الارتداد (جنايات المرتد)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
كل جناية التي ارتكبها المرتد لشخص أو اشخاص يأتي أحكامه:
كلّ ما يتلفه المرتدّ على
المسلم من النفس والطرف والمال يضمنه، فعليه الخروج من عهدته، سواء كان ذلك في دار الحرب أو دار
الإسلام ، حالة
الحرب أو بعدها، كما صرّح به غير واحد من الفقهاء؛
استناداً إلى عمومات
الضمان .
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المرتدّ في منعة، أو لم يكن كذلك.كما لا فرق فيه أيضاً بين أن يكون
ارتداده عن فطرة أو عن ملّة.
نعم، لا يخفى أنّ بينهما فرقاً، وهو أنّ الملّي حيث لا تخرج أمواله عن ملكه بالارتداد، فلا محالة يغرم من ماله، بخلاف الفطري فإنّه تخرج أمواله عن ملكه، فلا مال له، فأثر ضمانه
اشتغال ذمّته بالمال المضمون، وأنّه يكون عليه في
الآخرة إن لم تقبل
توبته ، كما أنّه تظهر ثمرة ضمانه في الدنيا إذا تبرّع عنه متبرّع إذا قلنا بعدم قبول توبته وعدم تملّكه بعد الردّة شيئاً،
كما أنّه إذا قلنا بتملّكه لما يملكه بعد الردّة كان ضمانه منه.
لو قتل المرتدّ شخصاً فهو لا يخلو إمّا أن يكون مسلماً أو مرتدّاً أو ذمّياً، وكلّ ذلك إمّا أن يقع عمداً أو خطأً، ففيه صور:
ذكر الفقهاء أنّ المرتدّ إذا قتل مسلماً فللوليّ قتله
قصاصاً ، ويسقط قتل الردّة،
بل لا خلاف فيه؛
لتقدّم حقّ الناس على حقّ اللَّه تعالى عند
التزاحم .
نعم، لو عفي عنه أو صولح على مالٍ تصل النوبة إلى قتله بالردّة.
هذا لو قتله عمداً.وأمّا لو قتل المرتدّ مسلماً خطأً فإن كان عن ملّة كانت
الدية في ماله مخفّفة مؤجّلة إلى ثلاث سنين، فإن قتل أو مات قبل
الانقضاء حلّت كسائر الديون المؤجّلة. ولا تعقله العاقلة؛ لأنّ المسلم لا يعقل
الكافر ، كما أنّ الكافر لا يعقل المسلم.
وأشكل عليه في
الدروس بأنّ المسلمين يرثونه ومن كان
الإرث له كان العقل عليه.
وإن كان عن فطرة فمقتضى إطلاق بعض الفقهاء كصريح
العلّامة أنّ ديته في ماله كالملّي.ولكن اشكل عليه بأنّه لا مال له؛ لانتقاله عنه بالارتداد، إلّا إذا قلنا بملكه المتجدّد بعد الردّة فيمكن القول به.
ويلحق بالخطإ شبه العمد.
إذا قتل مرتدّ مرتدّاً فهو لا يخلو إمّا أن يقتل مثله في الارتداد، أو يقتل من كان يخالفه فيه:
أمّا لو قتل مثله- كأن يقتل الفطري فطريّاً آخر- فذهب الأكثر إلى أنّه يقتل قصاصاً، ويقدّم على قتل الردّة؛
لأجل التكافؤ مع تحرّمهما بالإسلام الموجب
لعصمة الدم.
وخالفهم
الشيخ جعفر كاشف الغطاء في إطلاق قوله: «لو قتل مرتدّاً مثله لم يقتل به».
ولعلّ وجه ذلك تقدّم
إجراء قتل الردّة على القصاص لمهدور الدم، لما فيه من المنفعة.
وأمّا لو قتل من يخالفه في الارتداد، فإن كان القاتل ملّياً والمقتول فطريّاً فمقتضى إطلاق عبارة العلّامة [[|والشهيد]] قال في
التحرير: «يقتل المرتدّ بالمسلم وبالمرتدّ، ويقدّم القصاص على قتل الردّة».
وظاهر إطلاقه يشمل ما لو كان القاتل ملّياً والمقتول فطريّاً.وكذا قال في
الدروس: «لو قتل المرتدّ مسلماً أو مرتدّاً عمداً قتل به وقدّم على قتل الردّة».
وهو أيضاً يشمل المقام. أنّه يقتصّ منه ولا يقتل بالردّة.
ولكن نوقش فيه بأنّ القصاص مشكل؛ لأنّ القاتل محقون الدم والمقتول دمه هدر.
وكذا قال
المحقّق النجفي : لو قتل المرتدّ عن ملّة مرتدّاً عن فطرة عمداً فإن قتله لا أثر له، فضلًا عن الخطأ وشبه العمد؛
لأنّه غير محترم الدم فلا يقاد منه.وإن كان المقتول ملّياً فمقتضى ما تقدّم أنّ الفطري يقتل به، بل في
مفتاح الكرامة :أنّه لا ريب فيه.
ولكن فصّل المحقّق النجفي بين ما إذا قتله الفطري قبل
الاستتابة فإنّه يقتل به، وبعدها مع إبائه عن التوبة فلا أثر له؛ لأنّه غير محترم الدم.
ويظهر ممّا تقدّم وما فصّله المحقّق النجفي أنّه لو كان المقتول مهدور الدم بالنسبة إلى القاتل فإنّه لا يقاد به، سواء كانا من سنخ واحد أو مختلفين.ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا لم يرجع المرتدّ إلى الإسلام بعد القتل، وأمّا إذا عاد إلى الإسلام لم يقتل به حتى وإن كان فطريّاً.نعم، لم ترتفع عنه الأحكام الخاصّة التي تثبت عليه بارتداده ومنها القتل، كما تقدّم في البحث عن توبة الفطري.
لو قتل المرتدّ ذمّياً فهل يقاد منه أم لا؟
فصّل الفقهاء في ذلك بين ما إذا رجع المرتدّ إلى
الإسلام بعد القتل وما إذا لم يرجع، فعلى الأوّل لا يقاد منه؛
لعموم «لا يقاد مسلم بكافرٍ»، ولجبّ الإسلام ما قبله.
نعم، يضمن دية الذمّي حينئذٍ كما صرّح بذلك بعضهم.
وأمّا إذا لم يرجع وبقي على ارتداده فإنّه يقاد بالذمّي.
واستدلّ له بقوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»،
وكذا قوله تعالى: «الْحُرُّ بِالْحُرِّ»،
فإنّ مقتضى إطلاقه شموله لمثل المقام؛ لأنّ الخارج عنه هو عنوان المسلم وأنّ المسلم لا يقتل بالكافر لا غيره.
ولا فرق في المقام بين المرتدّ الملّي والفطري، كما هو ظاهر بعضهم وصريح آخرين.
ثمّ إنّ ما ذكر في جناية المرتدّ على النفس يجري في جنايته على ما دون النفس أيضاً.
لو قتل شخص مرتدّاً فإن كان مسلماً لا يقاد منه قطعاً؛ لعدم
التكافؤ ، وأمّا ثبوت الدية عليه- لو رجع بعد ارتداده إلى دين تثبت الدية في قتل أهله
كاليهود والنصارى وغيرهما- ففيه قولان:
الأوّل: عدم ثبوت الدية عليه؛
للأصل،
ولأنّ المقتول
مباح الدم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه»،
ومعه لا موجب للدية، وإن أثم غير
الإمام بقتله
في غير سابّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمّة عليهم السلام، وأمّا السابّ فيجوز لكلّ أحد قتله من غير
إذن الإمام.
ويظهر من هؤلاء أنّه لا فرق في ذلك بين المرتدّ الملّي والفطري، بل صرّح بذلك بعضهم.
القول الثاني: وجوب الدية على المسلم لو كان المقتول ملّياً، استظهره
المحقّق الأردبيلي ؛ مستدلّاً عليه بأنّه غير واجب القتل، فليس دمه هدراً لا عوض له فإنّه يرجى أن يسلم.
واحتمله أيضاً
الفاضل الاصفهاني والمحقّق النجفي
مطلقاً، من دون فرق بين الارتداد عن ملّة أو عن فطرة؛ استناداً إلى أنّه محقون الدم بالنسبة إلى غير
الإمام .وردّ بأنّ غاية ما يجب بقتله بدون إذن الإمام الإثم، كغيره ممّن يتوقّف قتله على إذنه من الزاني واللائط وغيرهما.
واجيب عنه بأنّ مقتضى ذلك عدم القود على الذمّي، بل عدم القود أيضاً بقتل المرتدّ مرتدّاً، مع أنّه مخالف لما جزم به الفقهاء.
ثمّ إنّ المراد من
الدية - بناءً على القول بها- يحتمل دية الذمّي لا الدية التامّة الثابتة في المسلم، ويحتمل التامّ أيضاً؛ لبقاء حرمة
الإسلام ورجائه.
هذا فيما لو قتل مرتدّاً.
وأمّا لو جنى المسلم على المرتد فأسلم بعد الجناية فسرت فلا قصاص ولا دية أيضاً، ولذلك ذكر الفقهاء أنّه لو قطع يد مرتدّ فأسلم ثمّ سرت فلا قود ولا دية، أمّا عدم
القصاص فهو لأنّ التكافؤ في الإسلام ليس بحاصل وقت الجناية كي يصدق قتل المسلم عمداً، وأمّا عدم ثبوت الدية فلأنّ الجناية لم تكن مضمونة، فلم تضمن سرايتها،
كالقطع بالسرقة والقصاص.وقد يحتمل ضمان الدية اعتباراً بحال
الاستقرار ، بل قال المحقّق النجفي- بعد اختياره ما ذهب إليه الفقهاء-: لعلّه لا يخلو من قوّة؛ لأنّه يكفي في الدية استناد القتل إليه ولو بالسراية المتولّدة من فعله.
نعم، لو رمى مرتدّاً فأصابه بعد إسلامه فلا قود، ولكن تثبت الدية هنا، أمّا عدم القصاص فلما مرّ من عدم التكافؤ في أوّل الجناية وهو
الإرسال ، وأمّا ثبوت الدية- أي دية المسلم- فلأنّ
الإصابة صادفت مسلماً محقون الدم.
هذا كلّه فيما لو قتله مسلم.
وأمّا إذا قتله ذمّي فإنّه يقاد اتّفاقاً؛ لأنّ المرتدّ محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي،
فيندرج في عموم أدلّة القصاص،
من دون فرق في ذلك بين المرتدّ الملّي والفطري.
قال الشهيد الثاني: «إذا قتل ذمّي مرتدّاً فمذهب
الأصحاب أنّه يقاد به؛ لأنّه إن كان ملّياً فإسلامه مقبول، وهو محترم به، وإن كان فطريّاً
فاستحقاق قتله للمسلمين، فإذا قتله غيرهم كان كما لو قتل مَن عليه القصاص غير المستحقّ.
وقال المحقّق النجفي: «لو قتل ذمّي مرتدّاً ولو عن فطرة قتل به، بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي، فيندرج في عموم أدلّة القصاص».
قال
العلّامة الحلّي : المشهور أنّ المرتدّ إذا سرق مالًا يقطع يده ثمّ يقتل للارتداد؛ لعموم قوله تعالى: «وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»،
ولأنّ المرتدّ أولى بالزجر من غيره.
ولكنّ في المقام رواية دلّت على أنّ المرتد إذا سرق يدعى إلى الدخول في الإسلام، فإن أبى قطعت يده في السرقة ثمّ قتل.
وقد أفتى بمضمونها
الشيخ الصدوق .
ذكر الفقهاء أنّ الحدّ لا يسقط عن المسلم بعروض الارتداد، سواء بقي على ارتداده أو أسلم بعده.
وكذا جميع الحقوق والجنايات تثبت عليه، سواء لحق بدار الكفر أو لا، وسواء أسلم أو لا.
ويمكن أن يستدلّ لذلك بأنّه مقتضى أدلّة ثبوت تلك الحقوق وهو واضح، ولأنّه لو شكّ في سقوط الحدّ- مثلًا- بعده فالأصل- أي
الاستصحاب - يقتضي بقاءه.
لا تقبل شهادة المرتدّ لا على مسلم ولا على مثله؛
لفسقه وظلمه.
وكذا يمنع المرتدّ من القسامة على المسلم، ولا يجوز له ذلك.
لكن يمكن استظهار صحّة القسامة من عبارة
الشيخ في
المبسوط ، حيث قال:«إذا قتل ولد الرجل وهناك لوث ثبت لوالده القسامة... وإن ارتدّ والده قبل أن يقسم فالأولى ألّا يمكنه الإمام من القسامة وهو مرتدّ كيلا يُقدم على يمين كاذبة...
ومتى خالف حال الردّة وأقسم وقعت موقعها عندنا؛ لعموم الأخبار...(و) لأنّ هذا من أنواع
الاكتساب ، والمرتدّ لا يمنع من الاكتساب للمال في مهلة
الاستتابة ، فإذا أقسم يثبت الدية بالقسامة ووقفت، فإن عاد إلى الإسلام فهي له، وإن مات أو قتل في ردّته كان... لورثته».
وبه قال
العلّامة في
القواعد أيضاً.وعلّق عليه
الفاضل الاصفهاني بقوله:«وهذا يختصّ بالمرتدّ لا عن فطرة مع جهل الحاكم بارتداده ليحلفه؛ فإنّ اليمين لا بتحليفه تقع لاغية».
وهل يخرج المرتدّ عن
الإحصان بارتداده؟
فصّل الفقهاء في ذلك بين المرتدّ الفطري والملّي، وهو أنّ المرتدّ إذا كان عن فطرة خرج عن الإحصان؛ لبينونة زوجته عنه مؤبّداً،
وعليه فلو زنى بعد ارتداده يجلد أوّلًا، ثمّ يقتل للارتداد.وأمّا لو كان ارتداده عن ملّة فلم يخرج عنه؛ لإمكان رجعته إلى زوجته بالعود إلى الإسلام في العدّة،
وعليه فإن زنى في عدّة زوجته كان محصناً، وإن زنى بعد ذلك فليس بمحصن.
ولكن استشكل العلّامة في القواعد بالنسبة إلى خروج الملّي عن الإحصان.ومنشأ
الإشكال منعه من الرجعة حال ردّته فكان كالبائن، ومن تمكّنه منها بالتوبة من دون إذنها فكان كالرجعي.
وقع الكلام بين الفقهاء في تبعيّة ولد المرتدّ للمرتدّ في الأحكام، كما أنّه كذلك في ولد الكافر الأصلي.
ويختلف حكم ذلك بحسب
انعقاد الولد أو تولّده بعد الارتداد أو قبله، فإن ولد للمرتدّ ولد قبل أن يرتدّ فهو بحكم المسلم؛ لأنّه حين إسلام الأب كان مسلماً وبعد ارتداده يشكّ في صيرورته بحكم الكافر فيستصحب الحكم الثابت له قبل ارتداد
الأب .
بل لو علق وانعقد بإسلام أحد أبويه حكم بإسلامه،
ولا يلحق بالكافر إجماعاً؛ لاقتضاء شرف الإسلام وعلوّه لحوقه بالمسلمين؛
ولذلك لو ماتت الامّ مرتدّة وهي حامل به تدفن في مقابر المسلمين.
وأمّا لو انعقدت نطفته في حال ارتداد الأبوين فإنّه يلحق بهما في الكفر،
بناءً على أدلّة التبعيّة فيترتّب عليه أحكام الكافر من
النجاسة وعدم قتل المسلم بقتله وغير ذلك.
نعم، لو تاب الأبوان أو أحدهما ورجع إلى الإسلام يتبعهما الولد في
الطهارة .
ثمّ إذا كان الولد بحكم المسلم- أي إذا كان منعقداً قبل ارتداد أبويه أو أحدهما- فإنّه باقٍ على ذلك إلى أن يبلغ، فإن أقرّ بالإسلام فهو مسلم حقيقة، وإن اختار الكفر فاختلف الفقهاء في أنّه كان عن فطرة أو عن ملّة فيستتاب، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ الطوسي والمحقّق والعلّامة الحلّيان
إلى أنّه يستتاب، فإن تاب وإلّا قتل؛ استناداً إلى أنّه بحكم المرتدّ عن ملّة بناءً على اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ في الردّة عن فطرة والفرض عدمه.
مضافاً إلى أنّ الأصل عدم ثبوت أحكام الفطري حيث يشكّ في ذلك،
والاحتياط في الدماء ودرأ الحدّ بالشبهة.
وذهب بعض آخر إلى أنّه كان بحكم الفطري، فيقتل بارتداده عند بلوغه.
ويظهر ذلك من الشهيد حيث أطلق كون الولد السابق على الارتداد مسلماً،
واستوجهه الشهيد الثاني،
بل صرّح بذلك بعض
وهو ظاهر
ابن حمزة في
الوسيلة،
المعاصرين.
قال في
المسالك : «وإن أظهر الكفر فقد أطلق المصنّف رحمه الله وغيره استتابته، فإن تاب وإلّا قتل، وهذا لا يوافق القواعد المتقدّمة (في التعريف) من أنّ المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة، ولا تقبل توبته، وما وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا. ولو قيل بأنّه يلحقه حينئذٍ حكم المرتد عن فطرة كان وجهاً».
ونوقش فيه
بأنّ ما حضرنا من النصوص ظاهر في الحكم بردّة من وصف الإسلام عن فطرة، بل هو الموافق لمعنى الارتداد الذي هو الرجوع، بل هو ظاهر المرسل في الفقيه عن
عليّ عليه السلام: «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فإن أبى قتل، وإن أسلم الولد لم يجرّ أبويه، ولم يكن بينهما ميراث».
لو قتل ولد المرتدّ المحكوم بحكم المسلم قبل وصفه الكفر فإنّ القاتل يقاد به وإن كان مسلماً،
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لعموم قوله تعالى: «الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ».
ولا فرق في ذلك بين قتله قبل
بلوغه أو بعده.
لكن حكى الفاضل الاصفهاني العدم عن الشيخ في كتاب
اللقطة من المبسوط،
واستظهره العلّامة في
التذكرة حيث قال: «لو قتل بعد البلوغ وقبل الإعراب ففي تعلّق القصاص بقتله قولان:
أحدهما: التعلّق كما لو قتل قبل البلوغ.
والثاني: المنع؛ لأنّ سكوته يحتمل الكفر والجحود، والقصاص يدرأ بالشبهة، ويخالف ما قبل البلوغ؛ فإنّه حينئذٍ محكوم بإسلامه تبعاً، وقد انقطعت التبعيّة بالبلوغ... لكنّ الأظهر منع القصاص وإن كان الأظهر كونه مرتدّاً؛ تعليلًا بالشبهة».
واستشكل المحقّق النجفي في ثبوت القصاص في الفرض أيضاً؛ لعدم الدليل على حكميّة الإسلام بعد البلوغ، والأصل بعد انقطاع التبعيّة بالبلوغ غير أصيل، وأصالة الطهارة لا تقتضي إسلامه الذي هو أمر وجودي.
وتبعه في هذا الإشكال
السيد الگلبايگاني وبعض آخر.
قال السيّد الگلبايگاني في وجه الإشكال: «إنّ الإسلام التبعي الحكمي قد زال بالبلوغ، ولا دليل على التبعيّة بعد ذلك، والإسلام الاستقلالي مفروض العدم؛ لعدم وصفه الإسلام أيضاً. وأمّا التمسّك في بقاء إسلامه بالأصل فهو غير صحيح...(ل) انقطاع التبعيّة بالبلوغ... (و) الظاهر من الآيات والروايات، والتعبير ب (إنّ الذين آمنوا) و (الذين كفروا) هو أنّ الكفر أيضاً أمر وجودي، وعليه فالأصل جارٍ بالنسبة إلى كلّ واحد منهما. لو قيل:الأصل عدم الإسلام، فإنّ في قباله الأصل عدم الكفر، فالأصل لا ينفع شيئاً. نعم، لو كان الكفر هو عدم الإسلام فيمكن تحقّقه بأصالة عدم الإسلام، وإلّا فلم يكن هنا إسلام ولا كفر. وأمّا أصالة الطهارة فهي وإن كانت جارية لكنّها لا تقتضي إسلامه؛ فإنّ الإسلام أمرٌ وجودي، والكفر هو عدمه أو وجود غير الإسلام».
وعليه فيشكل الحكم بالقود إذا قتله قاتل بعد بلوغه قبل وصفه الإسلام.
اختلف الفقهاء في جواز
استرقاق ولد المرتدّ وعدمه بعد البناء على جواز استرقاق الكافر على أقوال وأهمّها إجمالًا ما يلي:
الأوّل: جواز استرقاق ولد المرتدّ، من دون فرق بين أن يكون في دار الإسلام أو في دار الحرب؛ لأنّه كافر بين كافرين فيشمله العمومات المقتضية لاسترقاق ذلك، وهو قول الشيخ في كتاب المرتدّ من الخلاف والمبسوط وبعض آخر.
الثاني: عدم جواز استرقاقه؛ لأنّ أباه لا يسترقّ لاحترامه بالإسلام في المدّة التي كان معتنقاً له قبل ردّته، وهو قول الشيخ في كتاب الردّة من المبسوط وبعض آخر.
الثالث: التفصيل بين ولادته في دار الحرب فيسترقّ، وولادته في دار الإسلام فلا يسترقّ، وهو قول الشيخ في كتاب الردّة من الخلاف.
واستدلّ لذلك- مضافاً إلى الإجماع والأخبار- بأنّه إذا ولد في دار الإسلام فهو في حكم الإسلام، بدلالة أنّ أبويه يلزمان الرجوع إلى الإسلام وإن لم يرجعا قتلا.
ونوقش فيه بأنّه لم يتحقّق الإجماع والأخبار، وإلزام أبويه بالرجوع إلى الإسلام لا يقتضي ثبوت أحكام الإسلام له.
الرابع: جواز استرقاقه إن حضر مع أبيه وقت الحرب، وهو المنسوب إلى أبي علي، إلّا أنّه نوقش فيه بأنّه أضعف من سابقه؛ إذ هو مجرّد اعتبار.
الخامس: احتمال كونه مسلماً؛ لبقاء علاقة الإسلام، وحديث: «كلّ مولود يولد على الفطرة...»،
إلّا أنّه نوقش فيه أيضاً بأنّه ضعيف كسابقه.
الموسوعة الفقهية ج۸، ص۴۴۳-۴۵۵.