آيات السجدة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي آيات مخصوصة في
القرآن الكريم ، واطلقت على السور المتضمّنة لآيات السجدة الواجبة
العزائم ولكن ورد في بعض الروايات
إطلاق العزائم على
آيات السجدة الواجبة، ويجب السجود عند قراءة و
استماع هذه الآيات، ويحرم قراءتها على الجنب والحائض والنفساء، بل ذهب بعضهم إلى حرمة قراءة سور العزائم، بل أبعاضها، بل
البسملة أو بعضها بقصد إحداها.
المراد بها آيات مخصوصة في
القرآن الكريم ، أمر الشارع بالسجود عندها وجوباً أو استحباباً، ومجموعها خمس عشرة آية
: ثلاث في المفصّل، والمفصّل: هو مصطلح مشهور في علوم القرآن يطلق على بعض السور القرآنيّة، حيث إنّها قسّمت إلى أربعة أقسام وجعل لكلّ قسم منه اسماً، وهي:
الطوال و
المئون والمثاني والمفصّل، فالطوال أوّلها البقرة وآخرها الأعراف ثمّ براءة، والمئون ما ولي الطوال، سمّيت بذلك؛ لأنّ كلّ سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها، و
المثاني ما ولي المئين، و
المفصّل ما ولي المثاني من قصار السور، سمّي بذلك؛ لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة، واختلف في أوّل المفصّل على أقوال، أحدها: أنّ أوّله سورة «ق».
وقد نسب هذا التقسيم الرباعي إلى
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد أخرج أحمد وغيره من حديث
واثلة بن الأسقع أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اعطيت مكان التوراة السبع الطوال، واعطيت مكان الزبور المئين واعطيت مكان الانجيل المثاني، وفُضّلت بالمفصَّل».
وهي في: النجم و
الانشقاق و العلق . واثنتا عشرة في باقي القرآن، وهي في: الأعراف و الرعد و النحل و
الإسراء و مريم و الحجّ في موضعين و الفرقان و النمل و فصّلت و ص و السجدة .
وقد استدلّوا على ذلك بالإجماع وبالنصوص الكثيرة، ومنها النبوي، إنّه صلى الله عليه وآله وسلم أقرأنا خمس عشرة سجدة: ثلاث في المفصّل وسجدتان في الحجّ.
اطلقت
العزائم على السور المتضمّنة لآيات السجدة الواجبة، كما يظهر من بعضهم، قال
السيّد بحر العلوم :
وتحرم العزائم المفصّلة كلّاً وبعضاً منه حتّى البسملة بل صرّح بعضهم بذلك،
قال في
مفتاح الكرامة : «لا ينبغي التأمّل في أنّ المُطلق أراد السور؛ لتصريح الجمّ الغفير بذلك، ولنقل
الإجماع على خصوص السور».
وقال في
الجواهر : «لا ريب أنّ الذي يظهر للمتأمّل من كلمات الأصحاب أنّ مراد الجميع إنّما هو السور، لا نفس
الآيات »،
وفي
الكفاية كما نقل جماعة الإجماع على السور.
لكن ورد في بعض الروايات
إطلاق العزائم على آيات السجدة الواجبة، ففي رواية
عليّ بن جعفر ، عن
أخيه عليه السلام قال: وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة؟ فقال: «يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع...».
وهي السجدة التي يكون سببها- وجوباً أو ندباً- تلاوة آيات السجدة الخمس عشرة.
ورد التعبير بذلك عند بعض كالشيخ الطوسي،
والمراد بها آيات السجدة المستحبّة.
تعرّض الفقهاء إلى أحكام آيات السجدة في باب الطهارة في بحث أحكام الجنب، وباب الصلاة في آخر بحث السجود تحت عنوان
سجود التلاوة ، وسنذكر أوّلًا آيات السجدة المستحبّة، ثمّ الواجبة، وأحكامهما بصورة
إجمالية ، تاركين التفصيل إلى محالّه:(اما الاقسام):
وعددها إحدى عشرة آية:
۱- قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ».
۲- قوله تعالى: «وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ
الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ».
۳- قوله تعالى: «وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِكَةُ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ».
۴- قوله تعالى: «وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً».
۵- قوله تعالى: «... إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا».
۶- قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ».
۷- قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».
۸- قوله تعالى: «وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً».
۹- قوله تعالى: «أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ».
۱۰- قوله تعالى: «وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ».
۱۱- قوله تعالى: «وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ».
وقد ذكر الفقهاء أنّه يستحبّ السجود عند قراءة هذه الآيات، وعند استماعها، وعند سماعها،
بلا خلاف كما في الجواهر،
بل ادّعي عليه الإجماع،
وإليه استندوا في هذا الحكم.
قال في
المدارك : «لم نقف على نصّ يعتدّ به على
استحباب السجود في الإحدى عشر وإن كان مقطوعاً به في كلام الأصحاب، مدّعى عليه الإجماع...».
وصرّح بعض باستحباب السجود في كلّ آية اشتملت على
الأمر به،
كقوله تعالى: «وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا».
وقال العلّامة بحر العلوم
:
وندبُه في كلّ آية بها ذكر السجود قد أتى مشتبها أي أنّ الأخبار الواردة مشتبهة بين
إرادة مطلق الآيات المشتملة على الأمر بالسجود وبين إرادة خصوص آيات السجدة المعهودة.
وهي أربع آيات معيّنة، وردت في سور العزائم الأربع:
۱- قوله تعالى: «إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ».
۲- قوله تعالى: «وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ».
۳- قوله تعالى: «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا».
۴- قوله تعالى: «كَلَّا لا تُطِعْهُ وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ».
وأمّا ما يتعلّق بها من الأحكام فهو ملخّصاً:
حرمة قراءتها على
الجنب و
الحائض و
النفساء ، بل ذهب بعضهم إلى حرمة قراءة سور العزائم، بل أبعاضها، بل
البسملة أو بعضها بقصد إحداها.
يجب السجود عند قراءة و
استماع هذه الآيات، ويدلّ عليه:
۱- الإجماع المحقّق والمحكي مستفيضاً أو متواتراً
إن لم يكن من ضروريات المذهب.
۲- الأخبار المستفيضة أو المتواترة، منها: رواية
أبي بصير عن
أبي عبد اللّه عليه السلام : «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت
المرأة لا تصلّي».
وموثّقة
سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قرأت السجدة فاسجد».
هذا للقارئ المستمع، وأمّا السامع غير المستمع ففيه أقوال ثلاثة: عدم الوجوب مطلقاً وصرّح بعضهم بالاستحباب،
والوجوب مطلقاً،
والتفصيل بين كونه في الصلاة فيستحبّ وفي غيرها فيجب.
نصّ الأصحاب على أنّ موضع السجود هو آخر الآية.
وخالف في
المعتبر فجعله في سورة السجدة عند قوله: «وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ». وعن بعض العامّة بعد قوله: «لا يَسْأَمُونَ»
في الآية التي تليها.
وجوب السجدة فوريّ إجماعاً،
فلا يجوز التأخير، نعم لو نسيها يأتي بها إذا تذكّر، بل وكذلك لو تركها عصياناً.
هل للسجود زمان خاص؟ يجوز السجود للعزائم متى تحقّق الشرط مطلقاً حتى لو كان في وقت أو مكان يكره فيه
ابتداء النافلة.
وكذا سجود
النافلة ، إلّا أنّ الشيخ قال في
المبسوط : «يكره السجود المستحبّ عند طلوع الشمس وغروبها».
يتكرّر السجود بتكرّر السبب، كتكرّر القراءة أو السماع أو
الاختلاف . وذهب بعض إلى التفصيل بين تخلّل السجود فلا بدّ من التكرار، وبين عدم تخلّل السجود فتكفي سجدة واحدة للجميع.
وهناك مَن فصّل بين
اتّحاد المجلس وتعدّده.
قال العلّامة: «لو قرأ السجدة ماشياً سجد، فإن لم يتمكّن أومأ... وإن كان راكباً سجد على راحلته إن تمكّن وإلّا نزل، وفعله
عليّ عليه السلام ... ولا نعلم فيه خلافاً»،
وتردّد فيه بعض.
يشترط في هذا السجود جملة امور منها:
۱- النيّة.
۲-
إباحة المكان.
۳- عدم علوّ المسجد بما يزيد على أربعة أصابع. واحتاط بعضٌ في ذلك.
۴- وضع المسجد على ما يصحّ السجود عليه. وبعضهم احتاط وجوباً.
ويفترق هذا السجود عن سجود الصلاة من حيث الشرائط في عدّة جهات:
۱- عدم اعتبار
الاستقبال .
۲- عدم
اعتبار الطهارة من الحدث ولا من الخبث، فتسجد الحائض وجوباً عند سببه وندباً عند سبب الندب، وكذا الجنب.
۳- عدم اعتبار طهارة موضع الجبهة.
۴- عدم اعتبار ستر العورة فضلًا عن صفات الساتر من الطهارة، وعدم كونه حريراً أو ذهباً أو جلد ميتة.
يكفي فيه مجرّد السجود، فلا يجب فيه
تكبيرة الافتتاح ، ولا يجب فيه الذكر، ولا
التشهّد ، ولا
التسليم . ويستحبّ التكبير للرفع منه.
ويستحبّ فيه الذكر، ويكفي في وظيفة الاستحباب كلّ ما كان. والأولى أن يقول: «سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّاً، لا مستكبراً عن عبادتك ولا مستنكفاً ولا مستعظماً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير».
أو يقول: «لا إله إلّا اللَّه حقّاً حقّاً، لا إله إلّا اللَّه إيماناً وتصديقاً، لا إله إلّا اللَّهُ عبوديّة ورقّاً، سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّاً، لا مستنكفاً ولا مستكبراً، بل أنا عبد ذليل ضعيف خائف مستجير».
أو يقول: «إلهي آمنّا بما كفروا، وعرفنا منك ما أنكروا، وأجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو».
أو يقول ما قاله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سجود سورة العلق، وهو: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك عن عقوبتك، أعوذ بك منك، لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
إذا أخلّ المكلّف بالسجدة الواجبة فيجب عليه أن يأتي بها قضاءً،
وعند جماعة
أداءً .
وأمّا سجدة النافلة فيجوز قضاؤها.
قيل: يكره
اختصار السجود، وهو أن ينتزع
آيات السجدة فيتلوها ويسجد فيها.
وقيل: أن يسقطها من قراءته. وقال في
التذكرة : أنّ التفسير الأخير أولى.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۵۷- ۶۳.