خيار الحيوان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثاني : خيار الحيوان، وهو ثلاثة أيّام) مطلقاً رقيقاً كان أو غيره.
مبدؤها من حين العقد (للمشتري خاصّة) دون البائع (على الأصح) الأشهر، بل في الغنية
الإجماع عليه،
وعليه عامة من تأخّر، وفاقاً للإسكافي
والصدوق والشيخين والديلمي والقاضي والحلي؛
اقتصاراً فيما خالف
الأصل وعمومات الكتاب والسنّة الدالّة على لزوم المعاملة
بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة على المجمع عليه بين الطائفة، وهو في المشتري خاصّة، كما حكاه جماعة.
والتفاتاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، وهي ما بين ظاهره في النفي عن البائع وصريحه، فمن الأوّل الصحاح وغيرها : «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري»
لظهور اللام في
الاختصاص ، مع كون مثل هذا المفهوم للقيد.ألا ترى إلى الصحيح : قلت له : ما الشرط في الحيوان؟ فقال : «ثلاثة أيّام للمشتري» قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا».
فإنّه كالنص في الاختصاص، وإلاّ لاتّجه للراوي سؤال الفرق بين الشرطين المخصّص كلّ منهما فيه بكلّ من الشقّين، وأخبارهم : يكشف بعضها عن بعض.
ونحو هذه النصوص في الظهور الصحيحان : «البيّعان بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان ثلاثة أيام»
وهما بحسب السياق ظاهران في حصر خيار الحيوان في أحدهما، وهو مخالف للإجماع إن أُريد به البائع، لعدم
الانحصار فيه، فتعيّن مَن هو الصاحب الآن أي بعد العقد وهو المشتري، مضافاً إلى تقييده به في الموثق كالصحيح : «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام».
وقريب منها في ذلك كثير من النصوص، منها الصحيح : على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟ قال : «على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري».
والمرسل كالصحيح : «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع»
بناءً على أنّ التلف إنّما هو ممّن لا خيار له، فتأمّل.
ومن الثاني : الصحيح المروي في
قرب الإسناد عن رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما؟ فقال : «الخيار لمن اشترى نظره ثلاثة أيام، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء».
خلافاً للمرتضى
خاصّة، فأثبته للبائع أيضاً؛ للصحيح : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في
الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا».
وهو لقصوره عدداً
واشتهاراً لا يقاوم ما مرّ جدّاً؛ لصحتها،
واستفاضتها ، ووضوح دلالتها ظهوراً في بعض وصراحةً في آخر، مع اشتهار العمل بها بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون العمل به الآن مجمعاً عليه بيننا، كما صرّح به جماعة من أصحابنا .والعجب منه رضی الله عنه الركون إلى العمل به مع أنّه من الآحاد الغير المعمول بها عنده، بل وعندنا أيضاً؛ لما مضى. فيحتمل ككلامه الحمل على أنّ الخيار للمشتري وعلى البائع، فهو بالنسبة إليهما مدّة ثلاثة أيّام، أو على أنّ الخيار للمجموع من حيث المجموع فلا يدلّ على ثبوته في الأفراد، أو على ما لو باع حيواناً بحيوان.وهذه الوجوه وإن بَعُدت، إلاّ أنّها للجمع بين النصوص والفتاوى قد حسنت.
وظاهر الوجه الأخير الموافقة للمرتضى فيما إذا كان كلّ من العوضين حيواناً، وبه صرّح جماعة ؛ جمعاً بين النصوص المختلفة، والتفاتاً إلى
اتّحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشتري خاصّة، وهو خفاء حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذا الخيار.وفيه
إشكال ، فإنّ الجمع على تقدير تكافؤ المتعارضين المفقود في البين لا حجّة فيه بمجرّده إن لم يقم شاهد منهما أو من الخارج على صحّته، كما فيما نحن فيه.
والحكمة مستنبطة، فيشكل التعلّق بها وإن حصل الظنّ القويّ غاية القوّة بصحّتها،
لإطلاق المنع عن العمل بها في شريعتنا. نعم، إذا كانت منصوصة أو معلومة علماً قطعيّاً لا يختلجه شائبة شكّ وريبة كانت حجة، وليست في المقام إحداهما بالضرورة.نعم، يمكن
الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحين المثبتين للخيار ثلاثة أيّام لصاحب الحيوان ، بناءً على أنّ المراد به من انتقل إليه لا صاحبه الأصلي، فيشمل المقام وعكس الأوّل كما إذا باع الدراهم مثلاً بالحيوان. وهو غير بعيد، إلاّ أنّ تقييده بالمشتري في الموثّق المتقدّم كإطلاق النصوص باختصاص الخيار بالمشتري له يوهن الإطلاق.
والذبّ عنه
باحتمال ورود القيد والإطلاق مورد الغالب مشترك الورود، فإنّ الغالب في صاحب الحيوان هو المشتري له خاصّة، إلاّ أن عمومه اللغوي من حيث
الإضافة مع عدم سبق معهود مع
اعتضاده بالحكمة العامة المشار إليها ينافي الحمل على الغالب، فلا يخلو القول بذلك عن قوّة، وإن كان بعدُ في قالب الشبهة من حيث
إمكان دعوى سبق المعهود الخارجي وهو الغالب، فلا يفيد الإضافة العموم اللغوي، مع اختصاصه بإضافة المصدر لا مطلق المضاف.والحكمة يرد على التمسك بها
الإيراد الماضي وللحلبي وابن زهرة العلوي
في المدّة : فجعلاها في الأمة مدّة
استبرائها دون الثلاثة، مدّعياً الثاني عليه إجماع الطائفة.
وهو مع عدم وضوح مستنده عدا
الإجماع المزبور الموهون بمصير الأكثر إلى خلافه يدفعه إطلاق النصوص، بل عموم بعضها المتضمّن للفظ الكل،
وخصوص الصحيح المتقدّم عن قرب الإسناد ، وقريب منه الصحيح الآخر : «عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيّام إن كان بها خَبل وأثبتناه من
الكافي والتهذيب. وفي النسخ والوسائل : الحبل. والخَبل : فساد الأعضاء والفالج.
أو برص أو نحو هذه»
الحديث، ونحوهما الصحيح الآتي : فتدبّر.وللطوسي
في مبدئها، فجعله من حين التفرّق، بناءً على حصول الملك به عنده. وظواهر النصوص بحكم التبادر والسياق في بعض تدفعه.
(ويسقط) هذا الخيار (لو شرط) البائع في العقد (سقوطه أو أسقطه المشتري بعد العقد) لما مضى (أو تصرف فيه المشتري) بعده (سواء كان تصرّفاً) ناقلاً مطلقاً (لازماً) كان (كالبيع) ونحوه (أو غير لازم،
كالوصيّة والهبة قبل القبض) أو غير ناقل ممّا يسمّى تصرّفاً وحدثاً عرفاً. والأصل في السقوط به وإن خالف الأصل الإجماع في الظاهر، والمحكي عن التذكرة،
والصحاح، منها : «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيّام فذلك رضاً منه ولا شرط له» قيل له : وما الحدث؟ قال : «أن لامس أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء»
ونحوه الصحيح المروي عن قرب الإسناد.
ولا
إجمال في الحدث بعد وضوح معناه بالرجوع إلى العرف، وهو عامّ لما مثّل به فيهما من اللمس والنظر وغيرهما، والظاهر كونهما بعنوان المَثَل لا
إرادة الحصر، لعدم تقييد اللفظ بخصوصيّة المحلّ، فيشمل الحدثين وغيرهما في الجارية وغيرها.مع
استفادة العموم في كلّ من الأمرين من الصحيح الثالث : في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ له أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقّع عليه السلام : «إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى».
وبما ذكرنا اندفع أوهام بعض
الأعلام في المقام.
نعم، الظاهر من الصحيح الأوّل المفرّع على الحكم بسقوط الخيار بالحدث قوله : «فذلك رضاً منه» الذي هو بمكان التعليل للحكم المفرّع عليه كون المناط في السقوط بالحدث حصول الرضا بسببه بلزوم العقد، فلو علم
انتفاءه وأنّ قصده بالحدث في المبيع اختياره أو غيره بقي خياره.ولعلّه إلى هذا نظر بعض المحققين في تقييد التصرّف المسقط بما إذا لم يكن
للاختبار ونحوه.
ويؤيّده
الأصل والإطلاقات، وبعض النصوص، كالخبرين،
أحدهما الصحيح : عن رجل اشترى شاة
فأمسكها ثلاثة أيّام ثم ردّها؟ قال : «إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء» فتأمّل.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۹۳-۳۰۰.