مستحبات الوضوء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(والسنن عشرة) أُمور : الأول : (وضع
الإناء على اليمين)، (و) الثاني : (الاغتراف بها)، (و) الثالث (التسمية) عند وضع اليد في الماء، (و) الرابع : (غسل اليدين) من الزندين للتبادر، (و) الخامس والسادس (المضمضة) وهي : إدارة الماء في الفم (و
الاستنشاق ) وهو : جذبه إلى داخل
الأنف ، (و) السابع : (أن يبدأ الرجل) في صب الماء (بظاهر ذراعيه، و
المرأة بباطنهما)، (و) الثامن : (الدعاء عند غسل كلّ من الأعضاء)، (و) التاسع :
إسباغ (الوضوء بمدّ)، (و) العاشر (السواك) أي دلك الأسنان بعود وشبهه.
(وضع
الإناء على اليمين) في المشهور للنبوي : كان ۶ يحبّ التيامن في طهوره وشغله وشأنه كلّه.
وفي الحسن المروي في
الكافي في باب علّة
الأذان : «فتلقّى
رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى».
وربما علل بأنه أمكن في
الاستعمال وأدخل في
الموالاة . وفي الأول تأمل، إلّا أن يكون النظر فيه إلى ما ورد من محبوبية السهولة له تعالى (وهو : «إن الله يحب ما هو الأيسر والأسهل).
وإطلاق المتن كغيره يشمل الإناء الضيّق الرأس كالإبريق، والتعليلان لا يساعدانه، بل يناسبهما
الانعكاس ، كما عن نهاية الإحكام.
ولا بأس به، ولا تنافيه الروايتان بعد
الاغتراف باليمين. فتأمّل.
(الاغتراف بها) لما مرّ، مضافا إلى الوضوءات البيانية المتضمنة لاغترافهم بها .
وإطلاق المتن كغيره ـ وربما نسب إلى المشهور
ـ
الاستحباب مطلقاً حتى لغسلها؛ ولعلّه لإطلاق الدليل مع ما في الصحيح في الوضوء البياني من قوله : ثمَّ أخذ كفاً آخر بيمينه، فصبّه على يساره، ثمَّ غسل به ذراعه الأيمن
ومثله الموثق على نسخة التهذيب،
ولكنه في الكافي بعكس ذلك كما في الصحاح.
وحملها على مجرّد الجواز وعدم
الالتفات فيها إلى بيان استحباب ذلك ممكن، ولكنه ليس بأولى من العكس، (أي حمل الصحيح الأول على هذا الحمل دونها منه رحمه الله. ) ولكن
إطلاق ما تقدم مع الشهرة يرجح الأول.
(التسمية) عند وضع اليد في الماء، كما في الصحيح
وغيره،
أو عند وضعه على الجبينين، كما في آخر صريحا،
والصحاح ظاهراً، ففي الصحيح : «من ذكر
اسم اللّه تعالى على وضوئه فكأنما اغتسل»
والجمع بينهما أكمل. ولا ضرر في تركها إجماعا؛ للأصل، وظاهر الصحيح : «إذا سمّيت طهر جسدك كلّه، وإذا لم تسمّ لم يطهر من جسدك إلّا ما مرّ عليه الماء»
مؤيدا بظاهر الصحيح المتقدم.
وما في بعض الأخبار ممّا ينافي بظاهره ذلك
ـ مع قصوره سنداً ومقاومة لما تقدم وشذوذه ـ محمول على شدة تأكد الاستحباب. وفي استحباب
الإتيان بها في الأثناء مع الترك
ابتداءً عمداً أو سهواً ـ كما عن الذكرى وغيره
ـ تأمل، خصوصاً في الأول. وثبوته في
الأكل ـ مع حرمة القياس ـ غير نافع. وشمول المعتبرة بعدم سقوط الميسور بالمعسور
لمثله محل تأمل. ولكن الإتيان بها حينئذ بقصد الذكر حسن.
(غسل اليدين) من الزندين للتبادر، و
الاقتصار على المتيقن (مرّة للنوم والبول، ومرّتين للغائط، قبل الاغتراف) في المشهور، بل عن المعتبر
الاتفاق عليه.
للحسن : كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في
الإناء ؟ قال : «واحدة من حدث البول، واثنتان من الغائط، وثلاث من الجنابة».
وفي الخبر : في الرجل يستيقظ من نومه ولم يبل، أيدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها؟ قال : «لا، لأنه لا يدري أين باتت يده، فليغسلها».
وفي المرسل في
الفقيه : «اغسل يدك من البول مرّة، ومن الغائط مرّتين، ومن الجنابة ثلاثاً، وقال : اغسل يدك من النوم مرّة».
وإطلاق المرّة فيما عدا الجنابة ـ كما عن
البيان والنفلية
ـ لا دليل عليه، كإطلاق المرّتين فيه كما عن
اللمعة .
وأمّا ما في الخبر : «يغسل الرجل يده من النوم مرّة، ومن الغائط والبول مرّتين، ومن الجنابة ثلاثاً»
فمع شذوذه وقصوره سنداً ومقاومة لما تقدم يحتمل التداخل، كما عن ظاهر الأصحاب.
وهل هو لدفع النجاسة المتوهمة فلا يستحب إلّا في القليل وصورة عدم تيقن
الطهارة ولا يحتاج إلى النية، أم تعبّد محض فيعمّ جميع ذلك؟ الأقرب الثاني، وفاقاً للمنتهى
لإطلاق ما عدا الخبر الثاني، وليس فيه ـ مع قصور سنده واختصاصه بالنوم ـ ما يوجب التقييد مطلقاً، فالتعميم أولى. ومنه يظهر عدم
الاختصاص بالإناء الواسع الرأس وإن اختص هو (أي الخبر الثاني منه رحمه الله. ) كالحسن به لإطلاق الأخيرين وغيرهما. ولا وجه للتقييد لعدم المنافاة.
(المضمضة) وهي : إدارة الماء في الفم (و
الاستنشاق ) وهو : جذبه إلى داخل
الأنف ، على المشهور، بل عن الغنية
الإجماع عليه،
والنصوص به مستفيضة. ففي المروي في الكتب الثلاثة، مسنداً فيما عدا الفقيه ومرسلا فيه، في وصف وضوء
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : «ثمَّ تمضمض فقال ـ وذكر الدعاء ـ ثمَّ استنشق وقال» الحديث.
والمروي في مجالس أبي علي ولد شيخنا الطوسي رحمه اللّه : «فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرّات، واستنشق ثلاثاً».
والنبوي في
ثواب الأعمال مسنداً : «ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق، فإنه غفران لكم ومنفرة للشيطان».
وفي الخصال في حديث الأربعمائة : «المضمضة والاستنشاق سنّة وطهور للفم والأنف».
وقصور أسانيدها كغيرها منجبر بالشهرة و أدلّة
المسامحة في أدلّة السنن والكراهة. خلافاً للعماني، فليسا بفرض ولا سنّة،
وله شواهد من الأخبار؛
لكنها ـ ككلامه ـ محتملة للتأويل القريب بحمل السنّة المنفية فيها على الواجبة النبوية، ولعلّ سياقها شاهد عليه، مضافاً إلى عدم ثبوت كونها فيها وفي كلامه حقيقة في المعنى المصطلح.
وعن
أمالي الصدوق : أنهما مسنونان خارجان من الوضوء، لكونه فريضة كلّه،
وحمل الأخبار عليه غير بعيد.
كالترتيب
الذكري في غيره : تقديم الأول، كما عن الوسيلة والتحرير والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والنفلية والجامع و
المقنعة والمصباح ومختصره والمهذّب والبيان
والمبسوط، وفيه : أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق.
وهو كذلك مع قصد المشروعية؛ لعدم ثبوتها فيه، للشك في شمول إطلاق الأخبار له، سيّما مع الترتيب الذكري فيها والفعلي في غيرها.
التثليث فيهما، وعن
الغنية الإجماع عليه.
وليس فيه كغيره تعداد الغرفات ستّاً كما عن
التذكرة ونهاية الإحكام،
أو الاقتصار بكف لكل منهما، أو مرّتين لهما بالتوزيع بينها فيهما كما عن المصباح ومختصره و
النهاية والمقنعة والوسيلة والمهذّب و
الإشارة ،
بل ظواهر الإطلاقات فيهما جواز
الاكتفاء بكف لهما كما عن
الاقتصاد والجامع والمبسوط و
الإصباح ،
وفي الأخيرين التصريح بالتخيير بين أن يكونا بغرفة أو بغرفتين كما في الأول، أو ثلاث كما في الثاني، ولكن المتابعة لهم جيدة بناء على المسامحة. ومقتضى الخبرين الأخيرين ولا سيّما الأوّل منهما استحباب
إدارة الماء في جميع الفم والأنف للمبالغة، كما عن
المنتهى والذكرى.
وليس في شيء منها كغيرها
اشتراط المجّ و
الاستنثار للمستعمل عن الموضعين في الاستحباب كما عن الذكرى وفاقاً للمنتهى،
وجعلهما في النفلية مستحباً آخر.
(أن يبدأ الرجل) في صب الماء (بظاهر ذراعيه، و
المرأة بباطنهما) مطلقاً على الأشهر الأظهر للخبر : «فرض اللّه تعالى على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهنّ، وفي الرجال بظاهر الذراع»
ومثله مروي في الخصال.
وعن
المبسوط والنهاية والغنية والإصباح والإشارة وظاهر
السرائر : اختصاص ذلك بالغسلة الاولى وينعكس في الثانية،
وعليه الإجماع في الغنية والتذكرة.
فإن تمَّ وإلّا فمستنده غير واضح من الرواية، و
اشتهار الإطلاق يدافع تمامية الإجماع. ويتخير الخنثى بين البدأة بالظهر أو
البطن على الأول، وبين الوظيفتين على الثاني.
(الدعاء عند غسل كلّ من الأعضاء) الواجبة والمندوبة بالمأثور في الخبر.
إسباغ (الوضوء بمدّ) بإجماعنا وأكثر
أهل العلم كما عن التذكرة،
وعليه تدل الأخبار المستفيضة، ففي الصحيح : «كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم يتوضأ بمدّ ويغتسل بصاع».
خلافاً لبعض من أوجبه من العامة.
ويضعّفه بعد الإجماع ما تقدّم من الأخبار في
إجزاء مثل الدهن.
وليس في استحبابه دلالة على وجوب غسل الرّجلين، بناء على زيادته عن ماء الوضوء مع مسحهما، كما توهّمته العامة؛ لمنعها على تقدير استحباب كلّ من المضمضة والاستنشاق ثلاثاً، وتعدّد الغسلات مرّتين، مع غَسل اليدين مرّة أو مرّتين كما تقدّم، فإنّ مجموع ذلك يبلغ ثلاث عشرة كفاً أو أربع عشرة، والمدّ لا يزيد عن ذلك، لكونه رطلاً ونصفاً بالمدني كما في الصحيح
بحمل الأرطال فيه عليه إجماعاً مع تأيّده بكونه رطل بلد
الإمام المذكور فيه، فيكون رطلين وربعاً بالعراقي.
والرطل مائة وثلاثون درهما على الأشهر كما تقدّم في بحث الكرّ.
والدرهم ستة دوانيق باتفاق الخاصة والعامة ونصّ أهل اللغة.
والدانق ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير بلا خلاف منّا، والخبر الوارد بخلافه
(مع شذوذه) ضعيف بجهالة الراوي. فيكون المدّ على ما قلناه وزن ربع منّ تبريزي واف. نعم يشكل ذلك على القول بعدم استحباب الأوّلين أو الثالث. وربما يؤوّل حينئذ بدخول ماء
الاستنجاء فيه، ولكنه بعيد وإن استشهد له ببعض الأخبار. ففيه (أي في استحباب الإسباغ بالماء. منه رحمه الله. ) شهادة حينئذ على استحباب الأمرين مع التثليث في كلّ من الأوّلين. (أي المضمضة والاستنشاق. منه رحمه الله. )
(السواك) أي دلك الأسنان بعود وشبهه، ومنه
الإصبع كما في الخبر : «السواك بالمسبحة و
الإبهام عند الوضوء سواك».
ولكن في الصحيح : في الرجل يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة وهو يقدر على
السواك ، قال : «إذا خاف الصبح فلا بأس».
(عنده) أي قبل الوضوء، فإن لم يفعل فبعده للخبر : «
الاستياك قبل أن يتوضأ»( قلت : ) أرأيت إن نسي حتى يتوضأ، قال : «يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرّات».
ولعلّه مراد النفلية باستحبابه قبله وبعده.
ويحتمل إرادة الظاهر؛ (أي ظاهر العبارة من الاستحباب قبل الوضوء وبعده أيضاً، دون نقييد الأخير بعدم فعله أولاً .منه رحمه الله. ) لإطلاق النصوص باستحبابه لكل صلاة أو عندها.
إلّا أنّ الظاهر أنّ المأتي به قبل وضوء كل صلاة يكون لها أو عندها فلا تكرار. والأولى تقديمه على غسل اليدين كما استظهره في الذكرى،
وجعله الشيخ في بعض كتبه أفضل.
وظاهر المتن كغيره كونه من سنن الوضوء، كما في الخبر : «السواك شطر الوضوء»
وليس فيما دلّ على استحبابه على الإطلاق حتى فيمن لم يتمكن منافاة لذلك. خلافاً لنهاية الإحكام، فاحتمل كونه سنّة برأسها.
فتأمل.
والمستند في شرعيته مطلقاً وفي خصوص المقام الإجماع، والنصوص بالعموم والخصوص. فمن الأول الصحيح النبوي : «ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفى ـ أو أدرَد ـ»
وهما
بإهمال الحاء والدالين عبارة عن إذهاب الأسنان.
ومن الثاني ـ بعد ما تقدّم ـ الصحيح : «وعليك بالسواك عند كل وضوء».
وظاهر كل منهما، وخصوص الصحيح وغيره، كالمتن وغيره : استحبابه للصائم مطلقاً ولو كان بالرطب، ولعلّه الأشهر. وربما قيل بالكراهة له حينئذ
للمستفيضة الناهية عنه في هذه الصورة، منها الحسن : «لا يستاك بسواك رطب».
ولعلّ مراعاته أحوط لظاهر النهي. إلّا أن يكون إجماع على الجواز فالأوّل متعين. (أي الاستحباب مطلقاً، للشهره وخصوص الصحيح. وضعف المستفيضه والحسن لا يقاوم الصحيح مضافاً إلى شذوذ ظواهرها. منه رحمه الله. )
رياض المسائل، ج۱، ص۱۶۶- ۱۷۷.