صلاة المضطجع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يأتي يبحث عن المصلي إذا لم يتمكن من القيام في الصلاة وكيفية صلاة المضطجع.
لا خلاف بين الفقهاء
في أنّ المصلّي إذا لم يتمكّن من
القيام صلّى جلوساً، فإن تعذّر ذلك صلّى مضطجعاً، بل ادّعي
الإجماع عليه.
وتدلّ عليه جملة من النصوص المدّعى استفاضتها
:
منها: النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ»
كحسن أبي حمزة عن
أبي جعفر عليه السلام ، قال:«الصحيح يصلّي قائماً، وقعوداً: المريض يصلّي جالساً، وعلى جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جلوساً».
ومنها: موثّق
سماعة ، قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال:«فليصلّ وهو مضطجع...».
ذكر بعض الفقهاء أنّ حدّ العجز المسوّغ للصلاة اضطجاعاً أو
استلقاءً ليس مقصوراً على الرمد، بل كلّ مرض يستدعي
الاضطجاع أو الاستلقاء برؤه.
وفي بعض الكلمات أنّ المراد بالعجز في هذه المراتب ونظائرها حصول المشقّة الكثيرة التي لا تتحمّل مثلها عادة، سواء نشأ منها زيادة مرض أو حدوثه أو بطء برئه، أو مجرّد المشقّة لا العجز الكلّي.
لا خلاف بين الفقهاء
في وجوب
استقبال القبلة للمصلّي اضطجاعاً، بل عليه الإجماع.
وقد ذكروا
في كيفية استقبال المضطجع: أن يجعل وجهه نحو القبلة كالموضوع في اللحد إذا كان مضطجعاً على الجانب الأيمن، ولو كان مضطجعاً على الجانب الأيسر انعكس
الأمر ، فيجعل رأسه مكان رجليه ويستقبل القبلة.
والمستند في ذلك قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام في موثّق
عمّار الساباطي : «يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده، وينام على جانبه الأيمن، ثمّ يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنّه له جائز، وليستقبل بوجهه القبلة، ثمّ يومئ بالصلاة إيماءً»،
ونحوه مرسل الفقيه
وخبر
الدعائم.
وتترتّب على المضطجع أحكام الاستقبال بأنواعها.
هل المصلّي مخيّر بين الاضطجاع على الجانب الأيمن أو الأيسر، أو يجب عليه
اختيار الجانب الأيمن أوّلًا، بمعنى أنّه لو لم يتمكّن من الصلاة على الجانب الأيمن اضطجع على الأيسر؟ قولان:
ذهب إلى الأوّل بعض الفقهاء؛
للأصل وإطلاق بعض الأخبار.
فيما ذهب إلى الثاني- وهو الترتيب بين الأيمن والأيسر- آخرون،
بل ادّعي الإجماع عليه.
واستدلّ له بموثّقة عمّار
الصريحة في
الاختصاص بالجانب الأيمن، ونحوها مرسل
الصدوق وخبر الدعائم،
وبالاحتياط .
ولو تعذّر الجانب الأيمن فهل يتعيّن الجانب الأيسر أو ينتقل إلى الاستلقاء؟بناءً على القول بالتخيير لا ريب في تعيّن الأيسر كما هو الحال في كلّ واجب تخييري تعذّر أحد فرديه، فلا تصل النوبة إلى الاستلقاء.وأمّا بناءً على قول المعظم من تعيّن
الترتيب بين الأيمن والأيسر، فالمشهور الأوّل؛
لمرسلة الصدوق المنجبر ضعفها بالشهرة، بل بعدم الخلاف كما استظهر من بعضهم.
وظاهر عبارة القدماء
وبعض من تأخّر
الثاني، أي
الانتقال إلى الاستلقاء، حيث إنّهم ذكروا أنّه يصلّي مضطجعاً إلى الجانب الأيمن، وإلّا صلّى مستلقياً، وظاهرهم اختيار الثاني.ويشهد له رواية الجعفريّات وفيها: «وإن لم يستطع أن يصلّي قاعداً صلّى على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلّي على جانبه الأيمن صلّى مستلقياً».
لكن ذهب
السيّد الخوئي إلى أنّ ضعف السند في هذه الرواية يمنع
الاعتماد، مستظهراً القول الأوّل.
إذا تمكّن المضطجع من
الركوع والسجود أو أحدهما تعيّن عليه ذلك،
وإن لم يتمكّن أومأ لهما برأسه في المشهور بينهم،
بل عليه الإجماع؛
لمرسلة الصدوق فيمن شبّكته الريح: «إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، وإلّا فوجّهوه إلى
القبلة ومروه فليومئ برأسه إيماءً، ويجعل السجود أخفض من الركوع...».
وغيرها.
وقد نسب وجوب جعل السجود أخفض من الركوع إلى ظاهر الأكثر،
بل في
الرياض أنّه قطعي.
ولو تعذّر الإيماء بالرأس أومأ للركوع والسجود بعينه بلا خلاف في ذلك،
بل ادّعي عليه الإجماع.
وأمّا وضع شيء على الجبهة في السجود فقيل: يجب، وهو الذي استظهر من بعض الأخبار.
وقيل: لا يجب؛ للأصل، وخلوّ كثير من الأخبار والفتاوى منه.
يستحبّ رفع اليدين في كلّ تكبيرات الصلاة، وادّعي الإجماع عليه،
وهذا
الاستحباب عامّ يشمل جميع تكبيرات الصلاة لجميع المصلّين، وهو ثابت في حقّ القاعد والمضطجع والمستلقي، فيستحبّ للمضطجع رفع يديه في تكبيرات الصلاة بلا فرق بينه وبين غيره، كما نصّ بعضهم عليه.
من تجدّد له
الاقتدار على الحالة العليا من الدنيا انتقل إليها، ولا خلاف في ذلك، بل ادّعي الإجماع عليه،
فلو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه، وكذا لو تجدّد للمضطجع القدرة على الجلوس انتقل إليه؛ لصحيح جميل، وفيه:«إذا قوي فليقم».
وهل يلزم ترك القراءة عند انتقال المضطجع إلى الحالة العليا؟صرّح غير واحد منهم
بلزوم ترك
القراءة عند الانتقال إلى الحالة العليا، بل ذلك ممّا لا خلاف فيه ظاهراً كما اعترف به بعضهم.
وعلّلوه بأنّ
الاستقرار معتبر فيها، وهو منتفٍ مع الانتقال، وبأنّ فرضه انتقل إلى الحالة العليا فلا يجزي الأدون منها.
وقيل: يجوز
الاستئناف ، بل هو أفضل؛ لتقع القراءة جميعاً متتالية.
ولابدّ من مراعاة التدرّج حال الانتقال عند حصول القدرة تدريجاً.نعم، لو حصلت دفعة واحدة كأن حصلت له القدرة على القيام عند اضطجاعه، فيقوم من دون مراعاةٍ للجلوس.قال الشهيد في
الذكرى : «ولو قدر المستلقي على القيام التامّ وجب من غير توسّط غيره».
يجوز
إتيان جميع الصلوات المندوبة جالساً حال الاختيار في المشهور بينهم،
بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد.
أمّا جواز إتيانها مضطجعاً حال الاختيار ففيه قولان:
الأوّل: الجواز، وقد استقربه جماعة من الفقهاء.
واستدلّ له بأنّ الكيفيّة تابعة للأصل، وأصل
النافلة غير واجب، فلا تكون الكيفية واجبة، فيجوز كيف ما كان كالاضطجاع، وبالنبوي: «من صلّى نائماً فله نصف أجر القاعد».
وردّ الأوّل بأنّ المراد بالوجوب المعنى الشرطي
كالطهارة دون التكليفي، فعدم وجوب أصل النافلة لا يقتضي شرعيّة فعلها بلا شرط.كما ردّ الثاني بأنّ هذا الخبر ليس وارداً من طرق الخاصّة، فلا يتمسّك به
لإثبات مثل هذا الحكم المخالف لأصالة التوقيف في العبادة.
الثاني: عدم الجواز، وهو ظاهر جماعة، وكل من اقتصر على الجلوس في إتيان النوافل،
بل عزاه بعض إلى الأشهر؛
وذلك لتوقيفية العبادة، وعدم ثبوت النقل والتوظيف بذلك.
هذا، وتردّد في المسألة جماعة.
نسب إلى المشهور
عدم جواز
إمامة الناقص للكامل، بل عليه الإجماع صريحاً وظاهراً في كلمات جماعة
فلا تجوز إمامة المضطجع للقاعد.نعم، يستظهر من بعضهم الكراهة.
أمّا إمامة الناقص لمثله كالمضطجع للمضطجع فلا خلاف في جوازها، قال
المحقّق النجفي : «يجوز ائتمام كلّ مساوٍ بمساويه نقصاً أو كمالًا، والناقص بالكامل كالقاعد بالقائم بلا خلاف أجده فيه».
لكن السيّد الخوئي منع من ذلك أيضاً؛ لعدم ورود النصّ فيه بالخصوص، والإطلاقات قاصرة عن الشمول لمثله؛
لانصرافها إلى ما هو المتعارف في
اقتداء المصلّي عن قيام، ومقتضى الأصل عدم المشروعية، خرجنا عنه في اقتداء القاعد لمثله؛ لورود النصّ بخصوصه، فيبقى الباقي على مقتضى الأصل.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۴۱۹-۴۲۵.