انتهاء الإباحة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تنتهي
الإباحة بانتهاء السبب الموجب لها:
۱- ففي
الإباحة الشرعيّة تنتهي بزوال العنوان الموجب له، سواء من جهة
إذن الشارع فيه بعنوانه الخاص كحق المارّة، أو من جهة طروّ أحد العناوين المبيحة والرافعة للتكليف
كالاضطرار والحرج والمرض والسفر والصغر وغيرها مما تقدّم تفصيلها. فإذا انتفى أحد العناوين المذكورة المستوجبة للاباحة رجع الحظر لا محالة وانتهت الرخصة.
۲- وفي الإباحة المالكية والتي كانت من جهة إذن المالك أو الولي تنتهي الإباحة بانتهاء المأذونية بأحد امور:
۱-
انتهاء مدّتها إذا كانت مقيدة ومحدودة بزمن معيّن.
۲- رجوع الآذن عن إذنه ورضاه بالتصرف حيث إنّه ليس ملزماً به، وإنّما هو تبرع منه.قال
المحقق الاصفهاني : «ينبغي أن يعلم أنّ إباحة التصرف في المال تارة تستند إلى إذن المالك ورضاه، فمثلها بقاؤها ببقائها كحدوثها بحدوثهما».
وقال
السيد الگلبايگاني : «وبالجملة إن كانت الإباحة مالية فالأصل هو الجواز، فمتى أراد الرجوع عن إباحته كان له ذلك».
ولو فرض حصول الإذن المذكور ضمن عقد من العقود الإذنية فأيضاً يجوز له الرجوع؛ لأنّ العقود الإذنية جائزة وليست لازمة، فإنّ أدلّة اللزوم مخصوصة بالعقود العهدية المشتملة على
الالتزام والتعهد على ما هو مبحوث في محلّه من مصطلح (العقد).قال
السيد الخوئي : «إنّما (المضاربة) مجرد إباحة وإذن في التصرف من أحدهما وقبول من الآخر
كالعارية وعليه فمتى ما رجع الآذن في إذنه لكون مسلطاً على ماله يتصرف فيه كيف يشاء ارتفع الموضوع ومعه ينتفي الحكم لا محالة».
كما أنّ الإباحة في عقد
المعاطاة أيضاً غير لازمة عند القائلين بها، فيجوز الرجوع فيها، بل قيل بزوالها بمجرد كراهة المالك.
قال المحقق الاصفهاني: «فالإباحة المعاطاتية إمّا على طبق القاعدة وهي الإباحة الشرعية المستندة إلى رضا المالك ضمناً... وإمّا على خلاف القاعدة استناداً إلى
السيرة مثلًا، فهي تعبّدية محضة وإن لم يكن سبب مملّك ولا مبيح من المالك.فعلى الأوّل لا يعقل الشك في
ارتفاع الإباحة بسبب الرجوع وتبدّل
الرضا بالكراهة لبقاء المعلول ببقاء علّته حدوثاً وبقاءً، وفرض كون الرضا علّة محدثة فقط فرض تعبدية الإباحة بقاءً، وانّه خلاف القاعدة، وهو خلف».
وهناك بحث في أنّ رجوع الآذن يكفي واقعاً لزوال أثر الإباحة وجواز التصرف أو لا بدّ من وصوله إلى المأذون أيضاً كما ثبت ذلك في مثل عقد
الوكالة ؟ يطلب تفصيله في مصطلح (إذن).
۳- موت الآذن أو المأذون له، فإنّه أيضاً يوجب انتهاء الإباحة بانتهاء الإذن أو العقد الإذني؛ فانّه ينتفي
بانتفاء الآذن أو المأذون له، وهو واضح؛ لأنّه بموت الآذن ينتقل المال إلى وارثه وهو لم يأذن، وبموت المأذون ينتفي من ابيح له ولا تنتقل الإباحة إلى ورثته؛ إذ لم يكن حقّاً وملكاً له، وإنّما مجرد إباحة وإذن في تصرفه بشخصه إلّا إذا نصّ الآذن على خلافه، وانّه يأذن لورثته بالتصرّف أيضاً، فيكون إذناً آخر بحسب الحقيقة أو يثبت الإذن منه بشهادة الحال برضاه لسكوته عن
المطالبة بماله أو تقوم السيرة على ذلك.
قال
السيد بحر العلوم في المعاطاة بناءً على إفادتها الإباحة: «فيما لو مات المتعاطيان فينتقل كل من العينين... إلى وارث المالك بناءً على الإباحة، وعليه فلا يجوز التصرف لكل من ورثة الطرفين إلّا بإذن جديد من المالك الوارث إن كانت الإباحة أو بتجديد المعاملة بينهما لعدم تأثير إذن المورث في إباحة الوارث إن كانت الإباحة مالكية، وكذلك إن كانت شرعية؛ لقصور دليلها بالنسبة إلى غير المتعاطيين... وبناءً على الإباحة فلا يجوز للحيّ التصرف فيما بيده؛ لتوقّفه على الإذن من وارث المالك إن كانت الإباحة مالكية، أو شمول دليلها لهذه الصورة إن كانت شرعية، كما عرفت.
وأمّا تصرف ورثة الميت فقد يقال بجوازه إن كانت الإباحة مالكية؛ لتحقق الإذن أو بشاهد الحال من المالك الموجود الظاهر في شموله لجميع طبقات الطرف الآخر. اللهم إلّا أن يمنع ظهور الحال في رضائه بالتصرف في ماله في كونه ممنوعاً عن
التصرف فيما هو بيده.وبالجملة فالمدار على القول بالإباحة في جواز التصرف على تحقق الإذن من المالك الفعلي أو من المالك الحقيقي، وهو غير مندرج تحت قاعدة كلية.هذا بحسب ما تقتضيه القاعدة من الفرق بين القولين، فإن قام دليل من
إجماع أو سيرة على جواز التصرف في صورة موتهما أو موت أحدهما من غير توقّف على إذن جديد فهو خروج عن القاعدة وتخصيص لها بدليل خاص».
۴- زوال المباح له أو بعضه عن ملك الآذن، فإنّه يوجب انتهاء الإباحة، وهو في الفروج واضح؛
لاستلزامه التبعّض في
النكاح ، فلا يجوز وطء
الأمة التي تحرّر بعضها لا بالعقد ولا بالاباحة الحقيّة المترتّبة على الملك للمالك أو غيره.قال
الشيخ المفيد : «إذا كاتب الرجل أمته فأدّت من مكاتبتها شيئاً حرم عليه وطؤها؛ لأنّه يعتق منها بحساب ما أدّت، فلا يجوز
استباحة فرجها حينئذٍ بملك اليمين وبعضها حرّ، ولا يصحّ عليها عقد النكاح وبعضها رقّ له».
وقال
الشهيد الثاني : «يحرم عليه ( أي المولى) وطء الأمة المكاتبة عقداً وملكاً بإذنها وغيره».
كما لا يجوز وطء المالك لبعض الأمة وإن أباحه الشريك حصّته عند الأكثر.
قال المحدّث البحراني: «الأمة إذا كانت مشتركة بين شريكين فأحلّ أحد الشريكين للآخر وطأها فهل تحلّ بذلك؟الأكثر على العدم، قالوا: لاستلزامه تبعيض سبب الإباحة... وذهب
ابن إدريس إلى حلّها بذلك... والظاهر هو ما ذهب إليه ابن إدريس».
وأمّا في غير الفروج، فإن كانت الشركة على وجه
الإشاعة أو استلزم التصرف في المباح له التصرف في الجميع فإنّ طروّ الشركة يوجب انتهاء الإباحة ما لم يعلم برضا الشريك.
۳- وفي المباحات العامة تنتهي الإباحة بمنع من قبل إمام المسلمين عن
الانتفاع أو التملك لها؛ فإنّه بمقتضى ولايته العامة له أن يمنع عن التصرف في الثروات الطبيعية المشتركة حسب ما يراه مصلحة وتنظيماً أفضل للثروات العامة التي لا بدّ وأن تصرف فيما يكون بصلاح الامّة وادارة امورها وحاجاتها.كما تنتهي أيضاً بسبق حق أحد الناس إذا سبق إلى الانتفاع أو التملك لمنفعة من تلك المنافع العامّة، فإنّه لا يجوز للاحق حينئذٍ مزاحمته؛ فإنّ الحق للأسبق، كما تقدّمت
الاشارة إليه في بعض النصوص المتقدّمة.
۴- وتنتهي الإباحة الحاصلة بسبب
التولية بانتهاء الولاية: امّا من جهة الولي أو من جهة المولى عليه. فالأوّل كما إذا كانت ولاية الولي محدودة ومقيدة بزمان معين أو بشرط. والثاني كما إذا بلغ الصغير وأصبح رشيداً فانّه تنتهي ولاية
الأب أو
الجد أو القيم عليه بذلك.
۵- وتنتهي إباحة الدم والمال المجعولة كعقوبة بانتهاء موضوع العقوبة، ففي
الكافر الحربي تنتهي هذه الإباحة
باسلامه أو دخوله في الذمة أو
الأمان أو المعاهدة، وفي المرتدّ أو سابّ
النبي تنتهي مهدوريّة دمه بالتوبة قبل الظفر به بناءً على القول بقبول
توبة المرتدّ قبل الظفر به مطلقاً أو في بعض أقسامه. وتفصيله يطلب من مظانّه.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۱۴۱-۱۴۵.