حصول التملك بإثبات اليد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يؤثِّر إثبات اليد على المال في حصول الملكية له إذا لم يكن متعلّقاً لحقّ الغير،إلّا أنّ هذا في المنقولات ويعبّر عنه بالحيازة، وأمّا غير المنقول من الأموال كالأراضي والمعادن والمياه الجوفيّة فلا تكون
الحيازة كافية للملك، بل لا بدّ فيها من
الإحياء أو التحجير، ثمّ هذا يكون في مواضع:
وهي ما أباح الشارع تملّكها لكلّ أحدٍ بإثبات اليد عليها وحيازتها أو بالإحياء والتحجير أو
بالاستخراج والحفر، قال
المحقّق الكركي : «إنّ مباح
الأصل لا ملك لأحدٍ فيه، فإثبات اليد عليه كافٍ في تملّكه، بخلاف المملوك إذا ابيح
بالإذن فيه فإنّ ذلك لا يخرجه عن الملك، ولا يزيل ملك المالك...».
وقال
المحقّق النراقي في التشبيه لما دلّ الدليل على ملكيّته بالأخذ والتصرّف وإثبات اليد عليه: «كما أنّه ثبت من الشارع تملّك كلّ شيء فيه
انتفاع من الأشياء المباحة التي يجوز لكلّ أحدٍ التصرّف فيها، وليس عليها يدٌ بالأخذ والتصرّف دلّ عليه
الإجماع والأخبار...وتملّك الطيور المباحة خاصّة بالأخذ...وكما في تحقّق السببيّة (أي للملك) بالإحياء في الأراضي الميتة، وبالإحراز في المياه المباحة،
وبالاسترقاق في الرقاب بشرائطه، وبالحيازة في المعادن، وبالغوص
والإخراج في بعض ما يخرج من البحر، وبالزراعة للنماء، إلى غير ذلك من الموارد المتكثّرة المتفرّقة في كتب الأحاديث
والفقه ...».
هذا، وقد اشترط مشهور الفقهاء قصد التملّك بالحيازة والإحياء، فمن دونه لا يحصل الملك عندهم.
وخالف بعضهم في ذلك.
لكنّ بعضاً آخر منهم نفى اشتراطه مطلقاً أو في بعض الحالات، قال
الشهيد الأوّل في شروط التملّك بالإحياء:«تاسعها: قصد التملّك، فلو فعل أسباب الملك بقصد غير التملّك فالظاهر أنّه لا يملك، وكذا لو خلا عن قصد.وكذا سائر المباحات
كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ، فلو اتبع ظبياً يمتحن قوّته فأثبت يده عليه لا بقصد التملّك لم يملك، وإن اكتفينا بإثبات اليد ملك.وربّما فرّق بين فعل لا تردّد فيه كبناء الجدران في القرية والتسقيف مع البناء في البيت، وبين فعل محتمل
كإصلاح الأرض للزراعة؛ فإنّه محتمل لغير ذلك كالنزول عليها
وإجراء الخيل فيها فتعتبر فيه النيّة، بخلاف غير المحتمل».
وقال
الإمام الخميني : «الظاهر أنّه يشترط في التملّك بالإحياء قصد التملّك كالتملّك بالحيازة مثل الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها، فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقياً لم يملكه، بل لم يكن له إلّا حقّ الأولوية ما دام مقيماً، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية وصارت مباحاً للجميع».
إذا أعرض صاحب المال عن ماله فعلى المشهور أنّه لا يخرج عن الملك ويصير على الإباحة المالكيّة، وقال بعض الفقهاء بخروجه بذلك عن ملكه، وعلى كلا القولين اتّفق الفقهاء بأنّه يجوز للغير بعد
إعراض صاحبه عنه أخذه، ولا ضمان عليه لو أتلفه، بل المشهور أنّ له أن يتملّكه
بإثبات يده عليه لكفاية ذلك في حصول التملّك إذا كان بقصد التملّك.قال
المحقّق الحلّي : «لو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه، فإن نوى إطلاقه وقطع نيّته عن ملكه هل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه لا؛ لأنّه لا يخرج عن ملكه بنيّة الإخراج.وقيل: يخرج كما لو وقع منه شيء حقير فأهمله؛ فإنّه يكون كالمبيح له، ولعلّ بين الحالين فرقاً»».
وعلّق عليه الشهيد الثاني: «إن قطع نيّته عن ملكه ففي خروجه عنه وجهان:
أحدهما:- وهو الذي اختاره المصنّف رحمه الله والأكثر- عدمه؛ لأنّ الملك وزواله يتوقّف على أسباب شرعية، فلا يحصل بمجرّد
الإرادة ، والإعراض عن الملك لم يثبت شرعاً أنّه من الأسباب الناقلة عنه.والقول بخروجه بذلك عن ملكه للشيخ في
المبسوط ... والأصحّ الأوّل...وعلى القول بعدمه هل يكون نيّة رفع ملكه عنه أو تصريحه
بإباحته موجباً لإباحة أخذ غيره له؟ وجهان:
أحدهما: العدم؛ لبقاء الملك المانع من تصرّف الغير فيه.
وأصحّهما: إباحته لغيره؛ لوجود المقتضي له وهو إذن المالك فيه، وهو كافٍ في إباحة ما يأذن في التصرّف فيه من أمواله، فلا ضمان على من أكله، ولكن يجوز للمالك الرجوع فيه ما دامت عينه موجودة كنثار العرس، وكما لو وقع منه شيء حقير ككسرة خبز فأهمله، فإنّه يكون مبيحاً له؛ لأنّ القرائن الظاهرة كافية في الإباحة، ويوضحه ما يؤثر عن الصالحين من التقاط السنابل لذلك.
وأمّا
الاستدلال بهذا على خروج الصيد عن ملكه مطلقاً فليس بجيّد؛ لأنّ
إهمال الحقير إنّما يفيد الإباحة كما يقتضيه كلام المصنّف وغيره، فكيف يجعل دليلًا على زوال الملك؟! بل ولو سلّم زوال الملك في هذا الشيء الحقير لا يلزم مثله في الصيد المتضمّن للمالية المعتدّ بها غالباً، وتحصيله مقصود للكثير والحقير، بخلاف ما يلقى من الحقير فلا يلزم من زوال الملك عنه زواله عن الخطير.وإلى هذا أشار المصنّف رحمه الله بقوله: ولعلّ بين الحالين فرقاً».
لكنّ فقهاء آخرين وإن التزموا ببقاء المال المعرض عنه على ملك صاحبه، ولم يجعلوا الإعراض عنه مخرجاً له عن الملكية إلى الإباحة المطلقة، لكنّهم التزموا بانتقال ملكه إلى الغير بإثبات يده عليه مع بقاء صاحبه على الإعراض عنه، فهم قائلون بأنّ إثبات اليد يكون سبباً للملكيّة في مباح الأصل والمملوك المعرض عنه، مضافاً إلى المباح بالإباحة المطلقة من المالك.
قال
السيّد محمّد بحر العلوم :«الإعراض بما هو إعراض حيثما يتحقّق ويوجد هل يكون سبباً لخروج المال عن ملك المعرِض؟ وبعبارة أخرى: هل يخرج المعرَض عنه بمجرّد الإعراض عن ملك المعرِض أم لا؟وعلى الثاني: فهل يملك بالقبض ووضع اليد عليه مع كونه معرضاً عنه أم لا؟وعلى الثاني: فهل يجوز للآخذ التصرّف فيه مطلقاً أم لا كذلك، أو يفصّل بين التصرّفات المتوقّفة على الملك
كالبيع ونحوه، وغير المتوقّفة عليه؟ احتمالات، بل لعلّها أقوال...الأظهر عندي عدم الخروج عن الملك بمجرّد الإعراض، ولكن يملك بالقبض ووضع اليد عليه بقصد التملّك.
أمّا الأوّل فلعدم الدليل على خروجه عن الملك بمجرّد الإعراض؛ إذ الخروج عنه كالدخول فيه متوقّف على سبب شرعي، ولم يقم دليل على سببيّة الإعراض له، مع أنّ مقتضى الأصل هو البقاء على الملكيّة.وأمّا الثاني- وهو التملّك بالقبض- فلصيرورة المعرَض عنه بالإعراض ورفع اليد عنه بحكم المباح، فيدخل تحت عموم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد» الحديث، وقوله عليه السلام: «لليد ما أخذت وللعين ما رأت» خرج عنه الملك الغير المعرَض عنه والمزاحم فيه المالك، فتأمّل. فيبقى الباقي تحت العموم، فاليد سبب للملك ما لم يسبق بيد وملكيّة مزاحمة، سواء كان المال الموضوعة عليه اليد من المباحات الأصلية أو ما هو بحكمها، مضافاً إلى صحيحة
عبد اللَّه بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من أصاب مالًا أو بعيراً في فلاة من الأرض، قد كلّت وقامت وسيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنّما هي مثل الشيء المباح».
وليس المماثلة في الخروج عن الملكية، بل مثله في التملّك بالقبض...وكيف كان، فالأظهر هو التملّك باليد مطلقاً، سواء كان الإعراض
اختيارياً أو قهريّاً كما في صورة اليأس، وفي المحقّرات وغيرها، والقول بها في خصوص الإعراض القهري، أو في المحقّرات بالخصوص تفصيل من غير دليل».
وفي مقابل القائلين بعدم إخراج الإعراض الملك عن ملك صاحبه ذهب بعض الفقهاء إلى خروجه عنه، قال الشهيد الثاني في تراب الصياغة: «ولو دلّت القرائن على إعراض مالكه عنه جاز للصائغ تملّكه كغيره من الأموال المعرض عنها».
وقال
المحقّق السبزواري : «تراب الصياغة إن علم بالقرائن المفيدة للعلم أنّ صاحبه أعرض عنه جاز للصائغ تملّكه كسائر الأموال المعرض عنها، خصوصاً إذا كانت ممّا يتسامح فيها عادةً».
وقال
المحقّق النجفي : «إنّ صحيح ابن سنان دالٌّ على كون الشيء بعد الإعراض عنه كالمباح الأصلي، وأظهر وجه الشبه فيه خروجه عن ملكه وتملّكه لمن يأخذه على وجهٍ لا سبيل له عليه، بناءً على أنّ المراد منه صيرورة البعير كالمباح
باعتبار إعراض صاحبه عنه فيكون حينئذٍ مثالًا لكلّ ما كان كذلك، بل لعلّ قوله عليه السلام: «إن أصاب مالًا» منزّل على ذلك؛ على معنى إن أصاب مالًا غير البعير، ولكن هو كالبعير في الإعراض، مؤيّداً ذلك بخبر السفينة
عن
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: «وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحقّ به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم». وعن
الشعيري قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضها بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها، فقال: «أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، اللَّه أخرجه، وأمّا ما اخرج بالغوص فهو لهم، وهم أحقّ به».
وقيّده آخرون بصورة اليأس عن المال، وخصّه بعضهم بالمأيوس عنه أو بما كان في مهلكة كما في البعير الذي تركه صاحبه عن جهد وكلال عرضة للموت، أو بما يحتاج
الاستيلاء عليه إلى جهد وتعب كالغارق في البحر أو ما حملته الأهوية والسيول من الحبّ، أو بالحقير الذي لا يعتنى به لحقارته كفُتات الخبز ونحوه، أو بما هو في حكم التالف كما تقدّمت
الإشارة إليه في بعض الكلمات المتقدّمة.
وقال
ابن إدريس في خبر السفينة المتقدّم: «وجه الفقه في هذا الحديث أنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه، وما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه؛ لأنّه صار بمنزلة المباح، ومثله من ترك بعيره من جهد في غير كلاء ولا ماء فهو لمن أخذه؛ لأنّه خلّاه آيساً منه ورفع يده عنه فصار مباحاً، وليس هذا قياساً؛ لأنّ مذهبنا ترك
القياس ، وإنّما هذا على جهة المثال، والمرجع فيه إلى الإجماع وتواتر النصوص دون القياس
والاجتهاد ، وعلى الخبرين إجماع أصحابنا منعقد».
وعلّق المحقّق النجفي عليه فقال: «لعلّ ذلك ( الإجماع)هو العمدة في تملّك المعرَض عنه، مضافاً إلى
السيرة في حطب المسافر ونحوه، وإلّا فمن المعلوم توقّف زوال الملك على سبب شرعي كتوقّف حصوله، ولا دليل على ارتفاع الملك عن صاحبه بالإعراض على وجه يتملّكه من أخذه كالمباح.
ومن هنا احتمل جماعة إباحة التصرّف في المال المعرَض عنه دون الملك، بل عن ثاني الشهيدين والمقداد الجزم بذلك.وعن بعض أنّه لا يزول الملك بالإعراض إلّا في الشيء اليسير كاللقمة، وفي التالف كمتاع البحر، وفي الذي يملك بغاية حصلت كحطب المسافر.وعن آخر اعتبار كون المعرَض عنه في مهلكة، ويحتاج الاستيلاء عليه إلى اجتهاد كغوص وتفتيش ونحوهما في حصول التملّك به.وربّما استظهر من عبارة ابن إدريس المتقدّمة اعتبار اليأس زيادةً على
الإعراض فيه أيضاً، إلى غير ذلك من كلماتهم... مع أنّ السيرة عليه في الجملة، وليس في النصوص- غير ما عرفت- تعرّض له.
فالأولى أن يقال: ما علم
إنشاء إباحة من المالك لكلّ من يريد أن يتملّكه كنثار العرس ونحوه يملكه الآخذ بالقبض أو بالتصرّف الناقل أو المتلف أو مطلق التصرّف على الوجوه أو الأقوال المذكورة في
المعاطاة بناءً على أنّها إباحة.وكذا ما جرت السيرة والطريقة على تملّكه ممّا قام شاهد الحال بالإعراض عنه كحطب المسافر ونحوه، أو ما كان كالمباحات الأصليّة
باندراس المالك كأحجار القرى الدارسة.
وأمّا المال الذي امتنع على صاحبه تحصيله بسبب من الأسباب كغرق أو حرق ونحوهما فيشكل تملّكه بالاستيلاء عليه، خصوصاً مع العلم بعدم إعراض صاحبه عنه على وجه يقتضي إنشاء إباحة منه لمن أراد تملّكه أو رفع يده عن ملكيّته، وإنّما هو للعجز عن تحصيله نحو المال الذي يأخذه قطّاع الطريق والظلمة ونحوهم.وأمّا تملّك بعض المال
بالالتقاط على التفصيل المذكور في كتاب اللقطة فهو قسم آخر خارج عمّا نحن فيه- أي التملّك مع العلم بصاحبه ووجوده- لصيرورة الشيء
بالامتناع في نفسه كسائر المباحات الأصليّة، واللَّه العالم».
المشهور بين فقهائنا ملكية الملتقط
اللقطة بإثبات يده عليها وقصده التملّك إذا كانت أقلّ من الدرهم ولم تكن في الحرم، قال
الصدوق : «وإن كانت دون درهم فهي لك».
وقال الشيخ الطوسي: «اللقطة على ضربين: ضرب منه يجوز أخذه، ولا يكون على من أخذه ضمانه ولا تعريفه وهو كلّ ما كان دون الدرهم...».
وقال المحقّق الحلّي: «اللقطة: كلّ مال ضائع أخذ ولا يد عليه، فما كان دون الدرهم جاز أخذه والانتفاع به بغير تعريف».
وقال العلّامة الحلّي: «الذي عليه علماؤنا أنّه ما نقص عن الدرهم فهذا لا يجب تعريفه، ويجوز تملّكه في الحال عند علمائنا أجمع، وما زاد على ذلك يجب تعريفه حولًا...».
وقال السيّد الطباطبائي: «إنّ ما كان منه ( المال) دون الدرهم يجوز التقاطه، وينتفع به من غير تعريف بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع عن التذكرة وفي التنقيح لكن فيما عدا لقطة الحرم، وهو الحجة، مضافاً إلى صريح الروايات».
وقال
الإمام الخميني : «اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها في الحال من دون تعريف وفحص عن مالكها».
وأمّا لقطة الحرم فبين الفقهاء خلاف فيها يأتي في (لقطة).
اتّفق فقهاؤنا على أنّ
استخراج الكنز وكشفه وإثبات اليد عليه إذا كان غير عائد لمحترم معيّن أو مجهول ولو بعلامة تدلّ عليه يوجب الملكية.قال الشيخ الطوسي: «إذا اشترى داراً فظهر فيها معدن كان للمشتري دون البائع، فأمّا إذا وجد فيها كنزاً مدفوناً فإن كان ذلك من دفن الجاهلية ملكه
بالإصابة والظهور عليه، وحكمه حكم الكنوز، وإن كان من دفن
الإسلام فهو لقطة...».
وقال المحقّق السبزواري: «اعلم أنّ الكنز إذا وجد في دار الحرب فقد قطع الأصحاب بأنّه لواجده بعد
الخمس سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، وهو متّجه؛ لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، والتصرّف في مال الغير إنّما يحرم إذا ثبت كونه ملكاً لمحترم ولم يثبت، ولم يتعلّق به نهي، فيكون باقياً على الإباحة الأصليّة.
وإن وجد في دار الإسلام في أرض مباحة بأن يكون في أرض موات أو خربة باد أهلها ولم يكن عليه أثر الإسلام فهو مثل الأوّل حكماً وحجّة.
ولو كان عليه سكّة الإسلام فاختلف فيه الأصحاب، فذهب جماعة منهم إلى أنّ حكمه كالسابق، وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنّه لقطة، واختاره أكثر المتأخّرين، والأوّل أقرب...».
وقال
السيد الخوئي : «إنّ الأقوى أنّ الكنز مطلقاً ملك لواجده سواءً أ كان عليه أثر الإسلام وكان في بلد الإسلام أم لا، كما لعلّه المشهور بين المتأخّرين».
وهل يشترط في تملّكه من قبل واجده قصد التملّك أم لا؟ لا يبعد اشتراطه عند الفقهاء وإن لم نجد من صرّح به. وتفصيله في مصطلح (كنز).
مال الكافر الحربي غير المستأمن والمهادن والمعاهد يملك بإثبات اليد عليه بأيّ نحو حصل، ولو بسرقة أو
انتهاب أو خديعة أو غصب أو
اغتنام في الحرب وغير ذلك؛ إذ لا
احترام لماله كما لا حرمة لنفسه، إلّا أنّه يكون في الغنيمة ملكاً مشاعاً بين الغانمين، وفي غيرها مختصّاً بمن أثبت يده عليه قاصداً التملّك، ويتعلّق الخمس بالجميع.قال العلّامة الحلّي: «إنّ ملك (الكافر) الحربي غير لازم، وماله غير معصوم، ولا يجب دفع ماله إليه، بل يجوز الاستيلاء عليه».
وقال الشهيد الثاني: «مال الحربيّ فيء للمسلمين في الأصل، فمن أخذ منه شيئاً من غير قتال فهو له وعليه الخمس؛ لأنّه غنيمة، وقد يعرض له التحريم بالهدنة
والأمان ولو من بعض المسلمين... فمن أخذ منه حينئذٍ لم يملكه، بل يجب ردّه عليهم، كما تحرم أموال أهل الذمّة بالتزامهم بأحكامها وتحلّ بدونه».
وقال المحقّق النجفي في نفي الربا بين المسلم والحربيّ: «إنّ المراد بنفي الربا بين المسلم والحربيّ يأخذ منه ولا يعطيه عدم حرمة ذلك على خصوص المسلم الذي له التوصّل بكلّ طريق إلى أخذ مال الحربيّ؛ لأنّه هو وماله فيء للمسلم فله السرقة ونحوها».
وفي قبال ذلك رأي لبعض الفقهاء بعدم سقوط حرمة مال
الكافر الحربي وإنّما لا حرمة لماله؛ بمعنى أنّ للحاكم ووليّ الأمر أن يصادره أو يبيحه لأحد.
قال
الإمام الخميني : «إنّه ليس للمملوك إلّا إضافة واحدة إلى مالكه، هي إضافة المملوكية، ولها أحكام عقلائية وشرعية واحترامات كذلك.ومع الغضّ عن تلك
الإضافة لا حرمة لها مطلقاً، ضماناً كانت أو غيره...وعدم الذهاب هدراً من آثار إضافة المال إليه ( المالك) ومن الأحكام العقلائية المترتّبة على إضافة المال إليه؛ أي على الإضافة المالكية... فإضافة المال إلى المسلم أو المال المضاف إليه موضوع تلك الآثار.وجواز الأكل في المخمصة بلا إذن صاحبه وقهراً عليه ليس من جهة سقوط احترام الإضافة إلى المسلم...وكذا الكلام في مال الكافر الحربي؛ فإنّه لم تسقط الإضافة المالكية عن الحربي، ولماله احترام في الجملة، وفي
إتلافه ضمان في الجملة.ومجرّد أنّ للمسلم جواز تملّكه، وأنّه ملك أن يملك لا يوجب
سقوط إضافته إليه وسقوط أحكام الإضافة واحترامها واحترامه مطلقاً.ولهذا يورث ماله ويضمن التالف الغير المسلم.بل لا يبعد القول بضمان المسلم لو أتلفه بلا تملّك وإن جاز تملّك عوضه أيضاً.ومجرّد ملك أن يملك لا يوجب جواز التصرّف بلا إذنه ما دام في ملكه، ولا سلب ضمانه إذا أتلفه، إلّا أن يقال بانصراف أدلّة الضمان عن مثل المورد، والمسألة محتاجة إلى المراجعة».
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۴۲۸-۴۳۸.