وجوب إزالة النجاسة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(كل النجاسات يجب) شرعا (إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن) للصلاة
والطواف الواجبين، وشرطا لهما، مطلقا إجماعا، إلّا من
الإسكافي في دون سعة الدرهم من النجاسات ـ عدا الحيض والمني ـ فلم يوجب
الإزالة حاكما بالطهارة.
ويدفعه إطلاق المستفيضة الآمرة بغسل النجاسات
الشامل لما ذكره وغيره. كدفعها المحكي في
السرائر عن بعض الأصحاب من نفي البأس عمّا يترشح على الثوب أو البدن من النجاسات مطلقا،
أو مقيدا بالبول خاصة عند
الاستنجاء كما عن
ميافارقيات السّيد.
مضافا إلى
اندفاعهما ولا سيّما الأخير بالخصوص بالصحيح وغيره : عن رجل يبول بالليل، فيحسب أن البول أصابه ولا يستيقن، فهل يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال ولا يتنشّف؟قال : «يغسل ما استبان أنه قد أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه، ويتنشّف قبل أن يتوضأ».
وبالجملة : لا ريب في وجوب الإزالة مطلقا (عدا الدم فقد عفى عمّا دون الدرهم) البغلي (سعة) لا وزنا (في الصلاة) خاصة، إجماعا كما عن
المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والمختلف والتذكرة،
للنصوص المستفيضة الآتية. وموردها العفو عن الثوب خاصة، ولذا حكي
الاقتصار عليه عن جماعة.
ولكن المحكي عن المنتهى نسبة إلحاق البدن به إلى أصحابنا،
مشعرا بالإجماع عليه، فهو الحجّة إن تمَّ، لا الاشتراك في العلّة وهي حصول المشقة في الإزالة، فإنّها مستنبطة لا
إشعار عليه في شيء من المعتبرة.ولا الرواية : إني حككت جلدي فخرج منه دم، فقال : «إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله وإلّا فلا».
لقصور سندها أوّلا. ومخالفتها
الإجماع ثانيا من حيث جعل المعيار قدر الحمصة ولا قائل به من الأصحاب إن أريد به سعة، وكذلك إن أريد به وزنا، لزيادة سعته من سعة الدرهم لو أشيع في البدن أو الثوب بكثير جدا ولا قائل به من الأصحاب أيضا.
إلّا أن يجاب عن القصور بالانجبار بالعمل، والدلالة بقراءة الحمصة بالخمصة بالخاء المعجمة، وهو-في «ش» و «ل» زيادة : سعة- ما انخفض من راحة الكف، كما سيأتي نقل تقدير الدرهم به سعة عن بعض الأجلة،
لكنه يتوقف على القرينة على هذه النسخة وهي مفقودة.فإذا المستند إنما هو حكاية الإجماع المستشعر بها عن عبارة العلّامة إن تمَّ، وإلّا فمقتضى
الأصل المستفاد من النصوص المعتبرة المستفيضة عدم العفو ووجوب الإزالة. لكن الظاهر تماميته، فقد صرّح به المرتضى في
الانتصار ،
ولم نر فيه مخالفا، وكيف كان
فالاحتياط مطلوب فيها البتة.
ثمَّ إن المراد بالبغلي هو الكبير الوافي المضروب من درهم وثلث على المستفاد من أكثر الأصحاب، بل حكي اتفاقهم عليه،
وعليه نص الرضوي : «إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف، والوافي ما يكون وزنه درهما وثلثا، وما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه» إلى آخره.
وربما ظهر من الحلّي مغايرة الوافي للبغلي.
واختلفوا في سعته، فبين من قدّره بما يقرب سعته من سعة أخمص الراحة وما انخفض منها كما عن الحلّي،
وبسعة الدينار كما عن
العماني ،
وبسعة العقد الأعلى من
الإبهام كما عن الإسكافي،
وحكي اعتبار سعة العقد الأعلى من السبابة ومن الوسطى.
ولا دليل على شيء منها وإن كان الأول منسوبا إلى الأشهر بين أصحابنا.
وربما يستشهد للثاني بالخبر المروي عن مسائل
علي بن جعفر : «وإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولا تصلّ فيه حتى تغسله»
ولا حجة فيه من حيث السند، مع
إجمال سعة الدينار.والأوفق بالقواعد الأخذ بالأقل من المقادير، وقوفا فيما خالف الأصل المتقدم على المتيقن، إلّا أن الأخير ضعيف جدّا تشهد القرائن الحالية بفساده قطعاً. بل وربما لا يبعد ترجيح الأول، لإخبار الحلّي عن رؤيته كذلك وهوحجة، وليس من باب الشهادة ليعتبر فيها التعدد، ومع ذلك فهو معتضد بالشهرة المحكية.واختلفوا أيضا في وجه التسمية بالبغلي، فعن المعتبر والتذكرة : إنه النسبة إلى قرية بالجامعين،
قيل : فعلى هذا فالغين مفتوحة واللام مشددة.
وفي
الذكرى : إنه البغلي بإسكان الغين، وهو منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية ووزنه ثمانية دوانيق، قال : والبغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية، فحدث لها هذا الاسم في
الإسلام والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق، فلمّا كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، قال : وهذه التسمية ذكرها ابن دريد، وحكى النسبة إلى قرية بالجامعين قولا، واستدل له بأن هذه الدراهم لا بدّ من تقدمها على الإسلام ليحمل عليها الأخبار، وأجاب بما أشار إليه آنفا من أنها متقدمة وإنما الحادث التسمية.
وعن المهذّب البارع ردّ ما في الذكرى بأن المسموع من الشيوخ فتح الغين وتشديد اللام، واتباع المشهور بين الفقهاء أولى من اتباع المنقول عن ابن دريد.
ولا ثمرة في هذا
الاختلاف .وربما يستشكل في حمل إطلاق النصوص على البغلي، بناء على ما يستفاد من الذكرى وغيره إطلاق الدرهم عليه وعلى غيره من الطبرية وغيرها وأنه ترك في زمن عبد الملك، وهو متقدم على زمان صدور الروايات. وهو كذلك لو لا
الفقه الرضوي المتقدم المعتضد بفتوى الأصحاب، ورواية العامة ذلك عن
النبي صلى الله وعليه وآله ،
فتدبّر.(ولم يعف عمّا زاد عنه) إجماعا، للعمومات، وصريح النصوص الآتية.
(و) في العفو (عمّا بلغ قدر الدرهم) حال كونه (مجتمعا روايتان، أشهرهما) وأظهرهما (وجوب الإزالة) ففي الصحيح : «يغسله ـ أي الدم ـ ولا يعيد صلاته، إلّا أن يكون قدر الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة».
ونحوه المرسل لجميل : «لا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم».
ونحوهما الرضوي المتقدم.وهذه الأخبار ـ مع
اعتبار أسانيدها
واعتضادها بالعمومات والشهرة العظيمة ـ واضحة الدلالة.
والروايات الثانية مع قصور أسانيدها ـ ولو
بالإضافة إلى الروايات السابقة في بعضها ـ وقلّة عددها، وندرة القائل بها ـ إذ لم ينقل إلّا عن
الديلمي والمرتضى
ـ غير واضحة الدلالة، فإنّ إحداها الخبر : «في الدم يكون في الثوب : «إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته» الحديث.
وليس فيها الدلالة إلّا من جهة مفهوم العبارة الثانية، وهو معارض بمفهوم العبارة الاولى، والترجيح معها ـ دون نية ـ لاعتضادها بالمعاضدات السابقة.
وما يقال في ترجيح العكس من
أصالة البراءة غفلة واضحة، كيف لا؟! وهي بالعمومات الدالّة على وجوب الإزالة،
واستصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة المستدعي للبراءة اليقينية مخصّصة، وعلى تقدير بقائها فلا ريب في عدم مكافاتها لشيء من المعاضدات المتقدمة، فضلا عن جميعها، ولا سيّما الشهرة. وبالجملة : لا حجة في مثل هذه الرواية.نعم في الحسن : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا
إعادة عليك، وما لم يزد على قدر الدرهم فليس بشيء رأيته أو لم تره، فإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه».
ودلالته غير صريحة، وغايتها العموم القابل للتخصيص بما تقدم بحمل ما لم يزد وما ليس بأكثر من الدرهم على خصوص الناقص عنه.
هذا مع أنّ هذا الخبر مروي في الكافي والفقيه ـ اللذين هما أضبط من
التهذيب الذي روي فيه كما مرّ ـ بإسقاط الواو في «وما لم يزد» وزيادة : «وما كان أقل من ذلك فليس بشيء» بعد قوله : «ما لم يزد على مقدار الدرهم» وسبيله حينئذ سبيل الرواية السابقة.ولعل ترك ذكر الواسطة بين الأقل والأكثر في الروايتين لأجل ندرتها وغلبة تحقق الأمرين، فليس فيهما على هذا ذكر حكمها لو لم نقل بدلالتهما على عدم العفو عنها، فالاستناد إليهما لا وجه له أصلا.
(ولو كان) مقدار الدرهم فصاعدا (متفرقا لم تجب إزالته) مطلقا وإن زاد الجميع عن مقدار الدرهم وتفاحش، وفاقا
للطوسي والحلّي وابن سعيد
والتلخيص، وفي الذكرى إنه المشهور،
لظاهر المرسل الذي مرّ، إلّا أن في السند مع
الإرسال علي بن حديد. ودعوى الجبر بالشهرة المحكية مدفوعة بالشهرة بين المتأخرين على الخلاف وهي وجدانية.
نعم : الصحيح المتقدم ظاهر فيه، من حيث إن الظاهر كون «مجتمعا» خبرا ليكون، لا حالا مطلقا، لا مقدّرة ولا محقّقة، وإن تمَّ دلالته على الثاني أيضا بالضرورة، لظهور
اتحاد زماني
الاجتماع والكون بقدر الدرهم مع أن تغايرهما شرط في المقدّرة اتفاقا، ولامتناع المحقّقة في النقط المتفرقة المفروضة في الرواية، فانحصر
الأمر فيما مرّ وهو كون «مجتمعا» خبرا. وعلى تقديره فالدلالة ظاهرة، ومع ذلك معتضدة بالشهرة المحكية، ولكن في بلوغها قوة المعارضة للعمومات، واستصحاب اشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية، وإطلاقات أكثر ما مضى من المعتبرة نوع مناقشة.
(و) لعله لذا (قيل) إنه (تجب) الإزالة حينئذ (مطلقا) وإن كان غير متفاحش، ولا ريب أنه أحوط لو لم يكن أقوى، وفاقا لسلّار وابني حمزة والبراج وأكثر المتأخرين.
(وقيل) كما عن النهاية والمعتبر
ـ كما حكاه عنه بعض الأجلّة
ـ بوجوب الإزالة (بشرط التفاحش) ولا دليل على الشرط وتقديره بالمرة كما اعترف به جماعة،
بل ربما يمكن المناقشة في نسبة هذا القول إلى
النهاية ، فإنّ عبارتها غير صريحة فيه بل ولا ظاهرة على ما حكاه بعض الأجلّة.
رياض المسائل، ج۲، ص۹۵-۱۰۱.