إجزاء الحج البذلي عن حجة الإسلام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أنّ
الحجّ البذلي مجزٍ عن
حجّة الإسلام مطلقاً، فإن استطاع المبذول له بعد
الإتيان بالحجّ البذلي لا يجب عليه الخروج للحجّ مرّة اخرى.
أنّ الحجّ البذلي مجزٍ عن حجّة الإسلام مطلقاً، فإن استطاع المبذول له بعد الإتيان بالحجّ البذلي لا يجب عليه الخروج للحجّ مرّة اخرى.
قال: «
الحج البذلي مجز عن
حجّة الإسلام ، فلا يجب عليه إذا استطاع مالًا بعد ذلك على الأقوى».
وعلّق
السيد الحكيم على ذلك: «كما هو المشهور
شهرة عظيمة كادت تكون
إجماعاً ؛ إذ لم يعرف الخلاف في ذلك إلّا من
الشيخ الطوسي في
الاستبصار ».
ومع ذلك فقد تبع بعض الفقهاء الشيخ الطوسي في أوّل كلامه، فذهب إلى وجوب الحجّ عليه بعد اليسار وجعله مقتضى
الاحتياط الوجوبي في وسطه وقال بحسن
الاحتياط في آخر كلامه حيث قال: «نعم، الاحتياط حسن لكنّه غير
الإفتاء بالوجوب».
واستدلّ للإجزاء:
بأنّه نتيجة ضمّ مدلول الروايات المتكفّلة لاعتبار المبذول له من أفراد المستطيع الداخل تحت آية الحجّ الشريفة، مع ما دلّ على
تحديد الحجّ
الواجب بالمرّة. وقد نوقش فيه بأنّ وجوب الحجّ بالبذل إن كان على طبق
القاعدة ومن باب صدق
الاستطاعة فلا إشكال حينئذٍ في
الإجزاء كسائر أفراد المستطيع؛ لأدائه حجّ
الإسلام ودلالة النصوص على وجوبه مرّة واحدة. وأمّا إن كان وجوب الحجّ بالبذل من باب التعبّد لا القاعدة- كما هو المفروض في الدليل- فيشكل الإجزاء؛ لأنّ دليل وجوب الحجّ بالبذل وإن كان على هذا
الرأي يتكفّل اعتبار المبذول له من أفراد المستطيع، إلّا أنّ
غاية ما ثبت نظر الدليل إليه هو
إثبات حكم وجوب الحجّ عليه، وأنّ المبذول له كالمستطيع في هذا
الأثر ، أمّا نفي وجوب الحجّ عليه لو استطاع حيث قال: فدليل
التنزيل غير ناظر إليه.
للمبذول له بواسطة تنزيله منزلة
المستطيع ، وليس الوجوب مرّة واحدة مفاد
الآية كي يثبت أيضاً بدليل التنزيل، وإنّما ثبت بدليل آخر حاكم على الآية الشريفة؛ لبيانه المراد منها، ولم يثبت نظر ذلك الدليل الحاكم إلى مفاد دليل تنزيل المبذول له منزلة المستطيع، بل المتيقّن منه هو
النظر إلى حكم المستطيع الواقعي. وبالجملة: لدينا دليلان حاكمان على الآية، أحدهما دليل
البذل ، والآخر دليل تحديد الواجب بالمرّة الواحدة، ولا ظهور لأحدهما في نظره إلى الآخر، فلا يثبت
الاكتفاء بالحجّ في صورة البذل بحسب الدليل الآخر المحدّد للواجب بالمرّة.
ببعض الأخبار، مثل صحيح
معاوية بن عمّار ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام :
رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه، أ يجزيه ذلك عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال: «بل هي حجّة تامّة».
فإنّه يدلّ على أنّ الحجّ البذلي حجّة تامّة مجزٍ عن حجّة الإسلام، سواء أيسر بعد ذلك أم لم يوسر.
ولكن هناك روايتان تدلّان بظاهرهما على وجوب الحجّ بعد
اليسار :
رواية
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلًا معسراً أحجّه رجل كانت له حجّة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ...».
وهي ضعيفة سنداً؛ لوقوع
علي بن أبي حمزة البطائني فيها.
صحيح
الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل لم يكن له مال فحجّ به اناس من أصحابه، أ قضى حجّة الإسلام؟ قال: «نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»، قلت: هل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال: «نعم، قضى عنه حجّة الإسلام وتكون تامّة وليست بناقصة، وإن أيسر فليحجّ».
وقد ذكروا هنا وجوهاً للجمع بين هاتين الروايتين وبين ما دلّ على الإجزاء:
أنّ الروايتين محمولتان على
الاستحباب . واورد عليه بأنّه غير وجيه؛ لإباء لفظ (عليه) معنى الاستحباب ولو بنحو
الظهور الثانوي.
ولكنّ لفظ (عليه) قد ورد في رواية أبي بصير الضعيفة سنداً، وأمّا صحيح الفضل فلم يرد فيه هذا اللفظ، بل ورد فيه
الأمر بالحجّ، ولا مانع من حمله على الاستحباب.
أنّ ما دلّ على الإجزاء إنّما يدلّ عليه في مدّة محدودة، وهي مدّة
العسر وعدم
الاستطاعة المالية ولغاية معيّنة، وهي زمان حصول
المال واليسر، نظير ما ورد: من أنّ «
الصبي إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر، و
العبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يعتق».
فالنصّ الدالّ على الإجزاء يقيّد إطلاقه بالنصّ الدالّ على وجوب الحجّ بعد اليسر.
وناقش فيه بعض الفقهاء بأنّ الظاهر كون المسئول عنه في صورة
البذل هو الإجزاء عن الحجّ الواجب الذي على المكلّفين؛ إذ حجّة الإسلام بعنوان
الندب لا إشكال في مشروعيّتها للمبذول له مطلقاً وإن حجّ، فهي لا ترتفع بالحجّ البذلي، ولا يقاس ذلك بمسألة حجّ الصبي أو المملوك؛ إذ لعلّ النظر في تلك النصوص إلى كون الصبي و
المملوك قضيا حجّ الإسلام الندبي، فلا يشرع لهما حينئذٍ، وهذا لا يثبت فيما نحن فيه؛ لأنّ مشروعية الحجّ الندبي لمن حجّ بالبذل لا إشكال فيها، إذن فالسؤال عن الإجزاء وتماميّة الحجّ بعنوان كونه واجباً، فلا وجه لتحديد
قضاء الواجب وتماميّته بوقت خاص؛ لكون الواجب واحداً لا يتعدّد.
ثمّ إنّه إن لم يتمّ أحد الوجهين المذكورين ولا غيرهما من وجوه الجمع بين الطائفتين من الروايات، يقع
التعارض بينهما كما ذهب إلى ذلك بعضهم، فقال: «إنّ إحدى الروايتين- وهي رواية أبي بصير- غير سليمة
السند ، أمّا رواية الفضل فهي معارضة بما دلّ على الإجزاء، وهو رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة، كما أنّها معارضة- بناءً على أنّ وجوب الحجّ على المبذول له على القاعدة، ومن باب صدق الاستطاعة- بما دلّ على أنّ الحجّ لا يجب غير مرّة واحدة في العمر، فتنتهي النوبة إلى
التخيير ؛ لعدم المرجّح أو عدم الالتزام بالترجيح، فيمكن اختيار دليل الإجزاء دون غيره، فالإجزاء هو الأقوى».
وقال بعضهم: إنّ روايات الإجزاء تقدّم؛ لأنّها الموافقة
للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في باب المتعارضين.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۴۸۵-۴۸۸.