سقوط أذان الداخل في المسجد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من الموارد التي يسقط فيها الأذان ما لو صلّى
الإمام جماعة في المسجد وجاء آخرون وأرادوا الصلاة جماعة أو فرادى فيسقط
الأذان حينئذٍ عن الثانية ما لم تتفرّق الصفوف،
ولا خلاف فيه في الجملة، بل يمكن تحصيل
الإجماع عليه
وإن توقّف صاحب
المدارك في أصل الحكم.
واستدلّ للسقوط بالنصوص:
منها: موثّق
أبي بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أ يؤذّن ويقيم؟قال: «إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام».
ومنها: موثّق
زيد بن علي عن آبائه عن
عليّ عليهم السلام قال: دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس فقال لهما عليّ عليه السلام: «إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم».
وغير ذلك من الروايات.
ولا مجال
للمناقشة في حجّية هذه النصوص بعد
اعتضاد بعضها ببعض،
والاتّفاق على العمل بها.
فالاستشكال في خبر أبي بصير باشتراكه بين الثقة والضعيف- كما في المدارك
- في غير محلّه، مع
انصراف التسمية عند
الإطلاق إلى الثقة.
ظاهر جمع من الفقهاء- منهم
الشيخ الطوسي والقاضي ابن البرّاج والعلّامة الحلّي - اختصاص الحكم بالجماعة
حيث رتّبوا الحكم عليها، الظاهر في قصره عليها، فلا يسقط عن المنفرد؛
للأصل والعمومات.
وذهب آخرون إلى عدم اختصاصه بالجماعة، بل يعمّها والمنفرد؛
استناداً إلى إطلاق جملة من النصوص، كموثّقة أبي بصير- المتقدّمة- حيث إنّ مقتضى ترك
الاستفصال عدم الفرق بين كون الداخل واحداً أو أكثر، ومع التعدّد صلّوا جماعة أو منفردين.
بل تصريح بعضها بالمنفرد.
حيث إنّ سؤال الراوي في ذيله: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة.كاشف بمقتضى المقابلة عن اختصاص الصدر بالمنفرد.
وأمّا
الاستدلال بالأولويّة- كما ذكره بعض
- فممنوع؛ لجواز أن تكون الحكمة في السقوط
مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحثّ على
الاجتماع ثانياً المفقود في المنفرد،
أو لعدم وضوح الأولويّة على وجه تكون به
حجّة .كما أنّ ظهور خبر زيد المتقدّم ولو بالمفهوم في اشتراط السقوط بالجماعة- على وجه يعارض ظاهر باقي النصوص- محلّ منع.
فالقول باختصاص السقوط بالجماعة ضعيف.ولا فرق في أذان المنفرد الممنوع منه بين السرّ والعلانية؛ للإطلاق المذكور، خلافاً للشيخ الطوسي حيث ذهب إلى جواز الأذان سرّاً
مؤذناً باستحباب ذلك.ولكن نوقش فيه بأنّه لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلّة خلافه.
اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب بعضهم إلى أنّه لا فرق في سقوط الأذان عن
الداخل بين أن يكون هو مريداً للجماعة أو لا،
لما تقدّم من إطلاق جملة من النصوص، واختصاص بعضها بمن يريد الصلاة جماعة مع القوم- كرواية أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم؟ قال: «ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم.
- لا ينافي الإطلاق لكونهما مثبتين، فلا يحمل المطلق منهما على المقيّد، مضافاً إلى ضعف سندها وأنّ القيد فيها من كلام السائل فلا مفهوم له.
وذهب آخرون إلى اختصاص السقوط بمن أراد اللحوق بالجماعة.وقال
الميرزا القمّي : «الأظهر- كما يظهر من أكثر الأخبار وكلام بعض الأصحاب- أنّ ذلك لمريد الجماعة بذلك الأذان».
ويظهر ذلك أيضاً من
المحقّق النجفي حيث قال: «فالظاهر عدم اختصاص الحكم(أي سقوط الأذان عن الداخل على نحو الحرمة أو الكراهة)بالمؤذّن والمقيم، بل هو عامّ لمن أذّن لهم وأقام ممّن كان مريد الاجتماع في الصلاة...».
وتوقّف في ذلك
المحقق الهمداني حيث قال: «وهل السقوط مخصوص بمريد الجماعة؟ فيه تردّد، من إطلاقات أدلّته، ومن إمكان دعوى جريها مجرى الغالب المتعارف في تلك الأزمنة من
الائتمام عند إدراك الجماعة».
ولكن نوقش في الانصراف المذكور بأنّ الغلبة- لو سلّمت- غير صالحة لصرف المطلقات إلى موردها ما لم تبلغ حدّ الغلبة في
الاستعمال .
اشترط بعض الفقهاء في السقوط كون صلاتي الجماعة والداخل أدائيّتين، فلا يسقط الأذان إذا كانت إحداهما قضائيّة أو كلتاهما؛
لانصراف النصوص عن ذلك، فيرجع في صلاة القضاء إلى إطلاقات أدلّة الأذان،
وإليه مال المحقق النجفي حيث قال: «يمكن القول بعدم سقوط أذان الأداء بإدراك جماعة القضاء عن النفس والغير، وبالعكس على إشكال، خصوصاً في الأخير».
قال
السيد اليزدي : «يشترط في السقوط امور: أحدها: كون صلاته وصلاة الجماعة كلتاهما أدائيّة، فمع كون إحداهما أو كلتاهما قضائيّة عن النفس أو عن الغير على وجه
التبرّع أو
الإجارة لا يجري الحكم».
وذهب بعض آخر إلى عدم اعتبارها في الحكم؛ استناداً إلى إطلاق نصوص
الإسقاط الشامل
للأداء والقضاء.قال
الشيخ كاشف الغطاء : يسقط الأذان عمّن أدرك الجماعة في صلاة يستحبّ فيها أداءً أو
قضاءً مع إمام وجماعة، مؤدّين أو قاضين.
وتردّد آخرون في ذلك؛ لتكافؤ أدلّة الطرفين بنظرهم.
نعم، الإتيان به حينئذٍ برجاء المطلوبيّة لا بأس به،
بل هو الأحوط.
اختلف الفقهاء في اشتراط ذلك على أقوال:
فذهب بعضهم- كالشيخ الطوسي
وابن فهد الحلّي - إلى اشتراط اتّحاد الصلاتين في السقوط؛
لأنّه المتبادر من الأخبار والعبارات.
قال الشيخ الطوسي: «إذا اذّن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافياً لكلّ من يصلّي تلك الصلاة».
وقال ابن فهد الحلّي: «أن تكون الصلاة واحدة، فلو كان حضور الجماعة الثانية لصلاة غير الاولى أذّنوا وأقاموا، وإن كانت الاولى لم تتفرّق، بل وإن كانوا في الصلاة».
وذهب آخرون-
كالمحقق الكركي والشهيد الثاني وغيرهما- إلى
اعتبار اتّحاد الوقت دون الصلاتين.قال المحقق الكركي معلّقاً على كلام الشيخ الطوسي: «ومقتضى كلامه اختصاص
الاكتفاء بالأذان لمن يصلّي تلك الصلاة، وهو متّجه إن كان قد تجدّد دخول وقت الصلاة الاخرى، أمّا لو أذّنوا وصلّوا الظهر في وقت فالظاهر أنّ من دخل ليصلّي العصر حينئذٍ لا يؤذّن؛ تمسّكاً بإطلاق الأخبار».
وقال الشهيد الثاني: «يشترط
اتّحاد الصلاة إن تغاير الوقت كالظهر والمغرب، لا إن اتّحد كالظهرين».
وقال
السيد الطباطبائي : «يشترط في السقوط... اشتراكهما في الوقت، فلو كانت السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب لا يسقطان».
واستدلّ له بعدم شمول إطلاق النصوص لصورة
الاختلاف في الوقت، فتبقى إطلاقات الأذان بحالها، مضافاً إلى عدم مشروعيّة الأذان قبل الوقت وعدم
الاجتزاء به، وغاية ما تفيده أدلّة السقوط في المقام أن يفرض المصلّي أذان الجماعة أذاناً له، فإذا كان أذانه قبل الوقت لا يجزؤه فكيف يجزؤه أذان غيره؟!.
وأطلق عدّة اخر منع اعتبار اتّحاد الصلاتين
الظاهر منه منع اعتبار الاتّحاد في الوقت أيضاً. واستدلّ له بإطلاق الأدلّة، ومنع الانصراف المذكور في اعتبار اتّحاد الصلاة.
واحتاط
الإمام الخميني في ذلك حيث قال: «فلا يترك
الاحتياط بالترك... فيما لم تشتركا في الوقت، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب».
وممّا يعتبر في سقوط الأذان عن الثانية أن تكون الصلاة الاولى جماعة،هذا ظاهر جميع من تعرّض للمسألة، وبه صرّح الشهيد الثاني.
صحيحة،
فلو كانت فرادى أو باطلة بفسق
الإمام ونحوه لا يسقط الأذان؛ لعدم
الدليل على السقوط بالفرادى،
ولأنّ الصحّة هي الظاهر من النصوص،
والباطلة خارجة عن منصرفها.
ثمّ إنّه من المعلوم لزوم أن تكون الجماعة يوميّة، أمّا جماعة غير اليومية فلا يسقط بها أذان اليوميّة، كما صرّح به المحقق النجفي.
يعتبر أن تكون الجماعة الاولى انعقدت مع الأذان، فلو لم يؤذّن لها لم يسقط الأذان عن الداخلين، كما صرّح بذلك جملة من الفقهاء كالشيخ كاشف الغطاء والمحقق النجفي والسيد اليزدي وغيرهم،
بلا خلاف فيه؛ لظهور النصوص- خصوصاً خبري
أبي بصير المذكورين- في السقوط بأذان الاولى،
ولكن لا يشترط العلم بوقوع الأذان من الجماعة السابقة، بل يكفي عدم العلم بتركه.
ويعتبر أيضاً تصدّي الجماعة الاولى بفعل الأذان، فلو اكتفت الجماعة بسماع الأذان من الغير لم يكف ذلك في السقوط؛ لانصراف الموثّقة إلى الجماعة المؤدّية للأذان دون المكتفية بسماعه من الغير.
خلافاً للمحقق الهمداني حيث ذهب إلى سقوطه عن الداخل لو اجتزأت الاولى بسماع أذان الغير، مع
اعترافه بانصراف ذلك عن مورد النصوص؛ استناداً إلى أنّه بعد أن جاز لهم الاجتزاء بأذان الغير يصير أذان الغير أذانهم، فليس على من أدركهم حال
الصلاة أو بعدها قبل تفرّقهم أن يعيد الأذان.
وتوقّف فيه المحقّق النجفي حيث قال:«وفي
استغناء الجائي ثالثاً- مثلًا- مع الصلاة جماعة أو فرادى بإدراك الجماعة الثانية المستغنية عن الأذان بإدراك الاولى وجهان: من الأصل والعمومات التي لا تعارضها نصوص المسألة بعد ظهورها في غير ذلك،(وأنّ الضابط أن يحضر على جماعة أذّنوا والفرض أنّ الاولى لم تؤذّن)، ومن تنزيل
الشارع لها بإدراكها الاولى غير متفرّقة منزلتها ( منزلة الجماعة التي اذّن لها).
بل ظاهر بعض الفقهاء اشتراط صدور الأذان تامّاً صحيحاً، قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «وفي الاكتفاء بالتكميل مع
الاقتصار على البعض أو فساد غيره إشكال».
وسيأتي بعض ما للبحث ربط به لاحقاً.
اختلف الفقهاء في اعتبارها على قولين:
ذهب بعضهم إلى أنّ من شرائط سقوط الأذان إقامة الجماعة الاولى في المسجد، فلو اقيمت في غيره لم يسقط الأذان بذلك، كما صرّح بذلك ابن فهد الحلّي
والسيد العاملي والمحقق السبزواري وغيرهم،
وهو ظاهر بعض العبارات أيضاً؛ لما فيها من قصر الحكم على المسجد.
ومال إليه الشهيد الثاني في
المسالك واستدلّ له باختصاص النصوص بمن دخل المسجد، وحمل الإطلاق في بعضها- كخبر أبي بصير
- على الغالب، وهو
إتيان الجماعة في المساجد.
وبأنّ ذلك مقتضى الجمع بين تلك النصوص وموثّقة
عمّار الدالّة على عدم السقوط، بحمل الأخيرة على غير المساجد.
وبأنّ السقوط خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقّن
فتوى وروايةً.
ونوقش فيه بأنّ ورود الروايات في المسجد لا يوجب قصر الحكم عليه، وأنّ الغلبة أيضاً لا توجب الانصراف.
وذهب بعض آخر إلى التعميم فيحكم بسقوط الأذان عن الثانية في المسجد وغيره، كما صرّح به الشهيد
والمحقق الأردبيلي والسيد بحر العلوم والمحقق النجفي،
كما هو ظاهر عبارات آخرين حيث لم يفرض فيها المسجد.
واستدلّ لذلك بإطلاق خبر أبي بصير،
وبأنّ المدار في الروايات هو تفرّق صفوف الجماعة وعدمه، لا شيء آخر،
وبأنّه لا يعقل الفرق بين المسجد وغيره.
واورد على الأخير بإمكان الفرق بكون الحكمة مراعاة جانب إمام المسجد الراتب، وهذا المعنى مفقود في
الصحراء .
وتوقّف بعض آخر في غير المسجد.
يعتبر في سقوط الأذان عن الثانية اتّحاد المكان عرفاً، فلو تعدّد لم يسقط وإن تقاربا،
كما لو اقيمت الاولى داخل المسجد والاخرى على سطحه؛ لأنّه
المنساق إلى الذهن من النصوص،
والقدر المتيقّن من العمومات.
ولا كلام في اعتبار اتّحاد المكان بالمعنى المذكور، وإن استشكل بعضهم في التمثيل،
وأمّا اعتباره بمعنى عدم البعد المفرط مع فرض وحدة المسجد فلا دليل عليه، فيسقط الأذان عن الثانية إذا أتى بها في جانب آخر من المسجد وإن كان كبيراً جدّاً
كمسجد الكوفة ، فإنّ
عليّاً عليه السلام صلّى في مسجد الكوفة- وهو من أعظم المساجد- وقد أمر الرجلين الداخلين- كما في موثّقة زيد بن علي
- بالصلاة بلا أذان ولا
إقامة من غير تخصيص بالمكان الذي هو صلّى فيه.
هذا، وقد احتمل
الفاضل الاصفهاني كفاية بلوغ صوت المؤذّن وإن لم يتّحد المكان، حيث قال: «وهل يشترط اتّحاد المكان ولو عرفاً أو يكفي بلوغ صوت المؤذّن؟ وجهان».
يشترط في سقوط الأذان عن الصلاة الثانية عدم تفرّق صفوف الجماعة الاولى، فلو تفرّقت لم يسقط الأذان عن الثانية؛
لاعتباره في خبري أبي بصير،
وإطلاق غيرهما- كخبر زيد بن علي عليه السلام
وأبي علي
- مقيّد بهما.
ولا خلاف فيه، إلّا ما يظهر من عبارة الشيخ في موضع من
المبسوط من عدم اعتبار ذلك، حيث قال: «إذا أذّن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافياً لكلّ من يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد».
ولكنّه خلاف ظاهر النصوص.
ثمّ إنّما وقع الكلام فيما يصدق به عدم
التفرّق ، وفيه أربعة أقوال:
۱- ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ المعتبر
بقاء الصفّ بأجمعه بحيث لو انصرف واحد منهم لم يسقط الأذان.
ويستفاد ذلك من عبارة
المحقق السبزواري أيضاً حيث قال: «والحكم في الرواية المعتبرة معلّق على عدم تفرّق الصف... وفي كلام بعض الأصحاب أنّه يكفي في السقوط بقاء البعض ولو واحداً... والأقرب الوقوف في الحكم بالسقوط على القدر المتيقّن (أي بقاء الجميع).
واستدلّ لذلك بإطلاق موثّقة أبي بصير
الظاهرة في أنّ العبرة بتفرّق الصفّ الحاصل ولو بخروج البعض.
ولكن نوقش فيه بندرة قائله،
وبأنّ المنسبق إلى الذهن هو التفرّق الذي لا تبقى هيئة الجماعة عرفاً.
۲- وذهب جماعة منهم إلى أنّه يكفي في الحكم بقاء واحد من الجماعة الاولى ولو كان هو إمام الجماعة؛
استناداً إلى ترك
الاستفصال في خبر
أبي علي - المتقدّم-،
وصدق لفظ (البعض) فيه على الواحد.
وإلى أنّ المراد بالصفّ في خبري أبي بصير- المتقدّمين- هو الكناية عن الجماعة، فاعتبار تفرّقهم يقتضي
الاستغراق ، بمعنى لابدّية افتراق كلّ واحد عن الآخر، ومع بقاء الواحد- مثلًا- لا يتحقّق ذلك.
ونوقش في ذلك بضعف رواية أبي علي، بناءً على جهالة الراوي،
وبأنّ المتبادر عرفاً من عدم تفرّق الصف بقاؤه على هيئته ضمن أشخاص المصلّين، وأنّ التفرّق يتحقّق بانصراف الأكثر بل بالانصراف التدريجي للجماعة من غير ملاحظة الأقلّ والأكثر.
۳- وذهب بعضهم إلى أنّ المناط بقاء الأكثر، فلا بأس بتفرّق بعضهم.
وعن آخر أنّ مرجع هذا القول إلى القول الرابع أي
الصدق العرفي .
۴- وذكر بعضهم أنّ صدق التفرّق وعدمه موكول إلى العرف،
وهو الأظهر عند المحقّق الهمداني
والسيد الخوئي،
كما يستفاد ذلك أيضاً من المحقّق النجفي حيث ناقش في القولين الأوّلين وقال: «أمّا الثالث فكان مرجعه إلى الرابع».
وذلك لانسباقه إلى الذهن في أمثال المقام، ولدلالة موثّقة أبي علي
على عدم حصول التفرّق بخروج البعض
واشتغال البعض الآخر بالتعقيب الموجب لرفع اليد عن إطلاق موثّقة أبي بصير.
ثمّ- مضافاً إلى ذلك- يعتبر اشتغال الباقين بالتعقيب بمثل الصلاة وسننها من
الدعاء والتسبيح، فلو لم تتفرّق الجماعة لكنّها لم تشتغل بذلك فقد تفرّقت؛ للتقييد بالجلوس
بالتسبيح في رواية أبي علي، وقد صرّح بذلك ابن فهد الحلّي
والشهيد الثاني،
وهو ظاهر بعض آخر.
قال ابن فهد الحلّي: «والمراد بالتفريق تفرّق الجميع، فلو بقي بعض في التعقيب لم تؤذّن الثانية... بشرط أن يكون الباقي مشتغلًا بالصلاة وسننها كالتعقيب، فلو بقيت الجماعة بكمالها في المسجد مشتغلين بالخياطة- مثلًا- أو بغيرها ممّا ليس بدعاء ولا تسبيح فقد تفرّقوا».
وقال الشهيد في
الأذان والإقامة :«ويسقطان عند الجماعة الثانية قبل تفرّق الاولى مطلقاً ولو حكماً».
وفسّر التفرّق الحكمي في
كشف اللثام ومفتاح الكرامة بالاشتغال بغير تعقيب الصلاة.وخالف الفاضل النراقي في ذلك وذهب إلى عدم اعتبار ذلك؛ مستدلّاً عليه بإطلاق خبري أبي بصير
والإجماع المركب، وبأنّ
التقييد في رواية أبي علي إنّما وقع في السؤال.
وهل الجماعة الثانية التي اجتزأت بأذان الاولى كالأُولى في سقوط الأذان عمّن ورد عليهم أم لا؟ذهب الفاضل النراقي إلى عدم
تعميم الحكم بالنسبة إلى الجماعة الثانية،
وقوّى المحقق الهمداني التعميم،
بينما تردّد في ذلك المحقق النجفي حيث قال:«وفي استغناء الجائي ثالثاً... وجهان: من الأصل والعمومات التي لا تعارضها نصوص المسألة بعد ظهورها في غير ذلك، (وبعد كون الضابط فيها أنّ الدخول على جماعة قد أذّنوا والفرض أنّ الجماعة الثانية لم تؤذّن بعد). ومن تنزيل الشارع لها ( للجماعة الثانية) بإدراكها الاولى غير متفرّقة منزلتها».
نعم، مع عدم تفرّق الاولى ولو واحداً يسقط الأذان عن الثالث والرابع فصاعداً، كما صرّح به بعض الفقهاء.
اختلف الفقهاء في أنّ هذا السقوط
رخصة أو عزيمة؟ فذهب الفاضل النراقي والمحقّق النجفي وبعض آخر
إلى أنّ السقوط
عزيمة ، بل ادّعي أنّه هو المشهور،
فيحرم الإتيان به للثانية.قال
الفاضل النراقي في الأذان والإقامة:«ثمّ السقوط هنا هل هو عزيمة فلا يستحبّان أصلًا، أو رخصة فيستحبّان وإن خفّ؟ فيه قولان... أصحّهما الأوّل».
وقال
المحقق النجفي : «قد يقوى كون هذا السقوط على
الحرمة وإن قلّ القائل به صريحاً».
واستدلّ له بالأخبار الناهية كموثّقتي زيد بن علي
وأبي علي؛ ضرورة
إباء لسانهما- ولا سيّما قوله عليه السلام في الثانية:«... أحسنت، ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع»
- عن الحمل على الرخصة، بل هي صريحة في كون السقوط على سبيل العزيمة،
لا رفع الندب السابق
قياساً على الأمر عند توهّم الحظر.
وذهب بعض آخر إلى أنّ السقوط رخصة.
واستدلّ له- مضافاً إلى الأصل والعمومات
- بموثقة عمار: في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال عليه السلام: «عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتح الصلاة». ومثلها موثقة
معاوية بن شريح .
فالموثّقتان صريحتان في المشروعيّة، ومقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار الناهية هو كون السقوط على سبيل الرخصة.قال
الميرزا القمي : «ولا يحصل من مجموع ما ذكر إلّا الرخصة لا العزيمة».
ونوقش في ذلك:
أوّلًا: بأنّ الجمع كذلك بعيد غاية البعد؛ لإباء الأخبار الناهية- خصوصاً خبر أبي علي- عن الحمل على الرخصة.
وثانياً: بإمكان الجمع بينهما، بحمل الموثّقتين على صورة تفرّق الصفوف، وإن ردّه بعض بأنّه ينافي ما في الرواية من
إدراك الإمام حين سلّم، الملازم لعدم التفرّق.
وثالثاً: بإمكان الجمع بوجه ثالث، وهو حمل ما دلّ على الرخصة بالجماعة المنعقدة في غير المسجد؛ إذ السقوط يختصّ بالمسجد.
وعبّر جمع آخر بأنّ السقوط كان على نحو الكراهيّة، كما صرّح بذلك المحقق
والعلّامة
وغيرهما،
وهو المستفاد من عبارة الشهيد
وبعض آخر.
واستظهره في
مفتاح الكرامة من عبارة الشيخ في
النهاية والمبسوط.
قال الشهيد: «(يسقط الأذان) ندباً عن الجماعة الثانية قبل تفرّق الاولى، وكذا عن المنفرد قبل التفرّق».
وحيث إنّ غير المندوب مكروه عند الشهيد فيكون قوله بالسقوط ندباً موافقاً لمن يقول بكراهته في المقام.
واستدلّ لذلك أيضاً بأنّها مقتضى الجمع بين الأخبار؛ حملًا للأخبار الناهية الدالّة على عدم شرعيّة الأذان ونفي كونه عبادة على
الكراهة أو تأكّدها.
ثمّ إنّ ظاهر العبارات- كما ذكره
السيد العاملي - يدلّ على أنّ الكراهة أو التحريم لا يختصّان بالمؤذّن، بل يعمّه والجماعة.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۹۷-۲۱۲.