شروط الاستنجاء بالحجر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأمّا إذا كان
الاستنجاء بغير الماء فقد اشترط الفقهاء فيه عدّة صفات، وهي كالتالي:
لا يصحّ
الاستجمار بالنجس ولا المتنجّس
على المشهور بين الفقهاء،
بل قيل: إنّه لا خلاف فيه،
بل ادّعي عليه
الإجماع المستفيض، بل
المتواتر .
وظاهر كلامهم عدم كفاية الاستنجاء بالحجر النجس حتى مع عدم سراية النجاسة،
فلو
مسح بحجر طاهر أوّلًا ثمّ مكث حتى جفّ محلّه ثمّ مسح به لم يُجزئ في التطهير.
واستدلّوا له- مضافاً إلى
استصحاب النجاسة
- بعدّة أدلّة:
منها: الإجماع المتقدّم.ونوقش
باحتمال استناد المجمعين إلى بعض النصوص في المسألة، فيكون مدركيّاً غير كاشف عن رأي
المعصوم عليه السلام.
ومنها: صحيحة
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: «لا صلاة إلّابطهور، ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من
رسول اللَّه ، وأمّا البول فإنّه لابدّ من غسله».
فإنّ الطهور المذكور في الرواية أعم من
الطهارة الحدثيّة والخبثيّة، بقرينة ذكر الاستنجاء من الغائط والبول، فإذا كان الطهور شاملًا للاستنجاء بالأحجار فلابدّ أن تكون طاهرة؛ لأنّ الطهور عبارة عن الطاهر في نفسه المطهّر لغيره.
ومنها: أنّ اشتراط الطهارة في الأحجار هو مقتضى
الارتكاز المتشرّعي
القاضي بعدم قابليّة النجس والمتنجّس لتطهير موضع النجاسة، خصوصاً مع عدم معهوديّة مطهّر غير طاهر في الشريعة،
بل أنّ ذلك هو مقتضى القاعدة الارتكازية العقليّة القاضية بأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وهي موجبة
لانصراف إطلاقات الأدلّة إلى الأحجار الطاهرة.
ذكر بعضهم أنّ بكارة الحجارة من شروط ما يستنجى به، وقد وقع الكلام في المراد منها هل هي طهارة الأحجار وعدم تلوّثها بالنجاسة، أو عدم مسبوقيّة الأحجار
بالاستعمال حتى في فرض عدم تلوّثها بالنجاسة أو
غسل الموضع المتنجس أو كسره
؟اختار الأكثر الأوّل،
وظاهر جماعة الثاني.
واستدلّ الأكثر بأنّ المقصود بالبكارة عدم التلوّث بإطلاقات الأخبار
الدالّة على
الاجتزاء بالحجر؛ فإنّها مطلقة، وقد خرج من إطلاقها خصوص صورة تلوّث الحجر الذي يراد التطهير به لا أكثر، فيبقى الباقي تحت إطلاق أدلّة مطهّرية الاستنجاء بالحجر.
وقد يستدلّ عليه أيضاً بالأصل العملي،
وهو استصحاب جواز الاستنجاء بالحجر بعد استعماله. إلّاأنّه غير تامّ؛ إذ لو اريد به الجواز التكليفي فهو
أجنبي عن البحث، ولو اريد به الجواز الوضعي أي المطهّرية فهو من الاستصحاب التعليقي، والصحيح عدم جريانه.
واستدلّ للرأي الثاني بدليلين:
الأوّل: أنّه موافق
للأصل ؛
للشكّ في تحقّق الطهارة بالحجر المستعمل، فيجري استصحاب النجاسة.واورد عليه بأنّ الأصل مقطوع بإطلاقات الأخبار الدالّة على كفاية
إذهاب الغائط ونقاء المحلّ.
الدليل الثاني: قول
الإمام الصادق عليه السلام:«جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، ويتبع بالماء».
واورد عليه بضعف الرواية سنداً ودلالةً.
أمّا سنداً فلرفعها
وإرسالها ، مع عدم وجود شهرة تجبرها.
وأمّا دلالةً ففيها:
أوّلًا: عدم وضوح المقصود منها بدرجة يمكن
الاعتماد عليها
لإثبات حكم تعبّدي يستبعده الذهن في مقابل إطلاقات كثيرة وردت في مقام الحاجة.
وثانياً: أنّه على فرض التسليم بهذا التفسير فليس من الواضح أن يكون
الالتزام بالرواية واجباً؛ لمكان كلمة (السنّة) الواردة فيها التي هي أعمّ من الوجوب والاستحباب.
بل يظهر من بعضهم عدم دلالة الرواية إلّا على الاستحباب، بقرينة إتباع الأحجار بالماء الواردة فيها، فإنّ
الإتباع مستحبّ، فلابدّ أن تكون البكارة كذلك؛
لورودهما في الرواية بسياق واحد. وثالثاً: أنّه ليس من المستبعد تفسير البكارة في الرواية بعدم تلوّث الأحجار بالنجاسة حين الاستعمال؛ لانصراف اللفظ إليه،
فلا تزول البكارة بمجرّد الاستعمال.
ولابدّ من التنبيه هنا على عدّة مسائل:
الاولى: أنّه لا فرق في زوال البكارة- بمعنى تلوّث الحجر بالغائط- بين النجاسة الحاصلة من الاستنجاء أو نجاسة اخرى، وهو ممّا لا خلاف فيه على الظاهر،
فالمهمّ هو عدم التلوّث بالنجاسة.
الثانية: لا يبعد عدم الفرق في الحجر المستعمل بين كونه مستعملًا في الاستنجاء أو في تطهير القدم والنعل ونحوهما وإن لم يتنجس، كما إذا كان مستعملًا في
إزالة النجاسة الحكمية؛ لصدق اسم المستعمل عليه.إلّاأنّ الظاهر
اقتصارهم في زوال البكارة على استعمال الحجر في الطهارة الخبثيّة دون الحدثيّة، فلا تزول بكارة الحجر بالتيمّم
للوضوء مثلًا.
الثالثة: أنّه يجوز- بناءً على التفسير الأوّل للبكارة- استنجاء شخص بالأحجار التي تطهّر بها غيره بعد
نقاء المحل،
بل يجوز للشخص نفسه التطهّر بها في استنجاء آخر؛
إذ لا يبعد
انسباق ذلك إلى الذهن من الرواية نفسها، فتكون الرواية ناظرة إلى اشتراط
استقلال كلّ حجر من الأحجار الثلاثة، وعدم كفاية ذي الجهات الثلاث.
نعم، لا يجوز ذلك بناءً على التفسير الثاني حتى مع عدم تلوّثها بالنجاسة؛ لأنّ ذلك هو مقتضى تفسير البكارة بعدم الاستعمال.
يشترط فيما يستنجى به، القالعية وإزالة النجاسة
إجماعاً؛
لأنّ الغاية من الاستنجاء إزالة العين
وتحقّق النقاء،
وهو لا يحصل بدون ذلك.
ولا يكون الجسم قالعاً إلّاإذا اتّصف بالصفات التالية:
فلا يكفي الاستنجاء بما يزلق عن النجاسة، كالحديد الصقيل، والبلور
والزجاج الأملس،
والقصب ، وغيرها.
نعم، يعتبر في الخشونة أن لا تكون بحدّ لا يمكن
الضغط بها على المحلّ
كالسكّين الحادّة.
فلا يجزي الرخو كالفحم
واللحم
والجسم الهشّ؛
لعدم حصول المقصود منه وهو إزالة النجاسة،
وكذا لا يجزي ما يتناثر كالتراب؛
لأنّه يلصق بعض أجزائه في المحلّ،
فيصير المحلّ نجساً بنجاسة أجنبيّة.
لأنّ اللزج لا يقلع النجاسة.
وعلى أيّة حالٍ، لا ريب في عدم إجزاء الاستنجاء بهذه الامور مع عدم القلع للنجاسة.
وأمّا لو اتّفق القلع ففي إجزائه قولان:
أحدهما: الإجزاء، كما ذهب إليه بعضهم،
واستحسنه في
الذخيرة ،
واستظهره في
الحدائق ،
واحتمله في
الروض ؛
للإطلاق،
ولحصول الغرض،
وصدق
الامتثال ، بناءً على ثبوت دعوى (كفاية الاستنجاء بكلّ جسم قالع).
وثانيهما: عدم الإجزاء، كما اختاره
العلّامة في
النهاية ،
ونسبه في الحدائق إلى جمع،
وحكاه
المحقّق النراقي عن الأكثر؛
ولكن لم نعثر على من صرّح بعدم الإجزاء إلّاالعلّامة في النهاية، ولعلّ المراد من (الأكثر) كلّ من قال: (بعدم كفاية الاستنجاء بما يزلق ويلزج)، فإنّ ظاهره عدم جواز الاستنجاء به وإن قلع. وكأنّه لكونه من الأفراد النادرة التي لا تشملها الإطلاقات.
وفيه: منع واضح كما قيل؛
لعدم الفرق في شمول الإطلاق بين الفرد النادر وغيره.على أنّه قد يقال بظهور الروايات في
إرادة القالعيّة للنجاسة بالاستنجاء عرفاً وبحسب المناسبات.وحينئذٍ لا ينبغي
الإشكال في الاجتزاء بإمراره لو نقي المحلّ بدونه.
وما قيل من اشتراط
القابليّة للقلع وإن لم تكن نجاسته بالفعل، لا دليل يقتضيه، بل الدليل على خلافه.
اختلف الفقهاء في
اعتبار الجفاف أو عدم الرطوبةعلى اختلاف تعبيرهم، حيث عبّر بعضهم بالجفاف مثل العلّامة في المنتهى والشهيد الثاني في الروض، وعبّر آخرون بعدم الرطوبة مثل
السيد اليزدي في العروة
والإمام الخميني في
التحرير. في الأجسام حين الاستنجاء على قولين:
الأوّل: الاعتبار، وهو الذي صرّح به جماعة،
نسبه في المستند إلى والده.
بل نسبه في الحدائق إلى الأكثر،
حيث استدلّوا له بعدّة أدلّة:
منها: أنّ تنشيف النجاسة لا يتحقّق إلّا بما هو جافّ.
واورد عليه بأنّه لا يصحّ اعتبار البلل مانعاً من التطهير بغير الماء؛ لأنّه كالبلل الحاصل من التطهير بالماء، فكما لا يضرّ هناك لا يضرّ هنا.
ومنها: أنّ الحجر المرطوب ينجس
بإصابة المحلّ، فتنتقل نجاسته إلى المحلّ الذي ترد عليه- بسبب ذلك- نجاسة اخرى تمنع
الاستنجاء بالأحجار؛ لأنّ التطهير بها مشروط بعدم ورود نجاسة اخرى إلى محلّ الغائط، وإلّا تعيّن الماء.
وأجيب عنه بأنّ وصول نجاسة إلى المحلّ إنّما يضرّ إذا كان ما يستنجى به متنجّساً بنجاسة أجنبية قبل الاستنجاء،
فلا تضرّ النجاسة إذا كان مصدرها المحلّ نفسه، وإلّا لما حصل التطهير حتى بالماء القليل، والبلل العالق بالأحجار مثله أيضاً.
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ المقصود من الجفاف عند من اعتبره لا يعني اليبوسة، بل يكفي عدم وجود بلل يوجب
سراية النجاسة، فلا تضرّ النداوة غير السارية.
القول الثاني: عدم الاعتبار، وهو مختارجماعة،
مستدلّين له بعدم نهوض الأدلّة المتقدّمة،
وبعموم الأخبار
أو إطلاقها.
وتردّد العلّامة في ذلك،
واحتاط فيه آخرون،
رغم تأكيد بعضهم على عدم
مساعدة الأدلّة عليه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۳۰۶-۳۱۳.