موارد سقوط الأذان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تقدّم أنّ
الأذان من السنن المؤكّدة للصلاة حتى ورد في بعض الروايات: «لا صلاة إلّا بأذان وإقامة»،
ومع ذلك ذكر الفقهاء موارد يسقط فيها الأذان وهي كالتالي:
•
سقوط أذان الجامع بين الصلاتين،المشهور بين الفقهاء أنّ الجمع بين الصلاتين موجب لسقوط الأذان عن الثانية،بل ادّعي
الإجماع عليه.
بعد ما تقدّم من ثبوت مشروعيّة الأذان
للقضاء كما في
الأداء ذهب الفقهاء إلى سقوطه عن غير الاولى من الفوائت لو أراد قضاءها في دور واحد، بلا خلاف،
بل ادّعي عليه الإجماع؛
استناداً
إلى صحيحة
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال:«إذا نسيت الصلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم، ثمّ صلّها، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة
إقامة لكلّ صلاة».
ومثلها صحيحا
محمّد بن مسلم .
ووقع الكلام في أنّ هذا السقوط رخصة أو عزيمة.المشهور بين الفقهاء أنّه رخصة،
بل عليه الإجماع؛
مستدلّين لبقائه على
الاستحباب بالإطلاقات الواردة في استحباب الأذان وعمومات المشروعيّة، معتضداً
بصحيحة زرارة: «يقضي ما فاته كما فاته».
وخبر
عمّار الساباطي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام.
ولا معارضة بين العمومات والصحاح المتقدّمة الدالّة على السقوط؛
لإمكان الجمع بينهما، بحمل الصحاح على نفي التأكّد تسهيلًا وتخفيفاً على المصلّي. نعم، لو بني على السقوط على نحو
العزيمة في مطلق الجمع بين الفريضتين تعيّن البناء عليه في المقام؛ لأنّه من صغرياته، ونصوصه من جملة نصوصه.
وصرّح بعضهم بأنّ السقوط عزيمة
كما هو ظاهر بعض آخر،
وقوّاه أيضاً
السيّد العاملي والمحقق السبزواري والمحدّث البحراني .
واستدلّ له بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «... ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة.
وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام... قال: «يتطهّر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ، ثمّ يصلّي ويقيم بعد ذلك في كلّ صلاة، فيصلّي بغير أذان حتى يقضي صلاته».بتقريب أنّه قد صرّحت بتقييد الصلوات التالية بعدم
اقترانها بالأذان، وظاهر التقييد
انحصار الوظيفة في ذلك المساوق لكون السقوط على سبيل العزيمة، وبذلك تقيّد إطلاقات المشروعيّة أيضاً، فلا دليل إذن على مشروعيّة الأذان لغير الصلاة الاولى.
ودعوى كونها في مقام
التسهيل والتخفيف فلا تدلّ على أزيد من الترخيص، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام، بل ظاهرها أنّها في مقام بيان الوظيفة المقرّرة في هذه المرحلة لمن أراد تفريغ ذمّته عن قضاء فوائته.
وقال في
الذخيرة أيضاً: مقتضى الخبرين رجحان تركه المقتضي للفساد في العبادات.
وقال في
الحدائق : «يمكن حمل(روايتي حريز وعمّار) على الفريضة الواحدة؛ لقوله عليه السلام في الأوّل: «من فاتته فريضة»، وفي الثاني: «أعاد الصلاة»، ولا كلام في استحباب الإعادة في الصلاة الواحدة، وحينئذٍ فلا تنافي بين أخبار المسألة».
وذهب بعض آخر إلى القول بتبعيّة القضاء للأداء، فيسقط في القضاء عزيمة لو قلنا به في الأداء عمّن جمع فيه، ويكون رخصة إذا قلنا بأنّه رخصة فيه بنفس الدليل.
وقال
السيد الحكيم بعد اختياره القول بالرخصة: «نعم، لو بني على السقوط على نحو العزيمة في مطلق الجمع بين الفريضتين تعيّن البناء عليه في المقام؛ لأنّه من صغرياته، ونصوصه من جملة نصوصه».
ويستفاد ممّا مرّ أنّ الرخصة هنا- كما في
الواجب - بمعنى الجواز في مقابل المنع؛ ولذلك انصبّ الكلام على استحباب الأذان في غير الصلاة الاولى أو عدم المشروعية، مع أنّه قد تفسّر الرخصة هنا- حيث هي في المستحب المعلوم جواز الترخيص فيه- بعدم كون الاستحباب في محلّ الرخصة مطلوباً بدرجة المطلوبية نفسها في غير محلّ الرخصة.قال
المحقق النجفي : «المراد بالرخصة في ترك المستحبّ المعلوم جواز تركه، خصوص ما نصّ
الشارع على تركه على وجه يظهر منه أنّ ذلك ليس من حيث كونه مستحبّاً يجوز تركه، بل لعدم كون الاستحباب في محلّها كما في غير محلّها، ومن هنا ينقدح إشكال في
الاستدلال على أفضليّة الأذان هنا في الجميع بالاستصحاب أو ببعض العمومات مثل قول الصادق عليه السلام في موثّق عمّار: «لا صلاة إلّا بأذان وإقامة»،
ونحوه من عمومات
التأكيد ضرورة كون هذا الحال غير الحال الأوّل، فلا يستصحب الحال السابق».
ثمّ إنّه ليس في نصوص الرخصة تقييد
بالعجز أو المشقّة، خلافاً
لابن سعيد الحلّي حيث قال: «فإن عجز أذّن للأوّل وأقام للباقي إقامة إقامة».
•
سقوط الأذان في عصر الجمعة،اختلف الفقهاء في سقوط الأذان عن صلاة العصر من يوم
الجمعة إذا جمع بين الفريضتين، فالأكثر بل المشهور بينهم السقوط.
يسقط الأذان عن فرض العصر ليوم عرفة وعشاء المزدلفة بلا خلاف فيه،
بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه.
واستدلّ له بجملة من النصوص التي تضمّن بعضها حكمهما، كصحيحة عبد اللَّه ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «
السنّة في الأذان يوم
عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر ثمّ يصلّي، ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة».
ومثلها ما عن
أبي جعفر عليه السلام.
وبعضها يختصّ بعشاء المزدلفة، كصحيحة
منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين، ولا تصلّ بينهما شيئاً»، وقال: «هكذا صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم».
وكذا صحيحة
الحلبي .
ويقع الكلام هنا في جهات:
لا إشكال في اختصاص الحكم في عشاء المزدلفة بمن كان فيها؛ لاختصاص النصوص بذلك، وأمّا بالنسبة إلى عرفات فالمشهور أنّه كذلك،
وهو المستفاد من ظاهر كلمات جماعة من الفقهاء حيث عبّروا بالباء، فقالوا: (يصلّي بعرفة) أو (يجمع بعرفات).
بل صرّح ابن إدريس
والميرزا القمّي
بأنّ السقوط كان لأجل البقعة.وقال المحقق النجفي: «بل لعلّه المنساق؛ اقتصاراً على المتيقّن من الإطلاقات والعمومات
والاستصحاب ».
وحينئذٍ فلا يسقط الأذان عمّن لم يكن في الموقفين.واحتمل بعض أنّه من الأحكام المختصّة بذلك اليوم وإن لم يكن بعرفة،
وهو المستفاد أيضاً ممّن عبّر بسقوط أذان العصر في يوم عرفة.
بل قال الشهيد:«سقوط الأذان هنا لخصوصية الجمع لا للمكان والزمان، بل كلّ من جمع بين الصلاتين لم يؤذّن ثانياً على المشهور».
ويدلّ عليه
إطلاق صحيح ابن سنان- المتقدّم- حيث إنّ الموضوع فيه يوم عرفة، لا من كان هناك.
واورد عليه:
۱- بأنّ الضمير في (يؤذّن ويقيم) يعود إلى غائب معهود، وليس هو إلّا الحاجّ بمقتضى سياق الكلام؛ إذ لو اريد به مطلق المصلّي لكان الأحرى بمقتضى قانون
المحاورة توجيه العبارة بصورة الخطاب لا الغياب بأن يقال: (تؤذّن وتقيم) لا (يؤذّن ويقيم).
۲- وبأنّ عطف عشاء المزدلفة بمقتضى
اتّحاد السياق يكشف عن أنّ الحكمين من سنخ واحد، وأنّهما معاً من خواصّ المكان، فيكون المطلق من قبيل المقرون بما يصلح للقرينيّة، فيسقط إطلاقه.
ظاهر الفقهاء
بل صريح بعضهم
اختصاص السقوط بصورة الجمع بين الفرضين؛ لأنّه المنصرف والمنسبق من نصوص المقام المعتضد بالتصريح به في الخبر،
لا سيّما أنّ الجمع هو الوظيفة المقرّرة الدارجة في هذين الموردين.
لكن خالف
الشهيد الثاني في ذلك فقال:«الأذان الثاني هنا بدعة... سواء جمع بين الصلاتين أم فرّق».
وصرّح بعض الفقهاء بأنّ سقوط أذان العصر والعشاء فيما إذا جمعهما مع ما قبلهما في وقت الاولى وإن أتى بهما في وقت الثانية سقط أذان الظهر والمغرب وأذّن لوقت الثانية.
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه رخصة،
لكن صرّح بعضهم بكراهة
الإتيان به.
ونسب ذلك إلى فوائد
الشرائع في
مفتاح الكرامةواستدلّوا على ذلك
بالأصل وعموم مشروعيّة الأذان، وأنّ عدم فعلهم عليهم السلام والنقل عنهم عليهم السلام لا يدلّ على التحريم،
كما تقدّم في عصر يوم الجمعة. هذا.وذهب آخرون إلى أنّه عزيمة، كما هو الظاهر من التعبير بالبدعة في كلمات آخرين؛
استناداً إلى صحيح ابن سنان
الظاهر في أنّ الإتيان بالأذان خلاف السنّة المساوق للتشريع المحرّم؛ لأنّه تخصيص لعموم المشروعيّة.
وأطلق بعض الفقهاء القول بالسقوط من غير تعرّض لكونه على وجه العزيمة أو الرخصة.
من الموارد التي يسقط فيها الأذان، العصر والعشاء للمستحاضة
والمسلوس إن أرادا الجمع بين الظهرين والعشاءين، كما صرّح بذلك جمع من الفقهاء كالمحدّث البحراني
والسيد بحر العلوم والمحقّق النجفي
وغيرهم.
قال المحقق النجفي في
نجاة العباد أيضاً: «و(كذا يسقط الأذان) للعصر والعشاء
للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب، وكذا غيرها ممّن يستحبّ له ذلك أيضاً كالمسلوس ونحوه».
ولكن يظهر من الشهيد
والمحقّق الكركي عدم السقوط، حيث ذكرا أنّ الأذان لا يقدح في اعتبار الجمع بين الصلاتين، وهو ظاهر السيدين الحكيم والخوئي في المستحاضة خاصّة؛ لأنّ النصوص الواردة في المستحاضة إنّما تضمّنت الجمع بين الظهرين
بغسل واحد والعشاءين بغسل واحد وليس فيها أثر من سقوط الأذان، وعليه فالقول بالسقوط يبتني على أحد أمرين: إمّا يتوقّف على تماميّة كلّية سقوط الأذان مع الجمع ومنه المقام، كما عوّل عليها في
الحدائق ، ولكنّ هذه الكلّية لا دليل عليها كما تقدّم، أو يتوقّف على أنّ الإتيان به منافٍ للتعجيل المطلوب في المستحاضة ومنافاته للعفو عن الدم المتخلّل بقدر الضرورة، إلّا أنّه يرد عليه أيضاً بأنّ المدار هو
الاستعجال العرفي لا الدقّي، وهذا القدر غير ضارّ، كما أنّه لا يلزم عليها
الاقتصار على الواجبات، بل لا مانع من الإتيان بالسنن المتعارفة في الصلاة، وإلّا لما ساغ الأذان للُاولى أيضاً، فالمتّبع إذاً إطلاقات المشروعيّة.
وأمّا المسلوس فاستدلّ له بصحيحةحريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام،قال: «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيساً. ويعجّل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخّر المغرب، ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين.
الدالّة على سقوط أذاني العصر والعشاء عنه،
بل يستدلّ بها على وجوب اطّراد الحكم في روايات المستحاضة أيضاً؛ لعدم خصوصيّة السلس، بل العبرة بالجمع.
وهل السقوط في المقام رخصة أو عزيمة؟ذهب المحدّث البحراني إلى أنّه عزيمة؛ مستدلّاً له بأنّ العبادات توقيفيّة مبنيّة على التوظيف من الشارع ولم يعلم منه الأذان للثانية في صورة الجمع مطلقاً، بل المعلوم من الأخبار خلافه، كصحيح
عبد اللَّه بن سنان - المتقدّم- الدالّ على أنّ السنّة في مقام الجمع هو ترك الأذان، فيكون الإتيان به- حيثما كان- خلاف السنّة المساوق للتشريع المحرّم.
وذهب بعض آخر إلى الرخصة؛
لعدم دلالة صحيح حريز على لزوم الجمع ووجوبه، بل مفادها الترخيص لحكمة التسهيل والتخفيف، وإلّا لما جاز
التفريق بين صلاتين بوضوئين مع جوازه بالضرورة، فهو أجنبيّ عن عدم المشروعيّة.
ويظهر القول بالرخصة من الجواهر أيضاً حيث قال: «فالإطلاقات والعمومات. كافية في شرعيّة العبادة التوقيفيّة، وعدم معهوديّة أذان منهم عليهم السلام فيما جمعوا فيه لا ينافي استفادة الشرعيّة من الإطلاقات والعمومات بعد أن لم يعلم استمرارهم على الجمع المتروك فيه الأذان.
نعم، هو (الحرمة) متّجه فيما علم ذلك فيه كالجمعة والعصر وظهري عرفة وعشاءي المزدلفة لا مطلقاً».
وهل يلحق بالمسلوس المبطون والمسلوس سلس الريح؟ذهب إليه
السيد اليزدي في قوله:«يسقط الأذان في موارد... الخامس:المسلوس ونحوه»،
كما هو ظاهر المحدّث البحراني أيضاً حيث قال:«الظاهر أنّ ذلك (السقوط في خبر حريز) ليس من حيث خصوصيّة السلس، بل من حيث مقام الجمع، وأنّ السنّة في مقام الجمع- حيثما كان وكيفما كان- هو سقوط أذان الثانية فيجب اطّراد الحكم...».
ونوقش فيه بما تقدّم من عدم ثبوت كلّية سقوط الأذان في الجمع بين الصلاتين، وأمّا احتمال
إلغاء خصوصيّة المورد فإنّها وإن كانت محتملة من الصحيحة لكنّها لم تبلغ في الظهور بحيث يمكن التعويل عليه، فلم يثبت السقوط فيما عدا مورد النص ممّن يستمرّ به
الحدث .
•
سقوط أذان الداخل في الجماعة،لاإشكال ولا شبهة في
سقوط الأذان عمّن دخل في الجماعة التي اذِّن لها،وهو ما تعرّض له كثير من الفقهاء.
•
سقوط أذان الداخل في المسجد، من الموارد التي يسقط فيها الأذان ما لو صلّى
الإمام جماعة في المسجد وجاء آخرون وأرادوا الصلاة جماعة أو فرادى فيسقط
الأذان حينئذٍ عن الثانية ما لم تتفرّق الصفوف
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۷۶-۲۱۲.