الأعور
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى ذهاب
بصر إحدى
العينين .
الأعور من العور، وهو في اللغة: ذهاب
حسّ إحدى
العينين ، يقال: عور الرجل، إذا ذهب
بصر إحدى عينيه، فهو أعور وهي عوراء.
واستعمله
الفقهاء بالمعنى اللغوي نفسه
.
وهو من
العشى بمعنى سوء البصر
بالليل والنهار ، ويكون في الناس
والدوابّ والطير ،
يقال: عشي عشىً، إذا ضعف بصره فهو أعشى والمرأة عشواء.
وقيل: العشا: هو سوء البصر من غير عمىً، ويكون الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار.
والفرق بين العور والعشا أنّ العور: ذهاب حسّ إحدى العينين، والعشا: سوء البصر.
وهو من
العمش ، ومن معانيه
ضعف رؤية العين مع
سيلان دمعها في أكثر أوقاتها، يقال: عَمِش فلانٌ عَمشاً، إذا ضعف بصره مع سيلان دمع عينه في أكثر الأوقات، فهو أعمش وهي عمشاء.
والفرق بين العور والعمش أنّ العور: ذهاب حسّ إحدى العينين مطلقاً، والعمش: بقاء العينين لكن مع ضعف الرؤية المصاحب لسيلان الدمع ولو في أكثر الأوقات.
من
الحول ، وهو- بفتحتين- أن يظهر
البياض في العين في مؤخّرها، ويكون
السواد من قبل الماق (الماق: مقدّم العين).
وطرف العين من قبل الأنف.
والفرق بين العور والحول أنّ العور: ذهاب حسّ إحدى العينين، والحول:
عيبٌ في العين لا يذهب حسّها.
وهو من العمى بمعنى ذهاب البصر كلّه، فالرجل أعمى والمرأة عمياء، والجمع عُمي.
والفرق بين العمى والعور أنّ العمى لا يقع إلّا على العينين جميعاً، في حين أنّ العور: هو ذهاب حسّ إحدى العينين فقط.
فالأعمى: فاقد البصر، والأعور: ناقص البصر.
تعرّض الفقهاء للأحكام المرتبطة بالأعور في أبواب مختلفة من
الفقه ، نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
اتّفق الفقهاء على أنّه لا تجزي
التضحية بالعوراء البيّن عورها؛
لأنّها قد ذهبت عينها، ولما روى
البراء بن عازب عن
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا يضحّى... بالعوراء بيّن عورها...».
ومعنى البيّن عورها التي انخسفت عينها وذهبت، فإنّ ذلك ينقصها؛ لأنّ
شحمة العين عضو يستطاب
أكله .
ولخبر
السكوني عن
جعفر عن
أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: لا يضحّى
بالعرجاء بيّن عرجها ولا بالعوراء بيّن عورها...».
ثمّ اختلفوا في اعتبار
انخساف العين في العوراء وعدمه على قولين:
الأوّل: عدم الاعتبار، وذلك لعدم
الدليل على اعتبار انخساف العين وغروب
الحدقة في البيّن عورها، بل يحكم بعدم
الإجزاء ولو لم يكن كذلك، وعليه فلا يبعد
الاكتفاء بمطلق العور في الحكم بعدم الإجزاء؛
لإطلاق صحيح
علي بن جعفر ، حيث سأل
أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يشتري الاضحية عوراء، فلا يعلم إلّا بعد
شرائها ، هل يجزئ عنه؟ قال: «نعم، إلّا أن يكون
هدياً واجباً ، فإنّه لا يجوز (أن يكون)
ناقصاً ».
القول الثاني: الاعتبار، وهو ما اختاره
ابن زهرة والمحقّق النراقي ؛
واستدلّوا عليه بأنّه المحتمل من العور البيّن، ولأنّ
الرواية المتضمّنة له ضعيفة لا يعمل بها إلّا في موضع علم
انجبارها فيه، وصدق النقص على مطلق العور- حتى تشمله صحيحة علي بن جعفر- غير معلوم.
وتردّد بعض فيه؛
ولعلّه للتقييد ب (البيّن) في روايتي
البراء والسكوني المتقدّمتين، وإن جاء في رواية اخرى العوراء بدل
الجرباء ، وإليك نصّ عبارته: قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يضحّى بالعرجاء بيّن عرجها... ولا بالجرباء...».
لو قتل
المحرم صيداً أعور فالأفضل أن يفديه بصحيح، وإن أخرج مثله كان
جائزاً ؛
لقوله تعالى: «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ»،
والمماثلة تقتضي
المساواة في الذات والصفات، فإنّ مثل الأعور يكون أعور.
يجزي
إعتاق الأعور في
الكفّارات بلا خلاف،
بل ادّعى
الشيخ الطوسي الإجماع عليه؛
وذلك لصدق
الرقبة مع العور، ولأنّ
منفعته ثابتة، وهو إمّا العمل فالعور لا يضرّ بالعمل، وإمّا تكميل
الأحكام وتمليك العبد المنافع، فالعور أيضاً لا يمنع ذلك.
ويدلّ عليه أيضاً
خبر غياث بن إبراهيم عن
جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام قال: «لا يجزي الأعمى في الرقبة، ويجزي ما كان منه مثل
الأقطع والأشلّ والأعرج والأعور، ولا يجوز المقعد».
لا يسقط
الجهاد عن الأعور فيلزمه فرضه؛
لتمكّنه منه كالصحيح،
فلا يكون مشمولًا لحكم ذوي
الأعذار الذين لا يقدرون على القيام بالجهاد.
ذهب
الفقهاء إلى أنّ العور لا يثبت به حقّ
فسخ النكاح لأحد الزوجين ما لم يشترط
السلامة منه؛
لخروجه عن مفهوم العمى
عرفاً الذي هو موجبٌ من موجبات الفسخ
وعيب من العيوب، ولما رواه
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: «لا تردّ».
وخبر
زيد الشحّام عنه عليه السلام أيضاً قال: «تردّ
البرصاء والمجنونة والمجذومة »، قلت: العوراء؟ قال: «لا».
أمّا إذا اشترط أحد الزوجين على صاحبه السلامة من العور ونحوه، فبان خلاف ذلك، كان له الفسخ.
ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا فقأ أعور عين سالمٍ يقتصّ منه مع التساوي في المحلّ، وإن عمي بذلك وبقي بلا بصر، سواء كان عوره من
خلقة أو
بآفة أو
جناية أو
قصاص ،
وادّعي عليه
الإجماع ؛
لأنّ اللَّه تعالى يقول: «وَالعَينَ بِالعَينِ»،
ولعموم النصوص، وخصوص رواية
محمد ابن قيس ، قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام:
أعور فقأ عين صحيح، فقال: «تفقأ عينه»، قال: قلت: يبقى أعمى، قال: «الحقّ أعماه».
ومرسلة
أبان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن أعور فقأ عين صحيح متعمّداً، فقال: «تفقأ عينه»، قلت: يكون أعمى؟ قال: فقال: «الحقّ أعماه».
وإن قلع
عينيه كان
مخيراً بين أن يأخذ
دية كاملة منه أو يقلع إحدى عيني الجاني مع أخذ نصف الدية منه؛ للإطلاقات والعمومات.
لو قلع أعور العين الصحيحة لمثله اقتصّ منه من غير ردّ،
مع تساويهما من كلّ وجه، وكانت العين مثل العين في كونها
يميناً أو
يساراً ؛ لقوله تعالى: «وَالعَينَ بِالعَينِ»،
وإن عفا وطلب الدية فله جميعها.
لو قلع صحيح العينين العينَ الصحيحة من الأعور خلقة، أو من قد ذهبت عينه بآفة سماويّة، كان المجنيّ عليه مخيّراً بين قلع إحدى عينيه وأخذ نصف الدية، وبين
العفو وأخذ دية كاملة، وليس له قلع العينين بعينه؛ لأنّ العين الواحدة له بمنزلة ما فيه من آحاد
الأعضاء ،
ولرواية محمد بن قيس ، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعور اصيبت عينه الصحيحة ففقأت، أن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية، وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين صاحبه».
وإن كانت قد ذهبت بجناية جان عليه، وأخذ ديتها، أو استحقّ الدية ولم يأخذها، أو كان عورها
قصاصاً ، فعليه نصف الدية؛
لأنّه لأخذه
العوض أو
استحقاقه له أو الذهاب قصاصاً لا تنزّل عينه الموجودة منزلة الأعضاء المفردة.
وفي
خسف العوراء أو قلعها فالمشهور أنّ فيها ثلث
دية الصحيحة، وهو سدس دية النفس، سواء كانت العوراء خلقة أو
بالجناية ،
وفي
الخلاف الإجماع عليه،
وفي مقابل المشهور قال بعض
: إنّ دية خسف العوراء أو قلعها ربع الدية؛ استناداً إلى رواية
عبد اللَّه بن أبي جعفر عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في العين العوراء تكون قائمة فتخسف، فقال: «قضى فيها
علي بن أبي طالب عليه السلام نصف الدية في العين الصحيحة»
أي ربع الدية الكاملة.
ورواية
عبد اللَّه بن سليمان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجل فقأ عين رجل ذاهبة وهي قائمة، قال: «عليه ربع دية العين».
ولكنّ الروايتين متروكتان لم يعمل بهما
الفقهاء ، قال
الشهيد الثاني : «لم يعمل بمضمونها أحد من
الأصحاب ».
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۱۷۹-۱۸۴.