الاستتئام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
طلب التوأم وفي
العلم الجديد لهم طريقة خاصة في هذا الموطن وهذه عملية
فنية في
الطب الجديد ولها
أحكام في
الفقه المعاصر.
الاستتئام- على
القياس-
طلب التوأم، الذي هو
ولادة اثنين أو أكثر من
بطن واحد، يقال: قد أتأمت المرأة إذا ولدت اثنين من بطن واحد أي حمل واحد، والولدان توأمان، والجمع توائم مثل
قشعم وقشاعم، وهذا في جميع
الحيوان، وقد يستعار في جميع
المزدوجات وأصله ذلك، فيقال: تاءَم
الثوب: نسجه على
خيطين، وثوب متآم إذا كان سداه ولحمته طاقين طاقين،
وتقول
للباكي: إنّه ليبكي
بدمع توأم إذا قطر
قطرتين معاً.
وذهب بعض
أهل اللغة إلى أنّ توأم فوعل من الوئام، وهو
الموافقة والمشاكلة، فقال: هو يوائمني أي يوافقني، فالتوأم
على هذا أصله ووأم، وهو الذي واءم غيره أي: وافقه، فقلبت الواو الأُولى تاء، وكلّ واحد منهما توأم للآخر أي موافقه.
الاستتئام
اصطلاح علمي مستحدث يطلق على ما توصّل إليه
العلم الحديث من الحصول على توأمين أو أكثر من
بويضة ملقّحة داخل
الرحم بطريقة يأتي شرحها آنفاً.
ومن ملاحظة
التعريف اللغوي يتّضح أنّ هذا الاصطلاح مأخوذ منه لجهة المشابهة أو لأنّ منشأ الجميع
نطفة ملقّحة واحدة.
الاستتئام: هو
إنجاز علمي كشف عنه العالمان
الأمريكيّان (
چيري هال وروبرت ستلمان) خلال اجتماع جمعيّة الخصوبة الأمريكيّة
بمدينة مونتريال بكندا في
أكتوبر عام (۱۹۹۳ م)، وقد تناول
جنين الإنسان رأساً، وحصل هذا الإنجاز العلمي على
جائزة أهمّ بحث في
المؤتمر.
وخلاصة هذا الإنجاز العلمي: هو أنّ
البيضة الناضجة التي تحتوي على (۲۳)
كروموزوما إذا اخترق
جدارها السميك منويّ ناضج يحتوي على (۲۳) كروموزوماً فسوف تلتحم النواتان في
نواة تحمل الكروموزومات الستّة والأربعين (۲۳ زوجاً)، وهي
صفة خلايا الإنسان.
ثمّ يحدث انقسام النواة إلى
جيل بكر من خليّتين، وإلى جيل حفيد من أربع خلايا، وأجيال تالية من
ثمان، ثمّ أجيال من ست عشرة، ثمّ أجيال من اثنتين وثلاثين، ثمّ يحدث الشروع في التخصّص لتكوين أنسجة وأعضاء.
وبما أنّ الانقسام الأوّل للخليّة الامّ إلى خليّتين لا يؤدّي إلى تمزّق الجدار الخلوي السميك، فتكون عندنا خليّة
امّ أصليّة واحدة يتمّ انقسامها لتكوين جنين واحد، ولكن اكتشف العلماء أنّ الانقسام الأوّل إذ يمزّق الجدار السميك فإنّ كلّاً من الخليّتين الناتجتين من الانقسام الأوّل تعتبر نفسها امّاً أصليّة من جديد، وتشرع في الانقسام لتكوين جنين لوحدها، وهذا ما يحدث في
الطبيعة في حالات التوائم المتشابهة (أي التي تنتمي إلى خليّة امّ واحدة).
وبما أنّ العالِمين الأمريكيّين استطاعا أن يركّبا من بعض
الحشائش البحرية مادة صناعية تؤدّي وظيفة هذا الجدار الخلوي السميك فيما إذا تمزّق بعد الانقسام الأوّل، فإذا كسيت به كلّ خليّة من خلايا الجيل الأوّل (الاثنتين) أو الثاني (الأربع) أو حتى الثالث (الثمان)، فإنّها تعتبر نفسها خليّة امّاً من جديد، وتشرع في النموّ إلى جنين، وحينئذٍ تكون تلك التوائم متطابقة في
مادّتها الوراثية، فهي
كالنسخ المتشابهة تماماً.
وبهذه الطريقة استطاع العالِمان (
هال وستلمان) أن يفصلا خلايا الأجيال الاولى ويكسوها بالجدار الخلوي الاصطناعي، فإذا بهما يحصلان من ستة عشر
جنينا باكراً على ثمانية وأربعين جنيناً، كلّ منها
نسخة من خليّتها الامّ (بواقع ثلاثة لكلّ جنين
أصيل في المتوسّط، ولكنّ العالِمين لم يحاولا
زرع تلك الأجنّة في
أرحام النساء، ولكن حسبهما أنّهما أثبتا نجاح التجربة (الاستتئام) وسلامة المنهاج.
هذا، مضافاً إلى أنّ بعض
العلماء الأمريكيين استنسخوا توأماً من
القردة بواسطة خليّة (جنينيّة) واحدة، والقرد أقرب
الحيوانات الثدييّة للإنسان.
وقد ذكرت للاستتئام
فوائد:
منها:
الإسهام في
علاج حالات
العقم التي يعاني
المبيض فيها من فقر بيضي، فلا يفرز إلّا بيضة واحدة عند تنشيطه، فتعمل هذه العمليّة لزرع أربعة من الأجنّة في
الرحم فتكون نسبة النجاح أكبر، كما يحفظ في
التبريد المعمّق أجنّة اخرى لزرعها إذا لم تنجح العمليّة الاولى.
ومنها:
تشخيص المرض الجنيني المحتمل قبل أن يودع الجنين في الرحم، فقد كان الأمر يجري سابقاً على فصل خليّة من الجنين لإجراء التشخيص عليها فإن كان الجنين سليماً غرس وإلّا أهمل، ولكن هذه الطريقة فيها خطر على الجنين بينما إذا فصلنا هذا الجنين إلى توأمين بطريقة الاستتئام فيفحص أحد الأجنّة فإذا تبيّن عدم مرضه يوضع الآخر في الرحم كاملًا غير منقوص.
يرى بعض العلماء المعاصرين جواز هذه العمليّة بحدّ ذاتها ولكن بشرطين:
الأوّل: أن لا تكون هناك
مخاطرة بحياة وصحّة الجنين أو حياة أو صحّة ما سيُكسى جلداً ليصبح منشأ
لطفل جديد؛ لما ثبت
بالأدلّة الشرعيّة من عدم جواز اسقاط مبدأ
نشوء الإنسان وهو اللقيحة، فقد ورد في معتبرة
إسحاق بن عمار قال:
قلت
للإمام الكاظم عليه السلام:
المرأة تخاف
الحبل فتشرب
الدواء فتلقي ما في
بطنها؟
قال: «لا»، قلت: إنّما هو
نطفة، فقال:
«إنّ أوّل ما يُخلق نطفة».
كما يمكن استفادة ذلك من
الروايات في وجوب
الدية على من أسقط النطفة الملقّحة.
الثاني: أن لا يستعمل الاستتئام بشكل يؤدّي إلى اختلال النظام كما لو وزعت اللقيحة إلى عدّة أجنّة واستعملت في وقت واحد ضمن عدّة أرحام فأوجب ذلك عدم التشخيص بين التوائم، بينما التمايز والاختلاف بين أبناء
البشر ضرورة اقتضتها
حكمة اللّه تعالى والنظام
العام متوقّف عليه، فإذا زال اختلّ النظام وحصلت الفوضى ولم يميّز
الظالم من المظلوم والمحترم من غيره والمدّعي من المدّعى عليه، ويسهل
الغش والتزوير والتدليس فتذهب
الحقوق وتعطّل
العدالة بحيث لا يبقى نظام ولا
مجتمع.
بل ذكر أنّ الأجنّة الزائدة التي لم يستفد منها لا يجوز اسقاطها سواء حفظت في
التبريد أم لم تحفظ، لأنّها مبدأ نشوء إنسان وقد دلّت الأدلّة المتقدّمة على
حرمة اسقاط مبدأ نشوء الإنسان أو
الإضرار به.
نعم، إذا جعلت في التبريد قبل أن يصنع لها الجدار الصناعي، فإنّها حينئذٍ لا تكون مبدأ نشوء إنسان، بل إن احتيج إليها في المستقبل جعل لها مداراً خلويّاً لتنقسم وتكون
جنينا، وإن لم يحتج إليها فلا بأس باسقاطها؛ إذ لا دليل على حرمة إتلافها قبل أن تكون مبدأ لنشوء
الإنسان؛ إذ يكون حالها حال
المني الذي يجوز
إهداره.
هذا، وقد كتب أحد
الفقهاء المعاصرين بحثاً مفصّلًا في إحدى المجلّات الفقهيّة التخصّصيّة حول الاستنساخ بأقسامه التي منها الاستتئام نذكر منه هنا ما يخصّ حكم الاستتئام وملخّصه: أنّه لا إشكال في نفس العمليّة. نعم، لا
ريب في
وجوب الاجتناب عن المحرّمات التي ربّما تستلزمها العمليّة كاللمس والنظر المحرّمين إلّا أنّ هذه أحكام مستقلّة لا توجب عدم مراعاتها حرمة نفس الاستنساخ.
نعم، دلّت بعض
الروايات المعتبرة على حرمة
إعدام وإسقاط ما يصلح أن يكون منشأ
للولد من
الرحم في جميع مراحل وجودها ولو كان على مستوى
النطفة كموثّقة إسحاق بن عمار وصحيحة رفاعة،
فإذا استلزم الاستتئام ذلك- كما لعلّه الأغلب- كان
حراما، إلّا أنّ هذا العمل يقع في مقدّمة الوصول إلى الاستتئام فلا يكون الاستتئام محرّماً بمقتضى هذه الروايات.
ما تقدّم كان في
حكم نفس العمليّة، وأمّا حكم الحصيلة المتحصّلة منها ففي
المقال المزبور ما ملخّصه أيضاً: لا
شك في أنّ ما يتحقّق يكون توأمين أو توائم متعدّدة أباً وامّاً وحالهم حال باقي
الإخوة والأخوات في
التوالدالطبيعي ، وكذلك النسبة بينهم وبين سائر
الأقارب.
والأم الحقيقيّة صاحبة
البويضة، وليست الامّ التي غذّته في
رحمها المسمّاة
بالحاضن- كما ذهب إلى ذلك
السيد الخوئي لقوله تعالى: «إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ»
- إذ لا شكّ أنّ الامّ الحقيقيّة
العرفيّة إنّما هي صاحبة البويضة والملاك للُامومة عند العقلاء هو كون النطفة حاصلة من بويضتها على حدّ أنّ
والديّة الأب تكون بسبب أنّ
خلايا الولد ولدت منه.
وأمّا
الآية المشار إليها فهي- على ما يظهر من سياقها- ليست بصدد بيان
تعريف الامّ ولو تعبّداً، وإنّما هي بصدد بيان أنّ
الأم الحقيقية لمن يظاهر من
امرأته هي من ولدته وليست من ظاهر منها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۲۹-۳۳.