شروط المراماة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وتفتقر
المراماة إلى شروط) ستة : تقدير الرِّشق ، عدد
الإصابة ، صفات المراماة، قدر المسافة، الغرض، السبق.
منها : (تقدير الرِّشق) وهو بكسر الراء : عدد الرمي الذي يتّفقان عليه، كعشرين، وبالفتح مصدر بمعنى الرمي. واشتراطه هو المشهور، قيل : لأنه العمل المقصود المعقود عليه.
خلافاً لبعضهم، فاشترط العلم به في المحاطّة دون المبادرة.
وتأمّل فيه في الكفاية؛
لعدم توقّف معرفة
الإصابة على تعيين الرشق، لجواز حصولها بدونه.
(و) منها : تقدير (عدد الإصابة) كخمس من عشرة، قيل : لأن
الاستحقاق إنما يحصل بالإصابة، وبها تحصل معرفة جودة الرمية ومعرفة الناضل من المنضول فلو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة من غير بيان لم يصح، على المشهور، بل في الكفاية نسبه إليهم مشعراً باتّفاقهم، وإن تأمّل فيه بعد النسبة، معلّلاً بجواز حصول معرفة الإصابة بكونه أكثر إصابة في العدد المشترط أو غير ذلك.
(و) منها : تعيين (صفتها) من المارق، والخامس بالمعجمة والمهملة، والخازق بالمعجمتين، والخاصل بالخاء المعجمة والصاد المهملة، والخاصر، والخارم، والحابي، والقارع، إلى غير ذلك من الأوصاف الكثيرة، حتى أنه ذكر لها بحسب أوصافها تسعة عشر
اسماً في كتاب فقه اللغة.
وفسّر الأوّل : بالذي يخرج من الغرض نافذاً فيه واقعاً وراءه. والثاني : بالذي يثقب الغرض ويقف فيه. والثالث : بالذي خدشه ولم يثقبه. وقيل : بل يثقبه ولكن لم يثبت فيه.
والرابع : بالذي أصابه ولم يؤثّر فيه، ويطلق على القارع وعلى الثاني والثالث وعلى المصيب للغرض كيف كان. والخامس : بالذي أصاب أحد جانبي الغرض. والسادس : بالذي يخرم حاشيته. والسابع : بالواقع دونه ثم يحبو إليه، من حبو الصبي. قيل : ويقال على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه، وهو
المزدلف .
والثامن : بالذي يصيبه بلا خدش. ومقتضى اشتراطه تعيينها
بطلان العقد بدونه.
وتأمّل فيه جماعة منهم الكفاية،
حاكياً فيها عن التذكرة أنه لا يشترط
الإعلام بصفة الإصابة، وأنه إذا أُطلق حمل على مجرّدها؛ لأنه المتعارف والمطلق معنىً، فيحمل عليه المطلق لفظاً. نعم، إن شرطا نوعاً معيّناً تعيّن جدّاً.
(و) منها : تشخيص (قدر المسافة) التي يرميان فيها، وهي ما بين موقف الرامي والهدف أو ما في معناه، إما بالمشاهدة، أو المساحة كمائة ذراع، قيل : لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد.
وفي الكفاية : لا يبعد
الاكتفاء بالعادة الغالبة بين الرماة في
اعتبار الإصابة.
(و) منها : تعيين (الغرض) وهو ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما؛ لاختلافه بالسعة والضيق. ويشترط العلم بوضعه من الهدف، وهو ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره؛ لاختلافه في الرفعة و
الانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة، وتأمّل في هذا الشرط أيضاً في الكفاية.
(و) منها : تعيين قدر (السبق) أي العوض المبذول للسابق؛ حذراً من لزوم الغرر.
(وفي اشتراط المبادرة) وهي :
اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيّنٍ من مقدار رشقٍ معيّن مع تساويهما في الرشق كخمسة من عشرين.
(والمحاطّة) وهي : اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه. (تردّد) ينشأ من
الأصل ، و
انتفاء الدليل عليه؛ ومن مخالفة حكم كل منهما لحكم الآخر، ومثلها موجب لبطلان العقد مع
الإهمال وترك التعيين، لتفاوت الأغراض؛ فإن من الرماة من يكثر إصابته في
الابتداء ويقلّ في الانتهاء، ومنهم من هو بالعكس، وهذا خيرة المبسوط والتذكرة والتنقيح والمسالك.
ولا ريب فيه مع انتفاء القرينة من العرف أو العادة على تعيين أحد الأمرين، ولعلّه فرض المسألة. وأما معها فالأجود الأوّل؛ عملاً بالقرينة، فإنها في حكم التعيين، وفاقاً للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه والروضتين.
وعليه ففي حمل المطلق على المحاطّة كما هو الأشهر ، أو المبادرة قولان ، ينشئان : من أن اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد ، وذلك يقتضي إكمال العدد كله ؛ ليكون الإصابة المعيّنة منه. والمبادرة قد لا تفتقر إلى
الإكمال ، كما إذا اشترطا رشق عشرين وإصابة خمسة ، فرمى كل واحد عشرة ، فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة مثلاً ، فقد نضله صاحب الخمسة ولا يجب عليه الإكمال. بخلاف ما لو شرطا المحاطّة ، فإنهما يتحاطّان في المثال أربعة بأربعة ، ويبقى لصاحب الخمسة واحد ويجب الإكمال ؛ لاحتمال
اختصاص كل واحد بإصابة خمسة فيما يبقى.
ومن أن المبادرة هي المتبادر عند إطلاق السبق لمن أصاب عدداً معيّناً ، وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما ، فإنه قد لا يجب الإكمال في المحاطّة على بعض الوجوه ، كما إذا انتفت فائدته للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كل تقدير ، بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها ، ورماها الآخر فأصاب خمسة فإذا تحاطّا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة ، وغاية ما يتّفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة ويصيبها الآخر ، فيبقى له فضل خمسة المشروط. والأقوى الرجوع إلى عادة المتناضلين ، فإن كانت اتّبعت ، وإلاّ بطل العقد من أصله ، وحينئذٍ فلا وجه للاختلاف ، إلاّ أن يوجّه بالاختلاف في فهم القرينة مع
الإطلاق ، فبين من حسّنها للدليل الأوّل فاختار مدلوله ، وبين من عكس فاختار ما اختاره.
( ولا يشترط تعيين السهم ولا القوس ) أي شخصهما ، على المشهور، بل عن المحقق الثاني الإطباق عليه،
دون النوع، كالقوس العربي أو المنسوب إلى وضع خاص، فيشترط تعيينه؛
استناداً فيه إلى اختلاف الرمي باختلافه، وفي الأوّل إلى عدم الفائدة في التعيين بعد تعيين النوع، وأدائه إلى التضيق بعروض مانع من المعين مُحْوِجٍ لإبداله، بل قيل : إنه لو عيّنه لم يتعيّن وجاز
الإبدال وفسد الشرط.
وفيه نظر.
وعن جماعة
أنه لا يشترط تعيين السهم؛ لعدم
الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي، بخلاف القوس، وأنه لو لم يعيّن نوعهما انصرف إلى الأغلب في العادة. ولا يخلو عن قوة؛ لجريانه مجرى التقييد اللفظي، فإن اضطربت وجب التعيين، فإن لم يعيّن فسد العقد، للغرر.
(وتجوز المناضلة على الإصابة) للغرض مع الشرائط المتقدمة.
(و) كذا تجوز معها (على التباعد) بأن يرميا من موضع معيّن إلى آخر كذلك ويشترطا أن من بَعُد سهمه عن الآخر فله السبق، بلا خلاف فيه في الظاهر، بل قيل : كأنه مجمع عليه. والمستند فيه بعده الأصل، وعموم الأدلّة، مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.
(ولو فضل أحدهما) على (الآخر) في عدد الإصابة (فقال : اطرح الفضل بكذا) وكذا درهماً مثلاً (لم تصح؛ لأنه منافٍ للغرض من النضال) ومُفَوّتٍ له، أو مخالف لوضعه، فإن المقصود منه إبانة حذق الرامي أو ظهور اجتهاده، فلو طرح الفضل بعوض كان تركاً للمقصود به، فتبطل المعاوضة ويردّ ما أخذه. ولا خلاف فيه، كما في المسالك،
إلاّ من ظاهر الماتن في
الشرائع ،
حيث نسب الحكم إلى القيل المشعر بالتوقف أو التمريض.
قيل : ووجهه أنه جعل على عمل محلّل، ومنع كون المقصود بالنضال منحصراً فيما ذكر؛ لجواز أن يقصد به كسب المال، فإذا حصل بالسبق أمكن تحصيله بمقدّماته؛ مضافاً إلى
أصالة الصحة، وعموم
الأمر بالوفاء بالعقد والشرط، ومنافاته للمشروع غير معلومة.
وهذا أوجه إن لم يكن
الإجماع على خلافه انعقد.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۴۹- ۲۵۶.