موالاة الوضوء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الموالاة: وهي أن يكمل المتوضئ طهارته قبل حصول الجفاف في العضو السابق على اللاحق.
الموالاة
بالنص والإجماع، والمراد بالوجوب هنا معناه الشرعي لا الشرطي خاصة كما ربما يتوهم من أدلتها لا لها، أي
الوجوب الشرعي ليس من جهة أدلة وجوب الموالاة (منه رحمهالله)، بل لعموم الناهي عن إبطال الأعمال. وهي أن يكمل المتوضئ طهارته قبل حصول الجفاف في العضو السابق على اللاحق، وإن لم يتتابعا حقيقةً أو عرفاً، كما هنا وفي اللمعة وشرحها
، وعن
الجمل والعقود والمراسم والغنية والوسيلة والسرائر والشرائع والذكرى
والدروس والبيان والألفية وظاهر الكامل، وهو المشهور بين الأصحاب.
للأصل، وإطلاق
الآية والنصوص، وإطلاق الصحيح فيمن توضأ فبدأ بالشمال قبل اليمين إنه: «يغسل اليمين ويعيد اليسار»
الشامل للعامد. وعن
المقنعة والنهاية والتهذيب والمبسوط والخلاف
والاقتصاد وأحكام الراوندي والمعتبر وكتب العلّامة
: المتابعة الحقيقية حتى يجب أن يعقّب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة،
للاحتياط.
والوضوء البياني مع قوله (علیهالسّلام): «هذا وضوء لا يقبل
اللّه الصلاة إلّا به». والفورية المستفادة من الآية إمّا من الأمر فيها أو الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة أو الإجماع.
والحسن: «أتبع وضوءك بعضه بعضاً»
. والخبر فيمن نسي الذراع والرأس إنه: «يعيد الوضوء، إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً»
.
والأول معارض بالأصل، إمّا بنفسه، لجريانه في المقام ولو كان
عبادة، بناءً على عدم شرطيتها فيها، بل هي واجبة خارجية لا يبطل الوضوء بفواتها، كما هو ظاهر أكثر أصحاب هذا القول، حيث جعلوا الشرط خصوص عدم الجفاف، وأبطلوا الوضوء به لا بفواتها، من حيث عدم تعلقه حينئذ بالعبادة مطلقاً بل بالتكليف الخارجي، ولا فرق حينئذ بينها وبين غيرها. أو به بمعونة ما دلّ على عدم البطلان إلّا بالجفاف من الأخبار لو قيل باشتراطها في الصحة لا وجوبها على حدة، كما عن
المبسوط.
والثاني معارض بهما، أي الأصل وما دلًّ على عدم البطلان (منه رحمه الله)، مضافاً إلى عدم انطباقه من حيث دلالته على الشرطية وعدم القبول الا بها (منه رحمه الله)، على قول الأكثر من أصحاب هذا القول.
والثالث مردود بعدم إفادة الأمر الفورية على الأظهر الأشهر،
والشك في إفادة الفاء المزبور لها للاختلاف فيها، ومنع الإجماع في مثل المقام. وعلى تقدير تسليم الفورية فالثابت منها إنما هو بالنظر إلى نفس الوضوء ومجموعه لا أبعاض أفعاله وأجزائه ولو سلّم فمفادها الفورية بالنسبة إلى
غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة
القيام إلى الصلاة، ولا قائل بها، وصرفها إلى
غسل اليدين وما بعده خاصة ممّا كاد أن يقطع بفساده.
والاتباع المأمور به في الخبرين مراد به
الترتيب ظاهراً على ما يشهد به سياقهما، ومع التنزل فالاحتمال كاف في عدم الدلالة.
وهل يعتبر في الجفاف على القول به جفاف جميع ما سبق؟ كما هو الأشهر الأظهر، وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والبيان وظاهر
الخلاف والنهاية والكامل
والكافي لأبي الصلاح لاستصحاب بقاء الصحة، والاتفاق فتوىً وروايةً على جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين، وظاهر النصوص الناطقة بالبطلان بجفاف الوضوء الظاهر في جفاف الجميع خاصة، منها
الموثق: «إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد على وضوئك، فإنّ الوضوء لا يتبعّض»
والمفهوم منه عدم لزوم
الإعادة مع عدم يبس الوضوء بمجموعه، وهو
حجة على الأصح.
أو جفاف البعض مطلقاً؟ كما عن
الإسكافي، ليقرب من الموالاة الحقيقية، ولعموم جفاف الوضوء الوارد في الأخبار الشامل لجفاف البعض مطلقاً، ولا يخفى ضعفه. أو الأقرب؟ كما عن
الناصريات والمراسم والسرائر
والإرشاد والمهذّب، بناء على تفسير الموالاة بذلك، فإنها إتباع الأعضاء بعضها بعضا، فالجفاف وعدمه إنما يعتبران في العضوين المتصلين. وهو مع ضعفه بما تقدم لا دليل عليه. وفي الصحيح: قلت: ربما توضأت ونفد الماء، فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي، فقال: «أعده»
.
والمستفاد منه ومن الموثق السابق بطلان الوضوء بالجفاف مع التأخير خاصة لا مطلقاً، فإطلاق القول ببطلانه به غير وجيه، بل مقتضى
استصحاب بقاء الصحة صحته لو جفّ بدونه.
وبالجملة الأصل مع فقد ما يدل على البطلان حينئذ لاختصاص الخبرين بحال الضرورة الخاصة دليل الصحة لو جفّ مع الموالاة لشدة حرارة ومثلها، بحيث لولاها واعتدل الهواء لما جفّ وتمَّ
الوضوء. ويظهر من الذكرى كونه وفاقاً بين
الأصحاب، مضافاً إلى الرضوي، وفيه: «فإن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك
الماء من قبل أن تتمّه، ثمَّ اُوتيت بالماء، فأتمّ وضوءك إذا كان ما غسلته رطباً، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّ الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي، جفّ وضوؤك أو لم يجف»
.
وبمضمونه أفتى الصدوقان في الرسالة و
المقنع. وينبغي حمله ككلام الصدوقين على الجفاف لنحو شدّة الحرّ لا على اعتدال الهواء؛ لعدم تبادر غير ما ذكر منهما. ويؤيده ظاهر خبر حريز عن
مولانا الصادق (علیهالسّلام) كما عن مدينة العلم
، وعن
التهذيب وغيره الوقف على
حريز قال: فإن جفّ الأول قبل أن أغسل الذي يليه، قال: «جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي»
إلّا أن الظاهر حمله على
التقية كما يشهد به تتمته. حيث جعل الوضوء مثل غسل في عدم اعتبار الموالاة وجواز التعويق إلى العصر (منه رحمه الله).
والأصح اعتبار الجفاف حسّاً لا تقديراً، فلو لم يحصل لعارض في مدّة مديدة لو فرض فقده لحصل قبلها ولو بكثير صحّ الوضوء، وفاقاً للشهيدين
. وتقييد الأصحاب الجفاف بالهواء المعتدل ليخرج طرف
الإفراط في الحرارة كما ذكرنا، لا لإخراج ما فرضناه، صرّح به
شيخنا في
الذكرى، وكلامه هذا كما ترى ظاهر فيما قدّمناه من عدم البطلان بالجفاف في غير الضرورة الخاصة الناشئة عن التأخير.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۱۴۸-۱۵۳.