى غيره بطل».
وهو باطلاقه قد يشمل إحرامه أيضاً.
وهذا البحث لا بد من إيراده ضمن فرعين:
اولاهما: أن لا يكون ما نوى الإحرام له مأموراً به ومشروعاً منه أصلًا، كما إذا أحرم للحجّ في غير
أشهر الحجّ جهلًا أو نسياناً فأراد أن يجعلها
عمرة مفردة .
ثانيتهما: أن يكون ما نواه مأموراً به ومشروعاً في نفسه لكنه ليس هو الواجب على المكلف، كما إذا أحرم لحجّ الإفراد ووظيفته التمتّع أو بالعكس، فإنّ النوع الآخر من الحجّ أيضاً مشروع ومستحب في نفسه للمكلّف مهما كانت وظيفته.
أمّا الفرع الأوّل فالظاهر بطلان عمله؛ لعدم
الأمر به وعدم مشروعيته ووقوعه مجزياً عما هو المأمور به يحتاج إلى دليل.
وقد يقال: إنّ اشتباهه إذا كان في التطبيق لا بنحو التقييد فيصح إحرامه؛ لأنّه قاصد
امتثال الأمر الموجود على كلّ حال، غاية الأمر اشتبه وتصوّر أنّه أمر بالحجّ.
والجواب: أوّلًا: أنّ المقام ليس من موارد
الاشتباه في التطبيق؛ لأنّ قصد الامتثال إنّما يكون لما يعتقده لا للواقع الخارجي، والذي يعتقده إنّما هو الأمر بالحجّ لا العمرة.
وثانياً: الإشكال الأساسي هنا ليس من ناحية قصد التقرّب والامتثال، وإلّا لاكتفى بذلك لكفايته في القربية وعدم لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادات، وإنّما الإشكال من ناحية قصدية الحجّ والعمرة بأنواعها فلا يتحقق أي نوع منها إلّا بقصده، فإذا لم يقصد العمرة بالإحرام بل قصد إحرام الحجّ فلا يتحقق إحرام العمرة خارجاً؛ لأنّ التمايز بين الأنواع بعد
اشتراكها في الإحرام لا يكون إلّا بالقصد نظير
صلاة الظهر والعصر ، ومن هنا يكون مقتضى القاعدة البطلان.
نعم لو قلنا بأنّ الإحرام حقيقة واحدة في الحجّ والعمرة وليس متقوّماً بقصد نوع النسك الذي يريده- كالطهارة للصلوات وغيرها- صحّ إحرامه وأمكن إتيان النسك المأمور به بعده، إلّا أنّه لا دليل على ذلك، بل ظاهر الأدلّة خلافه، وأنّ الإحرام لكلّ نوع لا بدّ فيه من نية ذلك النوع.
وأمّا الفرع الثاني فالظاهر صحّة إحرامه ووقوعه عمّا نواه لكونه مأموراً به في نفسه، وكون الواجب عليه النوع الآخر لا يرفع الأمر به ولو بنحو الترتب- بناءً على ما هو الصحيح من إمكان الترتّب كما هو مقرر في
علم الأصول- وبهذا يظهر صحة إحرامه حتى إذا كان عن علم وعمد.
وعندئذٍ إذا كان يصح منه العدول في أعماله إلى ما هو وظيفته وجب عليه ذلك وصحّ عمله.
وإن لم يكن يصحّ منه العدول فإن لم يمكنه تجديد الإحرام والإتيان بما هو وظيفته وجب عليه إتمام ما نواه؛ لأنّه وقع صحيحاً ويجب إتمام الحجّ والعمرة كلّما وقعا صحيحين. وإن كان يمكنه رفع اليد عما نواه وتجديد الإحرام لما هو وظيفته، فإن قلنا بأنّ دليل وجوب الإتمام لا يشمل من يترك ما بدأ به ويبطله للإتيان بما هو وظيفته من النسك- كما لا يبعد- وجب عليه رفع اليد عن ذلك وتجديد الإحرام لما هو الواجب عليه، وإلّا وقع التزاحم بين وجوب إتمام ما بدأه ووجوب التجديد لما هو وظيفته، هذا إذا لم يمكن الجمع بينهما كما هو المفروض، ولا يبعد
أهمية التكليف بما هو وظيفته. وتفصيل ذلك في مصطلح (حجّ).
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۶۷۵-۶۷۹.