الإعذار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى صيرورة
الانسان ذا عذر أو بمعنى
المبالغة في الأمر.
الإعذار
لغة : مصدر أعذر بمعنى صيرورة الشخص ذا عذر، يقال: أعذر الرجل، أي صار ذا عذر.
ومن معانيه: المبالغة، يقال: أعذر في الأمر، إذا بالغ فيه.
وفي
المثل : (أعذر من أنذر) يقال ذلك لمن يحذّر أمراً يخاف.
ومن معانيه:
الختان ، يقال: وعذرت
الغُلام والجارية عُذراً: ختنته فهو معذور.
والإعذار أيضاً:
طعام يتّخذ
لسرور حادث، وهو طعام الختان خاصّةً.
ومن معانيه: كثرة
الذنوب ،
وفي النبوي: «لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم»
أي أنّهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم
وعيوبهم ، فيستوجبون
العقوبة .
واستعمله
الفقهاء بمعناه اللغوي نفسه.
وهو
الإبلاغ ، ولا يكون إلّا في
التخويف كما في قوله سبحانه وتعالى: «وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ»،
أي خوّفهم عذاب هذا اليوم،
فيجتمع مع الإعذار في أنّ كلّاً منهما إبلاغ مع تخويف، إلّاأنّ في الإعذار مبالغة.
وهو مصدر أعلم، يقال: أعلمته
الخبر ، أي عرّفته إيّاه، فهو يجتمع مع الإعذار في أنّ في كلّ منهما تعريفاً وتبليغاً إلّاأنّ في الإعذار مبالغة
كما أنّ الإعذار يختص بتخويفٍ ما دون
الإعلام .
وهو مصدر أبلغ، والاسم منه
البلاغ ، وهو بمعنى
الإيصال ، يقال:
أبلغته
السلام ، أي أوصلته إيّاه،
فهو يجتمع مع الإعذار في أنّ في كلّ منهما إيصالًا لما يراد، لكنّ الإعذار ينفرد بالمبالغة، والتخويف.
وهو التخويف من فعل الشيء، يقال: حذّرته الشيء فحذره، إذا خوّفته فخافه،
فهو يجتمع مع الإعذار في التخويف، وينفرد الإعذار بأنّه لقطع العذر.
وهو مصدر أمهل، وهو
التأخير .
والفرق بينه وبين الإعذار أنّ الإعذار قد يكون مع ضرب مدّة وقد لا يكون،
والإمهال لا يكون إلّامع ضرب مدّة، كما أنّ الإمهال لا تلاحظ فيه المبالغة ولا التخويف أو
التهديد .
وهو لغةً:
الانتظار والتمكّث ،
والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن ذلك؛ إذ يراد به عند الفقهاء عدم
الفورية في الأمر، بل يطلق الانتظار في كلّ أمر بما يناسبه.
هذا، والبحث هنا خاصّ بالإعذار بمعنى المبالغة في التبليغ وقطع العذر، أمّا الإعذار بمعنى الختان أو الطعام المصنوع لسرور حادث فالبحث فيهما موكول إلى مصطلح (ختان،
وليمة ).
يستلّ من كلمات
الفقهاء عدّة مواضع تحدّثوا فيها عن الإعذار، وهي عديدة وإن لم يستخدموا هذا
اللفظ فيها كإعذار المولى إلى أربعة
أشهر ، ونذكر هنا أهمّها وهي:
يمنح اللَّه العباد عذراً ما داموا
جاهلين إلى أن يرتفع جهلهم،
فبالعلم وبالبيان والإنذار يرتفع عذرهم.
ويدلّ على ذلك قوله تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».
فإنّ فيها
دلالة على نفي
العقوبة قبل
بعث الرسل الذي هو كناية عن بيان
التكليف ؛ لأنّه يكون به غالباً، والمنساق من
الآية الشريفة إناطة
الاستحقاق بالبيان وإتمام
الحجة .
فاللَّه سبحانه وتعالى لا يهلك امّة
بعذاب إلّا بعد
إبلاغ الرسالة إليهم والإنذار، ومن لم تبلغه
الدعوة فهو غير مستحقّ للعذاب.
وقوله تعالى: «وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»،
أي إنّما أرسلناك قطعاً لعذرهم، وإلزام الحجّة عليهم. فالعقاب قبل إرسال الرسل وقطع الحجّة غير جائز، بل ذلك
مذموم وقبيح ؛ إذ للمعاقب اعتراض معقول لا دفع له بأن يقول: «لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ».
وقوله تعالى في قصّة الهدهد: «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ».
ووجه
الاستدلال : أنّ فيها دلالة على
وجوب قبول عذر الأشخاص، وأن تدرأ العقوبة عنهم قبل الإعذار؛ لأنّ
سليمان لم يُعاقب الهدهد حين اعتذر إليه.
وأمّا
الروايات ففي رواية
زكريا بن يحيى عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ما حجب اللَّه علمه عن
العباد فهو موضوع عنهم».
لا تجوز
محاربة الكفّار الحربيّي ن قبل بلوغ الدعوة إلى محاسن
الإسلام إليهم، وهي الشهادتان وما يتبعهما من اصول الدين وامتناعهم عن ذلك، وهو أمر أجمع عليه
المسلمون .
ولو بادر مسلم إلى
كافر وقتله قبل الدعوة أثم، ولم يجب عليه
القود ، وكذا لا تجب عليه
الدية .
ولكن هل يجب تكرار دعوتهم إذا تكرّرت محاربتهم؟ صرّح جماعة بأنّه يسقط اعتبار وجوب الدعوة في حقّ من عرفها بقتال سابق أو بغير ذلك.
نعم، هو
مستحب كما صرّح به غير واحد.
ولا تختصّ
الدعوة بالحربي من غير
أهل الكتاب ، بل هي شاملة لهم ولغيرهم.
الباغي : هو كلّ من خرج على
إمام عادل وقاتله، ومنع
تسليم الحقّ إليه.
ولا
إشكال في لزوم
إرشاد من كانت له
شبهة سائغة عنده قد أوجبت خروجه عن
طاعة الإمام-
كالخوارج - وذلك بمقتضى أدلّة وجوب إرشاد الجاهل على العالم به، فضلًا عن
الإمام عليه السلام، مضافاً إلى أنّه
الفرض المسلّم من الدليل على وجوب الإرشاد والدعوة مقدّماً على
الجهاد .
وأمّا من ليس له شبهة، أو كانت شبهته غير سائغة عنده- كأهل
الجمل وصفّين - فالظاهر من إطلاق كلامهم: (يجب إرشاد الباغي) لزوم إرشاده أيضاً، فكأنّه لا
لإزالة الشبهة عنه، بل لأنّ
الغرض من جهاد البغاة
كفّهم ودفع شرّهم، وهذا الغرض يقتضي أن لا يصار إلى
القتال إلّا بعد انتفاء سائر الطرق الممكنة لدفع شرّهم والتي منها:
النصيحة والإرشاد، خصوصاً بناءً على القول بإسلام الباغي.
يضاف إلى ذلك أنّ المستفاد من آية البغي تقدّم الأمر
بالإصلاح على الأمر بالقتال، حيث إنّ الظاهر منها وإن كان فرض ثلاث طوائف، تكون الطائفة
المصلحة غير الطائفتين المتخاصمتين، إلّا أنّ المتفاهم منها وجوب ذلك على نفس الطائفة المحقّة العادلة أيضاً، خصوصاً إذا لم تكن هناك طائفة ثالثة مصلحة، فلا يجوز لهما أو للعادلة قتال الباغية إلّا بعد عدم إمكان
التصالح معها ودفع شرّها بغير قتال، كما هي
سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فيهم.
قال
الشيخ الطوسي : «فكلّ موضع حكم بأنّهم بغاة لم يحلّ قتالهم حتى يبعث الإمام من يناظرهم ويذكر لهم ما ينقمون منه، فإن كان حقّاً بذله لهم، وإن كان لهم شبهة حلّها، فإذا عرّفهم ذلك فإن رجعوا فذاك، وإن لم يرجعوا إليه قاتلهم؛ لأنّ اللَّه تعالى أمر بالصلح قبل الأمر بالقتال، فقال: فأصلحوا بينهم، فإن بغت فقاتلوا، ثبت أنّهم لا يقاتلون قبل ذلك».
وقال
العلّامة الحلّي : «كلّ من خرج على إمام عادل ثبتت إمامته
بالنصّ عندنا... وجب قتاله
إجماعاً ، وإنّما يجب قتاله بعد
البعث إليه والسؤال عن سبب خروجه،
وإيضاح ما عرض له من الشبهة وحلّها له، وكشف الصواب، إلّاأن يخاف كلبهم (أي شرّهم.)
ولا يمكنه ذلك في حقّهم، أمّا إذا أمكنه تعريفهم، وجب عليه أن يعرّفهم، فإذا عرّفهم، فإن رجعوا فلا بحث، وإن لم يرجعوا قاتلهم؛ لأنّ اللَّه تعالى أمر بالصلح، فقال: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما»
قبل الأمر بالقتال؛ ولأنّ الغرض كفّهم ودفع شرّهم، فإذا أمكن بمجرّد القول لم يعدل إلى القتل...».
عرّف الفقهاء
الإيلاء بأنّه
الحلف على
ترك وطء الزوجة مدّة لا تزيد عن أربعة
أشهر فتصير المؤلي ذا عذر في هذه المدّة؛ لأنّها حقّ للزوج فليس لها قول ولا حق في مدّة أربعة أشهر ولا
إثم عليه،
فلو رفعته إلى
القاضي ليفيء أو يطلّق أمهله القاضي إلى
انقضاء المدّة كما نصّ عليه الكتاب الشريف،
كما أنّ
الأجل في
الدين المؤجّل حق للمديون.
نعم، بعد انقضاء المدّة فليس للزوج إعذار، ولها
المرافعة إلى
الحاكم فيجبره الحاكم على أحد الأمرين:
الرجوع أو
الطلاق .
يرتفع
القصاص والدية عن الرامي فيما لو أخبر من يريد العبور بالحال وحذّره- قولًا أو كتباً أو فعلًا- وعلم المارّ وكان
متمكّناً من حفظ نفسه فلم يفعل، فعبر والرامي جاهل بالحال فأصابه
الرمي فقتله لم يكن عليه قصاص، بلا خلاف ولا إشكال؛ لأنّه ليس داخلًا في
القتل العمدي ، وكذا لا دية عليه؛ لتحقّق
الهدريّة حينئذٍ،
ويؤيّد ذلك ما رواه
أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان
صبيان في زمان
علي عليه السلام يلعبون بأخطار (أخطار: جمع خطر، وهو السبق الذي يتراهن عليه.)
لهم، فرمى أحدهم بخطره فدقّ رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقام الرامي البيّنة بأنّه قال: حذارِ، فدرأ عنه القصاص، ثمّ قال: قد اعذر من حذّر...».
المرتد إن كان ارتداده ملّياً- وهو من انعقد حال كون أبويه
كافرين ثمّ أسلم ثمّ ارتدّ- يستتاب
وجوباً ، فإن تاب وإلّا قتل.
ومدّة
الاستتابة ثلاثة أيّام في المروي عن
الإمام الصادق عليه السلام بطريق ضعيف.
والأقوى تحديدها بما يؤمل معه عوده، ويقتل بعد
اليأس منه وإن كان من ساعته- ولعلّ
الصبر عليه ثلاثة أيّام أولى؛ رجاءً لعودته وحملًا
للخبر على
الاستحباب .
وتوبته الإقرار بما أنكره، فإن كان
الإنكار للَّه
وللرسول فإسلامه
بالشهادتين ، ولا يشترط
التبرّي من غير
الإسلام وإن كان آكد، وإن كان مقرّاً بهما
منكراً عموم
نبوّته صلى الله عليه وآله وسلم لم تكفِ الشهادتان، بل لابد من الإقرار بعمومها.
وإن كان بجحد فريضة عُلِم ثبوتها من الدين ضرورة فتوبته الإقرار بثبوتها على وجهها، ولو كان
باستحلال محرّم
فاعتقاد تحريمه مع
إظهاره إن كان أظهر الاستحلال، وهكذا.
ولو تكرّر
الارتداد والاستتابة من الملّي قتل في الرابعة أو الثالثة على الخلاف بين
الفقهاء ؛ لأنّ
الكفر باللَّه تعالى أكبر الكبائر، وأصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ولا نصّ هنا بالخصوص،
والاحتياط في
الدماء يقتضي قتله في الرابعة.
وإن كان ارتداده عن
فطرة الإسلام- بأن ولد على الإسلام وكان أبواه أو أحدهما مسلماً حين
الولادة - فلا تقبل توبته ويقتل بغير استتابة؛
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه».
وصحيحة
محمد بن مسلم عن
الإمام الباقر عليه السلام: «من رغب عن الإسلام وكفر بما انزل على
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بعد إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، ويقسّم ما تركه على ولده».
هذا بالنسبة
للذكر ، وأمّا
المرأة فلا تقتل وإن كان ارتدادها عن فطرة، بل تحبس دائماً وتضرب أوقات
الصلوات بحسب ما يراه
الحاكم ، وتستعمل في
الحبس في أسوأ الأعمال، وتلبس أخشن
الثياب المتّخذة
للبس عادة، وتطعم أجشب
الطعام - وهو ما غلظ منه وخشن- إلى أن تتوب أو تموت؛
لصحيحة
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام وغيرها في المرتدّة عن الإسلام، قال عليه السلام: «لا تقتل، وتستخدم
خدمة شديدة، وتمنع الطعام والشراب، إلّا ما يمسك نفسها، وتلبس أخشن الثياب، وتضرب على الصلوات».
والتفصيل موكول إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۴۱-۴۷.