تطبيقات للإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هذه تطبيقات
للإجارة اختلف فيها.
هو اتّفاق مع أرباب الصنائع على عمل شيء معيّنٍ للمستصنع بعوضٍ معيّن، ويكون العين والعمل كلاهما على الصانع. وهذا بلحاظ المادة المصنوعة يشبه
البيع والشراء ، وبلحاظ العمل المطلوب من الصانع يشبه الإجارة. ومن هنا وقع البحث عن صحّته وكيفية تخريجه، ويمكن أن تصوّر تخريجات عديدة لذلك:
منها: كون
الاستصناع من أقسام عقد الإجارة، ويكون المصنوع عندئذٍ للمستصنع من باب التبعيّة لتملّكه عمل الصانع.
ومنها: أن يكون الاستصناع مركّباً من
توكيل الصانع بشراء مادة الصنع أوّلًا ومن إيجارٍ على صنعها.
ومنها: أن لا يكون الاستصناع عقداً جديداً مستقلًا عن كلّ من البيع والإجارة أو أمراً بالصنع على وجه
الضمان ، نظير الأمر
بالإتلاف أو العمل على وجه الضمان.
أو غير ذلك من التخريجات التي تذكر في محلّها.
لمّا كان مفاد الإجارة تمليك الانتفاع أو المنفعة لا العين ومن شروطها عدم تلف العين بانتفاع المستأجر- كما سيأتي- اختلف الفقهاء في حكم الإيجار لاستيفاء الثمرات التي يكون لها وجود عينيّ وكذا في كيفية تخريج الإجارة فيها- كإيجار الشجرة لثمرتها أو المرضعة للبنها أو الشاة لصوفها أو البئر
للاستقاء على أقوال:
فالمشهور على عدم الجواز إلّا في موارد خاصة قام الدليل على جوازها
كإجارة المرأة للإرضاع
أو الرضاع بنحو الارتضاع (ظاهر المصادر السابقة جوازها أيضاً.)
أو الفحل
للضراب لا مثل استئجار الشاة لصوفها أو نتاجها أو لبنها حيث ذهب المشهور إلى المنع
وكذا الأشجار لثمارها فظاهر عبارة
الميرزا القمي دعوى عدم الخلاف على ذلك.
وتفصيل الكلام في هذه الموارد في فصل الإجارة وكسب المؤجر.
ذهب
السيد اليزدي إلى الجواز في تلك الموارد بنحو تملّك تلك الأعيان بعقد الإجارة.
وقال جماعة من المحشّين على
العروة : بصحة الإجارة على نحو جواز التصرف- حتى المستلزم للاتلاف- في تلك الأعيان من المنافع دون تملّكها.
فصّل
المحقق الاصفهاني بين مثل إيجار
الشاة للحلب وإيجار الشجرة لثمرتها، فتصح الإجارة في الأوّل دون الثاني، نظراً إلى أنّ منفعة الشاة كونها محلبة، وهذه الحيثية استيفائية تصير بحلب الحالب فعليّة. بخلاف الشجرة فانّها وإن كانت قابلة
للإثمار إلّا أنّ هذه القابلية غير
استيفائية ، بل هذا الموجود بالقوّة يصير فعلياً لا بالاستيفاء.
وفصّل
السيد الخوئي بين الأعيان الموجودة حال العقد وغير الموجودة منها، فتصحّ الإجارة في الثاني دون الأوّل.
والكلام هنا في كيفيّة تخريج الإجارة فيما إذا كان الغرض تمليك تلك الأعيان من المنافع والتصرف فيها. وأمّا إذا كانت الإجارة على العمل كأن توجر المرأة نفسها على
الإرضاع مثلًا واللبن تابع لها
وفي
التذكرة : «
الإجماع عليه».
فالظاهر أنّه لا خلاف ولا إشكال في صحّته؛ لأنّه من الإيجار لعمل معيّن كالإيجار
للخياطة أو
الكتابة كما هو ظاهر قوله تعالى: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ».
وهو صريح كلام
المحقق النجفي في استئجار الفحل للضراب حتى ادعى
الإجماع على ذلك.
وقد صرّح بعض بأنّ هذه الموارد مستثناة بالنصوص من قانون الإجارة من حيث شموله لنقل الأعيان، ولا بأس بكونها مجعولة وليست بموجودة بعد ثبوت النصّ.
بينما حاول جملة من المحقّقين
حلّ هذا الإشكال وتخريج صحة الإجارة في هذه الموارد على القاعدة، قال
المحقق الاصفهاني : «(يجوز استئجار
الشاة والأشجار
والآبار ) إذا كان المقصود
الانتفاع بالشاة بصرف لبنها وبالأشجار بتناول ثمرها وبالبئر بالاستقاء منها لا تملّك اللبن والتمر والماء؛ لأنّ الإجارة ليست من الأسباب المملّكة للأعيان، وإنّما يكون سببه البيع ونحوه. (ولا يضرّ كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان)؛ لأنّ الذي ينافي حقيقة الإجارة كون الانتفاع فيها بإتلاف العين المستأجرة، وليس متعلّق الإجارة في الأمثلة المزبورة الّا الامور الباقية، وهي الشاة والشجر والبئر لا الأشياء التالفة من اللبن والثمر والماء، وكون الانتفاع بالعين المستأجرة يستلزم إتلاف عين اخرى لا ينافي حقيقة الإجارة.
نعم، ربّما يشكل في إجارة الأشجار للثمار بأنّ الانتفاع الحاصل فيها يعدّ في العرف انتفاعاً بالثمر لا بالشجر».
وعمدة الوجه في حلّ الإشكال هو أنّ العبرة في تشخيص المنفعة التي تملك بالإجارة إنّما هي بالصدق العرفي، ولا شكّ أنّ هذه الأعيان- بلحاظها مضافة إلى الأعيان المستأجرة- تعدّ لديهم منافع لتلك الأعيان المستأجرة، وان أمكن أن تلحظ غير مضافة إليها فتكون حينئذٍ أعياناً مستقلّة
يحتاج نقلها إلى البيع ونحوه.
وبهذا التحليل يظهر عدم الفرق بين صورة وجود اللبن والثمرة فعلًا وعدمها.
نعم، لو فرض انفصالها عن الأصل كما إذا حلب اللبن في
إناء وقطعت الثمرة فلا يصح إيجارها عندئذ، كما هو واضح.
ولا يخفى أنّ هذا اللحاظ لا يصح إلّا فيما يكون شأناً من شئون الانتفاع بالشيء، وعلى هذا لا يصح إيجار الشاة للانتفاع بولدها؛ إذ الولد ليس انتفاعاً واستعمالًا للشاة بل إضافة شاة عليها كإضافة عين على عين اخرى.
وحاول بعض المحققين حلّ الإشكال بأنّ تملّك الثمرة يكون بقانون التبعيّة لا بعقد الإيجار، فإنّ المنفعة المملوكة بعقد الإجارة هي حيثية
الإثمار وقابليّته التي هي صفة في العين المستأجرة، أمّا الثمرة فتملك بتبع ذلك.
إلّا أنّه قيّد المحقّق الاصفهاني ذلك بما إذا كانت المنفعة
استيفائية ، نظراً إلى أنّه لا معنى لتمليك حيثيّة غير استيفائية، فالشجرة وإن كانت قابلة للإثمار، إلّا أنّ هذه القابليّة غير استيفائية، بل هذا الموجود بالقوّة يصير فعليّاً لا بالاستيفاء، وليس بعده إلّا أخذ الثمرة من الشجرة، فليس هناك منفعة استيفائية حتى يستتبع استيفاؤها عيناً مملوكة بالاستلزام.
بينما ذهب
السيد الخوئي والشهيد الصدر إلى صدق التبعيّة في كلا الموردين- الاستيفائية كإجارة الشاة للحلب وغير الاستيفائية كإجارة الشجر- من غير إناطة بصدور عمل منه، فمن ملك حيثية
الاستعداد في الشجر ملك فعليتها أيضاً بالتبعيّة الّا أنّ هذا يقتضي وجود حيثية غير مبدّلة إلى الفعليّة حين عقد الإجارة، أمّا لو تبدّلت إلى الفعليّة وكانت الثمرة موجودة حين العقد فلا تصح الإجارة لتمليكها.
ويمكن أن يلاحظ على هذه المحاولة:
بأنّ قانون التبعيّة بهذا العرض العريض لا دليل عليه، وإنّما هو متصيّد فقهيّاً من موارد
النماءات المنفصلة والمتّصلة، وهي كلّها في باب نشوء النماء عن ذات اخرى بحيث يكون المالك فيه يملّك الرقبة لا الحيثيّة والشأنيّة أو المنفعة.
هذا، على أنّ الوجدان العرفي والعقلائي لا يرى تمليك الثمرة أو اللبن في باب إجارة الشجرة أو الشاة بقانون التبعيّة بل بنفس الإجارة مباشرة.
كما أنّ التفصيل بين فرض وجود الثمرة واللبن وعدم وجودهما غير عرفي.
ذهب المشهور
إلى أنّه لو أمره بعمل له
اجرة عادة، يجب عليه دفع الاجرة، لكن اختلفت كلمات الفقهاء في أنّ الأمر بالعمل على وجه الضمان أو دفع السلعة للعمل تكون إجارة فتكون معاوضة
وعقداً ، أو أنّه من باب الاستيفاء الموجب للضمان فلا يكون من باب المعاوضة فضلًا من أن تكون إجارة.
ظاهر الشهيد الثاني
بل صريح جماعة من الفقهاء
- كالمحقق النجفي
والسيد اليزدي - أنّ هذه الامور عناوين مستقلّة قامت عليها
السيرة العقلائية ولا تكون من باب المعاوضة؛ لأنّ المعاملة تحتاج إلى
قصد الإنشاء، وفعل من الطرفين دالّ على ذلك، وتعيين الاجرة المسمّاة وغير ذلك من الشروط، وكلّ ذلك مفقود في المقام.
قال المحقق النجفي في بحث استعمال الأجير قبل المقاطعة على الاجرة اتكالًا على اجرة المثل: «يكون ذلك قسماً مستقلًا جائزاً برأسه نحو
إباحات الأعيان والمنافع بالأعواض ولا بأس به للسيرة المستمرّة..».
وصرّح في مسألة دفع السلعة للعمل:
«كون المقام من الضمانات لا المعاملات، والضمان للشيء إنّما هو بقيمته، أمّا المعاملة فلا بدّ من الموافقة على المسمّى منهما».
ودعوى: أنّ فعل الأجير واستعمال المستأجر أو أمره بالعمل على أنّه إنشاء فعلي فيكون إجارة معاطاتية، ممنوعة؛ لأنّ
المعاطاة لا بدّ وأن تكون بين العوضين، فمع عدم تعيين الاجرة ودفعها في قبال دفع عين أو عمل لا تتحقّق معاطاة.
ولكن ذهب جمع من المحقّقين منهم
الأردبيلي والبهبهاني والميرزا القمي
إلى إمكان التسبّب بتلك الأفعال إلى الاستئجار وتملّك عمل الغير بالاجرة، فهي إجارة صحيحة مع وجود شرائط اخرى كالعلم بالاجرة ولو من العادة أو بتوكيل العامل في تعيين الاجرة، كما يصح كونه من باب الالتزام بالاجرة
والإذن في العمل بنحو
الجعالة فيما إذا تواطئا على الاجرة أو كانت الاجرة معلومة بالعادة.
إلّا أنّه من الواضح أن إرادة هذه الامور بمثل الأمر أو دفع السلعة للعمل تحتاج إلى عنايات فائقة لا توجّه إليها في الموارد المتعارفة. ومن هنا ذهب مشهور المحقّقين المتأخّرين إلى كون مثل هذه الامور عناوين مستقلّة، وليست من باب الجعالة أو الإجارة المعاطاتية.
عقد الصيانة من العقود المقارنة والتي لا غنى للمجتمع عنها في وقتنا الحاضر، وهي عمل يحفظ الشيء في حالة صحيحة بحيث يمكن الانتفاع به من غير أن يتطرّق إليه
الفساد والتلف . ويكون القسم الغالب فيه هو صائنة وقائيّة وعلاجية معاً، فإنّ اللازم من هذا العقد هو بذل كلّ ما تحتاج إليه العين من تبديل بعض القطع ونحوها.
وعمدة الإشكال في ذلك استلزام تلك الإجارة بذل العين من قبل الأجير مع أنّ من شرائط الإجارة بقاء العين وعدم
استهلاكها خلال الإجارة. هذا.
مضافاً إلى جهالة قدر ما يبذل في الصيانة والعمل العلاجي مما يطرأ على العين فجأة مما لا يمكن تقديره من أوّل العقد.
ومن هنا ربّما يحاول تخريجها على أساس عقد آخر غير الإجارة كالجعالة على العمل بما يستلزم من بذل الأعيان المستهلكة، إلّا أنّ الصيانة أقرب إلى الإجارة؛ لأنّها عقد زمني لازم على الطرفين، ويكون عمل الصيانة والحفظ متعلّقاً لحق المستأجر كما في سائر الأعمال، ويكون الصائن أجيراً خاصّاً أو مشتركاً، ويكون نفس المصونيّة والمحفوظيّة هي المنفعة أو الخدمة التي يستحقّها المستأجر، وهي غرض مطلوب عرفاً ومقدّر بالزمان وما يبذله الأجير في سبيل الحفظ والصيانة مقدمات محقّقة للصيانة، وليست نفسها متعلّق الإجارة.
هذا.
مضافاً إلى إمكان تصحيحه من ناحية الشرط، فإنّ
الخسارة أوّلًا وبالذات تقع على صاحب الأجهزة؛ لأنّه هو المالك لها، ولكن يشترط أن يعوّض الصائن ما يخسره صاحب الأجهزة من قطع وآلات وغيرها، وهذا الشرط لا ينافي مقتضى الإجارة، وهو نافذ لحديث: «المسلمون عند شروطهم»، كما سيأتي في نفقات العمل.
من جملة العقود
والمعاملات المستحدثة في عصرنا الحاضر البيع الزماني- المعروف ب (تايم شر) - وهو تمليك العين لشخص أو عدّة أشخاص لا بالحصة المشاعة بل بحسب الأوقات أو الفصول، كالصيف والشتاء أو أشهر أو أسابيع معيّنة، بمعنى أنّها تكون ملكاً لفرد خاصّ في الربيع مثلًا ولآخر في الصيف إلى الأبد، فتنتقل المنافع تبعاً لملكية العين إلى عدّة أشخاص على نحو التناوب؛ بأن يملك كلّ شخص العين ومنافعها في فترة معيّنة، وله أن يملّكها للغير.
وهذا نظير
الوقف على البطون عند بعضهم،
فإنّ الملكيّة الحقيقية مجعولة للبطن الاولى، والشأنية للبطون المتأخّرة بنحو التسلسل، لكن الملكيّة هنا مجعولة للأفراد بنحو دوري.
وهذا العقد يشبه الإجارة في أنّ ملكية المنفعة فيه محدودة بمدة خاصة، ويختلف عن الإجارة في أنّ ملكية العين هنا تنتقل إلى
المشتري بخلاف الإجارة، كما أنّ المنفعة هنا تنتقل بتبع ملكية العين لا استقلالًا، ويختلف عن البيع المتعارف أيضاً في أنّ ملكيّة كلّ شخص هنا محدودة بوقت خاصّ، وأنّه ليس لمن يملك العين هنا في فترة خاصّة هدم البناء والتغيير فيه إلّا باجازة الملّاك في سائر الأوقات.
فهو يشبه من هذه الجهة
الشركة ، كما يشبه المهاياة في كيفية الانتفاع إذا كانت العين مشاعة بين أشخاص. نعم هو يختلف عن
الإشاعة في أنّ ملكيّة المشاع للأفراد تكون بنحو عرضي لكنها هنا تكون بنحو طولي.
وعلى أي حال، قد تصحّ هذه المعاملة على أساس أنّها عقد مستقلّ، وهذا يتوقّف على القول بعدم توقيفيّة عناوين العقود والمعاملات، فتشمله أدلّة الصحة واللزوم كما عليه
فتوى أكثر الفقهاء المعاصرين.
وقد تصحح بعنوان
الصلح إن قلنا بأنّه عقد مستقلّ غير تابع لسائر العقود، لكن خالف في ذلك بعضهم،
ولعلّه من جهة عدم كون الصلح عقداً مستقلّاً، بل فيما إذا انتقلت العين بالصلح فإنّه يكون بيعاً، وحينئذٍ يأتي فيه الإشكال من عدم التوقيت في ملك الرقبة.
وبعبارة اخرى الصلح لا يمكن أن يشرّع عقداً جديداً أو عقداً يكون باطلًا بحسب الموازين والشروط في العقود والمعاوضات على ما هو محقّق في محلّه.
كما لا إشكال فيه لو كان بعنوان بيع العين مشاعاً مع المهاياة في الانتفاع،
أمّا بعنوان أنّه إفراز وتقسيم في المنافع بحسب الزمان ففيه خلاف، حيث ذهب بعضهم
إلى الجواز، بينما لم يتصوّر البعض الآخر
معنى لإفراز منافع العين بحسب الزمان بين الشركاء من جهة عدم كونه تقسيماً للمال المشترك، فإنّ الإفراز والتقسيم لا بد وأن يكون بلحاظ ما هو المشترك وهو العين، ولم يتحقّق ذلك.
نعم يمكن أن يكون ذلك من باب إذن الشركاء في التصرّف في كلّ زمان للآخر، وهو ليس من التقسيم والإفراز.
أمّا بالنسبة لصحته بعنوان
البيع فيتوقّف على صدق البيع على مثل هذه المعاملة، وهو غير سديد؛ لأنّ البيع تمليك العين أي الرقبة وهي لا تتكثّر ولا تتعدّد بالزمان ليعقل تعدّد بيع العين الواحدة، وهذا بيّن عرفاً وعقلائياً، وليس هذا من الشرائط الشرعية ليقال بأنّ المعاملات ليست مخترعات
شرعيّة ، بل هي امور عقلائيّة وعدم معهودية هذا النوع من البيع في السابق لا يوجب انصراف إطلاقات صحة البيع ولزومه عنه، وإنّما ذلك مأخوذ في مفهوم البيع لغة وفي قوامه عقلائيّاً. ومن هنا قال أكثر الفقهاء المعاصرين
ببطلانه بعنوان البيع،
كما أنّ تصحيح هذه المعاملة بعنوان الإجارة غير سديد أيضاً؛ لأنّها تمليك المنفعة مع بقاء علقة المالك بالرقبة والعين وهي هنا تنقطع عنها، فإذا نقل الدار في تمام فصول السنة مثلًا إلى الآخرين أصبح أجنبيّاً عنها بالمرّة، ولا حقّ له ولا لورثته في ذلك أصلًا، وهذا ليس إجارة بل نقل للعين.
قد يقع عقد
الإيجار ونحوه من العقود على إجازات ورُخص تأسيس الشركات والمصانع ودور النشر وغيرها، فإنّه لا كلام في صحة المعاوضة عليها بالصلح ونحوه بناءً على أنّ هذه الامور تعدّ مالًا وحقّاً عند الشرع والعرف، وأنّه يجوز التنازل عنه بعوض أو بدونه.
كما لا كلام في صحة انتقال هذه الحقوق إلى طرف آخر بمثل البيع إن قلنا بجواز بيع الحقوق،
وأمّا بناءً على اختصاص البيع بنقل الأعيان فلا يجوز بيعها.
أمّا في إيجار مثل هذه الحقوق فقد ذهب بعض
الفقهاء إلى أنّه لا مورد ولا معنى للإجارة هنا، ولعلّه من جهة أنّه لا بد في الإجارة من وجود العين المستأجرة وبقائها على ملك المالك؛ إذ بالإيجار تنتقل منافعها إلى الغير، بينما لا يبقى شيء هنا على ملك المالك وإنّما انتقل حقّه إلى الغير. هذا.
وقد ذهب البعض الآخر إلى جواز استئجار الإجازات ورخص تأسيس الشركات وغيرها إذا لم تُلغِ الدولة اعتبارها.
ولعلّه من جهة أنّ الحقّ لا ينتقل في هذه المعاملات إلى الغير، وإنّما هو باق على ملك من صدرت باسمه الإجازة أو الرخصة، وإنّما يستفيد الغير من اسمه وحقّه فيكون من باب إجارة الحق كما في بيع الحقّ، فيكون من سنخ إجارة الأعيان أو من باب
الإذن والتفويض له؛ بأن يستفيد من اسمه وحقّه، فيكون من سنخ الإجارة على العمل والخدمات.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۱۶-۲۶.