تزويج العبد والأمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ليس للعبد ولا للامة أن يعقدا لانفسهما نكاحا ما لم يأذن المولى؛ ولو بادر أحدهما ففى وقوفه على الاجازة قولان، ووقوفه على
الاجازة أشبه؛ وإن أذن المولى ثبت في ذمة مولى العبد
المهر والنفقة، ويثبت لمولى
الأمة المهر؛ ولو لم يأذنا فالولد لهما؛ ولو أذن أحدهما كان للآخر؛ وولد المملوكين رق لمولاهما؛ ولو كانا لاثنين فالولد بينهما بالسوية ما لم يشترطه أحدهما؛ وإذا كان أحد الابوين حرا فالولد حر إلا أن يشترط المولى رقيته، على تردد.
فليس للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً ما لم يأذن المولى إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة الآتية، مع أنّهما ملك له، فلا يتصرّفان في ملكه بغير إذنه؛ لقبحه.
ولو بادر أحدهما فعقد لنفسه بدون إذنه ففي وقوفه على الإجازة وصحّته معها، وعدمها مع العدم قولان، ووقوفه على الإجازة أشبه وأشهر؛ لما مضى في الدوام من
الإجماع عن
الانتصار مطلقاً، والخلاف هنا
، والنصوص المستفيضة:
منها
الصحيح: عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: «ذلك إلى سيّده، إن شاء أجازه، وإن شاء فرّق بينهما»
.
ومنها الصحيح: إنّي كنت مملوكاً لقوم، وإنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ، ثم أعتقوني بعد ذلك، أفأُجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟ فقال له: «أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟» فقال: نعم، وسكتوا عنّي ولم يعيّروا عليّ، قال: «فسكوتهم عنك بعد علمهم إقرارٌ منهم، اثبت على نكاحك الأول»
.
وعلى هذا تكون
الإجازة كاشفة عن الصحّة من حين
إيقاع الصيغة كغيره من العقود الفضوليّة.
خلافاً للنهاية، فهي كصيغة مستأنفة
؛ وربما أُوِّل بما يؤول إلى الأول
، فلا مخالفة.
ولجماعة، فحكموا بالبطلان: إمّا مطلقاً
؛ بناءً على بطلان
عقد الفضولي، إمّا مطلقاً، أو
النكاح منه خاصّة، أو بطلان هذا خاصّة.
نظراً إلى أنّه منهيّ عنه؛ لقبح التصرّف في ملك الغير، وللنصوص
، فيكون فاسداً.
ولما روي عن
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «أيّما مملوك تزوّج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل»
.
وكلّية الكبرى والسند ممنوعان؛ مع أنّهما لما مضى غير مكافئين، فتُخَصّ به الاولى، ويُرفع اليد عن الثاني، أو يؤوّل إلى البطلان في صورة دوام عدم الإذن أو النهي عنه ابتداءً.
وإمّا في الأمة خاصّة، كما عن
ابن حمزة، فخصّ الإجازة بعقد العبد دون الأمة
؛ عملاً بظواهر النصوص المتقدّمة المثبتة للإجازة فيه خاصّة، ورجوعاً في غيره إلى النهي المفيد للبطلان.
والثاني ممنوع، والنصوص وإن اختصّ أكثرها به، إلاّ أنّ الصحيح الأول منها ظاهره العموم لها، إمّا لإطلاق لفظ المملوك فيه الصالح لهما، أو لما في ذيله من تعليل الحكم بالصحّة مع الإجازة ردّاً لجمع من العامّة الحاكمين بالبطلان بالمرّة
بـ: «إنّه لم يعص
الله، بل عصى سيّده» وهو آتٍ هنا.
نعم، في
الخبر: «إن كان الذي يزوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد»
.
وهو مع عدم وضوح سنده غير صريح في الدلالة على البطلان ولو مع
الإجازة، فيحتمل الاختصاص بصورة عدمها. ولا ينافيه الحكم بالفساد ابتداءً على
الإطلاق، ألا ترى إلى الصحيح الحاكم بفساد تزويج المكاتب بدون إذن سيّده بقوله: «ونكاحه فاسد مردود» ومع ذلك حكم بالصحّة مع الإجازة، فقال بعد ذلك بعد أن قيل له: فإنّ سيّده علم بنكاحه ولم يقل شيئاً، قال: «إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ» إلى آخره
، فتأمّل. هذا، مضافاً إلى إجماعي الانتصار
والخلاف كما مضى. فإذاً القول بالتفصيل ضعيف جدّاً.
ويستفاد من الأخير كالصحيح الثاني وغيرهما
الاكتفاء في الإجازة بالسكوت، كما عن
الإسكافي، وصرّح به جماعة
، ولا بأس به، إلاّ أنّ مراعاة الألفاظ الصريحة فيها أولى.
ولو أذن المولى ابتداءً أو أخيراً يثبت في ذمّة مولى العبد المهر والنفقة على الأشهر الأظهر.
للخبر المعتبر دلالةً وسنداً؛ لأنّ فيه من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: في رجل يزوّج مملوكاً له امرأة حرّة على مائة
درهم، ثم إنّه باعه قبل أن يدخل عليها، فقال: «يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها؛ إنّما هو بمنزلة
دين استدانه بإذن سيّده»
.
وعدم القول بالفرق بين النفقة والمهر، والإذن السابق واللاحق، والتعليل العامّ لهما يوجبان العموم، سيّما الأخير؛ لظهوره في أنّ الإذن صار منشأ لتعلّق دين العبد مطلقاً بذمّة المولى، وهو حاصل هنا.
قيل: وقريب منه آخر: عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه، فدخل بها، ثم اطّلع على ذلك مولاه، قال: «ذلك إلى مولاه، إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلاّ أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً» الخبر
؛ لظهوره في تعلّق
الصداق بذمّة المولى؛ إذ لولاه لما كان لاشتراط عدم الزيادة والكثرة وجه
. وفيه نظر ظاهر، فتأمّل.
وعُلِّل الحكم أيضاً بـ: أنّ الإذن في
النكاح إذنٌ في توابعه ولوازمه
، كما لو أذن له في
الإحرام بالحجّ، فإنّه يكون إذناً في توابعه من الأفعال وإن لم يذكر، وحيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح، والعبد لا يملك شيئاً، وكسبه من جملة أموال المولى، كان الإذن فيه موجباً لالتزام ذلك، من غير أن يتقيّد بنوع خاصّ من ماله، كباقي ديونه فيتخيّر بين بذله من ماله ومن كسب العبد إن وفى به، وإلاّ وجب عليه الإكمال.
خلافاً لأحد قولي
الشيخ، فعلّقه بكسب العبد
. وعن
العلاّمة احتمال تعلّقه برقبته
. وهما ضعيفان كضعف عللهما؛ مع أنّهما
اجتهاد في مقابلة الخبر المنجبر قصوره بالشهرة بين
الأصحاب، مع اعتباره في نفسه؛ لما مرّ.
ويعضده
الموثّق: عن رجل أذن لغلامه في امرأة حرّة فتزوّجها، ثم إنّ العبد أبق من مواليه، فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد، فقال: «ليس لها على مولى العبد نفقة وقد بانت عصمتها؛ لأنّ إباق العبد
طلاق امرأته» الخبر
.
بناءً على أنّ قوله (علیهالسّلام): «وقد بانت» إلى آخره، في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى، المشعر بثبوتها مع عدم حصول مقتضاه، مع إشعاره من وجه آخر، وهو ظهوره في شيوع مطالبة الموالي بنفقة زوجات العبيد، فتدبّر.
ويثبت لمولى الأمة المهر لأنّها ومنافعها له، ولا خلاف فيه.
ولو تزوّج عبد بأمة غير مولاه و لم يأذنا أو إذنا معاً فوطئها جاهلين بالفساد وحصل ولد فالولد لهما بينهما نصفين؛ لأنّه نماء ملكهما، ولا مزيّة لأحدهما على الآخر،
والنسب لاحق بهما، بخلاف باقي الحيوانات، فإنّ النسب غير معتبر، والنموّ والتبعيّة فيه لاحق بالأُمّ خاصّة؛ كذا فُرِّق. وفيه خفاء. وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب.
خلافاً للمحكيّ عن
الحلبي، فألحقه بمولى
الأم؛ قياساً بالحيوانات. وفيه نظر؛ لمخالفته
الأصل، وعدم دليل على الترجيح، والقياس بمجرّده غير كاف.
ولو أذن أحدهما كان للآخر الذي لم يأذن في ظاهر الأصحاب، بل في
المسالك ظاهرهم الاتّفاق عليه
؛ وهو
الحجّة فيه لو تمّ. دون النصّ المدّعى؛ لعدم الوقوف عليه. ولا التعليل بأنّ الآذِن قد أقدم على فوات الولد منه فإنّ المأذون قد يتزوّج مَن ليس برقّ فينعقد الولد حرّا، بخلاف مَن لم يأذن، فيكون الولد له خاصّة؛ لما في الفَرق من الإشكال فيما لو انحصر إذن الآذِن في
وطء المملوكة، فإنّه لم يضيّع الولد حينئذ.
ويشكل الحكم فيما لو اشترك أحد الزوجين بين اثنين، فأذِنَ مولى المختصّ وأحدُ الشريكين دون الآخر، أو تعدّد مولى كلّ منهما، فإنّه خارج عن موضع النصّ المدّعى
والفتوى، فيحتمل كونه كذلك، فيُخَصّ الولد بمن لم يأذن، اتّحد أم تعدّد؛ واشتراكه بين الجميع على الأصل حيث لا نصّ، وهو أقوى هنا قطعاً، بل لا بأس به فيما مضى؛ لعدم القطع بالنصّ
والإجماع.
ودعوى ظهور
الوفاق مع عدم
الجزم عليها غير صالحة للخروج عن مقتضى الأصل المتيقّن، إلاّ أنّ
الاحتياط لا يترك؛ فإنّ المسألة محلّ إشكال، ولذا تردّد بعض متأخّري الأصحاب في هذا المجال
.
وولد المملوكين رقّ لمولاهما لما مضى. ولو كانا لاثنين فـقد عرفت أنّ الولد بينهما بالسويّة لكن لا مطلقاً، بل ما دام لم يشترط أحدهما الانفراد بالولد أو بأكثره؛ إذ لو اشترطه صحّ ولزم؛ لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»
مع عدم منافاته النكاح.
وإذا كان أحد الأبوين، الزوج أو الزوجة، حرّا فالولد حرّ مطلقاً على الأشهر الأظهر، بل كاد أن يكون إجماعاً، مع كونه من
السرائر ظاهراً
. للنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل تزوّج بأمة فجاءت بولد، قال: «يلحق الولد بأبيه» قلت: فعبدٌ تزوّج حرّة؟ قال: «يلحق الولد بامّه»
.
والصحيح: في العبد تكون تحته الحرّة، قال: «ولده أحرار، فإن أُعتق المملوك لحق بأبيه»
.
والمرسل كالصحيح: عن الرجل الحرّ يتزوّج بأمة قوم، الولد مماليك أو أحرار؟ قال: «إذا كان أحد أبويه حرّا فالولد أحرار»
.
والنصوص به كادت تبلغ
التواتر، ومع ذلك فسند بعضها معتبر، والباقي بالشهرة منجبر، والجميع معتضد بالأُصول منها: النافي لتكاليف العبيد وثبوت
الحجر والعمومات الدالّة على صحّة المعاملات ووجوب الوفاء بها، والدالّة على جواز
العقد على أربع حرائر وأنّه نماء الحرّ في الجملة
، وحقّ
الحريّة مقدّم؛ لأنّها أقوى، ولذا بُني
العتق على التغليب والسراية.
ومقتضى إطلاق المرسل كالصحيح وغيره مع عموم الأُصول عدم الفرق بين ولد المعقودة والمحلَّلة، مضافاً إلى خصوص المعتبرة في الثاني
، وسيأتي الكلام فيه في باب
التحليل.
خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي فيما إذا كان الزوج خاصّة حرّا أو مطلقاً
، على اختلاف الحكايتين. للمستفيضة الأُخر، منها الخبران:
في أحدهما: «لو أنّ رجلاً دبّر
جارية، ثم يزوّجها من رجل، فوطئها، كانت جاريته وولده منه مدبّرين، كما لو أنّ رجلاً أتى قوماً فتزوّج إليهم مملوكتهم كان ما أولد لهم مماليك»
.
وفي الثاني: أمة كان مولاها يقع عليها، ثم بدا له فزوّجها، ما منزلة ولدها؟ قال: «منزلتها، إلاّ أن يشترط زوجها»
. وهما قاصران سنداً، فلا يعارضان ما مرّ جدّاً.
نعم، في الصحيحين
ما يوافقهما، إلاّ أنّهما كالأول ليسا نصّين في حريّة الزوج، وإنّما غايتهما الإطلاق، فليُحمَل على العبد وإن بَعُدَ جمعاً، والأولى حملهما على
التقيّة كما فعله جماعة
، فقد صرّح الشيخ في
الاستبصار، جبأنّ ذلك مذهب بعض العامّة
، ويؤيّده مصير
الإسكافي إليه، مع انفراده به كما تقدّم غير مرّة.
وبالجملة: كثرة النصوص الأُوَل واعتضادها بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدّمة والأُصول المقرّرة توجب المصير إلى حذف الروايتين، أو تأويلهما وإن صحّ سندهما إلى ما يؤول إليها. ولا ينبغي أن يستراب في المسألة بمجرّدهما كما وقع لبعض أصحابنا
.
بل الأجود الحكم صريحاً بلحوق الولد بالحرّ من الأبوين إلاّ أن يشترط المولى على الحرّ رقّيّته فيجوز ويصير رقّاً على قول مشهور بين الأصحاب، ضعيف المأخذ؛ لأنّه
رواية متزلزلة بحسب
السند، فتارة مسندة وأُخرى مقطوعة مرويّة، ومع ذلك ففيه أبو سعيد المكاري، وهو ضعيف البتّة، ومع ذلك فليس فيها دلالة؛ إذ غايتها الدلالة على أنّ ولد الحرّ مملوك لمولى المملوكة من دون تصريح فيها بالشرط ولا إشارة، وإنّما حملوها على ما إذا شرط المولى
الرقّية؛ مضافاً إلى ما مرّ فيها من المناقشة.
ومثل هذه الرواية لا تصلح مؤسِّسة لهذا الحكم المخالف للأصل؛ فإنّ الولد إذا كان مع الإطلاق ينعقد حرّا فلا تأثير في رقّيّته للشرط؛ لأنّه ليس ملكاً لأبيه حتى يؤثّر شرطه فيه، كما لا يصحّ اشتراط رقّيّة مَن وُلِدَ حرّا، سيّما مع ورود الأخبار الكثيرة المتقدّمة الحاكمة بحريّة مَن أحد أبويه حرّ، من دون استفصال عن وقوع اشتراط الرقّية أم لا بالمرّة؛ مع ورودها في مقام جواب السؤال، وذلك كما قُرِّر في الأُصول يقتضي العموم في المقال.
مع أنّ في بعضها: «ليس يسترقّ الولد إذا كان أحد أبويه حرّا» الخبر
، وليس في سنده سوى الحكم بن مسكين، وقد روى عنه ابن أبي نصر، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.
ولعلّه لذا تردّد المصنّف في
الشرائع، كاللمعة ظاهراً
، وهنا صريحاً.
ثم على تقدير اشتراط رقّيّته في
العقد أو
التحليل، وقلنا بعدم صحّة
الشرط، هل يحكم بفساد العقد لعدم وقوع
التراضي بدون الشرط الفاسد، كما في غيره من العقود المشتملة على الشروط الفاسدة أم يصحّ ويبطل الشرط خاصّة؟
يُحتمَل الأول؛ لأنّ العقد يتبع
القصد، ولم يحصل إلاّ بالشرط، ولم يحصل.
والثاني؛ لأنّ عقد النكاح كثيراً ما يصحّ بدون الشرط الفاسد وإن لم يصحّ غيره من العقود.
وفي الأول قوّة، وصحّته في بعض الموارد لدليلٍ خارج لا يقتضي عمومها في جميع الموارد.
وأولى بعدم الصحّة لو كان تحليلاً؛ لتردّده بين العقد والإذن كما سيأتي، ولا يلزم من ثبوت الحكم في العقد ثبوته في الإذن المجرّد، بل يبقى على
الأصل.
وعلى هذا، لو دخل مع فساد الشرط، وحكمنا بفساد العقد، كان زانياً مع علمه بالفساد، وانعقد الولد رقّاً كنظائره. نعم، لو جهل الفساد كان حرّا؛ للشبهة.
وإن قلنا بصحّة الشرط لزم العقد به ولم يسقط بالإسقاط بعد العقد؛ لأنّ ذلك مقتضى الوفاء به، مع احتماله؛ تغليباً للحرّية، وكما لو أسقط حقّ التحجير ونحوه، ولا يخلو عن قوّة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۳۵۹-۳۷۰.