الميراث بالولاء العتق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو أن يكون
الإنسان مالكاً لإنسان آخر فيعتقه فيكون حرّاً، فيصبح المالك بعمله هذا وارثاً له بعد موته بشروط تأتي.
و
الأصل فيه- بعد الإجماع عليه من الامّة
- الروايات المتواترة من طرق الفريقين
:
منها: صحيحة
الحلبي و
محمّد بن مسلم عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : الولاء لمن أعتق».
ومنها: رواية
أبي الصباح الكناني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : في امرأة أعتقت رجلًا لمن ولاؤه؟ ولمن ميراثه؟ فقال: «للذي أعتقه».
ومنها: رواية
ثابت بن دينار عن
علي ابن الحسين عليه السلام قال: «... وأمّا حقّ مولاك المنعم عليك أنعمت عليه فإن تعلم أنّ اللَّه جعل عتقك له وسيلة إليه وحجاباً لك من النار، وأنّ ثوابك في العاجل ميراثه».
ومنها: رواية
السكوني عن
جعفر عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الولاء لحمة كلحمة النسب»،
بمعنى أنّه قرابة و
انتساج كانتساج النسب في الميراث.
ووجه المناسبة بينه وبين النسب هو: أنّ المعتق- بالكسر- سبب لوجود المعتق- بالفتح- حكماً؛ لأنّه بالرقّ كالمفقود لنفسه الموجود لسيّده؛ لأنّه لا يستقلّ ولا يتصرّف ولا يملك لنفسه وإنّما لسيّده، فإذا أعتقه ملك كلّ ذلك فصار موجوداً لنفسه فالمعتق- بالكسر- صار سبباً لوجوده الحكمي، كما أنّ
الأب سبب لوجود
الابن حقيقة، فكان الولاء كالنسب مقتضياً للإرث.
ولكنّه يفترق عنه بامور:
الإرث بالنسب ثابت من الطرفين، بخلاف الولاء؛ فإنّه ثابت للمعتِق المعبّر عنه بالمنعِم والمولى- دون العكس
على المشهور،
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لعدم نقل الخلاف إلّا من
ابن الجنيد و
الشيخ الصدوق،
وكأنّه من جهة إطلاق لفظ المولى عليهما،
أو من جهة إطلاق قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «
الولاء لحمة كلحمة النسب»،
ولكنّ
الإطلاق يقيّد
بمثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «الولاء لمن اعتق»،
وغيره من النصوص،
فلا وجه لما ذهبا إليه، ومن هنا ضعّفوه ورموه بالشذوذ.
قال: «المنعم لا يرثه المعتق- بالفتح- بحال؛ للأصل وغيره، ولأنّ الولاء عليه للنعمة عليه وهي مفقودة منه بالنسبة إليه... فما عن ابني الجنيد وبابويه... واضح الضعف، بل الفساد»». نعم، لو دار الولاء بينهما توارثا؛ لوجود السبب، ومثاله: ما لو أسلم
الكافر الأصلي فاشترى عبداً فأعتقه ثمّ ارتدّ ولحق بدار الكفر فسبي واشتراه عتيقه وأعتقه.
يتعلّق بالولاء ثلاثة أحكام: النكاح والعقل والميراث، ويتعلّق بالنسب زائداً على ذلك:
العتق و
الولاية و
الإجبار على
النكاح والشهادة، فالنسب يتعلّق به ما لا يتعلّق بالولاء، فيكون أقوى منه؛ فلأجل ذلك يجب أن يقدّم.
المشهور
أنّ المعتق إذا كان
امرأة وتوفّت فولاؤها لعصبتها دون أولادها، وأمّا إذا كان رجلًا فولاؤه لأولاده الذكور خاصّة، ومع فقدهم فلعصبته.
ويأتي تفصيل ذلك.
•
شرائط الإرث بولاء العتق، يشترط في الإرث بولاء العتق عدّة شروط لا بدّ من توفّرها لكي يرث المولى عتيقه.
إذا اشترك جماعة في العتق اشتركوا في الميراث، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم ذكوراً وإناثاً، بمقدار شركتهم في الحصص،
بلا خلاف
ولا إشكال؛
لأنّ السبب في الإرث هو العتق فيتبع الحصّة، ولا ينظر فيها إلى الذكورة و
الأنوثة كالإرث بالنسب؛ لأنّ ذلك خارج بالنصّ والإجماع، وإلّا لكان مقتضى الشركة خلاف ذلك.
المشهور
أنّه إذا عدم المعتق فإن كان ذكراً انتقل الولاء إلى ورثته الذكور كالأب والبنين دون النساء كالزوجة و
الامّ والبنات، ومع فقدهم فلعصبته، وإن كان انثى انتقل إلى عصبتها، وهم أولاد أبيها دون أولادها ذكوراً وإناثاً.
وتدلّ عليه روايات معتبرة
:
منها: مكاتبة
محمّد بن عمر ، أنّه كتب إلى
أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : يسأله عن رجل مات وكان مولى لرجل وقد مات مولاه قبله وللمولى ابن وبنات، فسأله عن ميراث المولى؟ فقال: «هو للرجال دون النساء».
ومنها: صحيحة
محمّد بن قيس عن
الباقر عليه السلام قال: «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام على امرأة أعتقت رجلًا واشترطت ولاءه ولها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها».
ومنها: صحيحة
بريد العجلي - الطويلة- عن الباقر عليه السلام قال: «... وإن كانت الرقبة التي على أبيه تطوّعاً وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة؛ فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميّت من الرجال...»،
وغيرها من الأخبار الصحيحة الخالية عمّا يصلح للمعارضة.
ومن هنا قال
المحقق النجفي : «يجب الخروج عن خبر اللحمة
وإطلاق أدلّة الإرث ببعض ذلك فضلًا عن جميعه».
مضافاً إلى دعوى عدم الخلاف بل الإجماع عليه.
يرث الولاء أولاد المنعم سواء أ كانوا ذكوراً أم إناثاً؛ لأنّ الولاء لحمة كلحمة النسب، ذهب إليه الشيخ الصدوق،
واستحسنه
المحقّق الحلّي .
يرثه وارث المال مطلقاً، نقل هذا القول عن
العماني ، وجعله مشهوراً متعالماً؛
لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «... الدية تقسّم على من أحرز الميراث»،
يرثه أولاده
الذكور دون
الإناث رجلًا كان المنعم أو امرأة، فإن لم يكن له ذكور ترثه عصبته، ذهب إليه
الشيخ المفيد .
يرثه أولاده مطلقاً إن كان المنعم رجلًا، بل يرثه جميع ذوي أنسابه على وتيرة النسب سوى المتقرّبين بالام، وإن كان امرأة يرثها عصبتها دون أولادها مطلقاً، ذهب إليه الشيخ في الخلاف وموضع من
الاستبصار و
ابن إدريس والشهيد،
اشتراك أبوي المعتق مع الأولاد في الإرث بالولاء: المشهور
أنّ أولاد المعتق لا يمنعون أبويه من الإرث بل يرثون على ترتيب الإرث بالنسب، بل لا خلاف إلّا من ابن الجنيد، فإنّه قدّم الولد على
الأبوين والجدّ على
الأخ .
ولكن قوله شاذّ ضعيف؛
ومن هنا ادعي الإجماع على ترتيب الإرث بالولاء كالنسب.
ويقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم، ويرث كلّ منهم نصيب من يتقرّب به كما تقدّم في الميراث بالقرابة،
فلو خلّف أحدهم- مثلًا- ولداً والآخر عشرة كان الميراث بينهم نصفين.
ومع فقد الأبوين والأولاد وإن نزلوا يكون الولاء للإخوة والأجداد من الأب دون الأخوات والجدّات والأجداد من الامّ،
ومع فقدهم فللأعمام دون الأخوال والعمّات والخالات،
ولكن ذهب
الشيخ الطوسي في بعض كتبه إلى أنّ الأخوات يرثن، واختاره المحقّق في
الشرائع أيضاً؛
لأنّ الولاء لحمة كلحمة النسب.
وفي الشرائع و
التحرير ألحق بهنّ الجدّات والعمّات أيضاً.
ومع فقد قرابة المعتق يرثه المعتق له فإن عدم وكان ذكراً ورثه أولاده الذكور وأبوه وأقاربه من الأب دون الامّ،
وإن كان انثى ورثتها العصبة.
قال: «الضابط: أنّه يرث الولاء معتق المورّث ولو بواسطة أو وسائط، لكن يقدّم المباشر، ثمّ أقاربه... ثمّ معتق المعتق، ثمّ لأقاربه... ومع عدم ذلك كلّه فلمعتق معتق المعتق، ثمّ لأقاربه وهكذا، فإن فقد الجميع انتقل الإرث إلى معتق أب المعتق، ثمّ معتق هذا المعتق، وهكذا كالأوّل».
اختصاص الإرث بالولاء بالمعتِق: المشهور
أنّه لا يرث العتيق مولاه، بل إذا لم يكن له قريب ولا ضامن جريرة كان ميراثه للإمام؛
لأنّ الإرث يحتاج إلى سبب شرعي يستند إليه، ولم يثبت ذلك هنا شرعاً بل ثبت خلافه، حيث انحصر الولاء في النصوص بمن أعتق
كما في قول الصادقين عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الولاء لمن أعتق»،
و «إنّما الولاء لمن أعتق»،
وخالف في ذلك الشيخ الصدوق
وابن الجنيد
فحكما بإرث العتيق مولاه إذا لم يخلف وارثاً غيره؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الولاء لحمة كلحمة النسب».
وهذا القول ضعيف؛
لأنّ الولاء على العتيق لأجل إنعام المولى بعتقه له، وهو مفقود من ناحية العتيق، فيكون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الولاء لحمة كلحمة النسب» خاصّاً بالمولى باعتبار إنعامه .
إرث الولاء وعدمه: المشهور عند الفقهاء
أنّ الولاء لا يورث؛
لأنّ ذلك قد حصل للمولى بعتقه،
فيكون من الحقوق الشخصيّة التي لا يتصوّر نقلها إلى الغير؛ ولهذا لم يختلفوا في أنّه لا يباع ولا يوهب ولا يشترط في بيع بالإجماع.
نعم، نسب إلى جماعة أنّه يورث،
وقد رجّحه بعضهم؛
لما رواه بريد العجلي عن الباقر عليه السلام: «فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميّت من الرجال».
وذهب المحقّق النجفي إلى: أنّ الولاء غير قابل للانتقال، حيث قال: «ومن ذلك يعلم وجوب
إرادة الانتقال كالميراث من الموروث في حسن بريد».
وهو أعمّ من أنّه موروث أو يورث به فلا دلالة فيها عليه.
جرّ الولاء: والمراد به انتقال الولاء من معتق إلى معتق آخر،
كأن يكون ولدٌ أبوه عبدٌ وامّه معتقَة فهنا ولاء الولد لمعتق امّه، فلو عتق أبوه ينتقل ولاؤه إلى معتق أبيه، ويسمّى هذا ب (
جرّ الولاء ).
وهناك (جرّ الجرّ)
وهو فيما إذا أعتق أوّلًا جدّ الولد ثمّ أعتق أبوه فينجرّ ولاؤه أوّلًا إلى جدّه ومنه إلى أبيه. ولا يتحقّق جرّ الولاء إلّا بعد توفّر الشروط التالية وهي:
أن يكون الأولاد ولدوا أحراراً، فلو ولدوا أرقّاء من الطرفين ثمّ اعتقوا فولاؤهم لمن باشر عتقهم
إجماعاً؛ للأصل،
ولأنّ
إنعام من أعتق الولد أعظم من إنعام من أعتق بعض اصوله.
أن لا تكون الحرّية أصليّة، فلو كان أحد أبويه حرّاً فلا ولاء لأحد عليه؛ باعتبار لحوقه
بأشرف الأبوين.
أن يعتق الأب، فلو مات على الرقّ لم يجرّ.
أن لا يباشر بالعتق، فلو ولدت المعتقة عبداً فأعتقه مولاه فلا جرّ.
وأمّا حكمه فأجمع الفقهاء
على أنّه إذا حملت الأمة المعتقة بعد العتق من رقّ فالولد حرّ، وولاؤه لمولى الأمة الذي أعتقها، فإذا اعتق أبوه انجرّ الولاء من معتق امّه إلى معتق أبيه؛
لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «يجرّ الأب الولاء إذا اعتق».
فإن فقد فإلى ورثته الذكور ثمّ إلى عصبته، ثمّ إلى معتق معتق معتق أبيه وهكذا، فإن فقد الموالي وعصباتهم فلمولى عصبة موالي الأب، ثمّ إلى عصبات موالي العصبات، فإن فقد الموالي وعصباتهم ومواليهم فإلى
ضامن الجريرة فإن لم يكن فإلى
الإمام عليه السلام، ولا يرجع إلى مولى الامّ؛
لأنّه يحتاج إلى دليل وهو منتفٍ هنا،
مضافاً إلى أنّ جرّ الولاء إنّما يكون من الأضعف إلى الأقوى، لا العكس.
لكن حكي عن
ابن عبّاس الحكم بالرجوع إلى مولى الامّ؛ لأنّ مولى الأب كان بمنزلة المانع له، فإذا عدم فقد سلم ولاؤه عن المانع.
وقد استوجهه صاحب الجواهر: «باعتبار صيرورته أقرب الناس إليه وكونه من مواليه لغة وعرفاً، وإنّما قدّم عليه مولى الأب؛ لأنّه أقرب منه».
ولو كان للمعتق- بالفتح- زوج ردّ عليه ولم يرثه الإمام، ولو كان له زوجة فردّ الزائد عن نصيبها مبنى على الخلاف المتقدّم في ميراث الزوجة، وقال
السيد الخوئي : «كان الزائد على نصيبها للإمام».
وإذا مات المولى عن ابنين ثمّ مات المعتق- بالفتح- بعد موت أحدهما اشترك الابن الحيّ وورثة الميّت الذكور؛ لأنّ إرثهم من أجل إرث الولاء.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۲۹۰- ۳۰۳.