واجبات السجود
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وواجباته أمور سبعة : الأول :
السجود على الأعضاء السبعة، و الثاني وضع الجبهة على
ما يصحّ السجود عليه ، و الثالث أن ينحني بحيث لا يكون موضع السجود عاليا من الموقف بما يزيد عن قدر لبنة، و الرابع الذكر فيه مطلقا أو
التسبيح ، و الخامس
الطمأنينة بقدر الذكر الواجب، و السادس رفع الرأس، و السابع أن يكون مطمئنا عقيب السجدة الأولى.
•
أعضاء السجود ، (
السجود على الأعضاء السبعة) يعني (الجبهة، والكفّين، والركبتين، و
إبهامي الرجلين).
(و) الثاني (وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه) مما مرّ في المقدمة السادسة مع دليله.
(و) الثالث (أن) ينحني بحيث (لا يكون موضع السجود عاليا) من الموقف (بما يزيد عن) قدر (لبنة) بكسر اللام فسكون الباء، أو فتحها فكسرها، بإجماعنا الظاهر، المحكي في كثير من العبائر،
وللمرسل المروي في
الكافي : «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس»
: ونحوه الخبر،
بل الحسن، لكن فيه : «بدنك»
بدل رجليك بالباء ثمَّ النون، وربما يوجد في بعض النسخ بياءين مثنّاتين من تحت، فلا يفيد العلوّ على الموقف،
فالاستدلال به لذلك مشكل وإن اتفق لجمع.
وربما يشكل من وجه آخر يجري أيضا في المرسل لو لا الجبر بالإجماع، وهو أن غايتهما ثبوت البأس مع العلوّ زيادة عن اللبنة، وهو كما يحتمل
التحريم يحتمل الكراهة، لكن الإجماع جابر معيّن للأوّل. مضافا إلى أن
الانحناء بهذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا، فيجب
الاقتصار فيه على المتيقّن، وهو ما لا يزيد عن اللبنة جدّا.
بل الأحوط التساوي بين المسجد والموقف بحيث لا يزيد بقدرها أيضا. بل ربما قيل بوجوبه،
للصحيح : عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه، قال : «لا، وليكن مستويا»
وهو محمول على الندب جمعا، ولظاهر الصحيح : «إني أحبّ أنّ أضع وجهي في موضع قدمي».
ويلحق الانخفاض
بالارتفاع عند جماعة،
للموثق : في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض، فقال : «إن كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على
الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا».
وقيل بجواز
الانخفاض مطلقا، وحكي عن الفاضل في النهاية،
قيل : ونقل في
التذكرة الإجماع عليه.
ويدل عليه بعده صدق السجود معه، فيحصل الامتثال، فيمكن حمل الموثق على
الاستحباب . ومنهم من ألحق بالجبهة بقية المساجد.
ولا ريب أنه أحوط، وإن كان مستنده بعد لم يظهر.
ولو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه تخيّر بين رفعها وجرّها إلى موضع الجواز، لعدم تحقق السجود على ذلك القدر. وأما لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بقدر المجزي لم يجز رفعها، حذرا من تعدّد السجود، بل يجرّها إلى موضع الجواز، وفي الصحيح : «عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته على الأرض، فقال : «يحرّك جبهته فينحّي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه».
والخبر المخالف له
ضعيف
الإسناد فلا يعبأ به، مع معارضته بأجود منه بحسب السند، و
الاعتضاد بالأصل.
وأما النصوص في المنع عن المرتفع وجوازه فهي مطلقة،
إلاّ أن حملها على التفصيل المتقدم طريق الجمع بينها، والجامع الدليل المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر، بل قيل
: لا خلاف فيه يعرف إلاّ من صاحبي
المدارك والذخيرة، حيث عملا بإطلاق الخبر المانع، لصحته وضعف مقابله.
ولكن الأحوط ما ذكراه، لا لما ذكراه من صحة الخبر المانع،
فإنّ فيها كلاما مشهورا، من حيث تضمّن سنده
محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، والأوّل مجهول على المشهور، وإن عدوّا السند الذي هو فيه صحيحا أو قريبا منه، بل لتوقف ما مرّ من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على
الانحناء المفروض فيها، وكونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة، وهو مشكل.
وإثباته بما دلّ على المنع عن الوضع على الزائد عنها غير ممكن، لأن غايته المنع، ويمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه، نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفا، وأما معه فمشكل. ولا ريب أن الأحوط حينئذ عدم الرفع، وكذا الموضع الذي يشك في الصدق وعدمه، مع
احتمال جواز الرفع هنا، كصورة عدم الصدق قطعا، ولكن الأحوط عدم الرفع مطلقا، خروجا عن شبهة الخلاف نصّا وفتوى.
(ولو تعذّر الانحناء) الواجب أتى بالممكن منه و (رفع ما يسجد عليه) ليسجد عليه بلا خلاف فيه على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر،
وظاهر المعتبر والمنتهى دعوى
الإجماع عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى عموم النصوص بعدم سقوط الميسور بالمعسور،
وخصوص النصوص، منها ـ مضافا إلى فحوى الموثق الآتي وغيره ـ الخبر : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء، ولا يمكنه
الركوع والسجود، فقال عليه السلام : «ليوم برأسه إيماء، وإن كان له من يرفع له الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو
القبلة ».
وفي الحسن أو الصحيح : «لا يصلّي على الدابة فريضة إلاّ مريض يستقبل بوجهه القبلة ويجزيه
فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء، ويومئ في النافلة إيماء ».
وأما الصحيحان المخالفان لذلك، كما يأتي، فشاذّان مطرحان، أو مؤوّلان بما يأتي.
وإن تعذّر رفع ما يسجد عليه اقتصر على الانحناء، وإن تعذّر رأسا أومأ برأسه إن أمكن، وإلاّ فبعينيه مع
الإمكان ، وإلاّ فبواحدة. وهل يجب مع ذلك رفع ما يسجد عليه إلى الجبهة مع الإمكان؟ قولان، أجودهما الأوّل، للعموم المتقدم، مضافا إلى خصوص النصوص، منها الموثق : عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال : «فليصلّ وهو مضطجع، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد».
ونحوه المرسل في الفقيه.
والمروي في
قرب الإسناد : عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا
الإيماء ، كيف يصلّي وهو مضطجع؟ قال : «يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه».
وقيل : لا، للأصل، وخلوّ كثير من الأخبار والفتاوى عنه.
ويندفعان بما مر.
ولظاهر الصحيح : عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود، قال : يومئ برأسه إيماء، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ»
وبمعناه آخر.
وموردهما وضع
الجبهة على الأرض لا العكس، كما هو محل البحث. وما يقال في توجيهه : بأن حملهما على ظاهرهما مصادم لوقوع الشهرة على خلافهما فيجب صرفهما وحملهما على وضع الأرض وما يجري مجراها على الجبهة. فبعيد، ومع ذلك فغير نافع، مع إمكان التوجيه بغير ذلك مما لا يخالفان معه الإجماع أيضا، وقد ذكرناه في الشرح.
وأما الخبر : عن المريض هل تمسك له
المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال : «لا، إلاّ أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها»
فمع قصور سنده لا يخالف ما ذكرناه من وجوب الرفع، فإنه إنما يفيد كراهية
إمساك المرأة إذا وجد غيرها، كما عن المقنع،
وكذا في المقنعة،
لكن من دون تقييد بالمرأة، بل أطلق كراهة وضع الجبهة على سجّادة يمسكها غيره أو مروحة، وهو غير كراهة
أصل الرفع، مع أنها مخالفة للإجماع، إذ لا خلاف في رجحانه، مع ظهور الخبر في لزومه، كما لا يخفى على من تدبّر في سياقه ومفهومه.
(ولو كان بجبهته دمل) ونحوه مما يمنع الجبهة بأجمعها عن السجود (احتفر حفيرة) أو عمل شيئا من طين أو خشب ونحوهما وجوبا ولو من باب المقدمة (ليقع السليم) منها (على الأرض). وللنص :« خرج بي دمل وكنت أسجد على جانب، فرآني
أبو عبد الله عليه السلام فقال : «ما هذا؟» قلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل، فإنما أسجد منحرفا، فقال لي : «لا تفعل ذلك احفر حفيرة، واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض».
ونحوه الرضوي : «فإن كان في جبهتك دمل لا تقدر على السجود فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمل فيها». وقريب منهما المروي في تفسير
علي بن إبراهيم .
وقصور السند أو ضعفه مجبور بما مر من القاعدة، والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا، بل لعلّها إجماع في الحقيقة. ولم يذكر جماعة منهم خلافا في المسألة، مشعرين بعدم خلاف فيها، كما صرّح به في المدارك، فقال : هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء.
وفيه نظر، فقد خالف فيها الشيخ في
المبسوط والنهاية فلم يوجب الحفيرة، بل قال بجوازها بعد
الأمر بالسجود على أحد جانبيه.
وظاهره التخيير بينهما، كما عن
جامع المقاصد أيضا، وعن ابن حمزة عكس المختار، فأوجب السجود على أحد الجبينين، ومع عدم التمكن فالحفيرة.
لكن مستندهما ـ سيّما الأخير ـ غير واضح، سيّما في مقابلة ما قدّمناه من النصوص المعتضدة بالقاعدة وفتوى المشهور، فلا إشكال فيه. ومع ذلك فهو أحوط، لجوازه عند الشيخ أيضا، وأما ابن حمزة فهو نادر بلا شبهة.
(ولو تعذر) ذلك إمّا لعدم إمكان النقل، أو
لاستيعابه الجبهة، أو نحو ذلك (سجد على أحد الجبينين) بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر،
وفي المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة،
وظاهره الإجماع عليه. للمعتبرين، أحدهما الرضوي، ففيه بعد ما مر : «وإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر، فإن تعذر فاسجد على ظهر كفّيك، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك، يقول الله تعالى (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) ».
وقريب منه المروي في
التفسير المتقدم،
وفيه : قلت
للصادق عليه السلام : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها، قال : «يسجد ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، وإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، وإن لم يقدر فعلى ذقنه» الحديث. وظاهرهما
اعتبار الترتيب بين الجبينين، كما عن الصدوقين،
وهو أحوط. خلافا لظاهر الأكثر، وصريح جمع،
فالتخيير بينهما، للأصل، وقصور النص سندا عن تخصيصه. ويمكن دفعه لو لا الشهرة، وعدم دلالة الروايتين على وجوب الترتيب صريحا، ولكن مراعاته مهما أمكن أولى.
(وإلاّ) يقدر من السجود على أحد الجبينين (فـ) ليسجد (على ذقنه) بلا خلاف إلاّ من الصدوقين، فعلى ظهر كفه، وإلاّ فعلى ذقنه، لما مر من الرضوي. وهو ـ مع شذوذه وندرته، بل و
انعقاد الإجماع على خلافه، كما صرّح به في المدارك
ـ غريب لا معنى له، معارض بما مرّ من الخبر المروي في التفسير المتقدم، وفي آخر : فيمن لا يقدر على السجود على الجبهة : «يضع ذقنه على الأرض، إنّ الله تعالى يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)».
وضعف السند منجبر بالعمل، و
إطلاق الأمر بالسجود على الذقن بعد العجز عن الجبهة مقيّد بما مرّ من النص والإجماع. (ولو عجز) عن جميع ذلك (أومأ) واضعا جبهته على ما يصح السجود عليه، كما مرّ.
(و) الرابع (الذكر فيه) مطلقا (أو
التسبيح ) منه خاصة، على الخلاف المتقدم في الركوع،
فإن السجود (كالركوع) في أمثال هذه المباحث،
لاتحاد الدليل مطلقا.
(و) الخامس (
الطمأنينة بقدر الذكر الواجب).
(و) السادس (رفع الرأس).
(و) السابع (أن يكون مطمئنا عقيب) السجدة (الأولى) بإجماعنا في الجميع على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا،
وللنصوص،
والتأسي. وقول الخلاف بركنية الطمأنينة كما في الركوع
شاذّ، وإن ادّعى الإجماع عليه. ويكفي في الطمأنينة بعد الرفع مسمّاها
اتفاقا .
رياض المسائل، ج۳، ص۲۱۱- ۲۲۴.