ميراث الأنساب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لقد نصّ القرآن الكريم على ميراث
الأنساب في عدّة آيات:
منها: قوله تعالى: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً».
ومنها: قوله تعالى: «وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ».
ومنها: قوله تعالى: «وَ أُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».
وهذه الآيات تدلّ على أنّ
انتقال الميراث إليهم قهريّ ويدخل في ملكهم- على أساس الأقرب فالأقرب- من غير
اختيار أحدٍ من الورّاث.
وتفصيل ميراث الأنساب ضمن العناوين التالية:
طبقات الأنساب:
قد استفاد الفقهاء من آية اولي
الأرحام بضميمة نصوص متواترة دالّة على قاعدة القرب- على التفصيل القادم- أنّ المستحقّين للإرث من الأنساب ذوو طبقات ثلاث:
الاولى:
وهي صنفان:
۱- الأولاد وإن نزلوا؛ لأنّ ولد الولد ولد.
۲-
الأبوان من غير
ارتفاع ؛ لأنّ الجدّ يرث بالجدودة لا لكونه أباً.
فأوّل من أوصى اللَّه تعالى بهم الأولاد قال
الكليني قدس سره: «إنّ اللَّه جلّ ذكره جعل المال كلّه للولد في كتابه، ثمّ أدخل عليهم بعد
الأبوين والزوجين، فلا يرث مع الولد غير هؤلاء الأربعة، وذلك أنّه عزّ وجلّ قال: «يُوصِيكُم اللَّهُ فِي أَولَادِكُم»
، فأجمعت الامّة على أنّ اللَّه أراد بهذا القول الميراث».
بقوله: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ».
ثمّ أدخل عليهم الأبوين بقوله: «وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ».
ثمّ أدخل عليهم الأزواج مع الولد وعدمه بقوله: «وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ».
ولا يرث معهم أحد غير الأبوين والزوجين،
وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة:
منها: ما رواه
العبدي عن
علي عليه السلام : «لا يرث مع الولد إلّا الأبوان والزوج والمرأة»،
ومنها: ما رواه
زرارة عن الصادقين عليهما السلام في حديث طويل: «ولا يرث أحد من خلق اللَّه مع الولد إلّا الأبوان والزوج والزوجة»،
ومنها: ما رواه
محمّد بن مسلم عن
الإمام الباقر عليه السلام : «لا يرث مع
الامّ ولا مع
الأب ولا مع
الابن ولا مع
الابنة إلّا الزوج وزوجة».
ونحوه رواية زرارة عنه عليه السلام
أيضاً.
وكذا روايات ميراث
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأخبار الواردة في جزئيّات المسائل.
الطبقة الثانية:
وهي صنفان أيضاً:
۱- الإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا.
۲- الأجداد والجدّات وإن علوا،
ولا يحجبهم عن الإرث أحد من خلق اللَّه غير الأبوين والأولاد وأولاد الأولاد، ولا يرث معهم غير الزوج والزوجة بالإجماع؛ لقاعدة القرب والأخبار الواردة في الموارد الجزئيّة الآتي ذكرها.
الطبقة الثالثة:
الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وأولادهم وإن نزلوا، وهذه الطبقة صنف واحد هم إخوة الآباء والامّهات وأولادهم، وهم طبقة اولي الأرحام؛ لأنّ إرثهم ثبت بآية اولي الأرحام،
ولأنّهم صنف واحد لم يرث أولاد الأعمام عند عدمهم مع الأخوال، ولا أولاد الأخوال مع الأعمام، بخلاف
الإخوة والأجداد فإنّهما لمّا كانا صنفين ورث البعيد من كلّ صنف مع القريب من الصنف الآخر عند عدم قريبه
كما يأتي تفصيله، إلّا أنّهم على درجات متفاوتة:
الاولى: أعمام الميّت وأخواله وعمّاته وخالاته وأولادهم.
الثانية: أعمام كلّ من أبوي الميّت وأخواله وأولادهم من بعدهم.
الثالثة: أعمام كلّ من الأجداد والجدّات وأخواله وأولادهم من بعدهم، وهكذا تتصاعد الدرجات.
ضابط الطبقات:
حاول بعض الفقهاء ضبط مراتب
الإرث بأنّ القريب إن تقرّب إلى الميّت من غير واسطة فهو الطبقة الاولى، وإن كان بينه وبين الميّت واسطة واحدة فهو الطبقة الثانية، وإن كان بينه وبين الميّت أزيد من واسطة فهو الطبقة الثالثة.
ولكن نوقش فيه بأنّه إنّما يتمّ في حقّ الآباء والأولاد والإخوة والأجداد الدنيا والأعمام والأخوال دون أولادهم والأجداد العليا؛ لأنّ أولادهم يتقرّبون إلى الميّت بواسطة آبائهم، والأجداد العليا بواسطة الأجداد الأدنى فإدخالهم في طبقتهم بحاجة إلى نوع من التكلّف.
ومن هنا استظهر
المحقّق الأردبيلي أن يكون الضابط بالنحو التالي حيث قال: «إنّ المرتبة الاولى هي التي لا تكون سبب
الاتّصال الموجب للإرث بين آحادها، والميّت مرتبة اخرى مقدّمة عليها وهي الابوّة والبنوّة. والثانية هي التي قبلها مرتبة اخرى مثل الجدودة والإخوة، فإنّهما بعد الابوّة والبنوّة. والثالثة هي التي بعد المرتبتين وهي العمومة والخؤولة، فإنّهما بعد الجدودة والإخوة».
وحيث إنّ في هذا الضابط نحو إبهام- كما اعترف به قدس سره
- لأخذ المرتبة في تحديدها تصدّى
المحقّق النجفي لبيان الضابط بعبارة اخرى فقال: «الوجه في ترتيب الطبقات جميعها على قاعدة الأقرب؛ ضرورة معلوميّة أولويّة من ولد الميّت ومن ولده الميّت به من كلّ أحد، وهم الأبوان والأبناء وإن سفلوا
أهل الطبقة الاولى التي هي عمود النسب، ثمّ من بعدهم من ولد أب الميّت ومن ولده أبو الميّت، وهم الإخوة وأولادهم والأجداد وإن علوا أهل الطبقة الثانية بعضها من العمود وبعضها من حاشية النسب، ثمّ من بعدهم مَن ولّده الأجداد، وهم الأعمام والأخوال أهل الطبقة الثالثة الذين جميعهم من حاشية النسب، ويترتّبون فيما بينهم كترتّب الأجداد والإخوة وأولادهم. فعمّ الميّت وخاله أولى به من عمّ أبيه وخاله، وهما أولى من عمّ جدّ الميّت وخاله وهكذا، كما أنّ الجدّ الأدنى أولى من الجدّ الأبعد، و
الأخ أولى من
ابن الأخ فإنّ اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللَّه، أي الأقرب منهم يمنع الأبعد».
تفصيل السهام:
أ- ميراث الطبقة الاولى: وهم الأولاد والأبوان.
وفيما يلي تفصيل ميراثهم ضمن جهات:
الجهة الاولى- ميراث الأبوين والأولاد:
•
ميراث الأبوين والأولاد، وله صور وحالات كثيرة تختلف السهام باختلافها نستعرضها على الترتيب التالي: أ-إرث
الأب منفرداً، ب--
إرث الامّ منفردة، ج- إرث
الابن منفرداً، د- إرث البنت منفردة:، ه- إرث البنات (الاثنين فصاعداً) ، و- الأب و
الأم مجتمعاً، ز- الأبناء والبنات، و....
الجهة الثانية- ميراث أولاد الأولاد:
•
ميراث أولاد الأولاد ،
الجهة الثالثة- ميراث الجدّ والجدّة مع الطبقة الاولى:
المشهور شهرة عظيمة
أنّه لا يرث مع الأبوين والأولاد جدّ ولا جدّة ولا من ذوي القرابة مطلقاً؛ لقاعدة القرب،
كما تقدّم تقريبه، وقالوا: إنّه موضع وفاق وإجماع،
ولم يذكر الخلاف فيه إلّا عن عدّة من القدماء، فذهب الشيخ الصدوق إلى اشتراك الجدّ من الأب معه والجدّ من الامّ معها، وكذا اشتراك الجدّ مطلقاً مع أولاد الأولاد.
ونسب إلى الإسكافي اشتراك الجدّين والجدّتين مع البنت والأبوين.
وإلى يونس بن عبد الرحمن أنّه إذا اجتمع جدّ أبو أب مع ابن ابن ابن المال كلّه للجدّ.
قال المحقّق النجفي: «وهي أقوال شاذّة قد انعقد إجماع الإماميّة على خلافها، كبعض الأخبار المنافية لذلك، منها: خبر سعد بن أبي خلف: سأل
[۳۳] الكاظم عليه السلام عن بنات بنت وجدّ، فقال: «للجدّ السدس، والباقي لبنات البنت»،
حتى حكي عن ابن فضّال أنّه أجمعت العصابة على ترك العمل به مع احتمال إرادة أب الميّت من الجدّ فيه، واللَّه العالم».
واستدلّوا على عدم اشتراك الجدّ والجدّة معهم- مضافاً إلى الإجماع وقاعدة حجب الأبعد بالأقرب- بما دلّ من الكتاب والسنّة على فريضة الأبوين مع الولد وعدمه من دون إشارة إلى الجدّ أصلًا، والنصوص المتواترة في أنّ اللَّه لم يسمّ للجدّ شيئاً، لكن جعل له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً طعمة فأجاز اللَّه له ذلك،
والنصوص الدالّة على عدم اجتماع أحد- غير الزوج والزوجة- مع الأبوين والأولاد، مثل قول الإمام الباقر عليه السلام في رواية محمّد بن مسلم: «لا يرث مع الامّ ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة إلّا الزوج والزوجة...».
وكذا النصوص الواردة في استحباب إطعام الجدّ والجدّة- الآتي ذكرها- الظاهرة في عدم كونه ميراثاً، وإنّما القائل بمشاركة الجدّ للأبوين يقول بكونه ميراثاً لا إطعاماً.
الجهة الرابعة- الحبوة:
•
الحبوة ، وهي في اللغة: الإعطاء، يقال: حبا الرجل حبواً: أعطاه، والاسم الحبوة والحباء، وقيل: العطاء بلا منٍّ ولا جزاء ، والمراد بها هنا إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً من دون أن يوصي بها أو وصلت إليه بالقسمة .
الجهة الخامسة ـ الطعمة:
•
الطعمة ، لا خلاف في الجملة في استحباب إطعام كلّ من أبوي الميّت أبويهما أو أحدهما بالسدس من نصيبهما لو زاد حظّهما من السدس.
ب- ميراث الطبقة الثانية (الإخوة والأجداد):
وأهل هذه الطبقة لا يرثون إلّا إذا لم يكن للميّت ولد وإن نزل ولا أحد الأبوين، ولا يتقدّم عليهم أحدٌ غير الطبقة الاولى بما لها من الأصناف والدرجات.
۱- ميراث الإخوة:
•
ميراث الإخوة ،
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۳۵- ۲۵۲.