شروط مطهرية الأرض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
بعد
الاتّفاق على
أصل مطهّرية
الأرض وما يطهر بها أطلق الفقهاء عنان البحث والتحقيق في كيفيّة مطهّريتها وشروطها ضمن امور أو مسائل أو تنبيهات غالباً، وتفصيل ذلك ضمن العناوين التالية:
كون المدار في التطهير بالأرض على زوال عين النجاسة- إن كانت- ظاهر مقطوع به؛
للارتكاز- فإنّ
التطهير بالأرض لا يزيد على التطهير بالماء المعتبر
إزالة العين فيه
- ودلالة صحيحة
زرارة :
«لكنّه يمسحها حتى يذهب أثرها»،
ورواية حفص، حيث حكم فيها بحصول الطهارة فيما فرضه السائل بقوله: (إنّي وطئت (على) عذرة بخفّي ومسحته حتى لم أرَ فيه شيئاً).
ومعه لو انجمدت النجاسة تحت القدم أو النعل ولم تزل بالمشي أو المسح لم يحكم بطهارتهما.
نعم، وقع الكلام بين الفقهاء في أمرين:
اعتبار زوال الأثر وعدمه، وكذا في اعتبار زوال النجاسة بالمشي أو المسح بالأرض وعدم اعتبار ذلك، فلو زالت العين قبل ذلك ولم تبق إلّا النجاسة الحكميّة ثمّ مسح بالأرض أو مشى عليها كفى في الحكم بالطهارة.
أمّا اعتبار زوال
الأثر فتارة يراد بالأثر الأجزاء الصغار التي لا تتميّز، واخرى يراد به اللون والرائحة.
أمّا اللون والرائحة فقد جزم الفقهاء بعدم اعتبار زوالهما؛ لعدم اعتبار ذلك في التطهير بالماء فكيف يعتبر في التطهير بالأرض المبتني على التسهيل؟! هذا، مضافاً إلى أنّ اللون والرائحة قد لا يزولان بالغسل أو المشي المتعارف، بل وكذا قد لا يزولان ولو بعد المبالغة، مع أنّ مقتضى الإطلاقات كفاية مطلق المشي أو المسح.
بل يمكن
الاستدلال له بصحيحة الأحول المتقدّمة التي ورد فيها التحديد بنحو خمسة عشر ذراعاً، فإنّ ظاهرها عدم اعتبار المشي الكثير، مع أنّ من الواضح عدم كون هذا المقدار من المشي موجباً لإزالة الأثر غالباً.
أمّا ما ورد في
صحيحة زرارة من قوله عليه السلام: «حتى يذهب أثرها» فالمتيقّن منه ذهاب العين على نحو لا يبقى منها شيء يعتدّ به، كما هو المتعارف في الاستعمالات. وأمّا زوال اللون والرائحة فلا دليل على اعتباره عرفاً في الغسل بالماء فضلًا عن التطهير بالأرض.
والظاهر أنّ هذا المقدار من الأثر لا كلام بين الفقهاء في عدم اعتبار زواله في التطهير، بل هو مفروغ عنه في مسألة التطهير بالماء. وإنّما وقع الكلام في الأثر بمعنى الأجزاء الصغار التي لا شكّ لديهم في اعتبار إزالتها في التطهير بالماء. فقد أطلق بعضهم القول بوجوب إزالته.
وأطلق آخر القول بعدم وجوبها،
واختاره صاحب الجواهر على إطلاقه ظاهراً.
وجه الأوّل الأصل، وقول
أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «يمسحها حتى يذهب أثرها»، ومعروفية توقّف تطهير النجاسات على إزالة آثارها. على أنّ المراد بالأثر هنا الأجزاء الصغار التي تبقى ملتصقة من عين النجاسة، فيدلّ على وجوب إزالتها حينئذٍ ما دلّ على وجوب إزالة أصل العين.
ووجه الثاني إطلاق باقي النصوص، والمناسبة لسهولة الملّة وسماحتها، بل ولحكمة أصل مشروعية هذا الحكم من التخفيف ونحوه، وللزوم العسر والحرج من التكليف بإزالتها وغير ذلك.
وجاءت عبارات المحقّقين من المتأخّرين أكثر دقّة، فذهبوا إلى أنّه لا بدّ من التفريق بين الأجزاء الصغار التي لا تتميّز ولا تزول بالمسح والمشي غالباً ولا يراها العرف أعياناً ولا يطلق عليها
اسم القذر عرفاً، وبين ما تعدّ كذلك ويمكن زوالها بالمشي.
ومحلّ البحث والإشكال لديهم هو القسم الأوّل كما سيأتي. وأمّا الثاني فلا
إشكال في اعتبار إزالته،
بل صرّح الإمام الخميني بأنّ
احتمال طهارتها بالأرض ممّا لا ينبغي التفوّه به فضلًا عن اختياره؛ إذ لا معنى لطهارة عين النجاسة، وبناء الحكم على السهولة لا يوجب طهارة النجس ذاتاً. نعم، لو كانت الإزالة بالأرض من قبيل العفو لا التطهير لكان لاحتمال
العفو عن الأجزاء الصغار سبيل، لكنّه خلاف الأدلّة.
ولعلّ أوضح عبارة في المقام عبارة
السيد السبزواري في
مهذّب الأحكام حيث قال: «وأمّا الأثر فله إطلاقات، أحدها: اللون والرائحة والطعم غير الكاشفة عن بقاء العين، فلا يعتبر زواله نصّاً وإجماعاً. وثانيها: ما يكون كاشفاً عن بقاء العين، ويعتبر زواله بلا إشكال؛ لكونه من مراتب بقاء العين، وثالثها: الأجزاء الصغار التي لا يمكن إزالتها إلّا بالماء، ولا تزول بالأرض وغيرها، ومقتضى إطلاق أدلّة مطهّرية الأرض عدم اعتبار زوالها، وإلّا تكون مطهّريتها لغواً».
وقد يستدلّ لعدم اعتبار إزالة مثل هذه الأجزاء بتعسّر ذلك واحتياجه إلى مشي كثير، مع أنّ ظاهر رواية الأحول وإطلاق غيرها عدم لزوم المشي الكثير، مع أنّها غالباً ما تدخل في شقاق الرجل والخفّ ونحوه، ولا تزول إلّا بالمشي الكثير، بل قد لا تزول بالمرّة.
ونوقش فيه بأنّه حسن إن اريد بها الأجزاء التي لا يصدق عليها اسم
القذر عرفاً، وإلّا فلا نسلّم بقاءها غالباً.
نعم، قد يتخلّف في بعض الفروض ما لم يبالغ في المسح، لكن لا تصلح مثل هذه الإطلاقات لتخصيص ما دلّ على نجاسة الأعيان النجسة، خصوصاً مع ما في صحيح زرارة من جعل إذهاب الأثر غاية للمسح الموجب لطهارة الرجل، المحمول الأثر فيها على مثل هذه الأجزاء، جمعاً بينها وبين غيرها،
كما يأتي.
من هنا ناقش
السيد الحكيم في ما استدلّ به لعدم اعتبار زوال الأجزاء الصغار على إطلاقه من إطلاق النصوص، وسهولة الملّة، ولزوم الحرج من التكليف بإزالتها، بأنّ الإطلاق لا مجال له مع وجود عين النجاسة التي لا فرق فيها بين الأجزاء الصغار وغيرها، والمناسبة لا تصلح دليلًا، كأدلّة نفي الحرج؛ إذ لا حرج في التكليف مخيّراً بينه وبين الماء مع تيسّره، مع أنّ أدلّة نفي الحرج إنّما تنفي التكليف ولا تثبت الطهارة. نعم، لا بأس ببقاء الأجزاء التي يتعذّر غالباً زوالها بالمسح أو المشي؛ لأنّ المنع عن تلك الأجزاء يوجب لغوية الحكم المذكور، وهو ممّا لا يمكن
الالتزام به.
كما أنّه أشكل أيضاً على من أطلق الحكم قائلًا: «ومنه يظهر الخدش في إطلاق كلّ من القول بوجوب إزالة الأثر- كما عن
بحر العلوم رحمه الله وغيره- أخذاً بإطلاق صحيح زرارة، والقول بعدم وجوبها- كما عن
كاشف الغطاء رحمه الله وغيره-
اعتماداً على ما عرفت».
وأمّا الأجزاء الصغار بالمعنى الأوّل فقد جزموا بعدم وجوب إزالتها.
قال
الشيخ الأنصاري : «... وإن اريد به (الأثر) الأجزاء الصغار فلا إشكال في اعتبارها. نعم، الأجزاء الصغار العالقة بالمحلّ التي لا تزول غالباً إلّا بالماء- كما فسّرت بها الأثر في مسألة
الاستجمار - لا يعتبر زوالها».
وقال
الفقيه الهمداني : «... وهو (القول بعدم البأس بالأجزاء الصغار) حسن إن اريد بالأجزاء الصغار ما لا يصدق عليها اسم القذر عرفاً».
وقال
الإمام الخميني : «وأمّا الأجزاء الصغار التي لا يراها العرف أعياناً فلا يعتنى بها».
وقد عرفت دليله فيما تقدّم، خصوصاً ما في عبارة السيّد الحكيم. وبنحوه استدلّ
السيّد الخوئي ، حيث قال: «والوجه في عدم اعتبار زوالها في المقام وضوح أنّ النجس لا ينقلع بهما على وجه لا يبقى منها أجزاؤها الصغار... ومع ذلك حكموا عليهم السلام بكفاية المسح والمشي في التطهير، وعليه فمقتضى إطلاقات الأخبار عدم اعتبار زوال الأجزاء الصغار في التطهير بهما».
ثمّ إنّ المقياس في كلّ ذلك نظر العرف لا البرهان أو الكشف بالآلات الحديثة، كما نبّه على ذلك بعض الفقهاء. قال الإمام الخميني: «بل الألوان والروائح من بقايا الأعيان واقعاً بحسب البرهان أو كشف
الآلات الحديثة المكبّرة، لكنّ الميزان في التشخيص العرف العام، فلا يعبأ بمثلها».
هذا كلّه فيما إذا كانت النجاسة ذات عين. (كما صرّح به الفقهاء، حيث قيّدوا اشتراط زوال العين بوجودها، وإلّا فيكفي مسمّى المشي أو المسح، وقيل: يكفي مسمّى الإمساس. )
وأمّا إذا كانت ممّا لا عين له بل حكميّة خاصّة، كالبول والماء النجس بعد جفافهما، أو كانت ذات عين ولكنّها قد زالت أو ازيلت قبل المشي أو المسح بالأرض، فمن الواضح أنّه لا معنى للكلام عن اعتبار زوالها بالمشي أو المسح وعدمه؛ إذ هو سالبة بانتفاء الموضوع. نعم، وقع البحث في أنّه هل يشترط في طهارتها حينئذٍ المشي أو المسح أم تكفي مجرّد المماسّة، وهذا ما يأتي تفصيله في عنوان تطهير النجاسة الحكميّة.
وقع البحث بين الفقهاء في اعتبار طهارة الأرض، فمال أو اختار بعضهم العدم؛ منهم
الشهيد الثاني حيث قال في
الروضة : «وهل يشترط طهارتها؟ وجهان، وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدمه».
وفي الروض نسب
الاشتراط إلى بعض الأصحاب.
بينما قال في
المسالك : «ويشترط طهارة الأرض وجفافها».
لإطلاق النص، بل نسبه بعضهم إلى إطلاق الفتوى أيضاً، (تقدم آنفاً من روضة الشهيد الثاني.)
بينما ذهب البعض الآخر إلى الاشتراط؛
لعدّة أدلّة ووجوه، وهي:
الأصل السالم عن معارضة غير الإطلاق المشكوك في
إرادة الأعمّ من الطاهر منه؛ لعدم سياقه له،
فهو قاصر عن شمول صورة نجاسة الأرض، أو منصرف إلى خصوص الطاهر بتوسّط القاعدة الارتكازيّة، من أنّ الفاقد لا يعطي»، فمقتضى
الاستصحاب بقاء النجاسة حينئذٍ.
وتوهّم أنّ ترك هذا القيد في الأخبار- على كثرتها- دليل على عدم الاعتبار، مدفوعٌ بأنّ الترك للاتّكال على
الارتكاز العقلائي، ولهذا لم يرد هذا القيد في مطهّرية الماء؛ لعدم
الاحتياج إلى ذكره، لا لعدم الاعتبار.
لكن ناقش السيد الحكيم في ذلك ب «أنّ الأصل إنّما يقتضي النجاسة بناءً على عدم جريان استصحاب المطهّرية الثابتة قبل طروء النجاسة على الأرض، وإلّا فمقتضاه العدم، ولو فرض معارضته باستصحاب النجاسة كان المرجع قاعدة الطهارة... مع أنّ الأصل لا مجال له مع الإطلاقات المقتضية لنفي اعتبار الطهارة.
ودعوى قصورها ممنوعة. ومثلها دعوى
الانصراف إلى خصوص الطاهر بتوسّط القاعدة الارتكازية من أنّ الفاقد لا يعطي؛ إذ لا ارتكاز للعرف في التطهير بالأرض، وإذا كان تعبدياً محضاً لا مجال لإعمال مرتكزاتهم فيه».
ثمّ قال مستدركاً: «إلّا أن يقال: إنّ الرجوع إلى العرف في قاعدة (الفاقد لا يعطي) ليس من باب الرجوع إليهم في كيفيّة التطهير لأجل الإطلاق المقامي، بل من جهة أنّ القاعدة المذكورة توجب دلالة الكلام على اعتبار الطهارة في المطهّر، كما توجب دلالته على اعتبار نجاسة المنجّس... وكذا جميع الموارد التي تضمّن الدليل فيها فاعليّة شيء لشيء، فإنّه يدلّ بالالتزام العقلي أو العرفي على كونه واجداً لذلك الفعل».
ويرى السيّد الخوئي تماميّة الاستدلال بالارتكاز بتقريب: «أنّ العرف حسب ارتكازهم يعتبرون الطهارة في أيّ مطهّر، ولا يجوز عندهم أن يكون المطهّر فاقداً للطهارة بوجه، ولا سيّما بملاحظة أنّ فاقد الشيء لا يكون معطياً له».
وكذا ذكر الإمام الخميني معبّراً عنه بالتناسب بين طهارة الشيء ومطهّريته، مدّعياً أنّه لهذا التناسب والارتكاز قابل الأحول في روايته بين الموضع الذي ليس بنظيف والمكان النظيف، فيمكن أن يستدلّ على اعتبار الطهارة بالرواية للارتكاز المذكور، مجيباً على توهّم أنّ ترك قيد الطهارة في الأخبار على كثرتها دليل على عدم الاعتبار بأنّ الترك للاتّكال على الارتكاز العقلائي، ولهذا لم يرد هذا القيد في مطهّرية الماء؛ لعدم الاحتياج إلى ذكره، لا لعدم الاعتبار.
قاعدة اعتبار سبق الطهارة في المطهّر المتّفق عليها على الظاهر.
لكن اجيب عن ذلك بمنع
الاتّفاق على القاعدة، مع نسبة الخلاف في المقام إلى جماعة، بل ونسبة بعضهم عدم اعتبار الطهارة هنا إلى إطلاق النصّ والفتوى.
الاستدلال بصحيح
الأحول ، حيث سأل
الإمام عليه السلام عن الرجل يطأ الموضع الذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً، فقال عليه السلام: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك»،
من جهة أخذ قيد الطهارة في كلام السائل، وذلك بأن يقال: إنّ قيد النظافة وإن ورد في كلام السائل إلّا أنّه يمكن أن يستدلّ بها على اعتبار الطهارة من جهتين:
إحداهما: أنّ قوله عليه السلام: «لا بأس» نفي له عمّا أخذه السائل في كلامه من القيود، ومعناه أنّه لا بأس بما فرضته من وطء الموضع الذي ليس بنظيف مع وطء المكان النظيف بعده، وهذا في الحقيقة بمنزلة أخذ القيود المذكورة في كلام السائل في كلام الإمام عليه السلام.
وثانيتهما: أنّ نفي البأس في كلامه عليه السلام قد علّق على ما إذا كان خمسة عشر ذراعاً، والضمير في قوله: «كان» يرجع إلى المكان النظيف، أي لا بأس إذا كان المكان النظيف خمسة عشر ذراعاً، وحيث إنّ التحديد بذلك محمول على الغالب وإرادة التقدير لما تزول به عين النجاسة غالباً يرجع المعنى- بحسب اللبّ- إلى أنّه لا بأس إذا كان المكان النظيف بمقدار تزول العين بالمشي عليه، فإذا لم يكن المكان النظيف بهذا المقدار انتفى المعلّق عليه- وهو عدم البأس- لا محالة.
لكن نوقش في ذلك بأنّ عود الضمير إلى ما كان مفروضاً في السؤال لا يقتضي كون الخصوصيّة المفروضة فيه من مقوّمات موضوع الحكم؛
ولعلّه لهذا نفى بعضهم دلالتها على الطهارة أصلًا
(خلافاً للإسكافي والذكرى وبعض آخر حيث ذهبوا إلى اشتراط الطهارة؛ لصحيحة الأحول، ولا دلالة فيها أصلًا. ) أو ظاهراً،
وظاهر بعضهم أنّه فيها
إشعار إلّا أنّ هكذا إشعار ليس بحجّة.
بل نوقش فيه أيضاً من قبل بعضهم بأنّ مقتضاه أنّ المكان النظيف لو لم يكن بهذا المقدار- أي تزول به عين النجاسة- فلا يطهر، كما لو حصل زوال العين بالمشي على الموضع القذر بعد المشي على الموضع الطاهر.
وقد يقال: إنّ هذه المناقشات ترد على الجهة الثانية من جهتي الاستدلال ولا ترد على الاولى، إلّا أنّه نوقش في الاستدلال بهذه الرواية من وجهيه، بأنّ المرتكز في ذهن السائل أنّه لو كان المكان الذي يمشي عليه كالذي تنجّس به قبل ذلك لا يطهر، ومن المعلوم أنّ مجرّد تنجّس المكان لا يوجب تنجّس الرجل أو الخفّ، بل لا بدّ من فرض الرطوبة المسرية، وفرضه نظافة المكان الذي يمشي عليه لعلّه لوقوع
الابتلاء له كذلك، فسأل الإمام عن إيجابه الطهارة أم لا، وعليه لا يكون في جوابه عليه السلام ولا في تعليقه نفي البأس دلالة على اشتراط طهارة الأرض، كما لا يخفى. أمّا الأوّل فظاهر. وأمّا الثاني فإنّ السائل لم يذكر إلّا المشي في مكان نظيف بعد وطئه المكان القذر، وأمّا الوطء للمكان القذر اليابس لتزول العين منه فغير مفروض في كلامه.
قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه بعدّة طرق فيها الصحيح وغيره: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»،
فإنّ الطهور لغة: هو الطاهر المطهّر، وهو أعم من أن يكون مطهّراً من الحدث والخبث، كما استدل به
المحدّث البحراني وأنكر على الفقهاء عدم استدلالهم به.
لكن نوقش فيه- بعد
تسليم العموم- بأنّه لا يستفاد منه إلّا جعل
الأرض في حدّ ذاتها كالماء طهوراً، وهذا لا يدلّ على ارتفاع وصف مطهّريتها عند عروض صفة النجاسة لها بأسباب خارجيّة.
وبعبارة اخرى: أنّه إنّما يدلّ على طهارة الأرض ومطهّريتها، ولا يدلّ على اعتبار الأولى في الثانية.
ولو قيل: إنّ الجعل إنّما تعلّق بالأرض الطاهرة لا بذات الأرض؛ لأنّ طهارتها من حيث الذات كانت متحقّقة قبل الشريعة، فجعلت للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم طهوراً بأن اعطيت مرتبة الكمال من الطهارة التي يعبّر عنها بصيغة المبالغة، وهي الطهارة المسرية إلى الغير، وتفسير الطهور بالطاهر المطهّر بحسب الظاهر إنّما هو بهذه الملاحظة، لا أنّ اللفظ مستعمل في المعنى المركّب، فيختصّ مورد الجعل بالأرض الطاهرة؛ إذ لا معنى لتشديد طهارة ما ليس بطاهر.
فإنّه يقال: على هذا التقدير أيضاً متعلّق الجعل بحسب الظاهر هي ذات الأرض التي هي طاهرة بالذات، لا الأرض المقيّدة بكونها طاهرة بالفعل، فهي قضية طبيعية لا تدلّ على أنّها بعد عروض وصف النجاسة الموجب
لارتفاع وصف طهوريّتها لا تطهّر شيئاً حتى يخصّص بها غيرها من الأدلّة المطلقة.
ولو سلّم ظهورها في تعلّق الأرض بالطاهرة بالفعل فهو أيضاً غير مجدٍ
لإثبات المدّعى؛ لأنّه لا ينفي مطهّرية غيرها؛ إذ لا
اعتداد بمفهوم اللقب، إلّا أن يقال: إنّ ورودها في مقام
الامتنان يجعلها ظاهرة في
الانحصار ، وفيه تأمّل، كما أنّ في جميع مقدّماته نظراً أو منعاً.
ولهذا وغيره أجاب
المحقّق النجفي على
إنكار المحدّث البحراني وتعجّبه من عدم استدلال الفقهاء بهذا الحديث، حيث قال: «لعلّهم تركوا الاستدلال به هنا أوّلًا: لما عرفت في أوّل الكتاب من مجازيّة الطهارة في إزالة الخبث شرعاً، وأنّه إن كان حقيقة فهو عند المتشرّعة، فإرادة المعنيين منه حينئذٍ هنا ممنوعة أو موقوفة على القرينة، بل وكذا إن قلنا باشتراكه لفظاً بين رفع الحدث والخبث، على أنّه قد يدّعى ظهوره في إرادة الحدث هنا بقرينة المسجد.
وثانياً:- بعد التسليم- لا دلالة فيه على الاشتراط، كما هو واضح بعد التأمّل، خصوصاً إن قلنا: إنّ المراد منه جعلت لي الأرض طاهرة مطهّرة، فيكون مساقاً لبيان أصل خلقة الأرض كذلك، فتأمّل».
قوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»،
فإنّ المتبادر منه- بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن من اشتراط كون المطهّر طاهراً- إنّما هو إرادة الأرض الطاهرة.
واستدلّ به بعضهم من جهة اخرى، وهي أنّ التقابل بين الأرض التي تنجس بها القدم والأرض المطهّرة يفهم منه أنّ الأرض الطاهرة ترفع النجاسة الحاصلة من الأرض القذرة، مضافاً إلى أنّ التناسب بين طهارة الشيء ومطهّريته يوجب صرف الذهن إلى ذلك.
إلّا أنّ أكثر الفقهاء ممّن قال أو استدلّ للطهارة لم يستدلّ بهذه الرواية، بل ظاهر بعضهم أنّ إطلاقها كغيرها من الروايات يقتضي عدم اعتبار الطهارة، والاستدلال بها بالتقريب المتقدّم يعود إلى الارتكاز، فإذا كان هناك ارتكاز فعلًا، فهو يصرف الإطلاق في الروايات إلى إرادة خصوص الطاهرة.
وقد عرفت المناقشة في كلّ واحد من هذه الأدلّة، إلّا أنّه في الجملة قاعدة اعتبار الطهارة في المطهّر مشهورة إن لم تكن متّفقاً عليها، كما أنّ
الارتكاز العرفي يقتضي أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، و
استقراء المطهّرات في الشريعة يعكس أنّ طهارتها شرط في جميع الموارد كما أنّ بعض الروايات كما سمعت تشعر بذلك، ومجموع هذه الامور قد يكون كالقرينة المحفوفة بالكلام تمنع عن ظهوره في الإطلاق.
من هنا كان الأقوى أو الأحوط على مستوى الفتوى اعتبار الطهارة لدى أكثر الفقهاء،
بل أفتى به
السيد اليزدي على سبيل الجزم واليقين.
كما وقع البحث بين الفقهاء في اعتبار جفاف الأرض ويبوستها، وفيه وجهان، بل قولان، حيث مال- بل اختار- بعضهم العدم،
بينما اختار آخرون الاعتبار.
وجه الأوّل إطلاق أكثر الأخبار، وقصور روايتي المعلّى والحلبي- اللتين جاء فيهما قيد الجفاف واليبوسة- سنداً
أو دلالة،
كما ستسمع.
ووجه الثاني رواية
المعلّى ، حيث جاء فيها: «أ ليس وراءه شيء جافّ؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس».
ورواية
الحلبي المروية في
السرائر ، حيث جاء فيها: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس»،
فإنّ فيهما إشعاراً بل دلالةً على اعتبار الجفاف، فيقيّد بهما المطلقات.
وربما نوقش في سنديهما أو دلالتيهما.
ففي
الرياض بعد
الاعتراف بإشعارهما- بل دلالتهما- على اعتبار
اليبوسة قال: «إلّا أنّ في سنديهما قصوراً مع عدم الجابر لهما هنا؛
لإطباق أكثر النصوص والفتاوى بالإطلاق جدّاً، مع
اعتضاده بالأصل الذي مضى، فهو أقوى، إلّا أنّ اعتبار الجفاف أحوط وأولى».
واجيب عنه بعدم قصور سنديهما، فالمحقّق النجفي بعد أن وصفهما بحسن المعلّى وصحيح الحلبي وأقرّ بإشعارهما، بل دلالتهما على اعتبار الجفاف قال: «فما في الرياض... لا يخلو من نظر، سيّما دعواه القصور؛ ضرورة صحّة الخبرين، بناءً على الظنون الاجتهادية».
وقال
الشيخ الأنصاري : «وقد يجاب بقصور الروايتين سنداً. وفيه: أنّ الثانية صحيحة أو
حسنة بابن هاشم، والاولى منقولة عن نوادر
البزنطي ، وهو حسن لا يروي إلّا عن ثقة، ومن أصحاب
الإجماع ».
ومع ذلك بقيت مسألة سنديهما محلّ خلاف، لاختلاف المباني والاجتهادات.
فذهب السيد الخوئي إلى ضعف سند رواية الحلبي
بالمفضل بن عمر ، ورواية المعلّى بالمعلّى نفسه.
وأمّا من حيث الدلالة فقد يقال بأنّه يحتمل أن يكون المراد بالجافّ ما يقابل المبتلّ بما يسيل من الخنزير، وباليابسة ما يقابل النديّة بالبول، كما يظهر بملاحظة سياقها.
واجيب عنه بأنّه لا ينبغي
الالتفات إلى مثل هذه الاحتمالات في رفع اليد عن ظواهر الأدلّة.
هذا، مضافاً إلى
بطلان هذا الاحتمال؛ وذلك لأنّه إن اريد مقابلتهما للنداوة والرطوبة مطلقاً فهو مسلّم، لكن يستفاد منهما التقييد.
وإن اريد مقابلتهما لنداوة البول وما سال من الخنزير ولا ينافي كونه رطباً بغيرهما ولو كان وحلًا فهو ممنوع جدّاً؛ لعدم صدق الجفاف واليبوسة عليه، كما لا يخفى.
مع أنّ للمسح على الجافّ واليابس دخالةً في قلع القذارة لدى العرف، فإنّ المسح بشيء رطب رطوبة سارية يوجب
انتشار القذارة لا قلعها، ولهذا يناسب (الجفاف) و (اليبس) القلع بارتكاز العرف، فيفهم منهما القيديّة.
ومع تصحيح سنديهما وتماميّة دلالتهما يقيّد بهما إطلاق سائر الأخبار
لو كان.
بل في الجواهر: احتمال انصراف تلك الإطلاقات بنفسها إلى الإزالة بالجافّ باعتبار تعارف المسح والإزالة به في
الاستنجاء وغيره فضلًا عن ملاحظة الخبرين.
بل وفيه أيضاً:
إمكان «تنزيل كلام من لم يعتبر الجفاف على إرادة
الاكتفاء بالأرض الرطبة رطوبة غير متعدّية، لا المتعدّية... فيكون النزاع... لفظيّاً؛ إذ المراد بالجفاف عند من اعتبره عدم التعدّي لا عدم النداوة أصلًا، فالطهارة بالفرض المذكور متّفق عليها بين الفريقين، كما اعترف به في الروض، كما أنّ عدمها في ذي الرطوبة المتعدّية كذلك بناءً على التنزيل المذكور، الذي يشهد له
استبعاد حصول الطهارة مع تلك الرطوبة المتعدّية. اللهمّ إلّا أن يريدوا بذلك زوال النجاسة السابقة عن القدم وإن تنجس بالرطوبة اللاحقة».
ويؤيّد ذلك ما قاله السيّد الخوئي في التنقيح، فإنّه- مع ذهابه إلى ضعف الروايتين المستدلّ بهما على اعتبار الجفاف وعدم إمكان الاستدلال بهما، وأنّه لا مانع على ذلك من الالتزام بمطهّرية الأرض النديّة بمقتضى الإطلاقات- قال: «نعم، إذا كانت رطبة على نحو تسري رطوبتها إلى الرجل لم يكن المشي عليها مطهّراً؛ لأنّه كلّ ما يصل من الرطوبة إلى المحلّ النجس فهو ينجس بالملاقاة، فلا بدّ من زواله في حصول طهارته، ولعلّه إلى ذلك ينظر ما ذكره الماتن بقوله: نعم، الرطوبة غير المسرية غير مضرّة».
وفي قبال ذلك نجد أكثر من اعتبر الجفاف صرّح بعدم إرادة الجفاف واليبوسة من مطلق الرطوبة وإن كانت قليلة وغير مسرية، بل الرطوبة المسرية، إمّا بهذا القيد أو بإحالة ذلك إلى العرف، وإن جاءت بعض العبائر أو الفتاوى مطلقة.
قال
الفقيه الهمداني : «المتبادر من الجفاف واليبوسة في مثل هذه الموارد- خصوصاً بعد الالتفات إلى ما في سائر الأخبار من الإطلاق، ومخالفة اعتبار اليبوسة الحقيقية لفتوى الأصحاب، كما يظهر من بعضهم- ليس إلّا ما لم يكن فيه رطوبة يعتدّ بها، أي الرطوبة المسرية، فالقول باعتباره هو الأظهر».
وقال السيد اليزدي: «ويشترط طهارة الأرض وجفافها. نعم، الرطوبة غير المسرية غير مضرّة».
ووافقه المحشّون لكن بقيد صدق الجفاف واليبوسة عرفاً.
وربما يقال بأنّه إذا كان المستند في اعتبار الجفاف روايتي المعلّى والحلبي، فلا بدّ من البناء على كونها- أي الرطوبة غير السارية- مضرّة، وذلك بدعوى أنّ اليبوسة غير الجفاف، وقد جاء في إحداهما الجفاف وفي الاخرى اليبوسة، ومقتضى الجمع تقييد الأوّل بالثاني؛ لأنّ اليبوسة أخصّ من الجفاف.
لكن قد يجاب عنه بما ذكره الإمام الخميني، بل كأنّه ناظر إليه، حيث ذهب إلى إنكار الفرق بينها بذلك، بل يصدق الجافّ واليابس على الأرض الرطبة رطبة ضعيفة غير سارية، سيّما بعض مراتبها.
وعلى تسليم الفرق وأنّ اليبوسة لا تصدق على الأرض التي فيها رطوبة غير سارية لا يبعد أيضاً القول بأنّ ذكر (اليبوسة) لكونها أحد المصاديق التي يحصل بها التطهير، فيكون كلّ من الجافّة واليابسة مطهّرة، وإن كانت الثانية أسرع في القلع وأوقع، وهذا أقرب من تقييد حسنة المعلّى بحسنة الحلبي.
وكذا تأمّل بعض المتأخّرين في الفرق بينهما؛ لما يظهر من ملاحظة ما ورد في تجفيف الشمس وغيره من الموارد.
وتجدر الإشارة هنا إلى مثل ما نبّهنا عليه في اعتبار الطهارة، من أنّ أكثر الفتاوى هنا جاءت على سبيل
الاحتياط ،
والظاهر أنّه لما سمعت من إمكان المناقشة في دلالة أو سند الروايتين، وكذا الوجوه الاعتبارية التي ذكرت أو يمكن أن تذكر من جهة، وأنّ اعتبار الجفاف أوفق بالاحتياط من جهات اخرى.
وقع البحث في أنّ الحكم هل يعمّ حصول النجاسة بأيّ نحو كان وإن حصلت من الخارج- كما إذا انفجر دمّل في أسفل قدمه وأصاب الدم خفّه أو رجله- أم يختص بالنجاسة الحاصلة من الأرض بالمشي عليها ونحوه؟
ومنشأ ذلك: أنّ مورد جلّ أخبار الباب- بل كلّها- هو النجاسة الحاصلة من المشي على الأرض، كوطء العذرة، والمرور على الطريق وغير ذلك، فيقتصر عليه. وفي قباله يمكن أن يقال بإلغاء الخصوصية عرفاً.
فقد ذهب الفقيه الهمداني إلى العموم مستدلّاً عليه بأنّ مقتضى الارتكاز عدم الفرق في مطهّرية الأرض بين النجاسة الحاصلة من الأرض والنجاسة الحاصلة من غيرها؛ إذ لا يتبادر من الأخبار سوى أنّ المشي أو المسح مطهّر للرجل أو الخفّ من النجاسة، من غير أن تكون لكيفيّة وصولها إلى الرجل مدخليّة في الحكم.
ومن هنا لا يتوهّم أحد فرقاً بين أن تكون العذرة التي يطؤها برجله مطروحة على الأرض أو على الفراش، فإنّ مثل هذه الخصوصيّات ليست من الخصوصيّات الموجبة لتخصيص الحكم بنظر العرف، كما في سائر الموارد التي وقع فيها السؤال عن أحكام النجاسات، مع كون المفروض في موضوعها وصول النجاسة إلى الثوب أو
البدن بكيفيات خاصة، فتكون هذه الروايات- بعد عدم التفات العرف إلى خصوصيّات مواردها- بمنزلة أخبار مطلقة لا ترفع اليد عنها إلّا بدلالة معتبرة؛ إذ لو كان لمثل هذه الخصوصيّات دخل في الموضوع لوجب التنبيه عليه في مقام الجواب في مثل هذا الحكم العام
الابتلاء .
وناقش فيه السيد الخوئي بأنّ الارتكاز العرفي وإن كان يقتضي عدم الفرق بين كون العذرة مطروحة على الأرض أو على الفراش، إلّا أنّ هذا ليس محلّ الكلام، وإنّما محلّ الكلام هو فيما إذا استندت النجاسة إلى الخارج، كما إذا انفجرت ما في أسفل قدمه من الدمّل لدى المشي، وأصاب الدم خفّه أو رجله، وفي مثله يحتاج إلى دليل قطعي على عدم الفرق، وإلّا فلا بدّ من
الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو النجاسة الحاصلة بالمشي، وفي المقدار الزائد يرجع إلى العموم أو الإطلاق، وهما يقتضيان
إناطة تطهير المتنجّس بالغسل بالماء، ولا سبيل لنا إلى مناطات الأحكام الشرعية وملاكاتها، ونحتمل وجداناً أن تكون لكيفيّة وصول النجاسة بالمشي مدخليّة في الحكم، ويشهد على ذلك ملاحظة أحجار الاستنجاء؛ لأنّها مطهّرة من العذرة في المحلّ، وأمّا إذا كانت في غيره من الثوب والبدن ونحوهما فالأحجار لا ترفع أثرها بوجه.
(ولا يخفى ما في طريقة التشبيه بحجر الاستنجاء، والأنسب تشبيه المقام بالاستنجاء بالحجر من حيث تطهير خصوص نجاسة الغائط الحاصلة من التغوّط، ولا يطهّر النجاسة الحاصلة من الخارج. )
وقد يستدلّ للعموم بإطلاق صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «جرت السنّة في الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما»،
فإنّ مقتضاه مطهّرية المسح من أيّ نجاسة، ولا يختص ذلك بالنجاسة الحاصلة من الأرض.
واجيب عنه بأنّه- على فرض تسليم وروده في المقام؛ إذ من المحتمل قويّاً أن يكون ناظراً إلى المسح في الوضوء، لنفي ما يزعمه البعض من اعتبار غسل الرجلين فيه- لا إطلاق له؛ إذ لا شكّ في أنّه ليس بصدد البيان؛ للقطع بعدم كون المسح مطهّراً مطلقاً كالمسح بالخرقة أو الخشب ونحوهما، فهو في مقام
الإيجاب الجزئي في قبال السلب الكلّي.
كما أنّه قد يستدلّ للعموم أيضاً بصحيحة الأحول
حيث ورد فيها: في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً؟ فقال: «لا بأس...».
وهو أعمّ من الأرض، ويصدق فيهما لو وطأ على فراش ونحوه.
ونوقش فيه بأنّ المراد بالموضع الأرض بقرينة التعليل في بعض روايات الباب، كقوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»، الظاهر في اعتبار الخصوصيّة، خصوصاً مع كون المراد من المكان النظيف بعده هو الأرض، بعد تخصيصه بالتعليل وغيره،
كما تقدّم في عنوان عدم مطهّرية غير الأرض من الأجسام.
هذا، وقد استدلّ على
الاختصاص - مضافاً إلى كونه مورد الروايات فلا بدّ من الاقتصار عليه، وأمّا التعدّي فيحتاج إلى دليل، وهو ليس- بعموم التعليل، بدعوى أنّه في مقام
إعطاء الضابط والقاعدة، فلا بدّ من أخذ القيود التي فيه، ولا يجوز إلغاؤها، مع أنّ أظهر الاحتمالات في المراد منه هو أنّ الأرض يطهّر بعضها ما يتنجّس ببعضها، أو أنّ المراد بالبعض الثاني نفس النجاسات الحالّة بالأرض بنحو من التأويل، فإنّها صارت كالجزء لها، والمراد بتطهيرها تطهير آثارها من الملاقي، كقوله: (الماء يطهّر الدم) فيفهم منها دخالة خصوصية حصول النجاسة من الأرض، وإلّا لم يأخذها في مقام إعطاء الضابط.
بل وكذا قد يدّعى ظهور أو إشعار النبويّين-: «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب»
و «إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور»
- بالاختصاص، ومعه يشكل
إلغاء الخصوصيّة.
نعم، ادّعى الفقيه الهمداني أنّ الروايات وإن كانت مشعرة باعتبار الخصوصيّة إلّا أنّ استبعاد مدخليّة مثل هذه الخصوصيّة في موضوع الحكم مانع من أن يقف الذهن دونها، بل لا يتبادر منها- حتى المعلّلة والواقع التعبير فيها بلفظ الاشتراط كالنبويّين- إلّا كون المسح أو المشي على الأرض مطهّراً لنجاسة الرجل أو الخف من غير أن يكون لكيفيّة وصولها إلى الرجل دخلٌ في الحكم، ولذا لم يفهم الفقهاء من هذه الروايات الاختصاص.
وقد اجيب عمّا ذكره أوّلًا بما عرفت آنفاً، وأمّا قوله: لم يفهم الأصحاب منها الاختصاص فقد اجيب عنه بأنّ عدم ذكر الفقهاء لهذا القيد ليس إلّا لاجتهادهم في تلك الروايات؛ للجزم بعدم أمر آخر عندهم وراءها.
إلّا أن يقال: إنّ عدم دخالة الخصوصيّة عرفاً يستكشف من فهم الأصحاب، فإنّهم أيضاً من العرف، لكنّه مشكل بعد عدم
استفادة إلغاء الخصوصيّة بالشواهد المتقدّمة.
صرّح الفقهاء بعدم الفرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة،
حيث ورد كلّ منهما في الروايات المتقدّمة، فعلى الاكتفاء بالمسح صحيحة زرارة ورواية حفص، وعلى الاكتفاء بالمشي حسن الحلبي، ويستفاد من غيرها.
نعم، وقع الإشكال في كفاية جعل الحجر أو غيره من أجزاء الأرض آلة للمسح، كأن يأخذ حجراً أو شيئاً من التراب ويمسح بها رجله أو نعله، ومنشأ الإشكال الذي أبرزه أكثر من تعرّض للمسألة هو احتمال انصراف الأدلّة إلى مسح الأرض بالرجل أو النعل، فلو انعكس بأن مسحها بالأرض لا يحكم بكفايته. فذهب بعض الفقهاء إلى إجزاء ذلك؛ لصدق المسح.
قال
المحقّق النراقي : «وفي إجزاء أخذ مثل التراب ودلكه بالموضع احتمال قريب؛ لصدق المسح».
وقال المحقّق النجفي: «... وكذا منه (صحيح زرارة) وغيره (من روايات الباب) يستفاد أنّه لا فرق في الطهارة المذكورة بين المشي والمسح وغيرهما، كما نص عليه جماعة، ويقتضيه التدبّر في الأخبار السابقة، ولا بين كيفيّات المسح من جعل الحجر- مثلًا- آلة للمسح وغيره».
بينما صرّح الشيخ الأنصاري بعدم
الإجزاء ؛ لانصراف مسح الرجل إلى مسحها بالأرض.
واستشكل فيه السيد اليزدي،
وعلّله السيد الحكيم باحتمال انصراف المسح في صحيح زرارة إلى مسح الأرض بالرجل لا مسح الرجل بالأرض. ثمّ إنّه منع من الانصراف المزبور.
وعليه يكون ظاهره الميل إلى الإجزاء.
وهنا قد يقال بأنّ مقتضى الجمود على حاقّ التعبير في صحيح زرارة ورواية حفص تعيّن مسح الرجل بالأرض؛ إذ الظاهر منهما أنّ الرجل والخفّ ممسوحتان لا ماسحتان.
واجيب عنه بأنّ الظاهر منهما إرادة مجرّد إزالة العين.
أو يقال: لا نسلّم ذلك؛ إذ المتعلّق غير مذكور، فإن كان التقدير (يمسحها على الأرض) تكون الرجل ماسحة، وإن كان (يمسحها بالتراب) - مثلًا- تكون ممسوحة، فغاية ما هناك مقتضاه الاجتزاء بكلّ منهما، نظير الإطلاق، لكن مقتضى الكبرى- «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» - عدم
الاجتزاء إلّا بالمسح على الأرض فيقدّم عليه. ولو قيل: إنّ بين الصحيحة والكبرى عموماً من وجه، قلنا: إنّ الترجيح مع الكبرى؛ لأظهريّتها وموافقتها للشهرة ظاهراً.
هذا، وبعض الفقهاء ذكر أنّ منشأ الإشكال في هذه المسألة ليس هو اعتبار مسح الأرض بالرجل دون العكس، وإنّما هو عدم صدق الأرض على المأخوذ منها حقيقة، فلا يقال له أرض وإنّما هو من الأرض، بينما الأخبار المتقدّمة إنّما دلّت على مطهّرية الأرض، بل وكذا أكثر الفتاوى التي وقع فيها التعبير بالأرض ظاهرها اعتبار
اتّصالها ؛ لأنّ الأجزاء المنفصلة عن الأرض لا يطلق عليها اسم الأرض.
وبهذا يقيّد إطلاق صحيحة زرارة ورواية حفص.
ومن ثمّة لا يفرّق في الإشكال بين أن يمسح الرجل أو النعل بالحجر أو التراب المأخوذين من الأرض، وبين أن يمسح الحجر أو التراب المأخوذين من الأرض بالرجل أو النعل، فإنّ الماسحيّة والممسوحيّة في الإشكال سواء، وهذا بخلاف ما إذا كان منشأ الإشكال هو احتمال أن يكون المعتبر مسح الأرض بالرجل لا العكس، فإنّ لازمه الحكم بكفاية المسح في الصورة الثانية.
ثمّ إنّه ذكر الفقيه الهمداني أنّه يمكن أن يوجّه القول بكفاية المسح بما هو من الأرض وإن كان منفصلًا من خلال البناء على عدم صلاحية الأخبار التي وقع فيها التعبير بالأرض، وأنّها يطهّر بعضها بعضاً؛ لتقييد إطلاق الخبرين الدالّين على كفاية مطلق المسح، و
انحصار ما يقيّدهما بالنبويّين، بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار الدالّة على كفاية مطلق الأرض إنّما هو تعميم التراب بحيث يشمل سائر أجزاء الأرض، لا تخصيصه بخصوص ما يسمّى أرضاً فعلًا.
لكن فيه تأمّل، خصوصاً مع أنّ الغالب في تطهير الخفّين بالتراب مسحهما به حال اتّصاله بالأرض، فاعتبار الاتّصال إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.
ومنع السيد الخوئي من كفاية ذلك؛ لظاهر التعليل في بعض الروايات المتقدّمة ب «أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»، فإنّ مقتضاه أنّ الأرض مطهّرة، لا ما هو من أجزائها، لكنّه ذهب إلى كفاية المسح بالأجزاء المنفصلة فيما لا يمكن عادة أن يمسح بالأجزاء المتّصلة منها؛ لما في صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلّا أن يقذرها، ولكنّه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلّي».
ومقتضاها طهارة ما بين الأصابع أيضاً بالمسح؛ لأنّ الغالب مع السوخ وصول العذرة إلى ما بين الأصابع، بل الأمر دائماً كذلك، ومع هذا حكم عليه السلام بطهارة الرجل بالمسح، فيستفاد منها أنّ المسح فيما بين الأصابع أيضاً مطهّر، وهو يدلّنا على كفاية المسح بالأجزاء المنفصلة من الأرض فيما يتعذّر مسحه بالأجزاء المتّصلة منها، فإنّ المتيسّر في مثل بين الأصابع أن يؤخذ حجراً أو مدراً من الأرض ويمسح به، فإطلاق قوله عليه السلام: «يمسحها» يقتضي كفاية المسح بتلك الكيفيّة، لكن مع ذلك نمنع من كفايته في مثل سطح الرجل أو النعل وغيرهما ممّا يمكن أن يمسح بالأجزاء المتّصلة من الأرض بسهولة
.
واجيب عنه بأنّه لا يحتمل الفرق بين مسح ما بين الأصابع بالأجزاء المنفصلة ومسح غيره بها، وإذا دلّت الصحيحة على كون الأوّل مطهّراً يكون الثاني أيضاً كذلك.
المعتبر في تطهير الأرض لباطن الرجل والنعل ونحوه هو زوال عين النجاسة- إن كانت- بالمشي على الأرض أو المسح عليها، ولا يعتبر مقدار معيّن من المشي أو المسح، صرّح بذلك الفقهاء، وحملوا ما في صحيح الأحول من التحديد بخمسة عشر ذراعاً على الغالب من كون هذا المقدار من المشي يوجب إزالة النجاسة، كما يومئ إليه قوله عليه السلام فيها: «أو نحو ذلك»،
أو يحمل على صورة توقّف زوال القذارة عليه، أو على
الاستحباب ؛ كلّ ذلك لإطلاق النصوص، بل لعلّ صريح بعضها عدمه، كما تقدّم كلّ ذلك في مقام الاستدلال بهذه الرواية على مطهّرية الأرض، وما نسب إلى
ابن الجنيد من العمل بها، فلا داعي للتكرار.
نعم، وقع الإشكال في كفاية مجرّد المماسّة من دون مسح أو مشي، كما إذا وقعت نعله على الأرض وبذلك زالت عنها عين النجاسة.
قال السيد اليزدي: «ويكفي مسمّى المشي أو المسح... وفي كفاية مجرّد المماسّة من دون مسح أو مشي إشكال».
ومنشأ الإشكال- على ما في
المستمسك - من ظهور حسن الحلبي وصحيح زرارة في اعتبار المشي والمسح، ومن إطلاق التعليل: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»، لكنّ الإطلاق لا يجدي في إثبات الكيفيّات، والقياس على الماء غير ظاهر، فظهور الحسن والصحيح في اعتبار خصوصية المشي والمسح محكم.
واحتمال كون ذكرهما لمناسبة المورد لا يجدي في رفع اليد عن الظاهر.
وبنحوه استدلّ السيّد الخوئي على عدم الكفاية؛ إذ خلاصته: أنّ النتيجة المحصّلة من مجموع الروايات أنّ المطهّر أمران: المشي على الأرض، والمسح بها. وأمّا مجرّد المماسّة فمقتضى الرواية عدم كفايتها. ولو شككنا في ذلك فالمرجع هو المطلقات الدالّة على اعتبار الغسل بالماء في إزالة النجاسات.
وسيأتي مزيد الكلام في كفاية المماسّة وعدمها في العنوان التالي.
بقي البحث فيما إذا لم تكن عين نجاسة موجودة وكانت النجاسة حكميّة- كما لو كانت بولًا أو ماءً نجساً ثمّ يبس، أو كانت ولكن مسحها بغير المشي أو المسح بالأرض- فهل تطهر بالأرض؟ بمعنى أنّه لا يلزم في التطهير بالأرض وجود العين ولا زوالها بخصوص المشي أو المسح بالأرض، فلو ذهبت بغيرها يطهر المحلّ بالمشي أو المسح، أم يعتبر ذلك فلا تطهر حينئذٍ؟ وعلى الأوّل ما المقدار المطهّر؟
وهل يلزم المشي أو المسح، أم يكفي مجرد المماسّة؟ فهنا بحثان:
أمّا بالنسبة إلى الأوّل فالظاهر أنّهم متّفقون من حيث النتيجة على عدم اعتبار وجود العين وزوالها بالمشي والمسح؛ لإطلاق الأدلّة.
قال كاشف الغطاء: «وتكفي مجرّد
الإصابة مع الخلوّ عن العين، وتلزم المباشرة المزيلة للعين مع وجودها».
وقال المحقّق النراقي: «... ولا (يشترط) وجود العين والأثر المحسوس للنجاسة، فلو كانت الرجل- مثلًا- نجسة بالبول ويبست منه تطهر بالمسح».
وقال المحقّق النجفي: «... أمّا إذا لم تكن (عين النجاسة موجودة) بل كانت نجاسة حكمية خاصة كفى في الطهارة مجرّد المماسّة، كما صرّح به الطباطبائي في منظومته، و
الاستاذ في كشفه، بل إليه يرجع ما في المعتبر والمنتهى والذكرى والذخيرة وغيرها من التصريح بعدم اشتراط جرميّة النجاسة وجفافها في الطهارة، بل ظاهر نسبة الخلاف في أكثرها إلى بعض الجمهور خاصة عدمه بيننا، بل الإجماع عليه عندنا؛ ولعلّه لإطلاق الأدلّة وأولويّتها من العينية، وفحوى الاكتفاء به في الاستنجاء، بل هي هي وزيادة. لكن قد يناقش فيه- إن لم يكن مجمعاً عليه- بمنع
الأولوية ، وظهور الأدلّة في العينية التي تزال بالمسح والدلك والمشي ونحوها، وتتبعها الحكمية، لا إذا كانت هي لا غير».
وكذا قال السيد اليزدي: «لا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة، ولا زوال العين بالمسح أو بالمشي وإن كان أحوط».
واستدلّ له بإطلاق النص من الجهتين،
فيدلّ على عدم اعتبار الرطوبة عند المشي أو المسح على الأرض الطاهرة مقتضى إطلاق صحيحة الأحول، حيث إنّ قول السائل فيها: (ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً) يعمّ ما إذا كان الوطء على النظيف بعد جفاف الرجل أو الخفّ، بل لا يبعد هذا الإطلاق في حسنة
المعلّى بن خنيس المتقدّمة.
ويدلّ على عدم لزوم
إزالة النجاسة بالمشي أو المسح إطلاق الروايات أيضاً، كقوله عليه السلام: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟»،
وكذا إطلاق التعليل- ف «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» - وصحيحة الأحول وبعض روايات اخر.
ولا ينافيها صحيحة زرارة ورواية حفص؛ لعدم ظهورهما في القيدية، بل فرض فيهما وجود العين، فقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «يمسحها حتى يذهب أثرها»
لبيان حال قضية مفروضة، فيكون بياناً عادياً لا يستفاد منه دخالة وجود العين في طهارة المحلّ، ولا ينقدح منه بقاء نجاسة المحلّ لو زالت العين بغير الأرض ولو مشى بعده ما مشى.
وبالجملة: لا تصلح الصحيحة ونحوها لتقييد إطلاق غيرها من الروايات، مع أنّ تطهير المحلّ الخالي من العين أولى من المشغولة بها في نظر العرف، فالأقوى عدم اعتبار وجودها أو أثرها في المحلّ.
نعم، في المستمسك وجّه الاحتياط الاستحبابي الذي ذكره صاحب العروة بقوله: «لما تضمنه صحيح زرارة، لكن لمّا كان مورده وجود العين، المعتبر زواله قطعاً لم يصلح لتقييد (المطلقات) مثل حسن الحلبي».
وأمّا الثاني- وهو أنّه هل يعتبر حينئذٍ المشي أو المسح أم تكفي مجرّد المماسّة؟ - فقد سمعت ما في كشف الغطاء والجواهر من التصريح بكفايتها، ونسبه في الثاني إلى السيد الطباطبائي، بينما ظاهر
مستند الشيعة تعيّن المسح.
وقال الشيخ الأنصاري: «إن اريد من المماسّة المسح فهو حسن، وإلّا فالأقوى اعتبار المسح على الأرض أو المشي، وعدم كفاية المماسّة...».
ونحوه قال
المحقّق الهمداني .
وقال السيد اليزدي: «وفي كفاية مجرّد المماسّة من دون مسح أو مشي إشكال».
وظاهره حتى لو كانت النجاسة موجودة وزالت بها، كما فسّره السيد الخوئي،
وقد قدّمنا الكلام عن الحالة الاولى في العنوان القبلي.
وكيف كان، فالمسألتان من حيث الإشكال من وادٍ واحد وإن اقتصر بعض من تعرّض للمسألة على صورة عدم وجود عين النجاسة.
من هنا أطلق السيد اليزدي ومن شَرَح العروة
أو علّق عليها،
بل نص السيد الخوئي على ذلك كما سمعت.
ومنشأ الإشكال في كفاية مجرّد المماسّة وعدمها إطلاق التعليل، فإنّ مقتضاه كون الأرض مطهّرة بقول مطلق، وظهور بعض الروايات- كحسن الحلبي وصحيح زرارة ورواية حفص- في اعتبار المشي أو المسح. واحتمال كون ذكرهما لمناسبة المورد لا يجدي في رفع اليد عن الظاهر.
وأمّا الاستدلال لكفاية مجرّد المماسّة بإطلاق التعليل فأُجيب عنه بأنّه لا يظهر منه كيفية التطهير بالأرض، وهل هو بالمسح أو بالمشي أو بمجرد المسّ، بل هو مجمل من هذه الناحية، نظير قوله: (الماء يطهّر)،
فمجرّد الإطلاق لا يجدي في إثبات الكيفيّة، ولا ارتكاز عرفي فيها بالنسبة إلى الأرض ليتبع،
بل التطهير بها خلاف ارتكاز العقلاء في باب
التنظيف بالأرض، دون التمسّح الموافق له، ودون المشي الذي دلّ عليه الدليل، مع إمكان أن يقال: إنّه كالمسح في رفع الأثر،
فيكون موافقاً له أيضاً.
وعلى هذا فظهور
حسن الحلبي وصحيح زرارة في اعتبار خصوصيّة المشي والمسح محكّم؛
إذ هو وإن كان لا يصلح لتقييد الإطلاق- إن كان- لكنّه يوهن توهّم الإطلاق لصرف المماسّة، مع أنّه خلاف ارتكاز العقلاء، كما سمعت.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۱۴۲-۱۶۸.