أحكام الاستيلاد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويشترط مع ذلك الحكم بحريّة
الولد ، فلا يحصل بوطء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه، فلو عجز استرقّ المولى الجميع.نعم، لو عتق صارت أُمّ ولد، وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه؛ لتشبثها بالحرّية.
ولا بوطء العبد أمته التي ملّكه إيّاها مولاه، لو قلنا بملكه (وهي مملوكة) للأصل السالم عن المعارض، فيجوز
استخدامها ، ووطؤها بالملك، وتزويجها ولو بغير رضاها،
وإجارتها ، وعتقها، بلا خلاف، ويستفاد من النصوص.
(لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان ديناً على المولى، ولا جهة) له (لقضائه غيرها) ميتاً كان مولاها أم حيّاً، بلا خلاف في كلّ من المنع والجواز إلاّ من المرتضى
في الأخير، فمنعه على
الإطلاق . ويدفعه بعد
الإجماع في الظاهر الخبران :
أحدهما الصحيح : «أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤدّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه، أُخذ ولدها منها وبيعت فأدّي عنها» قلت : فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال : «لا».
وثانيهما : الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر : عن أُم الولد تباع في الدين؟ قال : «نعم في ثمن رقبتها».
ومن ابن حمزة فيه أيضاً،
فخصّه بصورة موت المولى خاصّة؛ أخذاً بالأصل، واختصاص ظاهر الصحيح لهذه الصورة، فلا يشمل صورة الحياة؛ وضعف الخبر.
ويدفعه انجبار الخبر بالعمل، فيخصّص
الأصل . ولا محذور حينئذ في اختصاص الصحيح بصورة الوفاة، مع احتماله عدم
الاختصاص وشموله لصورة الحياة، كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني
وأكثر الأصحاب،
وبيّنا الوجه فيه في كتاب
النكاح في تزويج
الإماء . ومقتضى الأصل وكلام الأصحاب، كصريح الصحيح وظاهر الخبر : اختصاص الجواز بصورة كون الدين ثمن رقبتها.
وألحق بعضهم
مواضع أُخر : كبيعها إذا مات قريبها، لتعتق وترث. وعلى من تنعتق عليه. وإذا جنت على غير مولاها ليدفع ثمنها أو رقبتها في الجناية. وإذا كان علوقها بعد
الارتهان أو بعد
الإفلاس . وإذا عجز عن نفقتها. وإذا مات ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق. وفي كفنه إذا لم يخلف سواها. وإذا أسلمت قبل مولاها الكافر. وإذا كان ولدها غير وارث.
ومنهم
من زاد : ما لو جنت على مولاها أو قتلته خطأً. ومنهم من زاد غير ذلك. وفي كثير من هذه الصور نظر. ومن الصحيح في الأول : عن أُم الولد فقال : «أمة تباع وتورث».
وحمل على موت الولد؛ لعدم معارضته للإجماع الظاهر وللمحكي في الانتصار،
وخصوص النصوص المتقدمة. وعليه فيكون المراد منه الردّ على العامة
المانعين عن بيعها على الإطلاق.
(و) يظهر منه بناءً على هذا الحمل أنه (لو مات الولد جاز بيعها) مضافاً إلى
الاتفاق ، والنصوص المستفيضة :
منها الصحيح : «وإن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاؤوا أعتقوا، وإن شاؤوا استرقّوا».
والموثّق : عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولداً فمات، قال : «إن شاء أن تبيعها باعها».
ثمّ إنّ ذا إذا لم يخلف ولدها ولداً. ولو خلّفه ففي كون حكمه حكمه فلا يجوز بيعها أم لا وجهان، بل قيل : قولان.
أظهرهما الثاني؛ لعموم المستفيضة برجوعها إلى محض الرقيّة بموت الولد، بناءً على أنّ المتبادر منه عند الإطلاق إنّما هو الولد للصلب. وبه يجاب عن دليل الأوّل، من عموم ما دلّ على المنع عن
بيع أُمّ الولد، بناءً على كونه ولداً حقيقة. قيل : وهو متّجه لو كان وارثاً لجدّه؛
لانعتاقها عليه، دون ما إذا لم يكن وارثاً، لانتفاء الملك المقتضي للعتق.
وربّما جعل هذا التفصيل قولاً في محل النزاع. وهو حسن إن أُريد انعتاقها عليه من قدر نصيبه منها، لكنّه غير محل النزاع. ومحلّ نظر إن أُريد إلحاقه بالولد مطلقاً حتى في عدم جواز البيع وأنّه لو كان له نصيب من التركة غيرها انعتق عليه منه أيضاً كالولد؛ فإنّه مخالف للأصل ولو في الولد، إلاّ أنّ الحكم فيه خرج عنه بالإجماع وإطلاق ما سيأتي من النص، فيبقى غيره مندرجاً تحت الأصل.
(وتتحرّر بموت المولى من نصيب ولدها) من
التركة لا منها خاصّة، إجماعاً فيه وفي عدم انعتاقها من أصل التركة؛ للمعتبرة المستفيضة.منها الصحيح : «إن كان لها ولد وترك مالاً جعلت في نصيب ولدها».
والمرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح : «إن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه»
ونحوهما الصحيح وغيره
مما يأتي.
(ولو لم يخلف) المولى (الميت) تركة (سواها) وكان له وارث سواه (عتقت من نصيب ولدها وسعت فيما بقي) من قيمتها. ولا اعتبار بملك ولدها من غير
الإرث ؛ لأنّ عتقها عليه قهري فلا يسري عليه على الأشهر الأقوى، للأصل المعتضد بظاهر ما مرّ من النصوص من حيث الحكم فيها بالعتق من النصيب على الإطلاق، المشعر بل الظاهر في عدم انعتاقها عليه من ماله على الإطلاق، بل هو من خصوص-في الأصل : حصول- ما وصل إليه من النصيب، وإلاّ لعبّر بماله دون نصيبه.
مضافاً إلى صريح المقطوع : «وإذا كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها، وتستسعى في بقية ثمنها».
خلافاً للمبسوط والإسكافي،
فحكما بالسراية عليه؛ للنبوي «من ملك ذا رحم فهو حرّ».
وقصوره سنداً، ومكافاةً لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع حقيقة يمنع من العمل به جدّاً.
(و) إن أيّده ما (في رواية) موثّقة عمل بها في
النهاية من أنها (تقوّم على ولدها إن) مات المولى وعليه دين و (كان) الولد (موسراً) وأنه إن كان صغيراً انتظر
بلوغه .
لقصورها كالرواية السابقة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة، وهي مع ذلك مهجورة العمل عند غير النهاية، بل وعنده أيضاً، حيث رجع عنه في باقي كتبه، مع أنّه لم يعمل بإطلاقها في النهاية، لعموم الدين فيها لثمن الرقبة وغيرها، وفي النهاية قيّده بالأوّل خاصّة.
والعجب من السيد في شرح الكتاب وصاحب الكفاية؛
حيث جعلا هذه الرواية حجّة للشيخ في قوله السابق، ولم يذكرا قوله في النهاية. وكأنّهما زعما أنّ مورد القولين مسألة واحدة. وليسا كما زعما؛ لوضوح الفرق بين مورديهما كما ترى، وإن تشابها.
ولذا إنّ شيخنا في الدروس كالمختلف
ذكرا لهما عنوانين، وبحثا عن كلّ منهما على حدة، مستدلَّين لكل منهما بحجة مستقلة، وجعلا هذه الرواية حجّة لما في النهاية، واستندا لما في المبسوط إلى الرواية السابقة.
ثم ظاهر هذه الأقوال
الإطباق على عدم
السراية على الولد مع
إعساره . خلافاً للمحكي عن ابن حمزة، فقال بوجوب
الاستسعاء عليه حينئذٍ؛
وحجّته مع منافاته الأصل غير واضحة، عدا المقطوعة السابقة إن قرئت فيستسعى بالياء، ولكنها بالتاء في النسخة المصححة مضبوطة. نعم، ذكر الصيمري أن به رواية ي
ونس بن يعقوب. ولم أقف عليها عدا المقطوعة، وهي وإن كانت له إلاّ أنها واضحة الدلالة على المختار، بناءً على النسخة المصحّحة.
(وفي رواية محمّد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام ، في وليدة نصرانيّة أسلمت وولدت من مولاها غلاماً ومات فأُعتقت وتزوّجت نصرانياً وتنصرت فولدت، فقال عليه السلام : «ولدها لابنها من سيّدها، وتحبس حتى تضع وتقتل»).
وهي وإن رويت في التهذيب في آخر باب السراري وملك
الأيمان موثقاً بابن فضال، بل ذكر السيّد في شرح الكتاب كونها فيه مرويّة صحيحاً ولم أقف عليها كذلك، إلاّ أنّها مخالفة للأُصول القطعية من حيث تضمّنها استرقاق ولدها الحر المتولد من نصراني محرم، وقتل المرأة المرتدّة خصوصاً عن ملّة.
(و) لذا إنّ الشيخ (في النهاية)
أعرض عن العمل بها وقال : إنّه (يفعل بها) أي بالمرأة التي تضمنتها الرواية (ما يفعل ب) المرأة (المرتدة) من استتابتها، وحبسها دائماً مع إبائها عن
التوبة ، وضربها أوقات الصلاة.
(و) بالجملة (الرواية شاذّة) لم يعمل بها أحد من الطائفة، مخالفة للأُصول القطعية، مع أنّها قضيّة في واقعة، محتملة إناطتها بمصلحة لم تكن لنا ظاهرة.والحمد لله سبحانه.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۱۱۱-۱۱۸.