فصول الأذان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المشهور بين الفقهاء أنّ عدد فصول
الأذان ثمانية عشر فصلًا:
التكبير أربع مرّات، ثمّ أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، وحيّ على الصلاة، وحيّ على الفلاح، وحيّ على خير العمل، واللَّه أكبر، ولا إله إلّا اللَّه، كلّ فصل مرّتان.
قال
المحقّق النجفي : «الأذان على الأشهر عندنا
فتوى إن لم يكن رواية شهرة عظيمة، يمكن دعوى
الإجماع معها...ثمانية عشر فصلًا لا أزيد ولا أنقص».
بل صرّح بالإجماع على ذلك بعضهم.
ودلّت عليه روايات:
منها: خبر
الحضرمي وكليب الأسدي جميعاً عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه حكى لهما الأذان، فقال: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه...»
إلى آخر ما عرفت مثنى مثنى.
ومنها: صحيح
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قال عليه السلام: «يا زرارة تفتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين».
وفي قبال ذلك روايات اخرى دالّة على أنّ فصول الأذان كُلّها مثنى مثنى:
منها: صحيح
صفوان الجمّال قال:سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى».
ونحوه صحيح
عبد اللَّه بن سنان وزرارة
وغيرهما من الروايات.
ولذلك التزم جماعة من المتأخّرين- كصاحب
المنتقى والكاشاني
وغيرهما
- بجواز تثنية التكبير في أوّل الأذان، واحتمله أيضاً
المحقق الأردبيلي .
وقد ذكر الفقهاء في كيفية الجمع بين الطائفتين- بما يرفع
التعارض بينهما- وجوهاً:
حمل الطائفة الاولى على الأفضلية والثانية على
الإجزاء ،
فيجوز تربيع التكبير وتثنيته.قال
السيد الخوئي : «والجمع العرفي بين الطائفتين يستدعي حمل الطائفة الاولى على الأفضليّة؛ لصراحة الثانية في الاجتزاء مثنى مثنى في عامة الفصول. أمّا الاولى فغايتها الظهور في لزوم الأربع في التكبيرات الاول فتحمل على الندب، ومن المعلوم أنّ مجرّد قيام
السيرة العمليّة على مضمون الاولى لا يستوجب تعيّنها، كيف؟! وربّما تجري سيرتهم على ما يقطع بعدم وجوبه
كالقنوت ، فلا يستكشف منها أزيد من المشروعية دون اللزوم».
وهذا الوجه دليل على القول بالتخيير بين تربيع التكبير وتثنيته في أوّل الأذان.
حمل الطائفة الثانية- كما في
التهذيب - على
إرادة التثنية في أكثر الفصول، لا فيها جميعاً؛ لأنّ المقصود
إفهام السائل التلفّظ بالتكبير لا بيان تمام عدده وكان معلوماً عنده أنّ التكبير في أوّل الأذان أربع مرّات.
وقال في الرياض: «إلّا أنّه (الحمل المزبور) أولى من طرحه أو حمله على الجواز مع كون الفضل في الأربع».
وعلى ذلك فلا ينافي وحدة
التهليل في آخر
الإقامة ، خصوصاً مع احتمال إرادة نفي الوحدة من قوله عليه السلام: «الأذان والإقامة مثنى مثنى» تعريضاً بما ذهب إليه جميع العامّة من الوحدة في تهليل الأذان وأكثرهم في الدعاء للصلاة والفلاح في الإقامة، فيراد من التثنية حينئذٍ في النصوص نفي الوحدة المزبورة، فلا ينافي التربيع، بل ولا وحدة التهليل في آخر الإقامة.
طرح الطائفة الثانية وحملها على
التقيّة ؛
لاشتمال بعضها على وحدة التهليل في آخر الأذان
أو ذكر «الصلاة خير من النوم»
في الفجر، وبعضها الآخر على كون الفصول في كلّ الأذان والإقامة مثنى مثنى،
مع أنّه لم يقل بذلك أحد.
حملها على حال
الاستعجال ،
كما يأتي البحث عنه عند التعرّض لموارد تخفيف الأذان.
الجمع بينهما بأنّ
الأصل في الأذان التثنية، إلّا أنّه وضع الأربع في الأوّل
للإعلام ، كما ذهب إليه
الفاضل الاصفهاني ،
واحتمله بعض آخر أيضاً؛
لقوله عليه السلام في خبر علل الفضل:«وجعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدو غفلة، وليس قبله كلام ينبّه المستمع له، فجعل الاوليان تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الأذان».
الشهادة الثالثة هي أن يزيد المؤذّن أو المقيم عبارة: «أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين» أو «أنّ عليّاً وليّ اللَّه» مرّتين بعد الشهادتين الأوّلتين.والظاهر عدم الخلاف في عدم كونها جزءاً من الأذان والإقامة،
بل الإجماع عليه؛
لخلوّ الروايات المتقدّمة الواردة في بيان فصولهما عن ذلك، وأمّا ما روي- بشهادة
الشيخ والعلّامة والشهيد - من شواذّ الأخبار من إضافة قول: «أنّ عليّاً وليّ اللَّه وآل محمّد خير البريّة» في الأذان والإقامة فلا يعوّل عليه،قال الصدوق في الفقيه بعد ذكر حديث
الحضرمي والأسدي المتقدّم-: «هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضة- لعنهم اللَّه- قد وضعوا أخباراً زادوا بها في الأذان «محمّد وآل محمّد خير البريّة» مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه: «أشهد أنّ عليّاً ولي اللَّه» مرّتين، ومنهم من روى بدل ذلك: «أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً» مرّتين، ولا شكّ في أنّ عليّاً ولي اللَّه وأمير المؤمنين حقّاً وأنّ محمّداً وآله صلى الله عليه وآله وسلم خير البريّة، لكن ليس ذلك في أصل الأذان وإنّما ذكرتُ ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا».
- مع أنّه لو كانت جزءاً من الأذان والإقامة لنقل ذلك
بالتواتر ولم يخفَ على أحد.
قال الشيخ الطوسي: «فأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول: «أشهد أنّ عليّاً وليّ اللَّه وآل محمّد خير البريّة» فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً».
فعليه من أتى بها بقصد الجزئيّة كان بدعة باطلًا وتشريعاً محرّماً كما هو صريح بعض
وظاهر آخرين،
بل من قصده جزءاً في
الابتداء بطل أذانه بتمامه.
ولكن وقع البحث في
الإتيان بها بقصد
الاستحباب ، وأنّها ذكر من الأذكار، بل من أجزائه المستحبّة، فذهب أكثر الفقهاء إلى استحبابه بنحو العموم،
واستندوا فيه إلى وجوه:
الأوّل:
استفادة ذلك من الأمر بها في بعض الأخبار، كخبر
القاسم بن معاوية المروي عن
احتجاج الطبرسي عن الصادق عليه السلام،وهو قوله عليه السلام: «إذا قال أحدكم: لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه فليقل: علي أمير المؤمنين»
قال المحدّث البحراني في
الحدائق: «فيدلّ على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع».
بل قال المحقّق النجفي:«لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئيّة، بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوصية».
إلّا أنّ هذه الأخبار ليست تامّة من حيث السند، كما أنّها لا تدلّ على الجزئيّة ولا الاستحباب في الأذان بخصوصه.
الوجه الثاني:
أنّ ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر
الإيمان ورمز التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً ومرغوباً فيه بمقتضى عمومات تعظيم الشعائر. إلّا أنّ هذا لا يثبت الجزئيّة ولا الاستحباب في الأذان.
الوجه الثالث:
التمسّك بقاعدة
التسامح لإثبات الاستحباب كما ذكره بعض.
ونوقش فيه: أوّلًا: بأنّ القاعدة غير تامّة في نفسها؛ إذ لا يثبت بها إلّا الثواب على
البلوغ دون الاستحباب.
وثانياً: على تقدير تسليم القاعدة فهي خاصّة بصورة بلوغ الثواب فحسب لا بلوغه مع بلوغ عدمه، أي ما يعارضه كما في المقام،
وهكذا يظهر عدم تماميّة وجه لاستحباب الشهادة الثالثة في الأذان بعنوانه.وقد صرّح بعدم الاستحباب
الشيخ الطوسي ، حيث قال: «فأمّا قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين)... ولو فعله
الإنسان لا يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله».
بل يظهر من
الكاشاني كراهة ذلك؛ لمخالفته للسنّة.
وقد اختلف الفقهاء في معنى
الترجيع في الأذان:
فقال بعضهم: إنّه تكرير التكبير والشهادتين في أوّل الأذان.
وعن جماعة اخرى أنّه
تكرير الشهادتين مرّتين اخريين.
وقال آخر: إنّه تكرار الفصل زيادة على الموظّف.
وفسّره في البيان بتكرار الشهادتين برفع الصوت بعد فعلهما مرّتين بخفض الصوت أو برفعين أو بخفضين.
وهو قريب ممّا ورد عن بعض أهل اللغة من أنّه تكرير الشهادتين جهراً بعد
إخفاتهما .
واحتمل
المجلسي أن يكون المراد بالترجيع أو
الترديد - في خبر الرضوي الآتي- تكرار الصوت وترجيعه بالغناء أو يراد بالترجيع
الغناء .
وقال
المحقق النجفي : إنّ تعيين واحد من المعاني المذكورة لا يهمّ بعد عدم ذكر لفظ الترجيع في النصوص، وما ورد في المحكيّ عن
فقه الرضا عليه السلام من أنّه «ليس فيها ( فصول الأذان) ترجيع ولا تردّد»
فهو- مع أنّه ليس حجّة عندنا- محتمل، كما عرفت عن
البحار لإرادة ترجيع الغناء، ولعلّ نفيه بالخصوص فيه باعتبار حصول المدّ في الأذان بسبب مطلوبيّة
الارتفاع فيه، فناسب حينئذٍ التعرّض لنفيه فيه بالخصوص؛ حذراً من التغنّي فيه كما يقع في كثير من المؤذّنين، وتعرّض الأصحاب لنفي الترجيع المزبور بالخصوص هنا يمكن أن يكون تعريضاً
بالشافعي ومن تابعه ممّن جعله مسنوناً فيه،.. ومن ذلك يظهر أنّ القول بإرادة ما عند الشافعي من الترجيع في عبارات الأصحاب أولى؛ إذ النظر إليه على الظاهر بذلك بعد خلوّ النصوص منه.
ولا ريب في حرمة الترجيع- بجميع معانيه- مع قصد المشروعيّة؛ لأنّه بدعة وتشريع محرّم
كغيره ممّا هو زائد على ما عرفته من فصول الأذان، بل قال المحقق النجفي: «الظاهر
بطلان الأذان إذا أدخله في النيّة حيث تكون معتبرة فيه، كما في غير أذان الإعلام».
وأمّا
أذان الإعلام فلا إشكال في جوازه؛ لما تقدّم من عدم اعتبار
القربة فيه.وكذا لا إشكال في جوازه في أذان الصلاة لمن أراد به إشعار المصلّين أو للتقيّة،
بل في المختلف اتّفاق علمائنا على ذلك؛
استناداً إلى خبر
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لو أنّ مؤذّناً أعاد في الشهادة... إذا كان إنّما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس».
وضعف السند مجبور
بالشهرة ، بل الاتّفاق على العمل بمضمونه بناءً على كبرى
الانجبار .
وأمّا مع عدم قصد المشروعيّة والتنبيه والتقيّة فيكره؛ لمفهوم خبر أبي بصير، بتقريب أنّه يدلّ على ثبوت البأس بإعادة ما عدا الشهادة والحيعلتين الأوّلتين مطلقاً، وبإعادة الشهادة والحيعلتين لغير الإعلام، وذلك في أمثال المقام من المندوبات ظاهر في
الكراهة ، وقريب منه ما في فقه الرضا عليه السلام المتقدّم، بناءً على تفسير الترجيع فيه بتكرار الشهادتين مرّتين اخريين. ولقاعدة
التسامح في أدلّة السنن بناءً على القول بها وجريانها في الكراهة.
مضافاً إلى ما في ذلك من أنّه شبه تشريع، وأنّه
إخلال بنظامه، وفصل بين الأجزاء
بأجنبي ، فلا ريب في صيرورته بذلك أقلّ ثواباً من أجزاء الأذان فاستحقّ صدق الكراهة عليه لذلك.
وكيف كان فعلى ما بيّناه في وجه الحرمة يجب أن يحمل قول من أطلق حرمة الترجيع،
وعلى ما بيّناه في وجه الكراهة يجب أن يحمل قول من أطلق القول بكراهته،
وبذلك يجمع بين ما ظاهره الاختلاف بين الأقوال.
وكما ينبغي حمل قول الشيخ ومن تبعه من أنّ الترجيع ليس بمسنون،
على أنّه مكروه من دون اعتقاد المشروعيّة؛ إذ لا معنى للجواز بالمعنى الأخصّ في العبادات.
إلّا أنّ
المحقّق النراقي ناقش في حرمة الترجيع حتى مع اعتقاد المشروعيّة؛ لعدم تحقّق
الاعتقاد عنده إلّا مع الحجّة ومعها لا وجه للحرمة، وعلى فرض حرمة الاعتقاد لا يحرم اللفظ، وعدّه من البدعة غير صحيح.
هذا كلّه بناءً على إرادة التكرار من الترجيع، وأمّا إذا كان المراد منه ترجيع الصوت وترديده فلا إشكال في حرمته إذا بلغ حدّ الغناء.
ونظراً إلى ذلك قال العلّامة: «أمّا الملحن فلا يصح أذانه؛ لأنّه
معصية ، فلا يكون مأموراً به، فلا يكون مجزياً عن المشروع، وكان لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم مؤذّن يطرب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلًا سمحاً، وإلّا فلا تؤذّن»
اختلف في تفسيره على أقوال:
ذهب أكثر فقهائنا إلى أنّ
التثويب هو أن يزيد المؤذّن عبارة (الصلاة خير من النوم) مرّتين بعد قول: الحيعلتين؛
بل ظاهر عبارة بعض الاتّفاق على ذلك.
قال العلّامة الحلّي: «التثويب عندنا بدعة، وهو قول: الصلاة خيرٌ من النوم».
وظاهر الشيخ الطوسي في
النهاية أنّه تكرار الشهادتين دفعتين.فإنّه قال فيها: «ولا يجوز التثويب في الأذان، فإن أراد المؤذّن إشعار قوم بالأذان جاز له تكرار الشهادتين دفعتين.
ولا يجوز قول (الصلاة خير من النوم) في الأذان، فمن فعل ذلك كان مبدعا.وهو الأظهر عند
ابن إدريس ؛ لأنّ التثويب مشتقّ من ثاب الشيء إذا رجع.
وقيل: إنّ التثويب قول: (حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح) مرّتين بين الأذان والإقامة، وهو المحكي في الناصريّات والخلاف.
ونسب إلى بعض فقهاء الجمهور أنّه التثويب الثاني الذي أحدثه الناس
بالكوفة بعد عهد الصحابة،نسبه المحقق النجفي
ولكن لم يعرف لأحد من فقهائنا تفسيره بذلك.وكيف كان، فلا إشكال في حرمة التثويب مع قصد المشروعيّة أو التعبّد به،
بل ادّعي الإجماع عليه.
واستدلّ له بأنّ الأذان عبادة متلقّاة من الشرع كسائر العبادات التي لا مدخل للعقل فيها، فالزيادة فيها بدعة وتشريع محرّم،
ولخلوّ النصوص المتضمّنة لحكاية فصوله منه، حيث لم يحكه عبد اللَّه بن زيد في الأذان الذي تعلّمه من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
بل أنّها كالصريحة في إرادة نفيه وأمثاله، فتركه أولى وأحوط في الشريعة.
وفي صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة؟ فقال: «ما نعرفه».
وأمّا ما يوجد في بعض الأخبار من أنّ التثويب في
الإقامة سنّة كما عن أبي بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «النداء والتثويب في الإقامة من السنّة».
ومن نداء بعض أئمّتنا عليهم السلام في بيته ب «الصلاة خير من النوم» ،كما عن محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «كان أبي عليه السلام ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم، ولو رددت ذلك لم يكن به بأس».
فغير قادح؛ لأنّها من شواذّ الأخبار، وقد أعرض الأصحاب عنها، مع معارضتها للأخبار المتقدّمة الصريحة في نفيه، وبإمكان حملها على التقيّة،
بل يحتمل في وصفه عليه السلام بأنّه إرادة سنّة أهل البدع.
نعم، لا خلاف في جواز التثويب لو أتى به بقصد التنبيه
أو التقيّة.
وأمّا لو أتى به بعدم قصد المشروعيّة والتنبيه ولم تكن تقيّة ففيه قولان:
ذهب بعض إلى كراهة التثويب حينئذٍ منهم الفاضل الاصفهاني
والكاشاني
وغيرهم،
ويستفاد ذلك من عبارة
المحقق الأردبيلي والمحدّث البحراني والميرزا القمّي أيضاً؛ استناداً إلى أنّه مخالف للسنّة
وأنّه من الكلام المكروه.
واحتمل المحقّق النجفي حرمة ذلك تعبّداً لصورة البدعة، بل قال: «هو أحوط إن لم يكن أقوى»،
بل اختاره الشيخ جعفر كاشف الغطاء أيضاً حيث قال:«الظاهر أنّ تحريمه ذاتي، وأصله بدعي، فلا يسوّغه قصد الخروج عن الأذان».
واستدلّ
على ذلك بإطلاق معاقد الإجماعات، وبما يظهر من صحيحة ابن وهب المتقدّمة، وخبر
زيد النرسي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال: «الصلاة خير من النوم بدعة بني اميّة، وليس ذلك من أصل الأذان...».
وقد يجاب عنه بأصالة عدم الحرمة الذي لم يعلم وجود المعارض له بعد قيام احتمال تقييده بقصد المشروعيّة، بل قد يدّعى ظهور خبر زيد النرسي في الجواز، بناءً على إرادة عدم قصده من الأذان من قوله عليه السلام: «ولا يجعله أذاناً».
حيث جاء بعد ما أوردناه قوله عليه السلام: «ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الأذان، فإنّا لا نراه أذاناً».
وعلى ما ذكرناه من وجه الحرمة يجب أن يحمل قول من أطلق حرمة التثويب،
كما على ما بيّناه من وجه الكراهة يجب أن يحمل قول من أطلق القول بكراهته،
وبذلك يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من أقوال الفقهاء.
ثمّ إنّه ذكر بعض المحقّقين أنّ الظاهر عدم الفرق في كراهة التثويب أو حرمته بالمعنى الأوّل- نظراً لاشتماله على صورة البدعة- بين فعله بعد (حيّ على الفلاح) كما يصنعه العامّة، وبين فعله بعد (حيّ على خير العمل)؛ إذ فصل مثله لا يقدح عندهم، على أنّه قد يحتمل إرادة كونه بعد الحيعلات، ثمّ قال- بعد التأمّل فيه-:«ومن هنا حملت نصوص التثويب على التقيّة ونحوها، مع كونه في بعضها بعد «حيّ على خير العمل». نعم، يمكن القول بالجواز فيه إذا كان بين التكبير في الأذان- مثلًا- مع عدم قصد التشريع؛ لعدم وجود صورة
البدعة التي احتملنا الحرمة التعبّدية فيها».
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۰۱-۱۱۲.