• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

عمل الأجير لغير المستأجر

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



الكلام في المسألة في شخص آجر نفسه لعمل ثمّ أراد أن يعمل لشخص آخر في نفس زمان الإجارة ، ما هو حكمه التكليفي و الوضعي ؟




إذا آجر شخص نفسه لعمل ثمّ أراد أن يعمل لشخص آخر في نفس زمان الإجارة تبرعاً أو باجارة اخرى فلا إشكال ولا خلاف في جوازه إذا كان على وجه لا ينافي الوفاء بالإجارة الاولى
[۳] المبسوط، ج۳، ص۲۴۲.
[۶] الشرائع، ج۲، ص۱۸۲.
[۷] التحرير، ج۳، ص۱۳.
أو باذنه، كما لا خلاف ولا إشكال في حرمته إذا كان منافياً معه؛ لأنّه تعجيز لنفسه عن الوفاء بالاجازة وهو واجب فيكون‌ تركه اختياراً معصية . والحرمة التكليفية بمعنى ترك الواجب مما لا خلاف فيه. وأمّا حرمة نفس العمل الآخر الذي قام به بعنوانه فهي مبتنية على القول بحرمة ضد الواجب وأنّ وجوب شي‌ء يقتضي النهي عن ضده
[۱۲] التنقيح الرائع، ج۲، ص۲۷۶.
- وهو خلاف المشهور وغير صحيح على ما حقق في محله من علم الاصول- أو القول بتعلق ملك المستأجر أو حقه بالعمل الآخر بحيث يكون صرفه للغير تصرفاً في حق المستأجر وغصباً أو تفويتاً واتلافاً لحقه وهو محرّم شرعاً.
[۱۵] حاشية مجمع الفائدة، ج۱، ص۴۸۶- ۴۸۷.

وهذا قد يتحقق في بعض الأقسام والصور كما سيأتي.



لا خلاف في صحة إجارة الأجير نفسه لشخص آخر إذا لم يكن الوفاء بها منافياً مع الوفاء بالإجارة الاولى، وإنّما البحث في صورة التنافي وعدم إذن المستأجر الأوّل فيقع البحث عن صحتها وفسادها وعما يحق للمستأجر الأوّل.
وقد اختلفت كلمات الأصحاب في المقام اختلافاً شديداً، والمشهور التفصيل بين الأجير الخاص والأجير المشترك أو العام.
وقد عرّف المحقق الأجير الخاص بأنّه الذي يستأجر مدة معينة.
[۱۹] الشرائع، ج۲، ص۱۸۲.
وشرحه آخرون بأخذ قيدين فيه المباشرة والمدة المعينة. إلّا أنّ صاحب العروة ذكر أقساماً أربعة للأجير الخاص فقال:
«الأجير الخاص وهو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر مدة معينة أو على وجه تكون منفعته الخاصة كالخياطة مثلًا له. أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدة معينة. أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدة أو كلاهما على وجه الشرطية. لا يجوز له أن يعمل في تلك المدة لنفسه أو لغيره بالاجارة أو الجعالة أو التبرع عملًا ينافي حق المستأجر إلّا مع اذنه».
والمستفاد من كلمات الفقهاء انّه كلما اخذت مباشرة الأجير للعمل والمدة المعيّنة في الإجارة بنحو القيدية أو الشرطية فهو أجير خاص أو بحكمه فلا تصح الإجارة الثانية بلا إذن المستأجر، لمنافاتها مع الاولى. وفي قباله الأجير العام أو المشترك وهو ما إذا كانت الإجارة غير مشروطة بالمباشرة أو كانت موسعة من حيث المدة فتجوز الإجارة الثانية للأجير لعدم المنافاة بينهما حينئذٍ على ما سيأتي.
وفيما يلي نذكر أوّلًا الصور الأربع المتقدمة للأجير الخاص وما ذكره الفقهاء في كل منها من الأحكام ثمّ نتعرض لما إذا كان الأجير مشتركاً أو عاماً في احدى الاجارتين أو كليهما.



وفيه صور:

۳.۱ - الصورة الاولى


من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه وأعماله في الخارج للمستأجر في مدة معيّنة ثمّ يعمل في تلك المدة لنفسه أو للغير.
وقد يناقش في هذا القسم تارة بأنّه غير معقول لعدم قابلية المنافع المتضادة لأن تملك جميعاً في عرض واحد لا في منافع الأموال ولا الأعمال.
إلّا أنّ هذه مناقشة شكلية؛ إذ المقصود أنّ كل ما يكون ثابتاً لمالك العين أو العامل ينتقل بتمامه إلى المستأجر بنحو يكون مخيراً كالمالك في استيفاء أي منها سواء كان من باب إمكان ملكية المنافع المتضادة في عرض واحد؛ لأنّها حكم وضعي لا تكليفي أو ملكيتها بدلًا أو ملكية الجامع والقدر المشترك بين أنواعها المتضادة والجامع لمراتبها الطولية- كما عبّر بذلك المحقق النائيني قدس سره - فنفس العلقة الوضعية التي‌ كانت للمالك تنتقل بالإجارة إلى المستأجر وهذا لا إشكال فيه.
وقد يناقش فيه اخرى بأنّ هذا القسم لا يخلو من شوب إشكال لاستلزام الغرر ويندفع بامكان تعيين ذلك أو توصيفه بحسب قابليات الأجير فيندفع الغرر.
وقد حكم صاحب العروة بعدم جواز عمل الأجير في هذه الصورة لنفسه ولا لغيره تبرّعاً أو بجعالة أو إجارة؛ لأنّه ليس ملكاً له، بل للمستأجر بحسب الفرض، فيكون محرماً تكليفاً ووضعاً أي تكون إجارته أو الجعالة عليه باطلة بلا إذن المستأجر. وحكم بأنّه إذا خالف فعمل فإن كان لنفسه أو لغيره بنحو التبرّع فللمستأجر أن يفسخ إجارته ويسترجع اجرة المسمّى أو يبقيها ويطالب عوض الفائت من المنفعة من الأجير لا المتبرّع سواء كان جاهلًا بالحال أو عالماً؛ لأنّ المؤجر هو المباشر للاتلاف وإن كان العمل للغير بنحو الجعالة أو الإجارة فللمستأجر أن يجيز ذلك ويكون له الاجرة المسماة في تلك الإجارة أو الجعالة، كما أنّ له الفسخ والرجوع إلى الاجرة المسماة وله الابقاء ومطالبة عوض المقدار الفائت فيتخيّر بين الامور الثلاثة. ووجهه واضح حيث إنّ العمل المتعلّق للإجارة الثانية أو الجعالة ملك للمستأجر في هذه الصورة فيكون من العقد الفضولي على ماله فله اجازته فيكون له المسمّى لا للأجير. وهذا هو المشهور بين المتأخّرين.
وأصل الحكم بعدم صحة الإجارة الثانية عن الأجير بلا إجازة المستأجر لكونها منافية مع الوفاء بالإجارة الاولى على كل حال مما لم يستشكل فيه مشهور الفقهاء.
إلّا أنّه بالنسبة للأحكام الاخرى المذكورة في هذه الصورة وقع بعض الخلاف نشير إلى أهمها:
فبالنسبة لحق الفسخ والخيار للمستأجر إذا خالف الأجير المشهور لدى القدماء انفساخ الإجارة في باب الأعمال لا ثبوت خيار الفسخ كما في إجارة الأعيان، فقد يقال إنّه بناءً عليه لا يكون للمستأجر إلّا استرداد المسمّى في الإجارة الاولى لانفساخها لا التخيير بينه وبين اجرة مثل الفائت كما لا موضوع لإجازة العقد الثاني من قبل المستأجر؛ نعم يصح ذلك من قبل الأجير لانفساخ الاولى وارتفاع المانع بذلك عن صحته.
إلّا أنّ هذا غير تام؛ لأنّ الانفساخ إنّما يقال به إذا لم تكن الإجارة الاولى على جميع منافع الأجير حتى ما يفعله للغير أو لنفسه كما هو الفرض، وإلّا لم يحصل التخلّف بمعنى ترك العمل المستأجر عليه، وإنّما يحصل ذلك لو لم يعمل حتى لنفسه فخياطته ثوب نفسه أو ثوب غيره تبرّعاً أداء للعمل المستأجر عليه أيضاً، غاية الأمر خالف المستأجر في أنّه لم يسلمه إليه واستوفاه وأتلفه عليه بنفسه أو بتسليمه للغير ليستوفيه.
وخالف بعض الفقهاء على العكس فأنكر حتى الخيار للمستأجر فقال: «إنّ أخذ عوض المثل أو المسمّى في هذه الفروض نحو استيفاء لمنفعة الأجير فمع تمكّن المستأجر منه بلا عسر ولا ضرر لا يبعد عدم جواز فسخ عقد نفسه».
والظاهر أنّ هذا مبني منه على تصوّر أنّ منشأ الخيار وحق الفسخ للمستأجر إنّما هو قاعدة لا ضرر، مع أنّ مبنى هذا الخيار عدم تسليمه العمل للمستأجر وهو موجب للخيار في إجارة الأعمال عند المشهور، فلا أثر لامكان أخذ العوض بلا عسر ولا ضرر في سقوط الخيار.
وبالنسبة لامكان رجوع المستأجر على الأجير بعوض الفائت من المنفعة ذكر جملة من الفقهاء بأنّ له الأخذ بأكثر الأمرين منه ومن عوض ( اجرة مثل ) العمل الذي عمله لنفسه أو لغيره.
إلّا أنّه لا يبعد أن يكون مقصود صاحب العروة من عوض الفائت من المنفعة ذلك أيضاً؛ لأنّ ما عمله لنفسه أو لغيره إذا كان أكثر قيمةً فحيث انّه ملك للمستأجر في هذه الصورة فيصدق عليه أنّه فائت عليه باستيفاء الغير له فيأخذ زيادة قيمته .
وبالنسبة لعدم إمكان رجوعه على المتبرّع له بعوض الفائت من المنفعة؛ لأنّه ليس مباشراً للاتلاف وإنّما المباشر هو المؤجر، ذكر جملة من الفقهاء كما في المسالك وعن القواعد : أنّه يتخيّر بين مطالبة من شاء منهما، أمّا المؤجر فلأنّه المباشر للاتلاف، وأمّا الثاني فلأنّه المستوفي. وهذا مبني على القول بأنّ الاستيفاء لمنفعة عملٍ مملوك للغير سبب للضمان وإن كان عامله قد جاء به بعنوان التبرّع.
وقد منع عن ذلك بعض الفقهاء مدّعياً أنّ سبب الضمان ينحصر في الاتلاف ولو بالتسبيب أو وضع اليد على مال الغير، وكلاهما منتفٍ في حق المتبرع له.
[۳۶] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۱.

وذكر صاحب العروة أنّه إذا كان المتبرّع له آمراً على وجه يتحقق معه صدق الغرور جاز الرجوع عليه من قبل المستأجر أو المؤجر بعد رجوع المستأجر عليه حسب قاعدة رجوع المغرور إلى من غرّه.
وناقش في ذلك بعض الفقهاء
[۳۸] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۲- ۳۰۳.
مدعياً عدم تمامية كبرى قاعدة الغرور. كما انّه على القول بها لا تصدق على المتبرّع له إذا كان أمره للموجر بعنوان التبرّع.
نعم إذا غرّه الآمر فأخبره كذباً بأنّ المالك- وهو المستأجر هنا- هو الذي رخّصك في أن تعمل لي هذا العمل تبرعاً، فحينئذٍ لا ينبغي الشك في الضمان؛ إذ بعد انكشاف الحال وتغريم المستأجر للأجير وخروج الأجير عن عهدة الضمان بأداء البدل يتصف ذاك العمل المتبرّع فيه بكونه ملكاً للأجير ومحسوباً عليه، والمفروض انّه لم يأت به مجاناً وملغياً لاحترامه، بل قد صدر بأمر الغارّ حسب الفرض وقد استوفى هذه المنفعة، فلا جرم يكون ضامناً لا لأجل قاعدة الغرور بل لأجل استيفائه منفعة بأمره لم يعملها العامل له مجاناً بل بتخيّل الإذن ممن بيده الاذن وضمانه له فيكون من قبيل ما إذا أمره بالعمل بدعوى أنّ شخصاً آخر قبل أن يدفع له العوض فظهر كذبه.
وبالنسبة لإلحاق الجعالة بالإجارة في إمكان إجازة المستأجر لها فيكون له الجعل ذكر المحقق النائيني قدس سره بأنّ صلاحية الجعالة لإجازة المستأجر لها يختص بما إذا تعلّقت بعمل شخص ذلك الأجير ولا يطرد فيما لم يتعيّن شخصه في عقد الجعالة.
وأجاب عليه السيد الحكيم قدس سره بعدم الفرق بينهما، فإنّ الثانية منحلة أيضاً إلى‌ جعالات متعددة بعدد الأشخاص.
ثمّ إنّ عطف الجعالة على الإجارة ليس من حيث الحكم بتنافيها مع الإجارة الاولى؛ إذ لا التزام في الجعالة بالعمل من قبل العامل، وإنّما الالتزام من قبل الجاعل وهو لا ينافي التزام الأجير بالإجارة الاولى، بل من جهة أنّه إذا قلنا بأنّ العمل محرّم على العامل بعنوانه وقلنا ببطلان الالتزام بجعل مال بإزاء عمل محرّم كانت الجعالة باطلة بدون إذنه، ومن جهة أنّه إذا كان العمل الخارجي ملكاً للمستأجر كانت الجعالة الواقعة عليه فضولية ، فله أن يمضيها لنفسه فيكون له الجعل أو يردها فيطالب بعوض العمل الذي استوفاه الجاعل أو عوض المنفعة الفائتة عليه، فالتشابه بينهما بلحاظ هذه الأحكام المترتبة.
وبالنسبة لصحة الإجارة الثانية باجازة المستأجر في هذه الصورة لكون العمل مملوكاً له ذكر بعض الفقهاء ؛ بأنّ هذا لا يتم مع الاختلاف بين الإجارتين كما إذا وقعت الإجارة الثانية على ما في الذمة لعدم كونه ملكاً له؛ لأنّ المفروض تعلّق الاولى بالمنفعة الخارجية والثانية بما في الذمة بلا تعلّق لها بالخارج. نعم في الجعالة لا يكون العمل في الذمة موضوعاً لها، بل العمل الخارجي المتحد مع موضوع الإجارة السابقة فتكون الاجازة كافية في تملك الجعل.
إلّا أنّ الظاهر أنّ نظر صاحب العروة إلى تعلّق الإجارة الثانية أيضاً بما في الخارج لا العمل في الذمة، فإنّه ملحق بالصورة الثالثة في التقسيم الرباعي المتقدم كما سيأتي، فهذا خارج عن هذه الصورة روحاً وملاكاً، فإنّ الصورة الثالثة القادمة وإن فرض فيها تعلّق الإجارة الاولى بما في الذمة إلّا أنّه لا فرق من هذه الناحية بين ذلك وبين العكس، فالمقصود من الصورة الثالثة على ما يأتي اختلاف متعلّق الإجارتين من هذه الجهة؛ بأن يكون أحدهما العمل الخارجي والآخر العمل في الذمة أو كلاهما كذلك.
ثمّ إنّه ذكر بعض الفقهاء
[۴۲] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۵.
في المقام‌ بأنّ الأجير لو كان قد آجر تمام منافعه الخارجية للأوّل فلا يصح منه تمليك عمله في الذمة ثانياً للغير، لا من جهة التنافي مع الوفاء بالإجارة الاولى ليقال بصحته باجازته، بل من جهة أنّه لم يبق له عمل في ذمته بعد أن كان قد ملّك تمام منافعه الخارجية للمستأجر الأوّل، فالعقلاء لا يرون لمثل هذا الشخص مالًا في ذمته لكي يمكنه تمليكه باجارة ثانية للثاني.
إلّا أنّ هذا الربط لاعتبار المال في ذمة أحدٍ لدى العقلاء بما يملكه صاحب الذمة في الخارج محل تأمل بل منع؛ إذ لازمه أن لا يصح العقد على ما في الذمة للمعدم الفقير الذي لا يملك مالًا في الخارج وهو مما لا يمكن المساعدة عليه.
فليس المانع هنا أيضاً إلّا التنافي مع حق المستأجر الأوّل، والذي يرتفع باجازته واسقاط حقه أو ملكه لذلك العمل، فيمكن أن يقع وفاءً للإجارة الثانية الواقعة على العمل الذمي للأجير. ومنه يظهر أنّ إجازة المستأجر في هذا الفرض لإجارة الأجير للثاني بمعنى أنّها تسمح له بتطبيق عمله الذمي المملوك للمستأجر الثاني على العمل الخارجي المملوك للمستأجر الأوّل، فبإجازته للأجير مجاناً أو في قبال أخذ العوض يتحقق الوفاء بالإجارة الثانية.
ثمّ إنّ من يقول بعدم تملّك أعمال الحر وأنّ غاية ما يثبت في إجارة الأعمال إنّما هو استحقاق العمل في ذمة العامل، أو أنّه كالحقوق الشخصية لا بد له من المنع عن إمكان تصحيح الإجارة الثانية للمستأجر مطلقاً؛ لعدم تعلّقها بمملوكه أصلًا.

۳.۲ - الصورة الثانية


أن يؤاجر نفسه على أن يكون عمله الخارجي المعيّن ومنفعته الخاصة كالخياطة مثلًا في تلك المدة للمستأجر فيعمل في تلك المدّة نفس العمل لنفسه أو للغير تبرّعاً أو باجارة.
وحكم هذه الصورة كالصورة السابقة في التضمين وجريان الفضولية فيه إذا كانت الإجارة الثانية متعلّقة بنفس العمل المتعلّق للإجارة السابقة وكانت الإجارة الثانية واقعة على العمل الخارجي أيضاً لا العمل في ذمة الأجير، وإلّا كان من قبيل الصورة القادمة كما أشرنا إلى ذلك في نفس الشق من الصورة السابقة.
وأمّا إذا كانت متعلّقة بعمل آخر نوعاً- كما إذا آجر نفسه ثانياً للكتابة- أو مورداً- كما إذا كان المستأجر عليه خياطة ثوبه لا ثوب آخر- فسوف تفترق هذه الصورة عن السابقة في أنّه ليس للمستأجر هنا إجازة ذلك؛ لأنّ المفروض أنّه غير مالك لهذه المنفعة، فليس للمستأجر الأوّل إلّا الفسخ واسترجاع المسمّى أو الابقاء والتضمين، أي المطالبة بعوض العمل الفائت من الأجير دون المستوفي وهو الثاني؛ لأنّ ما استوفاه لم يكن ملكاً له.
وهذا هو المشهور بين المتأخرين إلّا أنّه خالف فيه المحقق النائيني قدس سره حيث تقدم منه أنّ الإجارة في المنافع المتضادة إنّما ترد على القدر المشترك بينها والجامع لمراتبها الذي كان المؤجر مالكاً له وأنّ تعيين المؤجر لأحدها يوجب سلب حق التصرف في غيرها، فتكون الإجارة الثانية في هذه الصورة واردة كالصورة السابقة على ما ملكه المستأجر الأوّل فتصلح لإجازته، ولو أجاز فمع تساوي المنفعتين في المالية ومقدار الانتفاع تكون الاجرة المسماة في الإجارة الثانية حينئذٍ هي تمام ما يستحقه، ولو كان ما عقد عليه في الإجارة الاولى دون ما عقد عليه في الثانية كان الزائد على ما يستحقه المستأجر الأوّل من مراتب المنفعة للمؤجر، ولو انعكس الفرض ضمن المؤجر مقدار التفاوت على إشكال في ذلك.
وقد تقدم المنع من رجوع الإجارة لآحاد المنافع المتضادة إلى تمليك الجامع والقدر المشترك فيما بينها بل هو تمليك لخصوص تلك المنفعة كالكتابة وهي غير الخياطة، فلم ترد الإجارة الثانية على ما هو مملوك للمستأجر.
ونضيف هنا بأنّ المفروض عند هذا المحقق أن تعيين احدى المنافع في الإجارة يوجب سلب سلطنة المستأجر على ضدها وإن كان مالكاً لنفس القدر المشترك الذي كان يملكه المؤجر، وهذا يكفي لعدم جواز إجازة المستأجر للإجارة الثانية؛ لأنّ المؤجر لا يرضى بحسب الفرض بالكتابة للمستأجر الأوّل، وإنّما أوقع العقد عن نفسه للثاني لا عن المستأجر الأوّل، فبعد العمل المضاد أيضاً يكون المستأجر الأوّل ممنوعاً عن‌ السلطنة والتصرف فيه وإن كان مالكاً للقدر المشترك فيه، فلا تصلح إجازته لتصحيح الإجارة الثانية للمستأجر لكونه مسلوب السلطنة عليه، كيف وإلّا أمكنه ابتداءً ايجار من استأجره للخياطة من أجل الكتابة وأي عمل آخر مضاد للغير مع أنّه واضح البطلان .
كما أنّه لو فرض وحدة متعلّق الإجارتين- وهو القدر المشترك- وأنّه المملوك للمستأجر الأوّل فلما ذا يكون فاضل المسمّى في الإجارة الثانية على المسمّى في الاولى للمؤجر بعد إجازة المستأجر؟ بل لا بد وأن يكون كلّه للمستأجر كما في الصورة الاولى؛ لكونه عوض مملوكه بعد الإجازة للعقد الفضولي، ومجرد كونه قد انتقل إليه بعقد معاوضة سابقة بثمن أقل لا يوجب عدم صحة معاوضته بأكثر؛ لأنّه راجع إليه لا للغير.
نعم لو قيل بأنّ اقدام الثاني على الإجارة أو الجعالة نحو تسبيب معاملي أيضاً لتفويت العمل والمنفعة التي كانت للمستأجر الأوّل وهو الخياطة، أو للجامع بين المنفعتين المملوك له فيمكن للأوّل تضمين الثاني أيضاً بمقدار قيمة الخياطة لا الكتابة وتكون الزيادة لو كانت للأجير، وهذا ما ذهب إليه بعض الفقهاء.
[۴۴] المنهاج (الحكيم)، ج۲، ص۱۲۹، تعليقة الشهيد الصدر، الرقم ۶۱.

ثمّ إنّ هذه الصورة تفترق عن الاولى أيضاً في إمكان إجازة المستأجر الإجارة الثانية للأجير لا لنفسه فيكون اجرة المسمّى فيها للأجير أيضاً، وهذا ما ذكره جملة من الفقهاء، وتكون إجازة المستأجر هنا كإجازة المرتهن بيع الراهن لا كإجازة المالك أي مسقطاً لحقه في المنفعة التي هي ملك للمؤجر لا المستأجر. وهذا بخلاف الصورة الاولى حيث يكون العمل المتعلق للإجارة الثانية ملكاً للمستأجر، وتكون إجازته له من إجازة المالك، فلا يمكن تصحيحها للأجير حتى باجازة المستأجر، إلّا إذا رجع ذلك إلى تمليكه العمل من جديد أو فسخ الإجارة الاولى فيكون من قبيل من باع ثمّ ملك وقد تقدم شرحه.
وخالف في هذه الفتوى بعض الفقهاء تارة من ناحية ابتناء ذلك على القول بملك المنفعتين المتضادتين من قبل المؤجر في عرض واحد، وأمّا إذا قيل بامتناع ذلك فيشكل القول بصحة الإجارة الثانية للأجير حتى مع إجازة المستأجر الأوّل؛ لأنّ تلك المنفعة ليست مملوكة له.
واخرى بأنّه حتى لو قيل بملك المنفعتين المتضادتين إلّا أنّ العمل الضد حيث كان محكوماً بالبطلان في ظرفه لكونه مفوّتاً لحق المستأجر- لمكان المزاحمة- فقد وقعت على وجه غير مشروع والإجازة اللاحقة من صاحب الحق لا يقلب ما وقع عما وقع عليه، فلا يتصف بالمشروعية ليشمله دليل الوفاء بالعقد. نعم لو أذن المستأجر قبل العمل للثاني صح.
[۴۷] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۶- ۳۰۷.

ويمكن أن يدفع الإشكال الأوّل بأنّ معنى إجازة المستأجر الأوّل اسقاط حقه في تضمين الأجير وابراء ذمته عنه، فلا يلزم ملكية العملين المتضادين في عرض واحد، بل قبل الإبراء واسقاط الضمان لم يكن يملك إلّا المنفعة الاولى الذي كان مضموناً عليه للمستأجر الأوّل، وبعد الإجازة واسقاط الضمان كأنّه أرجع إليه عمله الآخر فأصبح كما لو لم يكن أجيراً للأوّل مالكاً لكل من العملين بدلا فيمكنه أن يملك العمل المضاد للثاني.
نعم على هذا سوف يدخل المقام فيمن باع ثمّ ملك؛ لأنّ الملكية تحصل بعد الاجازة واسقاط الضمان للعمل المضاد من قبل المستأجر الأوّل.
كما يمكن أن يدفع الثاني بأنّ وجوب الوفاء بالإجارة الاولى لا يجعل العمل الضد محرّماً؛ لأنّه ليس مملوكاً للمستأجر بحسب الفرض ليقال بأنّه غصب أو تصرف في مال الغير. وإنّما غايته عدم إمكان شمول دليل الوفاء للإجارة الثانية مع فرض شموله للُاولى، فاذا أجاز المستأجر ولو بعد العمل أمكن شمول دليل الوفاء للإجارة الثانية حينئذٍ من الآن لتمامية المقتضي وارتفاع المانع، بلا حاجة إلى إجازة اخرى من الأجير لكون العقد الثاني صادراً منه وفي عمله وماله لا مال المستأجر.
وبحكم إجازة المستأجر للأجير ما إذا فسخ الإجارة الاولى واسترد المسمّى أو أمضاها مع تضمين الأجير قيمة المنفعة الفائتة عليه فإنّه أيضاً سوف يملك الأجير المنفعة الضد، بناء على امتناع ملك المنفعتين معاً فيكون من قبيل من باع ثمّ ملك، وبناءً على عدم الامتناع وكون المانع التنافي في شمول دليل وجوب الوفاء في عرض واحد فالأمر أوضح؛ لارتفاع هذا المانع بذلك بقاء فيشمله دليل الوفاء.
ثمّ إنّه في هذه الصورة إذا اشتغل الأجير على الخياطة بالكتابة فبناءً على ما هو المشهور لدى القدماء من انفساخ الإجارة
[۴۸] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۱۰۰.
بترك العمل إمّا مطلقاً أو إذا كانت الإجارة على العمل الخارجي الذمي لا يتخيّر المستأجر بين الامور الثلاثة المتقدمة كما لا موضوع لإجازته للإجارة الثانية؛ لأنّ هذا ترك للعمل المستأجر عليه لا استيفاء الغير له كما كان في الشق السابق من هذه الصورة وفي الصورة السابقة، فيتحقق الانفساخ القهري ويكون المستأجر أجنبياً بالنسبة للعمل الضد- وهو الكتابة في المثال- بل تنعكس النتيجة؛ بمعنى أنّه تبطل الاولى وتنفسخ بمجرد ترك الفعل المستأجر عليه سابقاً، فيمكن أن يقع العقد الثاني صحيحاً عن الأجير؛ لارتفاع المانع بنفس فعل الضد.

۳.۳ - الصورة الثالثة


أن يؤاجر نفسه على كلي العمل في ذمته ولكن مباشرة وفي مدة معيّنة بنحو القيدية ثمّ يعمل لنفسه أو لغيره في تلك المدة. وهنا لا فرق بين أن تكون الإجارة الثانية على العمل الخارجي أو في الذمة وبالامكان أن يجعل المقصود من هذه الصورة مطلق اختلاف متعلّق الاجارتين من حيث إنّ متعلّق إحداهما على الأقل يكون هو العمل في الذمة؛ لأنّ هذه الحيثية هي تمام الملاك للفرق بين هذه الصورة والسابقتين.
وقد ألحق الفقهاء هذه الصورة من حيث الأحكام المتقدمة بالشق الثاني من الصورة الثانية أي تعلّق الإجارة الثانية بعمل غير العمل المتعلّق للإجارة الاولى، وبناءً عليه فلا يمكن للمستأجر إجازة العقد الثاني لنفسه، وإنّما يمكن إجازته للأجير والتي تكون بمعنى إسقاط حقه فيصح العقد الثاني من الأجير على التفصيل المتقدم في‌ هذا الشق من تلك الصورة.
هذا، وللمحقق صاحب الجواهر كلام في المقام ظاهره إمكان تصحيح الإجارة الثانية أو الجعالة للمستأجر الأوّل باجازته وإن كان ما يملكه هو العمل في الذمة حيث قال: «إنّ المملوك للمستأجر وإن كان كلياً في ذمته إلّا أنّه باعتبار حصره عليه بالمباشرة والمدة كان كالشخصي وجرى عليه حكم الفضولية».
ويمكن توجيه ما أفاده بأنّ العمل المملوك للمستأجر الأوّل وإن كان كلياً في ذمة الأجير إلّا أنّه حيث كان منحصراً في تلك المدة وبالمباشرة كان تعيينه في العمل المأتي به خارجاً إذا كان من نفس النوع باختيار المستأجر، فله أن يعيّنه في العمل الخارجي الذي وقع متعلّقاً للإجارة الثانية فيملكه، فاذا أجاز العقد الواقع عليه استند إليه العقد ووقع له. ولا يضر بذلك عدم كونه مملوكاً له حين العقد، فإنّ المعيار أن يكون مملوكاً له حين الإجازة.
إلّا أنّ هذا إن تمّ فهو يختص بما إذا كان ملك المستأجر كلياً في ذمة الأجير والإجارة الثانية واقعة على العمل الخارجي من نفس النوع- كما هو مفروض الجواهر- ولا يجري في عكس ذلك وهو ما إذا كان متعلّق الإجارة الاولى العمل الخارجي والثانية العمل في الذمة؛ لأنّ عمله للثاني حينئذٍ وإن كان ملكاً للمستأجر الأوّل، إلّا أنّه لم يقع عليه العقد الثاني لتجري فيه الفضولية، وإنّما وقع العقد الثاني على العمل الذمي وطبّقه العامل على العمل المملوك للمستأجر الأوّل، فلا تنفع إجازته في صيرورته له. نعم تنفع إجازة المستأجر الأوّل مجاناً أو مع الضمان لعوضه لوقوعه عن الأجير فتصح منه.
ثمّ إنّه قد يقال في موارد اختلاف الإجارتين في المتعلّق بالخارجية والذمية بأن يكون أحدهما أو كلاهما العمل في الذمة أنّ المباشرة والمدة المأخوذة فيهما بنحو التقييد لا يقتضي تخلّفهما إلّا تخلّف القيد والوصف وهو على حدّ تخلّف الشرط يوجب الخيار وحق الفسخ لا تفويت متعلّق العقد فترجع الصورة الثالثة إلى الصورة الرابعة القادمة لبّاً وروحاً.
والجواب: أنّ القيود والأوصاف إنّما تكون كالشروط في الأعيان الخارجية المتعلّقة للمعاوضة والتمليك، وأمّا إذا كانت قيوداً راجعة إلى المال الكلي أو العمل فلا محالة تكون معدّدة ومقوّمة لذلك المال الكلي أو العمل، فلا يصدق متعلّق العقد على فاقد القيد. ولهذا يكون التنافي والتمانع بين نفس الإجارتين والعقدين في هذه الموارد لا بين دليل الوفاء بالشرط ضمن العقد.
وهذا هو فرق هذه الصور الثلاث عن صورة الاشتراط وهي الصورة الرابعة القادمة وعلى أساسه حكم بالبطلان وعدم إمكان صحة العقدين والإجارتين معاً عن الأجير في هذه الصور، بخلاف تلك حيث وقع فيها خلاف على ما سيأتي.

۳.۴ - الصورة الرابعة


أن يؤاجر نفسه على كلّ العمل في ذمته ولكن مع فرض أخذ المباشرة أو المدة شرطاً في ضمن عقد الإجارة الاولى لا قيداً فيه.
وقد ذكر بعض الفقهاء
[۵۰] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۰.
أنّ الاشتراط في الامور الكلّية والأعمال الذمية ظاهر في التقييد لا الشرط ضمن العقد وإن كان ذلك أيضاً معقولًا فيها كما لو صرّح به.
ولا إشكال في ثبوت الخيار للمستأجر في هذه الصورة مع تخلّف الأجير عن شرطه، فيكون له حق الفسخ واسترداد المسمّى، إلّا أنّه إذا لم يفسخ ليس له المطالبة بعوض الفائت؛ إذ لم يفت عليه المنفعة المملوكة له: لأنّها بحسب الفرض كلّي العمل في الذمة في صورة أخذ قيد المباشرة أو الجامع بين عمله وعمل غيره في صورة أخذ قيد المدة، وهذا قابل للوفاء به حتى بعد العمل للثاني.
كما أنّه لا إشكال في صحة الإجارة الثانية عن الأجير إذا أجاز المستأجر الأوّل ورفع يده عن حق الاشتراط قبل عمل الأجير للثاني؛ لعدم التنافي بين العقدين ذاتيهما وارتفاع المانع.
وإنّما البحث في هذه الصورة في إمكان القول بصحة الإجارة الثانية للأجير بلا حاجة إلى إجازة المستأجر الأوّل وإسقاط حقه في الاشتراط أو عدم صحته حتى مع الإجازة إذا كان بعد العمل، والأقوال في المسألة أربعة:
۱- قول بالصحة بدون الحاجة إلى الإجازة ، ويمكن الاستدلال عليه بأنّ الاشتراط ضمن العقد لا يوجب إلّا حكماً تكليفياً بوجوب الوفاء مع الإمكان، ويترتب على تخلّفه الخيار للمشروط له، وكلاهما لا ينافيان صحة الإجارة الثانية.
۲- قول بالبطلان بدون الإجازة وهو مختار أكثر الفقهاء المعاصرين، وقد استدلّوا على ذلك بأنّ الشرط يوجب الحق للمشروط له فلا يجوز تكليفاً ولا وضعاً تفويته، أو يوجب قصور سلطنة الأجير عمّا ينافيه وضعاً، أو يوجب حرمة العمل المنافي له فتبطل الإجارة لاشتراط إباحة العمل فيها، أو أنّ دليل وجوب الوفاء بالشرط المتحقق والنافذ بالنسبة للإجارة السابقة مانع عن شمول دليل الصحة ووجوب الوفاء للإجارة الثانية فتبطل. وقد تقدم شرح هذه الوجوه سابقاً.
۳- التوقّف وعدم اختيار أحد الوجهين وقد اختاره صاحب العروة.
۴- البطلان حتى بالإجازة إذا كانت بعد العمل في الإجارة الثانية والتوقّف على إجازة المستأجر وإسقاط شرطه إذا كان قبل العمل، وقد اختاره بعض الفقهاء المعاصرين
[۵۶] مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۸.
مدعياً في وجهه أنّ إجازة المستأجر إذا كانت بعد عمل الأجير للثاني فقد وقع العمل غير مشروع والإجازة اللاحقة لا تغيّر ما وقع عمّا وقع عليه ليتصف العقد بالمشروعية فيشمله دليل وجوب الوفاء. وهذا بخلاف ما إذا كانت إجازته قبل العمل.
وقد تقدم أنّ هذا قد يصح إذا كان وجه المنع اتصاف العمل للثاني بالحرمة بعنوانها لا من جهة ترك العمل للأول، وأمّا إذا كان وجه المنع هو التنافي بين دليل وجوب الوفاء بالشرط النافذ والجاري بالنسبة للإجارة السابقة مع دليل وجوب الوفاء بالإجارة اللاحقة- وهو مبنى هذا العلم في المنع- فهذا لا يقتضي البطلان في فرض كون الإجازة لاحقة للعمل؛ لأنّه من حينها يمكن أن يكون الأجير مشمولًا لدليل‌ وجوب الوفاء باجارته الثانية بعد أن كان مالكاً لعمله الثاني من أوّل الأمر، وإنّما كان المانع وجوب الوفاء بالشرط وقد ارتفع.
وأثر شمول دليل الصحة والنفوذ للعمل السابق صيرورته من الآن ملكاً للمستأجر الثاني واستحقاق الأجير للمسمّى في الإجارة الثانية.
ثمّ إنّ التنافي بين الإجارتين من ناحية الاشتراط في احداهما لا ينبغي أن يحكم فيه دائماً ببطلان الإجارة الثانية، بل قد يحكم فيهما معاً بالصحة مع بطلان الشرط وثبوت الخيار لصاحبه، وذلك فيما إذا كانت المباشرة والمدة مأخوذة في الإجارة الاولى بنحو القيدية وفي الإجارة الثانية بنحو الشرطية لا القيدية، فإنّه حينئذٍ تقع الاولى صحيحة ويبطل الشرط في الإجارة المتأخرة؛ لأنّه المنافي مع الإجارة الاولى، فلا يمكن أن يشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط. وأمّا دليل وجوب الوفاء بالعقد فهو شامل للإجارة الثانية مع الاولى بلا محذور؛ لعدم التنافي بينهما بعد فرض كون متعلّق الثانية كلياً. وبطلان الشرط وفساده لا يسري للعقد بل يوجب الخيار لصاحبه.

۳.۵ - الحكم الوضعي في الأجير المشترك


وقد عرفت أنّ مقصود الفقهاء منه ما يقابل الأجير الخاص أي ما إذا كانت الإجارة على العمل غير مشروط بالمباشرة، أو غير مشروط بالمدة المعينة أي كانت المدة أوسع من ظرف العمل المستأجر عليه والعمل كلي في الذمة في تلك المدة الموسعة، فيجوز له أن يؤجر نفسه لعمل آخر سواء كانت الإجارتان على العمل الخارجي أو في الذمة أو مختلفتين، وسواء كان الأجير فيهما معاً مشتركاً أو في احداهما مشتركاً وفي الاخرى خاصاً؛ لعدم التنافي حينئذٍ بين الاجارتين.
قال المحقق اليزدي قدس سره في العروة : «إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين المدة أو من غير تعيين المدة ولو مع اعتبار المباشرة جاز عمله للغير ولو على وجه الإجارة قبل الاتيان بالمستأجر عليه؛ لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير؛ لأنّ المفروض عدم تعيين المدة. ودعوى أنّ إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي‌ وجوب التعجيل، ممنوعة مع أنّ لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل ».
إلّا أنّه ينبغي البحث في نقطتين:
۱- إذا فرض وجود التنافي بين متعلّقي الإجارتين ولكن لا من ناحية اشتراط المباشرة أو المدّة بل من ناحية اخرى، كما إذا كان بين العملين تضاد بلحاظ تمام العمر لا في الزمن الواحد فحسب أي كان الإتيان بكل منهما قبل الآخر معجزاً له عن القيام بالعمل الآخر، فهنا حتى إذا كانت الإجارتان مطلقتين من حيث الزمان والمدّة ولم يكن إطلاق الإجارة مقتضياً للتعجيل أو صرّح بعدم التعجيل مع ذلك سوف يقع التنافي بين الإجارتين لا محالة مع كون الأجير فيهما حسب المصطلح المتقدم من الأجير المشترك لا الخاص.
ويمكن أن يفرض أنّ أحد العملين يوجب التعجيز عن الآخر دون العكس، إلّا أنّ الإجارة عليه كان في زمان معيّن وبنحو التعجيل والمباشرة- أي من الأجير الخاص- والإجارة الاخرى بنحو الأجير المشترك فإنّه أيضاً سوف يقع التنافي بين الإجارتين في وجوب الوفاء.
والفقهاء لم يتعرّضوا لهذا الفرع بالخصوص، إلّا أنّهم تعرّضوا لفرع مشابه له وهو ما إذا آجر الشخص نفسه بعد الإجارة بنحو الأجير المشترك لآخر طول حياته فإنّه سوف تقع المنافاة لا محالة بين الإجارتين رغم أنّ احداهما وهي الاولى من الأجير المشترك من حيث المدة، وقد حكم بعضهم ببطلان الإجارة الثانية لكون الأجير فيها بحكم التمانع بينهما في معنى الخاص بالاضافة إلى المدة للعمل الأوّل.
واحتمل بعضهم الصحة كما في الجواهر.
إلّا أنّ مقتضى المبنى المشهور والمتقدم شرحه- من أنّه كلما كان بين الإجارتين تمانع في مقام الوفاء حين انعقاد الإجارة الثانية، فلا تصح لأحد الوجوه المتقدمة في بطلان إجارة المنافع المتضادة- هو الحكم بعدم صحة الإجارة الثانية في الأمثلة المتقدمة للإجارة وإن لم يصدق عليها عنوان الأجير الخاص، بل عرفت أنّه لا خصوصية لعنوان الأجير الخاص، وإنّما المقصود به موارد التمانع بين الإجارتين حين الانعقاد.
إلّا أنّ هذا لا يقتضي بطلان الإجارة الثانية في تمام الأمثلة الثلاثة بل تختلف النتائج فيها.
ففي المثال الأوّل وهو ما إذا كان التنافي والتضاد بين متعلّق الإجارتين بلحاظ تمام العمر بحيث إذا عمل أحدهما امتنع عليه الآخر إلى آخر عمره تبطل الإجارة الثانية لا محالة ما لم تنفسخ الإجارة الاولى.
وكذلك الحال في المثال الثاني أي إذا كان أحد العملين يعجز عن الآخر وكانت الإجارة فيه مقيّدة بالتعجيل والزمان الأوّل.
نعم، إذا كان التعجيل والزمان الأوّل فيها مأخوذاً بنحو الاشتراط لا القيدية وكان انعقادها متأخراً زماناً عن انعقاد الإجارة على العمل الآخر غير المعجز صحت الإجارتان وبطل شرط التعجيل وكان للمستأجر الخيار، كما تقدم نظيره في الصورة الرابعة للأجير الخاص.
وأمّا المثال الثالث وهو ما إذا كانت احدى الإجارتين ما دام العمر- بناءً على صحته وعدم كونه غررياً - فتارة تكون هذه الإجارة قبل الإجارة المقيّدة بزمان معيّن أي الخاصة واخرى بالعكس، ففي الحالة الاولى تبطل الإجارة الثانية الخاصة لا محالة؛ لأنّ صحتها بعد فرض صحة الاولى ممتنعة، إلّا إذا كانت الإجارة المحدودة بالمدة بنحو الشرطية لا القيدية فيبطل الشرط فيها ويكون للمستأجر فيها الخيار كما ذكرنا آنفاً.
وفي الحالة الثانية لا تبطل الإجارة اللاحقة المشتركة وإنّما يبطل منها المقدار من الزمان المنافي مع الإجارة الاولى الخاصة، سواء كانت خصوصيتها بلحاظ الزمان من باب القيدية أو الشرطية، وأمّا بلحاظ سائر الأزمنة فلا تنافي بين وجوب الوفاء بها والوفاء بالإجارة السابقة الخاصة، فيكون من قبيل تبعّض الصفقة على المستأجر فيكون له الخيار.
وهذا التفصيل يمكن إيراده أيضاً في الصور الأربعة المتقدمة للأجير الخاص.
كما أنّ الأحكام الاخرى من الانفساخ‌ أو ثبوت الخيار وإمكان المطالبة بالمنفعة الفائتة على تقدير عمل الأجير للثاني وجريان الفضولية في الإجارة الثانية للمستأجر الأوّل أو توقف صحته للأجير على إجازة المستأجر الأوّل مطلقاً أو إذا كانت قبل العمل، كل تلك التفاصيل المتقدمة في الأجير الخاص قابلة للجريان في هذه الموارد الثلاثة من الأجير المشترك كل بحسب مورده.
۲- إذا فرض عدم التنافي بين الإجارتين ذاتاً- كما في الأجير المشترك في غير الأمثلة المتقدمة- إلّا أنّه وقع التنافي بينهما اتفاقاً وصدفة كما إذا أخّر الأجير أحد العملين إلى أن ضاق وقته الموسع مع وقت العمل الآخر فامتنع عليه الوفاء بهما معاً، لا ينبغي الإشكال في الصحة وعدم البطلان هنا؛ لوقوعهما معاً صحيحتين ابتداءً، وعروض التزاحم والتخلّف في مقام العمل لا يقتضي البطلان، بل إذا تخلّف عن الوفاء باحداهما كان للمستأجر في تلك الإجارة حق الفسخ واسترداد المسمى أو الابقاء والمطالبة بأُجرة مثل العمل الفائت منه. هذا إذا لم نقل بالانفساخ القهري بترك العمل في إجارة الأعمال مطلقاً أو إذا كانت الإجارة على العمل الخارجي كما هو مشهور القدماء.
وهل يتخيّر الأجير عند حصول التزاحم في مخالفة كل منهما شاء أم قد يتعيّن عليه الوفاء باحداهما بحيث لا يصح منه العكس؟ الصحيح أنّه قد يحصل ذلك كما إذا كانت احداهما بنحو الأجير الخاص لتمام المنافع أو لتمام نوع ذلك العمل في مدة معيّنة والاخرى بنحو الأجير المشترك لنفس ذلك العمل بحيث بإمكانه الإتيان بالثانية في غير تلك المدة إلّا أنّه تأخّر حتى ضاق وقته فانحصر بتلك المدة فانّه يتعيّن عليه تكليفاً الإتيان بالإجارة الخاصة؛ لأنّ تمام منافعه أو ذلك النوع من العمل في هذا الزمان مملوك له فلا يجوز صرفه واعطائه لغير مالكه، بل لا يقع عمله للمستأجر في الإجارة المشتركة إلّا باجازة المستأجر في الإجازة الخاصة لكونه له، فلا يمكن أن يقع وفاءً من قبل الأجير للإجارة المشتركة التي يكون متعلّقها لا محالة كلي العمل في الذمة بنحو الكلي‌ في المعيّن بلحاظ الزمان؛ لأنّه لا يمكنه تعيينه في ما هو مملوك للغير وليس ملكاً له، فيمكن للمستأجر في الإجارة الخاصة المطالبة بأُجرة مثلها من المستأجر في الإجارة المشتركة وتنفسخ الإجارة المشتركة أو يكون لصاحبها الخيار على القولين المتقدمين.


 
۱. الرياض، ج۹، ص۲۳۰.    
۲. الانتصار، ج۱، ص۴۶۶.    
۳. المبسوط، ج۳، ص۲۴۲.
۴. الغنية، ج۱، ص۲۸۸.    
۵. السرائر، ج۲، ص۴۷۰.    
۶. الشرائع، ج۲، ص۱۸۲.
۷. التحرير، ج۳، ص۱۳.
۸. المسالك، ج۵، ص۱۹۱- ۱۹۲.    
۹. مجمع الفائدة، ج۱۰، ص۱۴.    
۱۰. الرياض، ج۹، ص۲۳۰.    
۱۱. جواهر الكلام، ج۲۷، ص۲۶۴.    
۱۲. التنقيح الرائع، ج۲، ص۲۷۶.
۱۳. مجمع الفائدة، ج۱۰، ص۱۴.    
۱۴. جامع المقاصد، ج۴، ص۴۶.    
۱۵. حاشية مجمع الفائدة، ج۱، ص۴۸۶- ۴۸۷.
۱۶. الرياض، ج۹، ص۲۳۰.    
۱۷. الرياض، ج۹، ص۲۳۰- ۲۳۱.    
۱۸. جواهر الكلام، ج۲۷، ص۲۶۹.    
۱۹. الشرائع، ج۲، ص۱۸۲.
۲۰. جامع المقاصد، ج۷، ص۱۵۷.    
۲۱. كفاية الأحكام، ج۱، ص۶۵۵.    
۲۲. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۱، م ۴.    
۲۳. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۱، تعليقة النائيني.    
۲۴. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۱، تعليقة الخوانساري.    
۲۵. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۲- ۸۴.    
۲۶. القواعد، ج۲، ص۲۹۱.    
۲۷. جامع المقاصد، ج۴، ص۴۶.    
۲۸. جامع المقاصد، ج۷، ص۱۵۹.    
۲۹. المسالك، ج۵، ص۱۹۰.    
۳۰. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۴، تعليقة البروجردي.    
۳۱. مستمسك العروة، ج۱۲، ص۹۹.    
۳۲. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۳، تعليقة الگلبايگاني.    
۳۳. المسالك، ج۵، ص۱۹۱.    
۳۴. القواعد، ج۲، ص۲۹۱.    
۳۵. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۳، تعليقة الخوانساري، البروجردي، الگلبايگاني.    
۳۶. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۱.
۳۷. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۳.    
۳۸. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۲- ۳۰۳.
۳۹. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۴، تعليقة النائيني.    
۴۰. مستمسك العروة، ج۱۲، ص۱۰۱.    
۴۱. مستمسك العروة، ج۱۲، ص۱۰۱.    
۴۲. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۵.
۴۳. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۵، تعليقة النائيني.    
۴۴. المنهاج (الحكيم)، ج۲، ص۱۲۹، تعليقة الشهيد الصدر، الرقم ۶۱.
۴۵. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۵، تعليقة الگلبايگاني.    
۴۶. مستمسك العروة، ج۱۲، ص۱۰۳.    
۴۷. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۶- ۳۰۷.
۴۸. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۱۰۰.
۴۹. جواهر الكلام، ج۲۷، ص۲۶۶.    
۵۰. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۰.
۵۱. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۶، تعليقة الخميني، الگلبايگاني.    
۵۲. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۶، تعليقة النائيني، الخوئي.    
۵۳. مستمسك العروة، ج۱۲، ص۱۰۴.    
۵۴. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۶، م ۴.    
۵۵. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۶، تعليقة البروجردي.    
۵۶. مستند العروة (الإجارة)، ج۱، ص۳۰۸.
۵۷. العروة الوثقى، ج۵، ص۸۷، م ۵.    
۵۸. الرياض، ج۹، ص۲۳۱.    
۵۹. جواهر الكلام، ج۲۷، ص۲۶۹.    




الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۱۷۰-۱۸۹.    



جعبه ابزار