الانتهاب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو أخذ الشيء
ظلماً وقهراً وبالغارة والسلب.
الانتهاب: من نهب نهباً، إذا أخذ الشيء بالغارة والسلب. والنهبة والنهبى
اسم للانتهاب، واسم للمنهوب.
واستعمله
الفقهاء بنفس المعنى اللغوي، والأكثر على أنّه أخذ الشيء قهراً، أي مغالبة. وفي قول
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث
أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام : «...ولا ينهب نهبة ذات شرف حين ينهبها وهو مؤمن».
قال
العلّامة المجلسي : «قال الوالد قدس سره: الظاهر أنّ هذا هو النهب بالظلم والغصب، وما ينثر في الأعراس إباحة...».
يقال: خلس الشيء اختلسه، أي استلبه في خفية، واختطفه بسرعة عن غفلة، و
المختلس : هو الذي يأخذ المال جهرة معتمداً على السرعة في
الهرب .
وبهذا يفترق عن الانتهاب حيث إنّ الأخذ بسرعة غير مأخوذ في الانتهاب، كما أنّ المنتهب لا يستخفي في الأخذ. وقيل: المختلس: هو الذي يأخذ المال من غير الحرز.
وهو أخذ الشيء ظلماً وقهراً،
وفي
النهاية : ظلماً وعدواناً.
فهو يفترق عن الانتهاب بأنّه لا يكون إلّا بأخذ شيء ممنوع منه، بينما الانتهاب يكون في بعض صوره مباحاً.
قيل: هو بمعنى أخذ الشيء خلسة، قال
الجوهري : «سلبت الشيء سلباً، و
الاستلاب :
الاختلاس ».
والسلب: ما يأخذه أحد القِرنين في الحرب من قِرنه، ممّا يكون عليه ومعه من ثياب وسلاح ودابّة.
وقد اتّضحت النسبة بينه وبين الانتهاب ممّا تقدّم.
قال
الفراهيدي : «
الغلول : خيانة الفيء»،
وقال الجوهري: «قال أبو عبيد: الغلول في
المغنم خاصّة...»،
فالغلول: هو الأخذ من
الغنيمة قبل أن تقسّم، وهو لا يجتمع مع الانتهاب في القسم المأذون منه، بل الانتهاب أعمّ منه من ناحية
الموضوع .
يمكن تقسيم الانتهاب إلى ثلاثة أنواع يختلف الحكم في كلّ نوع منها عنه في النوع الآخر، وهي:
لو انتهب مال غيره دون رضا مالكه بذلك، فمن الواضح أنّ هذا النوع من الانتهاب محرّم؛ وذلك لأنّه أخذ للمال غصباً وسرقةً، وهو من أشدّ المحرّمات، ويكون فاعله معاقباً، كما أنّه ضامن للمال المنهوب. وبهذا يظهر أنّ الانتهاب للمال المحترم من غير رضا المالك بالأخذ أو بكيفية الأخذ يكون حراماً.
والانتهاب بلحاظ متعلّقه وظرفه يقع على نحوين:
۱- أن يكون المنتهب مالًا خاصاً، ويكون برضا المالك، ولا بأس به حينئذٍ على تفصيل، وهو أنّ رضا المالك قد يكون بأخذ المال دون كيفية الأخذ، وقد يكون بأخذه بأيّ كيفية من الكيفيات، فعلى الأوّل وإن جاز أخذ المال بما هو أخذ له إلّاأنّه يكون حراماً بلحاظ الكيفية التي لا يرضى بها المالك.
۲- أن يكون المال المنتهب من الأملاك العامة و
المباحات العامة أو الأملاك الراجعة إلى
الدولة الإسلامية ، ومن الواضح في هذه الحال أنّه إذا كان بغير
إذن الحاكم الشرعي أو كان بطريقة تضرّ
باستفادة الناس وسائر المسلمين بالمال العام حرم؛ لأنّه تعرّض لمال الغير بغير إذن وليّه المتولّي أمره، كما في أموال الدولة بناءً على القول بملكيتها، أو هو
إضرار بالغير، كما لو كان أخذاً للمال العام و
المباحات المشتركة بطريقة تضرّ بعامّة المسلمين.
أمّا إذا كان بإذن الحاكم الشرعي ورضاه دون الإضرار بحق سائر
المسلمين فلا يكون حراماً.
لا إشكال في جواز انتهاب مال الغير مع رضا مالكه بذلك عند الفقهاء،
باعتبار أنّ أخذ المال برضا المالك حلال، والانتهاب نوع من الأخذ، إلّاأنّه لو فرض أنّ المالك لا يرضى بالأخذ على نحو الانتهاب أصبح حراماً كما قلنا؛ لأنّ خصوصية الأخذ وكيفيته قد تكون دخيلة في رضا المالك بالأخف، كما أنّ انتهاب المال حتى إذا رضي به صاحب المال
أمر مكروه يشتمل على ما يكون مكروهاً شرعاً، بل وقد يكون حراماً أحياناً، فينبغي التنزّه عنه.
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ ترك الانتهاب أولى لذوي المروّات.
قال
العلّامة الحلّي : «وبالجملة، التنزّه عنه (ما ينثر في الأعراس) مطلقاً أحبّ إليّ وأولى؛ لما في الانتهاب من
التهاتر و
التزاحم ... فإنّ
أرباب المروّات يترفّعون عن مزاحمة سفلة الناس، ويصونون أنفسهم عن مدافعتهم وتهاوشهم على شيء من الطعام أو غيره؛ لاشتماله على دناءة النفس».
لعلّ من مصاديق هذا النوع من الانتهاب ما يقدّمه صاحب البيت لضيفه من طعام أو شراب أو حلويات، أو ما ينثر في الأعراس والمناسبات، حيث إنّ صاحب الطعام بدلالة شاهد حاله يرضى بأكل ما قدّمه لضيفه من طعام أو ما نثره في
العرس منه حسب النحو المتعارف. أمّا الانتهاب أو الأخذ منه ليؤكل في موضع آخر فهذا ممّا لم يظهر من كلام أو حال المالك. وعليه، فإن كان في كلامه ظهور في
اشتراط جواز
الأكل أو
الأخذ بما كان متعارفاً بينهم فلا إشكال في حرمة الانتهاب.
وإن لم يكن هناك مثل هذا الظهور ففي جواز الانتهاب وعدمه يأتي البحث الذي اختلفت فيه كلمات الفقهاء، حيث رجّح
الشيخ الطوسي استحباب عدم الانتهاب، قال: «نثر السكّر واللوز في الولائم وغير ذلك جائز... وينبغي أن لا ينتهب، وتركه أولى على كلّ حال».
بينما أورد
القاضي ابن البرّاج الانتهاب في سياق النواهي، حيث قال: «ونهي عن
القمار ، و
النثار الذي يؤخذ
اختطافاً وانتهاباً...».
وصرّح بكراهة الانتهاب
ابن إدريس الحلّي بقوله: «نثر السكّر والجوز واللوز وغير ذلك في الولائم مكروه إذا اخذ على طريق الانتهاب...».
ومن الواضح أنّه يريد من النثر هنا المنثور.
كما وصرّح بالكراهة العلّامة الحلّي في بعض كتبه كالتذكرة،
ورجّحها في بعض آخر كالمختلف،
مع تصريحه في موضع آخر من
التذكرة بجواز الانتهاب إذا علم من صاحب الطعام إباحته.
وصرّح في
القواعد و
المنتهى بحرمة الانتهاب إذا لم يعلم قصد المالك إباحته لما ينثره، أو علم بكراهته للانتهاب.
وصرّح بعض الفقهاء بالجواز؛
عملًا بشاهد الحال المستمرّ في سائر الأعصار ما لم تعلم
الكراهة .
وذهب
المحقّق النجفي أيضاً إلى القول بجواز الأكل مع العلم بالإباحة، ومع
الاشتباه فالعدم، حيث قال: «أكل ما ينثر في الأعراس جائز بلا خلاف ولا إشكال؛ عملًا بشاهد الحال الذي عليه السيرة في سائر الأعصار والأمصار، من غير فرق في النثر بين جعله عامّاً وخاصّاً بفريق معيّن وإن اختصّ الجواز حينئذٍ في الثاني بذلك الفريق...كما أنّه لا يجوز أخذه على وجه النقل إلّا بإذن أربابه، نطقاً أو بشاهد الحال الحاصل من نحو رميه على جهة العموم، من غير وضعه على خوان ونحوه، وإلّا لم يجز حتى مع اشتباه الحال؛ لأنّ
الأصل المنع من التصرّف في مال الغير إلّا بالإذن».
ومن مجموع هذه الكلمات يظهر
اتّفاق الجميع على جواز الانتهاب مع العلم بأنّ صاحب الطعام قد أذن أو أباح أكله أو أخذه بأيّ نحو كان، سواء كانت
الإباحة باللفظ أو بشاهد الحال، وإن كان المعروف بينهم كراهة الأكل أو الأخذ، وهو لا يتنافى مع القول بالجواز.
نعم، مع العلم بكراهة صاحب المال أن ينتهب ما يقدّمه أو ينثره أو يؤخذ على وجه النقل يحرم الأخذ والانتهاب، وهو مقتضى القواعد؛ لأنّ الأصل المنع من التصرّف في مال الغير إلّابإذنه، فإن علم بأنّه يأذن في الأخذ بأيّ نحو، كان الحكم جواز الأخذ، وإن لم يعلم بالإباحة أو الإذن واشتبه الحال يثبت التحريم ولو
لأصالة عدم
الإذن والرضا بالأخذ.
وأمّا النصوص الواردة في المقام فهي:
۱- ما رواه
الحسين بن أبي العلاء عن
الإمام الصادق عن
آبائه عليهم السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام : دَخَلت
امّ أيمن على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي ملحفها شيء، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ما معك يا امّ أيمن؟ فقالت: إنّ فلانة أملكوها فنثروا عليها، فأخذت من نثارهم...».
۲- مرسل
دعائم الإسلام عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : أنّه نهى عن القمار و
النهبة والنثار.
۳- رواية
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا تصلح
المقامرة ولا النهبة».
۴- ما رواه
علي بن جعفر عن
أخيه أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن النثار من السكّر واللوز وأشباهه، أيحلّ أكله؟ قال: «يكره أكل ما انتهب».
۵- ما رواه
إسحاق بن عمّار ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:
الإملاك يكون والعُرس فينثرون على القوم، فقال: «حرام، ولكن ما أعطوك منه فخذ».
والظاهر من الخبر الأوّل جواز أخذ النثار؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يردع امّ أيمن عن ذلك. والخبر الأخير فيه تصريح بالحرمة، وما قبله بالكراهة.
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بالقول بأنّ أخذ النثار أو أكله على جهة الانتهاب من دون العلم بالإذن أو الإباحة ولو بشاهد الحال محرّم، وأنّ أخذه وانتهابه مع العلم بالإذن والإباحة في أخذه فهو جائز. نعم، قد يقال بالكراهة لما بيّنه بعضهم؛ لمنافاته مع
المروءة ، والكراهة صريح بعض هذه النصوص.
ويتبيّن ممّا تقدّم من البحث حكم أكل المنتهَب بعد أخذه وحيازته من قبل الآخذ، فبناءً على جواز أخذه والتصرّف به مع العلم بإباحة صاحب الطعام ذلك من دون تقييد في اسلوب الأخذ والتصرّف، يجوز الأكل من المال المنتهب وإن صرّح البعض
- كما هو صريح بعض النصوص
- بكراهة الأكل منه، وقد تقدّم بحثه.
وأشار
الشهيد الثاني إلى حكم أكل الحاضر من الطعام المنتهب والذي حكم بجوازه، وأنّه هل يباح الأكل من غير أن يحكم بالملك أم يملك؟ ثمّ ذكر بأنّه فيه القولان الواردان في ملك الآخذ المباح المنتهب بالأخذ أو إباحته.
ومن الامور التي تتفرّع على الحكم بجواز أخذ ما يُنثر ولو انتهاباً هو الكلام في تملّكه بعد الأخذ، فهل يملكه الآخذ بمجرّد الأخذ أم لا؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الآخذ يملك ما انتهبه،
حيث يعتبر بمنزلة الحيازة للمباح الأصلي، واستدلّوا عليه بالسيرة القطعيّة في الأعصار والأمصار على معاملته معاملة المملوك بالبيع والهبة و
الإرث وغيرها.
وهو كذلك في كلّ مال أعرض عنه صاحبه أو أعطاه هبة أو أباح تملكه، ورمي النثار على الناس هو من باب
الإعراض الرافع لمنع تملّك الغير له، فضلًا عن الإباحة (إباحة التملّك) المتحقّقة في المقام.
وذهب آخرون إلى خلاف ذلك، حيث حكموا ببقاء المال على ملك مالكه حتى يحصل سبب يقتضي النقل، وما وقع إنّما يعلم منه
إفادة الإباحة.
قال الشهيد الثاني: «والفرق بينه وبين
مباح الأصل واضح؛ لأنّ ذلك لا ملك لأحدٍ عليه، فإثبات اليد عليه مع نيّة التملّك كافٍ في تملّكه، بخلاف المملوك إذا ابيح بالإذن؛ فإنّ ذلك لا يخرج عن أصل الملك، وإثبات يد المأذون له فيه ليس من الأسباب الناقلة للملك شرعاً، فيتمسّك
بالاستصحاب إلى أن يعلم المزيل».
وتحقيق المسألة يبتني على أنّ صاحب المال إمّا أن يصرّح بالتمليك، أو لا يصرّح به، وعلى الثاني إمّا أن يصرّح بالإباحة، أو ينثر المال من دون تصريح بالإباحة ولكن شاهد الحال يدلّ على أنّه يبيحه ويعرض عنه. وحكم المسألة مع
التصريح بالتمليك واضح بلا إشكال؛ فإنّ الآخذ يتملّكه. وكذا يتملّك الآخذ ما انتهبه مع تصريح المالك
بالإعطاء هبة أو للتملّك، بأن أباح التملّك، بناءً على كفاية ذلك في التملّك بالأخذ بقصد التملّك بالإباحة، وقصد الآخذ التملّك بأخذه المال. ولو لم يقصده يأتي الكلام في البحث المعروف بأنّ تملّك المباحات هل يحتاج إلى قصد التملّك أم لا؟
أمّا الحكم مع عدم تصريح المالك بالإباحة ولكن شاهد حاله يدلّ عليه وأنّه أعرض عن المال، فإنّه يبتني على أنّ الإعراض مزيل للملك أم لا، فبناءً على كونه مزيلًا- كما ذهب إليه بعضٌ
- فإن قصد الآخذ تملّك المنتَهب بالأخذ صار مالكاً لما يأخذه، وكذا يصير مالكاً له وإن لم يقصد التملّك، بناءً على عدم
احتياجه للقصد.
وأمّا بناءً على أنّ الإعراض لا يزيل الملك- بل يبقى المال المعرض عنه على ملك مالكه الأصلي- فلا يقتضي الإعراض إلّا إباحة التصرّف في المعرض عنه، لا الخروج عن الملك.
نعم، قد يحصل التملّك بالتصرّف المتوقّف على الملك، وهو ما ذهب إليه بعض الفقهاء،
فلا يتملّك الآخذ لما يأخذه حتى لو قصد التملّك.
قال
السيّد الخوئي : «إنّ ملاحظة السيرة تقضي بعدم الخروج عن الملك بمجرّد الإعراض... فلا يترتّب على الإعراض بما هو إعراض عدا الإباحة لا زوال الملك، غاية
الأمر أنّ الإباحة تتّصف باللزوم بعد التصرّف، بل تستتبع الملك في التصرّف المتوقّف على الملك، فلا يكون
استملاك الآخذ بمناط
استيلائه على المباح الأصلي ليدّعي زوال الملك بالإعراض، بل بمناط دلالته على إباحة عامّة التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك».
أمّا لو نقل الآخذ عين المال بالبيع ونحوه من التصرّفات المتوقّفة على الملك فهل يزول ملك المال بهذا البيع؟
ذهب بعض الفقهاء إلى زوال ملك المالك عن المال.
ونوقش فيه بأنّه مع فرض بقائه على ملك المالك لا يزيله البيع، بل مقتضاه
انتقال الثمن إلى المالك، بل مقتضى ذلك أنّه بموت المالك يرجع إلى ورثته أيضاً.
واجيب عنه بأنّ مقتضى الإعراض إباحة مطلق التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك، وهو كافٍ عند العقلاء؛ لحصوله بالتصرّف.
وببيان آخر: أنّ الإعراض وإن لم يكن موجباً لزوال ملك المالك الأوّل، إلّا أنّه يتضمّن الرضا والإذن في التملّك بالأخذ أو التصرّف، وهو كافٍ في حصوله.
كما ويقع الكلام- بناءً على عدم الملك بالأخذ- في أولويّة الآخذ بما يأخذه، بحيث ليس لغيره أن يأخذه منه قهراً.
ولا ريب في ثبوت
الأولويّة للآخذ، كما ذهب إلى ذلك الشهيد الثاني
والمحقّق النجفي،
وذهبا أيضاً إلى أولويّته بما أخذه ببسط حجره لذلك فوقع فيه شيء منه.
ثمّ قال المحقّق النجفي: «ولو لم يبسط حجره لذلك ففي
المسالك لم يملك ما يسقط فيه قطعاً، وهل يصير أولى به؟ وجهان يأتيان فيما يعشّش في ملكه بغير إذنه ويقع في شبكته بغير قصد. وفيه: أنّه يمكن
المناقشة فيما ذكره من القطع بناءً على عدم
اعتبار نيّة التملّك في الحيازة؛ ضرورة
إمكان دعوى الملك هنا ولو لم يبسط حجره له، بل هو غير بعيد إذا نوى به التملّك بعد وقوعه فيه».
لا يجوز للمقاتل الأخذ من أموال الغنيمة انتهاباً قبل القسمة، وبعدها يجوز له أخذ ما أعطاه إيّاه الحاكم الشرعي فقط؛ وذلك لأنّ أموال الغنيمة قبل القسمة تكون تحت ولاية الحاكم خاصّة، ولا يجوز لأحد التصرّف فيها غيره، وبعد
إخراج المستثنيات كالصفايا والرضخ وغيرها يقوم بتوزيعها على المقاتلين وفق المعايير الشرعية، فلا يجوز التصرّف فيها قبل القسمة؛ لأنّه تصرّف في المال العام، وبعدها؛ لأنّه تصرّف في الأموال الخاصة للمقاتلين، ولا يجوز الانتهاب منها دون رضا المالك كما تقدّم. أمّا الأخذ من مال العدوّ في الحرب، فإنّه جائز بمعنى أخذ أموالهم في الحروب لمصلحة الدولة الإسلامية لا للملكية الفردية للآخذ نفسه؛ لدخولها في عنوان الغنيمة.
نعم، إذا كان العدوّ من البغاة فلا يجوز أخذ أموالهم إلّابما تقتضيه ضرورات الحرب؛ لبقاء أموالهم على حرمتها ولو مع البغي؛ إذ لم يصيروا مهدوري المال والدم ببغيهم، وإنّما جازت مقاتلتهم لكي يفيئوا إلى أمر اللَّه فقط، وهذا معناه أنّ مجال التصرّف في الأموال والنفوس منحصر بدائرة القتال بغرض الفيء إلى الحقّ لا مطلقاً. وتفصيل ذلك في محلّه.
مقتضى القاعدة عدم حرمة مال
الكافر الحربي ، إلّاأنّ الكلام في حكم نهب ماله وسرقة بلادهم وأموالهم الموجودة في مدنهم وقراهم، وقد ذهب بعض الفقهاء المتأخّرين إلى حرمة ذلك بالعنوان الثانوي؛ نظراً لما يتركه من تأثير في تشويه صورة
الإسلام والمسلمين. كما قد يقال بالحرمة بناءً على أنّ تأشيرات الدخول إلى بلدانهم تتضمّن
استئماناً وتعاقداً بعدم مخالفة القوانين وعدم
الاعتداء والتعدّي، فيكون التصرّف في أموالهم بغير إذنهم على خلاف هذا العقد.
وتفصيل ذلك في محلّه.
لا شكّ في أنّ كلّ مورد من موارد الانتهاب المتقدّمة إذا حكمنا بجوازه وعدم حرمته كما لو كان مع رضا المالك، فلا تترتّب عليه عقوبة. أمّا لو كان محرّماً فإن كان المال المأخوذ نهبةً في حرز وتحققت الشروط المأخوذة في أحكام السرقة حكم بكون الآخذ سارقاً واجري الحدّ عليه ووجب عليه إعادة ما أخذه إلى صاحبه. وأمّا إذا لم يكن كذلك ترتّب عليه التعزير، إلّاإذا صاحبه تخويف للمالك وأخذ للمال منه قهراً فإنّه يجري عليه حكم
المحارب مع تحقق سائر الشروط. وقد لا ينطبق حكم المحارب لكنّه ينطبق عليه حكم أذية
المؤمن ؛ لأنّ طريقة الأخذ للمال لها حكمها الخاص أيضاً، كما أشرنا سابقاً. ويرجع في موارد
التعزير إلى
الحاكم الشرعي . وإذا كان الانتهاب للأموال العامّة وعدّ اعتداءً على ممتلكات الدولة الإسلامية كان التعامل معه على أساس ذلك فتشتدّ العقوبة كما هو واضح.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۵۰-۶۰.