شروط أرض الفتح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يشترط في صيرورة هذه الأرض ملكاً للمسلمين ما يلي:
قد عرفت أنّ ما يكون ملكاً للمسلمين من
أرض الفتح هو خصوص ما كان عامراً بشرياً، أمّا ما كان مواتاً حين الفتح أو عامراً طبيعياً فملكيته إلى
الإمام عليه السلام (الدولة) على المشهور،
بل ادّعى عليه
الإجماع .
وهذا الشرط تارة يكون البحث فيه كبروياً، واخرى صغروياً. أمّا على المستوى الأوّل فقد استدلّ عليه- مضافاً إلى الشهرة والإجماع المنقول- بأمرين:
الأوّل: وهو يظهر من مجموع مقدّمتين:
الاولى: أنّ
الأرض الخراجية لا بدّ وأن تكون من الغنائم التي تؤخذ من الكفّار بالقتال، فيختص بما كان للكفّار ولا تعمّ ما لم يكن ملكاً لهم كالمغصوب والعارية من مسلم، فإنّه يرجع إلى مالكه، وكذلك ما يباح لهم التصرف فيه.
الثانية: قد ثبت بالدليل أنّ الموات للإمام عليه السلام بقول مطلق؛ لإطلاق الأخبار
الواردة في تفسير
الأنفال ، كقول
الإمام الكاظم عليه السلام : «... الأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب...»؛
فإنّ عنوان الأرض الميتة أو الخربة ونحوها يعمّ بإطلاقه الأرض الميتة التي هي في يد الكفّار. فيظهر من ضمّ إحدى المقدّمتين إلى الاخرى أنّ الأرض الموات غير داخلة في الغنائم، فلا تكون للمسلمين.
الأمر الثاني: أنّ الأراضي كلّها كانت بيد الكفّار وقد أخذها المسلمون بالحرب ونحوه، فلو لم تكن الموات من تلك الأراضي ملكاً للإمام لم يبق مورد للروايات الدالّة على أنّ موات الأرض للإمام،
فتكون روايات ملكية الإمام لموات الأراضي المفتوحة عنوة كالأخص من روايات أرض الخراج للمسلمين لو فرض وجود
إطلاق فيها لموات المفتوحة.
وأمّا على المستوى الثاني فقد ذكروا عدّة وجوه لاثبات كون الأرض مفتوحة عنوة وعامرة حال الفتح، مجملها الشياع، أو القرائن المفيدة للعلم، أو الظنّ المتاخم له كتقادم عهد البلد، و
اشتهار تقدّمها على الفتح، وضرب الخراج و
المقاسمة عليها، ونقل من يوثق به، كنقل المؤرّخين المشهورين بصحة النقل وغير ذلك؛ لأنّ ذلك من الموضوعات التي يكتفى فيها بالظنون،
وغير ذلك،
ومع الشكّ في ذلك فالأصل عدم الحياة حينه وإن كانت الآن محياة.
وذهب بعض الفقهاء إلى ثبوت الفتح عنوة والحياة حينه بالشياع الموجب للعلم، وشهادة العدلين، والشياع المفيد للظنّ المتاخم للعلم، وأمّا غير ذلك من الأمارات حتى قول من يوثق به من المؤرّخين فمحلّ إشكال، وكذا أخذ الخراج والمقاسمة، وحمل الفعل على الصحة في الجائر والمسلمين، وأنّه لو لم يكن كذلك لنقل وبان كلّ هذه الامور ممّا لا يمكن
الاستدلال به على كونها مفتوحة عنوة أو كونها محياة.
ثمّ انّ المشهور أنّ الأرض المحياة حال الفتح لو ماتت لا تخرج عن كونها ملكاً للمسلمين، ولا تصير من الأنفال يملكها المحيي بالإحياء- بناءً على حصول الملك به- لأنّ المالك لها معروف وهو المسلمون قاطبة،
وقد علّل باستصحاب الملك، وعموم النهي عن التصرف في ملك الغير بغير إذنه،
وغير ذلك.
وخالفهم في ذلك
السيد الخوئي متمسّكاً بعموم ما دلّ على أنّ كلّ أرض ميتة فهي للإمام، فإنّ ظاهره
اختصاص الإمام عليه السلام بجميع الأراضي الميتة وإن كانت محياة حال الفتح، ولا إطلاق في قباله يقتضي بقاء ملكيّتها حتى في حال الخراب.
و
استصحاب بقاء الملكية إذا شكّ فيها بعد خراب الأرض- إن كان جارياً في نفسه، بناءً على جريانه في الأحكام الكلّية والشبهات الحكمية- محكوم في المقام بإطلاق الأخبار الدالّة على أنّ كلّ أرض ميتة فهي للإمام عليه السلام.
ثمّ إنّه على تقدير
تسليم المعارضة بين عموم هذه الأخبار وإطلاق ما دلّ على ملكية هذه الأرض للمسلمين بحيث يشمل ما بعد الخراب، يقدّم ما كانت دلالته بالعموم على ما كانت دلالته بالإطلاق، كما بيّن في
علم الأصول .
وتفصيل ذلك كلّه في (إحياء الموات، أنفال).
المشهور بين الفقهاء،
وقد ادّعى
المحقّق النجفي في كتاب الخمس من الجواهر أنّه
المشهور بين الأصحاب نقلًا وتحصيلًا، ثمّ نقل عن بعض المصادر نسبته إلى الأصحاب، وعن اخرى: نفي الخلاف عنه، وعن ثالثة: دعوى الإجماع عليه.
بل في
مجمع الفائدة والبرهان كاد أن يكون إجماعاً،
اعتبار
إذن الإمام في صيرورة هذه الأرض ملكاً للمسلمين، وإلّا كانت للإمام عليه السلام، والدليل عليه مرسلة الورّاق عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»،
وضعف سندها منجبر بالشهرة،
بل قيل
باستقرار مذهب الأصحاب عليه،
وفي حاشية المكاسب للمحقّق الاصفهاني يمكن
استفادة ذلك من رواية الثمالي عن
أبي جعفر عليه السلام حيث ورد في آخرها: «... واللَّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه، فرجاً كان أو مالًا...»،
فإنّها منحصرة في المفتوحة عنوة، فإنّ غيرها إمّا ملك للإمام أو ملك لأربابها، سواءً كانت المقاتلة بإذنه عليه السلام أو لا، فما كانت من الأرض للإمام عليه السلام إذا فتحت بغير إذنه بل تولّاها غيره هي الأرض المفتوحة عنوة، وقد حكم عليه السلام بحرمة التصرف فيها إلّا على الشيعة، ولا موجب لتخصيصه بالخمس منها، وتحليل الخمس المشترك بينه وبين السادة، بل سائر أخبار التحليل المصرّحة فيها بتحليل الأرض تومئ إلى ذلك.
وفي
مصباح الفقيه : «قد يستدلّ له أيضاً بمفهوم القيد الوارد في صحيحة
معاوية بن وهب أو حسنته بإبراهيم بن هاشم، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليه السلام (عليهم) اخرج منها الخمس للَّه وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب»
».
لكن مع ذلك ذهب
الفاضل النراقي إلى عدم
اعتبار ذلك؛ لأنّ الإمام عليه السلام سار في الأراضي التي فتحت بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
سيرة المفتوحة عنوة، كما دلّ على ذلك صحيحة
محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «إنّ
أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق سيرة، فهي إمام لسائر الأرضين...»،
بضميمة ما دلّ على أنّ أرض السواد للمسلمين كصحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين»،
ورواية
أبي الربيع الشامي عنه عليه السلام أيضاً قال: «لا تشتر من
أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين».
ولا تعارض بين هذه الروايات وبين رواية الورّاق؛ لأنّ مدلول رواية الورّاق أنّ ما اغتنم بغير إذن الإمام كلّه للإمام، ومدلول هذه الروايات أنّ الإمام سار في الأرض التي بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم سيرة المفتوحة عنوة.
وعلى القول بالتعارض تكون هذه بملاحظة
أصالة عدم الإذن أخص مطلقاً من رواية الورّاق فتخصّصها قطعاً.
وبهذا يظهر وجه ما قاله الأكثر من كون أرض السواد مفتوحة عنوة، وأنّ هذا هو مرادهم، وليس مرادهم كونها مفتوحة بإذن الإمام، وإن ذكره بعضهم
نظراً إلى ما نقل من أنّ الحسنين عليهما السلام كانا مع العسكر، وأنّ عمّار بن ياسر كان أميراً، ومشاورة الخليفة الثاني للصحابة خصوصاً أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّ في ثبوت جميع ذلك، ثمّ ثبوت إذن الإمام في الجميع نظراً ظاهراً.
وكذا ظاهر
الشيخ الأنصاري وصريح السيد الخوئي عدم اعتبار الإذن، لكن لا لما ذكره الفاضل النراقي وإنّما لأنّ النسبة بين مرسلة الورّاق وبين الروايات الدالّة على تقيّد الأرض المعدودة من الأنفال بكونها ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب بحسب المفهوم، وما دلّ على أنّ الأرض التي فتحت بالسيف للمسلمين، هي العموم من وجه؛ لإطلاق المرسلة من حيث الأرض وغيرها، فهي أعمّ من حيث شمولها للمنقولات، وإطلاق ما يقابلها من حيث الإذن وعدمه فهي أعمّ من هذه الجهة، فتقع المعارضة بينهما في الأراضي التي اخذت بغير إذن الإمام، فتكون بمقتضى المرسلة ملكاً للإمام عليه السلام، وبمقتضى تلك الروايات ملكاً للمسلمين، وحيث إنّه لا مرجّح يحكم بالتساقط، ويرجع إلى عموم قوله تعالى: «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ»
من حيث إنّ خمسه للإمام عليه السلام والباقي لغيره، وليس خصوص المقاتلين نصّاً وإجماعاً، فيكون عموم المسلمين.
هذا من حيث
الشبهة الحكمية ، بمعنى أنّه هل يعتبر إذن الإمام عليه السلام في الفتح أم لا، وأمّا من حيث
الشبهة الموضوعيّة بمعنى أنّه على تقدير اعتبار إذن الإمام في ذلك ما الطريق إلى إثباته في الفتوحات الإسلامية الواقعة بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي أزمنة الخلفاء وولاة الجور من بني اميّة وبني العبّاس؟
ذكر السيد الخوئي أنّ مقتضى الأصل عدم كون الفتح بإذن الإمام عليه السلام، ولا يكون هذا مثبتاً، فإنّ الفتح محرز بالوجدان، وعدم كونه بإذن الإمام محرز بالأصل فيترتب
الأثر على الموضوع المركّب.
نعم، لو قلنا بأنّ الأثر- أعني كون المفتوح ملكاً للمسلمين- يترتّب على الفتح المستند إلى إذن الإمام عليه السلام كان الأصل مثبتاً، ونتمسّك مع ذلك بالعدم الأزلي، ونقول: إنّ الأصل عدم
الاستناد .
وقال في كتاب
محاضرات في الفقه الجعفري : «وأمّا الصغرى- وهي تعيين الأراضي التي فتحت بإذن الإمام عليه السلام- فإن ثبت بالعلم أو الشياع المفيد
للاطمئنان أو البيّنة أو شهادة العدل الواحد بناءً على اعتبارها في الموضوعات فيؤخذ به، وإلّا فالأصل عدم استناد الفتح إلى إذن الإمام عليه السلام لو اعتبرنا الاستناد فإنّه عدم أزلي، أو أنّ الأصل عدم تحقّق إذن الإمام. وحينئذٍ فلا بدّ من النظر فيما يقطع هذا الاستصحاب.
وعلى أيّ حال، ذكرت عدّة طرق لإثبات إذن الإمام، هي:
الأوّل: سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في أرض السواد من حيث جعلها للمسلمين وصرف حاصلها في مصالحهم العامّة، وقد ورد: أنّه سار في أرض
العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين.
إلّا أنّه نوقش في ذلك بأنّه من الواضح أنّ تغيير ما صنعه الخلفاء قبله عليه السلام لم يكن في وسعه ظاهراً، فيحتمل بناء هذه الأحكام في زمان قصور اليد على
الإغماض عن حقّهم فيما يرجع إليهم من حيث الولاية من باب
الإرفاق والتوسعة أو غير ذلك من الحكم، فلا يكشف ذلك حينئذٍ عن كون تلك الفتوحات بإذنه ورضاه.
الطريق الثاني: الأخبار الدالّة على أنّ
الخليفة الثاني كان يشاور الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عظائم الامور وغوامضها، وأنّه لم يكن يصدرها إلّا عن أمره ورأيه، ففي
الخصال عن أبي جعفر عليه السلام أنّه أتى يهودي أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة
النهروان فسأله عن المواطن الممتحن بها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها قال عليه السلام: «... وأمّا الرابعة يا أخا
اليهود فإنّ القائم بعد صاحبه (يعني عمر بعد أبي بكر) كان يشاورني في موارد الامور فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري...».
ومن الواضح أنّ الخروج إلى الكفّار ودعاءَهم إلى الإسلام من أعظم تلك الامور بل لا أعظم منه.
وهذه الرواية وإن كان في سندها جماعة تخرجها عن حدّ الاعتبار، إلّا أنّ اعتماد القمّيين عليها وروايتهم لها، مع ما عُرف من حالهم من أنّهم لا يخرّجون في كتبهم رواية في راويها ضعف إلّا بعد احتفافها بما يوجب
الاعتماد عليها، جابر لضعفها في الجملة.
لكن نوقش في ذلك:
أوّلًا: بضعف سند الرواية،
واعتماد القمّيين عليها وإثباتهم لها في كتبهم لا يوجب اعتبارها، وإن عُرف عنهم التحرّج في
إثبات الخبر الضعيف إذا لم يحتف بما يعضده؛ لأنّ الثابت عنهم
الاهتمام بالأخبار المتضمنة للأحكام الإلهية، وأمّا الحوادث التاريخية فلم يعرف ذلك عنهم، فالخبر الضعيف السند لا يمكننا الاعتماد عليه ما لم يحصل الوثوق به، ولم نحرز القرينة المساعدة على هذا الحديث.
وثانياً: بأنّ عمر كان مستقلّاً في رأيه ولم يشاور الإمام عليه السلام في الكثير من الامور المهمّة،
إلّا أشياء يضيق عليه المخرج منها فيلتجئ إلى الإمام عليه السلام باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وثالثاً: بأنّه على فرض الصحة في كلّ ذلك فإنّه إنّما يجدي في الأرض التي فتحت في عهد الخليفة الثاني، ولا يجدي في غيرها.
الطريق الثالث: ما هو المعروف من حضور أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الغزوات، وخروج بعض خواص
الأئمّة عليهم السلام مع الجيش كعمّار ودخوله في أمرهم، فيستفاد منه إذن الإمام عليه السلام في الجهاد.
ونوقش فيه بعدم ثبوت ذلك، وعدم معلومية الوجه في حضورهم، ولعلّه للتقية.
الطريق الرابع:
استكشاف رضا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام بشاهد الحال بالفتوحات الإسلامية لكونها موجبة لتأييد هذا الدين وقوّته وعظمته،
وقد روى
أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إنّ اللَّه تعالى ينصر هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم»،
ونوقش فيه بعدّة مناقشات:
الاولى: أنّه قد ورد عن الأئمّة عليهم السلام حرمة
الغزو إلّا مع إمام عادل، فكيف يمكن أن ينسب إليهم الرضا بهذا
الأمر غير المشروع عندهم؟ نعم، يمكن أن يكون الرضا منهم على نحو رضاه تعالى بتأييد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه، لكنّه سنخ رضا لا ينافي عدم الترخيص تكليفاً ووضعاً.
المناقشة الثانية: أنّ
الالتزام بكفاية مثل هذا الرضا يوجب لغويّة اشتراط ملكية الغنيمة للمسلمين بالرضا، وأنّه مع عدم الرضا تكون للإمام عليه السلام؛ وذلك لأنّ مثل هذا الرضا دائماً يكون موجوداً.
المناقشة الثالثة: أنّ دعوى استكشاف الإذن من شاهد الحال وإن كانت ممكنة في نفسها؛ إذ المناط في ذلك هو الكشف عن رضا المعصوم عليه السلام بأيّ طريق كان، ولا موضوعيّة للإذن الصريح، ولكنّها أخص من المدّعى، فإنّه ليس كلّ فتح مرضياً للأئمة حتى ما كان من الفتح موجباً لكسر
الإسلام وضعفه؛
إذ من المحتمل ترتّب مفسدة على غزوةٍ ما لا يعلمها إلّا الإمام
المعصوم كاندحار الجيش بنحو لا تتدارك مفسدته بمصلحة الفتح المتعقّب له، وعليه لا يمكن
إحراز كون جميع الفتوحات عن رضا الإمام عليه السلام. نعم، إذا علم في مورد خاص عدم ترتّب مفسدة على الفتح يستكشف رضاه عليه السلام، وأنّا لنا بإثباته.
ومع ذلك كلّه قد عوّل بعض الفقهاء المعاصرين على هذا الدليل في إثبات تحقّق رضا الأئمّة عليهم السلام في الفتوحات حيث قال: «إنّ طريق إحراز الإذن منحصر بالعلم برضائهم عليهم السلام بتوسعة ظاهر الإسلام لأرض المسلمين في مقابل الكفر وأرضهم، كما كان كذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوّل البعثة، بل في تمام زمان حياته صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ ظاهر الإسلام مطلوب في مقابل الكفر، ويمكن أن يربّى في ضمن تلك الصورة الظاهرة أشخاص ذوو حقيقة وواقعيّة.
وأمّا ما ورد من حرمة الجهاد إلّا مع الإمام العادل، فهو حكم واقعي صحيح لا ينافي مطلوبية صورة الإسلام وظاهره بحسب الظاهر.
وبالجملة: دعوى العلم بتحقّق الرضا من المعصوم صحيح بعد التأمّل فيما ورد من المطلقات المرغّبة إلى الإسلام والمجاملة مع فرقهم ومداراة الأئمّة عليهم السلام معهم، وبعد التأمّل في معاداة مطلق فرق الكفر مع المسلمين مطلقاً بلا فرق بين الفتوحات الحاصلة في زمان الخلفاء الراشدين وزمان غيرهم من بني اميّة وبني العبّاس».
الطريق الخامس: التمسك بأصالة الصحة، وهذا ما ذكره الشيخ الأنصاري من أنّه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد على الوجه الصحيح، وهو كونه بأمر الإمام.
ونوقش فيه:
أوّلًا: بتوقّف جريان هذه القاعدة بنحو يفيدنا في المقام على أن يكون للغزو قسمان: أحدهما صحيح، والآخر فاسد كالبيع، وما نحن فيه لم يكن من هذا القبيل، وإنّما الفتح له شقّان لكلّ منهما حكم يخصّه، فإنّ المفتوح إن كان بإذن الإمام عليه السلام فالأرض ملك للمسلمين، وإن لم يكن بإذنه فهي وغيرها من الغنائم ملك له خاصة، وعليه لا مجال لجريان
أصالة الصحة .
وثانياً: بأنّه لا معنى لحمل فعل السلطان أو الغزاة على الصحة من حيث استئذانهم من الإمام عليه السلام، فإنّ السلطان غاصب لمقامه بل من ألدّ أعدائه، والغزاة بعد أن تركوا نصرته وبايعوا عدوه لا معنى
لاستئذانهم منه، مضافاً إلى أنّ الجندي غالباً ليس له
الاختيار في ترك ما يأمره به رئيسه، فكيف يستطيع أن يستأذن من الإمام؟ فاستئذانهم منه مقطوع العدم، فأصالة الصحة غير جارية سواء اريد إجراؤها في فعل السلطان أو الغزاة.
هذا مضافاً إلى أنّه من المعلوم من أخبارهم عليهم السلام ونهيهم لشيعتهم عن الدخول في لوائهم عدم رضاهم بحروبهم، فكيف يحتمل صدور الفتوحات عن أمرهم ورضاهم
؟
ولعدم سلامة كلّ هذه الوجوه من المناقشة ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه لا بدّ من الرجوع إلى
الأصل العملي وهو استصحاب عدم تحقّق
الإذن من الإمام عليه السلام، فإنّ الفتح محرز بالوجدان وعدم إذن الإمام بالأصل، وبضمّ الوجدان إلى الأصل يترتّب عليه أنّها له عليه السلام، فلا يكون الأصل مثبتاً.
وبناءً عليه أيضاً ذهب آخر إلى أنّه بعد اعتبار إذن الإمام عليه السلام في صيرورة المفتوحة عنوة للمسلمين، لا مناص من التشبّث بأخبار التحليل عموماً وخصوصاً؛ إذ لا موجب لتخصيصها بخصوص الخمس.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۲۴۳-۲۵۳.