أقل الحيض وأكثره
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأكثر
الحيض عشرة أيام، وأقله ثلاثة أيام؛ فلو رأت يوما أو يومين فليس حيضا، ولو كل ثلاثة في جملة عشرة فقولان، المروى أنه حيض؛ وما بين الثلاثة إلى العشرة حيض وإن اختلف لونه، ما لم يعلم أنه لعذر أوقرح؛ ومع تجاوز العشرة ترجع
ذات العادة إليها.
وأقلّه أي
الحيض ثلاثة أيام متوالية وأكثره كأقل الطهر عشرة أيام بالإجماع منّا، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، منها:
الصحيح: «أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة»
.
والصحيح المخالف للثاني لتحديده بالثمانية
شاذّ مؤوّل بإرادة بيان الغالب. وهو كذلك. وكذا الخبران المخالفان للثالث الدالّان على جواز حصول الطهر بخمسة أيام أو ستة كما في أحدهما
، أو ثلاثة أو أربعة كما في الآخر
، وأنها برؤية الدم تعمل بمقتضى الحيض، وبرؤية الطهر تعمل بمقتضاه إلى ثلاثين محمولان على أنها تفعل ذلك لتحيرها واحتمالها الحيض عند كل دم والطهر عند كل نقاء إلى أن يتعين لها الأمران بما أمر به
الشارع، لا أنّ كلاً من هذه الدماء حيض وكلا ممّا بينها من النقاء طهر شرعاً، كما قد يتوهم من
الفقيه والمقنع والاستبصار والنهاية والمبسوط، كذا فسّر به
المصنف كلام الاستبصار
، وهو جيّد.
وتوقف
العلّامة في المنتهى
. ولا حدّ لأكثر الثالث بلا خلاف، كما عن الغنية
. وعن ظاهر
الحلبي تحديده بثلاثة أشهر
، وحمل على الغالب؛ وعن
البيان احتمال أن يكون نظره إلى عدّة المسترابة
.
فلو رأت يوماً أو يومين ولم تر إلى العشرة دماً فليس حيضًا إجماعاً؛ لما عرفت، وصرّح به الرضوي: «وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات»
. ولو كمّلت المرأة اليوم أو اليومين ثلاثاً في جملة العشرة من يوم رأت الدم ففي كونه حيضاً قولان أصحّهما وأشهرهما العدم، وهو المحكي عن الصدوقين في الرسالة
والهداية والإسكافي والشيخ في
الجمل والمبسوط
والمرتضى وابني حمزة وإدريس
. للرضوي المتقدم الصريح المعتضد مضافاً إلى قوّته في نفسه بالشهرة العظيمة، فلا تقاومه المرسلة الآتية وإن كانت في الدلالة على الخلاف صريحة.
ولا دليل في المقام سواه، عدا ما زعم من ثبوت
الصلاة في الذمة بيقين، فلا يسقط
التكليف بها إلّا مع تيقن السبب، ولا يقين بثبوته مع فقد التوالي. ومن تبادره من قولهم: أدنى الحيض ثلاثة وأقلّه ثلاثة. و أصالة عدم تعلّق
أحكام الحائض بها.
ويضعّف الأوّل: بالمنع من ثبوتها في الذمة في المقام، كيف لا؟! وهو أول الكلام، مع أنّ مقتضى الأصل عدمه. والتمسك بذيل
الاستصحاب في صورة رؤيتها الدم المزبور بعد دخول الوقت ومضي مقدار الطهارة والصلاة، و إلحاق ما قبله به بعدم القائل بالفرق، معارض بالتمسك به في صورة رؤيتها إياه قبل الدخول، ويلحق به ما بعده بالإجماع المزبور. هذا مع ضعف هذا الأصل من وجوه أخر لا يخفى على من تدبّر.
والثاني: بتوقف صحته على ما لو ذهب الخصم إلى كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضاً خاصة، وهو غير معلوم، بل مقتضى إطلاق الإجماعات المنقولة في عدم كون الطهر أقلّ من عشرة كونها مع الباقي حيضا. فليس الاستدلال في محلّه إذ الكلام حينئذ يرجع إلى اشتراط التوالي في الثلاثة الأوّل من أكثر الحيض أم لا، وإلّا فالأقل لا بدّ فيه منه إجماعاً.
والثالث: بمعارضته بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.
و المروي في
المرسل أنه حيض
كما عن
الشيخ في النهاية
والقاضي. وهو ضعيف؛ لعدم معارضته بعد إرساله لما تقدّم. وليس في
الموثق: «إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاُولى، وإذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»
ومثله
الحسن دلالة عليه بوجه، كما حقّقناه في بعض التحقيقات.
وعلى هذا القول فهل النقاء المتخلل طهر كما يظهر من صدر المرسل؟ أم حيض كما يظهر من ذيلها؟ بل وربما يتأمل في دلالة الصدر على الأوّل. مقتضى الإطلاقات بعدم قصور أقلّ الطهر عن عشرة كإطلاقات الإجماعات المنقولة فيه هو الثاني. وربما ينسب إلى القائل بهذا القول: الأوّل. وفيه نظر.
وعلى المختار فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بلياليها بحيث متى وضعت الكرسف تلوّثت؟ كما عن
المحقّق الشيخ علي والمحرّر ومعطي
الكافي للحلبي
والغنية. أم يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة وإن لم يستوعبها؟ كما عن
الروض وظاهر العلّامة واختاره في
المدارك وعزاه إلى الأكثر
. أم يعتبر وجوده في أول الأول وآخر الآخر وجزء من الثاني؟ أقوال. وظاهر إطلاق
النص مع الثاني؛ لصدق رؤيته ثلاثة أيام بذلك، لأنها ظرف له ولا يجب المطابقة بين الظرف والمظروف. ويؤيده ما حكي عن التذكرة
ونهاية الإحكام: من أنّ لخروج الدم فترات معهودة لا تخلّ بالاستمرار وفي الأوّل الإجماع عليه
.
لكن عن المبسوط: أنه إذا رأت ساعة دماً وساعة طهراً كذلك إلى العشرة لم يكن ذلك حيضا على مذهب من يراعي ثلاثة أيام متواليات ومن يقول يضاف الثاني إلى الأوّل يقول: ينتظر، فإن كان يتم ثلاثة أيام من جملة العشرة كان الكلّ حيضا، وإن لم يتم كان طهرا
. وعن
المنتهى: أنه لو تناوب الدم والنقاء في الساعات في العشرة يضم الدماء بعضها إلى بعض على عدم اشتراط التوالي
. وكذا عن
الجامع عن
ابن سعيد انه لو رأت يومين ونصفاً وانقطع لم يكن حيضا، لأنه لم يستمر ثلاثا بلا خلاف
. وظاهر هم كما ترى سيّما الشيخ وابن سعيد مسلّمية اعتبار الاستمرار عند القائلين بالتوالي، وربما أشعر عبارة الثالث بالإجماع.
فدعوى
الشهرة على الاكتفاء بالمسمى مشكلة. والتعلّق بذيل
إطلاق النص مع ظهور عبارات هؤلاء الأعاظم في الشهرة على الاستمرار بل وإشعار بالإجماع مشكل، لا سيّما مع احتمال وروده على الغالب من أحوال النساء في رؤيتهن الحيض ولعلّه لم يخل عن الاستمرار ولو بحصول تلويثٍ ما ضعيفٍ في القطنة متى ما وضعته فتنزيله عليه متعيّن. وعلى هذا فلا يضرّه فترات الدم المعهودة للنساء في حيضهنّ، كما تقدّم عن التذكرة ونهاية الإحكام مع دعوى
الإجماع عليه في الأوّل. فهذا القول في غاية القوّة. وعلى قول الشيخ فالظاهر اشتراط ثلاثة أيام كاملة بلا تلفيق في العشرة؛ لكونه المتبادر من الأيام. فما تقدّم عن المبسوط والمنتهى من الاكتفاء بها مطلقاً ولو ملفّقة من الساعات في ضمن العشرة غير واضح.
ثمَّ على المختار هل يعتبر الثلاثة أيام بلياليها؟ كما عن
الإسكافي والمنتهى
والتذكرة، مع دعوى فهم الإجماع عليه منهما. أم يكفي ما عدا الليلة الاُولى؟ كما احتمله بعض المحقّقين
، ولعلّه الظاهر من النص، إشكال، وإن كان الأخير لا يخلو عن قوة، إلّا أن يصح دعوى الإجماع المذكورة، وفيها تأمل. هذا مع احتمال الاقتصار على النهار خاصة؛ لصدق الثلاثة أيام، لعدم تبادر الليالي منها. إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها. واللّه العالم.
وما تراه المرأة بين الثلاثة المتوالية أي بعدها إلى تمام العشرة من أول الرؤية ممّا يمكن أن يكون حيضاً إمكانا مستقرا غير معارض بإمكان حيض آخر فهو حيض وإن اختلف لونه وكان بصفة
الاستحاضة ما لم يعلم أنه لعذرة أو قرح أو جرح، بلا خلاف بين الأصحاب قطعاً فيما لو اتصف بصفة الحيض مطلقا، أو وجد في أيام العادة وإن لم يكن بصفته. ولا إشكال فيهما لعموم أخبار
التميز في الأوّل
، وخصوص الصحيح في الثاني وفيه: عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، قال: «لا تصلّي حتى تنقضي أيامها»
الحديث.
وعلى الأشهر الأظهر فيما عداهما أيضاً، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل عن
المعتبر والمنتهى
: الإجماع عليه؛ لأصالة عدم كونه من قرح أو مثله. ولا يعارض بأصالة عدم كونه من الحيض بناء على أنّ الأصل في دماء النساء كونها للحيض، كيف لا؟! وقد عرفت أنها خلقت فيهن لغذاء الولد وتربيته وغير ذلك، بخلاف مثل الاستحاضة فإنّه من آفة، كما صرّح به في بعض الأخبار
.
مضافاً إلى الأخبار المستفيضة الدالة على جعل الدم المتقدم على العادة حيضاً، معلّلا بأنه ربما تعجّل بها الوقت، مع تصريح بعضها بكونه بصفة الاستحاضة، ففي الموثق: عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، قال: «فلتدع
الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت»
. وفي آخر: «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، وبعد أيام الحيض فليس من الحيض، وهي في أيام الحيض حيض»
. وفي معناه أخبار كثيرة. فتأمّل.
ويشهد له أيضاً إطلاق الأخبار الدالة على ترتب
أحكام الحائض على مجرد رؤية الدم، ففي الخبر: «أيّ ساعة رأت الصائمة الدم تفطر»
. وفي آخر: «تفطر إنما فطرها من الدم»
. وفي معناهما غيرهما
.
ويعضده أيضاً بعد فحوى إطلاق أخبار الاستظهار
لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى إطلاق الموثق: «إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى، وإذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقبلة»
ومثله الحسن
. ويؤيده أيضاً إطلاق ما مرّ في أخبار اشتباه الدم بالعُذزة من الحكم بكونه حيضاً مع
الاستنقاع؛ وفي أخبار اشتباهه بالقرحة من الحكم بكونه كذلك بمجرّد خروجه من الأيسر أو الأيمن، على الخلاف المتقدم
.
قيل: ولو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض إذ لا يقين، والصفات إنما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقاً، للنص والإجماع على جواز انتفائها فلا جهة لما قيل من أصل الاشتغال بالعبادات، و البراءة من
الغسل وما على الحائض، وخصوصا إذا لم يكن الدم بصفات الحيض
. وهو حسن، ولكن
الاحتياط مطلوب. وفي حكمه النقاء المتخلل بين الثلاثة والعشرة فما دون فالمجموع حيض مطلقاً؛ لما تقدّم سيّما الخبرين الأخيرين، مع عموم الأدلة الدالة على عدم نقص
أقلّ الطهر عن عشرة. هذا إذا لم يتجاوز الدم عن العشرة.
و أمّا مع تجاوزه عن العشرة ترجع ذات العادة إليها مطلقاً وقتية و عددية كانت، أو الأوّل خاصة، أو بالعكس؛ لكنها في الأخيرتين ترجع إلى أحكام
المضطربة في الذي لم يتحقق لها عادة فيه، فتجعل ما يوافقها خاصة حيضاً مع عدم التميز المخالف الاتفاق|اتفاقاً نصًّا
وفتوىً، ومطلقاً على الأشهر الأظهر.
•
المبتدأة والمضطربة في الحيض، المبتدأة، وهي من لم يستقر لها
عادة، أمّا لابتدائها
، أو بعده مع اختلافه عدداً ووقتاً
؛ والمضطربة وهي من نسيت عادتها وقتاً أو عدداً أو معاً
؛ وهما ترجعان أوّلا إلى
التميز، ومع فقد التميز
، ترجع المبتدئة إلى عادة أهلها
وأقرانهاوذوات أسنانها أيضاً، إمّا مطلقاً كما هنا وعن التخليص
عاطفين لهنّ على الأقارب بأو، أو مع فقد الأقارب خاصة مطلقا كما عن
المهذّب والتحرير
والتبصرة وجمل الشيخ واقتصاده والسرائر
، أو مقيداً باتحاد البلد كما عن
الوسيلة، أو مع اختلافهن أيضاً مطلقاً كما في القواعد وعن
الإرشاد ونهاية الإحكام
، أو مقيداً باتحاد البلد كما عن
المبسوط والإصباح
؛ فإن لم يكن أو كن مختلفات رجعت المبتدأة والمضطربة إلى
الروايات، وهى ستة أو سبعة
، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر
.
•
ذات العادة في الحيض، إنما تثبت العادة بأقسامها عندنا وأكثر العامة باستواء شهرين متواليين، أو غيرهما مع عدم
التحيض في البين في أيام رؤية الدم فتتحيّض بمجرد رؤيته في الثالث، وترجع عند التجاوز عن العشرة إليها، فتجعل العدد والوقت فيه كهما فيهما إن تساويا فيهما، وإلّا فلتأخذ بما تساويا فيه وتراعي في غير المتساوي حكم المبتدأة أو المضطربة
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۵۱-۲۸۹.