قصاص الطرف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويشترط فيه التساوي كما في
قصاص النفس، فلا يقتص في الطرف لمن لا يقتص له في النفس؛ ويقتص للرجال من المرأة، ولا رد، وللمرأة من الرجل مع الرد فيما زاد على الثلث؛ ويعتبر التساوي في السلامة، فلا يقطع العضو الصحيح بالأشل، ويقطع الأشل بالصحيح ما لم يعرف أنه لا ينحسم ويقتص للمسلم من
الذمي ويأخذ منه ما بين الديتين، ولا يقتص للذمي من
المسلم ولا للعبد من الحر؛ ويعتبر التساوي في الشجاج مساحة طولا وعرضا لا نزولا بل يراعى حصول اسم الشجة؛ ويثبت
القصاص فيما لا تعزير فيه كالحارضة والموضحة، ويسقط فيما فيه
التعزير، كالهاشمة، والمنقلة والمأمومة، والجائفة وكسر الأعضاء؛ في جواز الاقتصاص قبل الاندمال تردد، أشبهه: الجواز؛ ويجتنب القصاص في الحر الشديد والبرد الشديد، ويتوخى اعتدال النهار؛ ولو قطع شحمة أذن فاقتص منه فألصقها المجني عليه كان للجاني إزالتها ليتساويا في السنين ويقطع الأنف الشام بعادم الشمم، والأذن الصحيحة بالصماء؛ ولا يقطع ذكر الصحيح بالعنين، ويقطع عين الأعور الصحيحة بعين ذي العينين وان عمي، وكذا يقتص له منه بعين واحدة، وفي رد نصف
الدية قولان، أشبههما: الرد؛ وسنى الصبي ينتظر به فان عادت ففيها
الأرش وإلا كان فيها القصاص؛ ولو جنى بما أذهب النظر مع سلامة الحدقة اقتص منه بأن يوضع على أجفانها القطن المبلول ويفتح العين ويقابل بمرآة محماة مقابلة للشمس حتى يذهب النظر؛ ولو قطع كفا مقطوعة الأصابع، ففي
رواية: يقطع كف القاطع ويرد عليه دية الأصابع؛ ولا يقتص ممن لجأ إلى الحرم؛ ويضيق عليه في المأكل والمشرب حتى يخرج فيقتص منه ويقتص ممن جنى في الحرم فيه.
والمراد به ما دون النفس، وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد، والرجل، والاذُن، والأنف، وغيرها، كالجرح على البطن، والظهر، وغيرهما.
•
شروط قصاص الطرف، ويشترط فيه التساوي في
الإسلام والحرّية، أو كون المقتصّ منه أخفض، وانتفاء الأُبوّة، إلى آخر ما فصّل سابقاً، وبالجملة: الحكم هنا في الشروط، بل العمد وشبهه والخطاء كما في
قصاص النفس.
•
التغرير في قصاص الطرف، ويثبت القصاص فيما لا تغرير فيه بالنفس أو الطرف، ولا يتعذّر فيه
استيفاء، ويسقط فيما فيه التغرير أو يتعذّر أن يكون المثل فيه مستوفى. ولكن ظاهر الأصحاب على الظاهر
الاقتصار على الدية مطلقا
.
وفي جواز الاقتصاص من الجاني قبل الاندمال أي قبل برء المجني عليه من الجراحة تردّد من عدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس، فيسقط القصاص في الطرف، ومن عموم قوله سبحانه «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ»
وقوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا»
الآية، لمكان الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة، والأصل عدم حصول السراية.
أشبهه: الجواز مع
استحباب الصبر إلى الاندمال، وفاقاً
للإسكافي والخلاف، وعليه عامّة المتأخرين، بل لم أقف على مخالف لهم عدا
الشيخ في
المبسوط، فاختار المنع؛ لما مرّ، على ما ذكره جماعة
، وعبارته المحكية في المختلف غير مطابقة للحكاية، بل ظاهرة في
الكراهة، فإنّه قال بعد نقل القول بالمنع إلاّ بعد الاندمال: وهو
الأحوط عندنا؛ لأنّها ربما صارت نفساً
. ولفظ الأحوط يشعر بالاستحباب.
ويجتنب القصاص في الحرّ الشديد، والبرد الشديد، ويتوخّى فيه اعتدال النهار بلا خلاف أجده، قالوا: حذراً من السراية، وربما يؤيّده ما مرّ في
الحدود من تأخيرها إلى ذلك الوقت.
وظاهر التعليل كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة وجوب التأخير، واختصاصه بقصاص الطرف دون النفس، واستظهر بعض الأصحاب
الاستحباب، وهو بعيد، كاحتمال آخر: العموم لقصاص النفس أيضا.
ولو قطع شخص شحمة اذُن آخر فاقتصّ منه فألصق المجني عليه الشحمة بمحلّها كان للجاني إزالتها بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في
التنقيح، قال: وإنّما الخلاف في العلّة، فقيل: ليتساويا في الشين كما ذكره المصنف، وقيل: لأنّها ميتة لا تصحّ
الصلاة معها. ويتفرّع على الخلاف أنّه لو لم يزلها الجاني ورضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني؛ لكونه حامل
نجاسة لا تصحّ الصلاة معها
.
أقول: والأوّل خيرة الشيخ في الخلاف والمبسوط
، مدّعياً في صريح الأوّل وظاهر الثاني
الإجماع، وهو الحجّة المعتضدة بالنص الذي هو
الأصل في هذه المسألة: «أنّ رجلاً قطع من اذُن الرجل شيئاً، فرفع ذلك إلى علي (علیهالسّلام) فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من اذُنه فردّه على اذُنه فالتحمت وبرئت، فعاد الآخر إلى
علي (علیهالسّلام) فاستقاده، فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت، وقال (علیهالسّلام): إنّما يكون القصاص من أجل الشين»
وقصور سنده أو ضعفه منجبر بالعمل.
والثاني خيرة
الحلّي في
السرائر والفاضل في
التحرير والقواعد وشيخنا في المسالك
، وهو غير بعيد.
والذي يختلج بالبال إمكان القول بالتعليلين؛ لعدم المنافاة بينهما، مع وجود الدليل عليهما، فيكون للإزالة بعد الوصل سببان:
القصاص، وعدم صحة الصلاة، فإذا انتفى الأوّل بالعفو مثلاً بقي الثاني كما في مثال العبارة، ولو انتفى الثاني بقي الأوّل كما في المثال المزبور.
ولو أوجب الإزالة ضرراً لا يجب معه إزالة النجاسة للصلاة في
الشريعة، وكما لو قطع الشحمة فتعلّقت بجلده فاقتصّ منها وألصقها الجاني كان للمجني عليه إزالتها ليتساويا في الشين، وليس للإمام ذلك إن عفا عنه المجني عليه؛ للضرر، أو لأنّها لم تبن من الحي لتكون
ميتة.
ولو اقتصرنا على التعليل الثاني لم يكن ذلك للمجني عليه أيضاً في المثال الثاني؛ لحصول الاقتصاص بالإبانة المخصوصة المماثلة لجناية الجاني.
ويقتصّ الأنف الشامّ بعادم الشمّ، وكذا الأُذن الصحيحة بالصمّاء بلا خلاف ظاهر، مصرّح به في بعض العبائر
؛ لعموم «وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ»
مع حصول الاعتداء بمثل ما اعتدى بناءً على خروج المرضين عن العضوين وثبوت أحدهما في الدماغ والآخر في الصماخ أو ما وراءه، فلا تعلّق للمرض بالمحل، حتى لو قطع أنفه أو اذُنه فأزال شمّه أو سمعه فهما جنايتان لا يرتبط أحدهما بالآخر.
ولا يقطع ذكر الصحيح بالعنّين ويقطع بذكر الصغير والمختون والأغلف ومسلوب الخصيتين، بلا خلاف؛ للعموم في المثبت، والإلحاق بأشلّ اليد والإصبع، المساعد بالاعتبار في المنفي، ولذا قالوا في قطع ذكر العنّين بثلث الدية، وادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع
الطائفة.
ولكن في
القوي: أن فيه الدية
، وحكي القول بمضمونه عن
الصدوق والإسكافي
.
وهو ضعيف عن المقاومة لما مرّ، فليطرح، أو يحمل على بيان إرادة نفي القصاص وثبوت أصل الدية في الجملة لا بيان كمال الدية، أو على التقية فقد حكي عن
الشافعية قطع الصحيح بالعنّين
، بناءً على أنّ العنن نقص في الدماغ والقلب، لا شلل في الذكر.
•
القصاص في العين، ويقلع عين الأعور أي ذي العين الواحدة خلقةً، أو بآفة، أو قصاص، أو جناية بعين ذي العينين المماثلة لها محلا وإن عمي بذلك الأعور وبقي بلا بصر
؛ وكذا يقتصّ له أي للأعور منه أي من ذي العينين بعين واحدة
ولا ريب في ضعف هذا القول، كالمحكي عن كثير من
الأصحاب من إطلاقهم تخيّر الأعور بين الاقتصاص بالعين الواحدة وأخذ الدية كاملة، مع أنّ موجب العمد ليس إلاّ الأوّل، وإنّما يثبت الثاني صلحاً، كما مرّت إليه الإشارة، وبهذا هنا صرّح جماعة
؛ وحيث اقتصّ له بالعين الواحدة ففي ردّ الجاني عليه نصف الدية
دية النفس قولان
، والمروي في
الصحيح وغيره: الردّ
. ولو جنى على العين بما أذهب النظر والبصر منها خاصّة مع سلامة الحدقة اقتصّ منه أي من الجاني بما يمكن معه المماثلة بإذهاب البصر وإبقاء الحدقة
.
•
القصاص في سن الصبي، وسنّ الصبي إذا جني عليها عمداً ينتظر به مدّة جرت العادة بالنبات فيها
؛ وكيف كان فإن عادت ففيها
الأرش والحكومة
؛ وإلاّ تعد وحصل اليأس من عودها ولو بإخبار أهل الخبرة لكان فيها
القصاص؛ وإن رجعت كما كانت سالمة من التغيّر والنقصان لم يكن فيها قصاص ولا
دية.
ولو قطع شخص كفّاً مقطوعة الأصابع، ففي رواية: يقطع المقطوع كفّ القاطع ويردّ عليه أي على القاطع دية الأصابع.
وعمل بها الشيخ
والقاضي والفاضل في
الإرشاد والقواعد والتحرير
، ونسبه في
المسالك إلى أتباع الشيخ، بل زاد فنسبه
كالشهيد في
النكت إلى الأكثر، فإن صحّت شهرة جابرة، وإلاّ فالرواية ضعيفة.
وقال الحلّي: إنّها مخالفة لأُصول المذهب؛ إذ لا خلاف بيننا أنّه لا يقتصّ العضو الكامل للناقص، قال: والأولى الحكومة في ذلك وترك القصاص وأخذ
الأرش فيه
.
وظاهر المتن وغيره وصريح
المختلف التوقف فيه، ولا يخلو عن وجه، وإن كان القول الأوّل لعلّه أوجه، والثاني
أحوط.
•
القصاص في الحرم، ولا يجوز أن يقتصّ عمّن لجأ إلى
الحرم، ولكن يضيّق عليه في المأكل والمشرب حتى يخرج ثم يقتصّ منه
؛ ويقتصّ عمّن جنى في الحرم فيه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۳۱۹-۳۴۱.