وظيفة المستحاضة في الطواف وصلاته
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فالبحث فيه من جهتين: ۱- في الطواف المستحب، ۲- في الطواف الواجب.
أمّا الطواف المستحبّ فحيث إنّه لا يشترط فيه الطهارة من الحدث فلا يحتاج إلى الوضوء ولا إلى الغسل من حيث هو وإن احتاج إلى الغسل في غير القليلة من جهة دخول المسجد بناءً على وجوب الغسل عليها من هذه الجهة.
وأمّا الطواف الواجب فالبحث فيه من جهتين:
فقد استدلّ عليه بالأخبار،
كصحيح
عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المستحاضة أ يطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال عليه السلام: «تقعد قرءها... وكلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت».
أنّه بناءً على الجواز والمشروعيّة فما هي وظيفتها؟ أمّا بالنسبة إلى
الاستحاضة القليلة فلا إشكال في أنّه يجب عليها الوضوء، وإنّما الكلام في أنّه يجب عليها تجديد الوضوء أو يكفي الوضوء الصلاتي؟ نسب إلى المشهور عدم حاجتها إلى الوضوء الجديد بعد ما توضّأت لصلاتها.
وذهب بعض الفقهاء إلى وجوب التجديد.
واستدلّ على عدم وجوبه بالإجماع على أنّ المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي طاهرة.
واورد عليه:
بأنّ هذا
الإجماع لم يحرز كونه إجماعاً تعبّديّاً حتى يكشف عن قول
الإمام عليه السلام، بل يحتمل كونه مستنداً إلى
استنباطاتهم و
اجتهاداتهم ، ولا أقلّ من
احتمال استنادهم في ذلك إلى عدم تعرّض الأخبار لوجوب الوضوء على المستحاضة حينئذٍ للطواف مع ورودها في مقام البيان.
بأنّ الإجماع غير محقّق لوجود المخالف في المسألة.
بأنّه لو كان المراد أنّ المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي طاهرة مطلقاً وبلحاظ جميع الأعمال المشروطة بالطهارة، فذلك ينافي ما صرّح بعض الفقهاء- كما تقدّم- به من وجوب تقديم الغسل على الفجر للصوم؛ معلّلًا بمانعيّة حدثها من
انعقاد الصوم، مع أنّ مقتضى ما ذكر كفاية الوضوء أو الغسل الذي أتت به لصلاتها السابقة في رفع
أثر الاستحاضة، وعليه فلا وثوق بإرادتهم هذا المعنى على إطلاقه، ولا أقلّ من قوّة احتمال عدم
إرادة جميعهم ذلك حتى يكون إجماعيّاً.
ومن المحتمل أن يكون المراد أنّ
المرأة إذا أتت بوظائفها فهي طاهرة، إلّا أنّ طهارتها موقّتة بما إذا كانت مشتغلة بأعمالها التي منها الصلاة، بحمل كلمة (إذا) على التوقيت دون
الاشتراط .
ويحتمل أيضاً أن يكون المراد هو أنّ المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بحكم الطاهرة
بالإضافة إلى صلاتها؛ دفعاً لما ربّما يتوهّم من أنّ الدم الخارج منها أثناء صلاتها مانع عن صلاتها، ومعنى ذلك أنّ المرأة طاهرة حينئذٍ وكأنّ الدم لم يخرج أصلًا.
والحاصل: أنّه لم يعلم كون المراد الطهارة بالنسبة إلى جميع الأعمال المشروطة بالطهارة، فلا وجه
للاستناد إلى الجملة المذكورة لإثبات عدم وجوب تجديد الوضوء للطواف ونحوه بعد الوضوء للصلاة.
واستدلّ على وجوب تجديد الوضوء بما يدلّ من النصّ والإجماع على عموم حدثيّة دم الاستحاضة، فيجب تجديد الوضوء لكلّ مشروط بالطهارة كالطواف الواجب لرفع حدث الاستحاضة، وعلى هذا فلا مجال للرجوع إلى
استصحاب الطهارة الحكميّة المتيقّنة حال الفراغ من الوضوء أو الغسل، حيث يعلم حينئذٍ بجواز الدخول في كلّ غاية؛ إذ المقام ممّا يرجع فيه إلى عموم العامّ لا استصحاب حكم المخصّص.
وأمّا بالنسبة إلى الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة فهل تتوقّف صحّة طواف المستحاضة بالاستحاضة المتوسّطة والكثيرة على الوضوء والغسل له مستقلّاً أو يكفي الوضوء والغسل للصلاة عنه؟
ذهب بعض الفقهاء إلى الأوّل على سبيل
الاحتياط الوجوبي،
وقد جزم به
السيد الخوئي في شرح المناسك؛ مستدلّاً عليه بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه المتقدّم، فإنّه قال: «المستفاد منه أنّ الطهارة المعتبرة في الطواف بعينها هي الطهارة المعتبرة في الصلاة، وأنّ ما يستحلّ به الصلاة يستحلّ به الطواف، وأنّ الطواف كالصلاة في الحاجة إلى الطهارة، فلا يجوز لهما
الإتيان بالطواف بلا طهارة من الوضوء أو الغسل، وحيث إنّ المستحاضة على أقسام وكيفيّة طهارتها مختلفة، فاللازم عليها إتيان ما عليها من الوظائف المقرّرة لها في كلّ قسم لأجل
الطواف وصلاته، فإن كانت قليلة فتتوضّأ لكلّ من الطواف والصلاة، وأمّا المتوسّطة فتغتسل غسلًا واحداً لهما وتتوضّأ لكلّ منهما، وإن كانت كثيرة فتغتسل لكلّ من الطواف والصلاة، ولا حاجة إلى الوضوء إن لم تكن محدثة بالأصغر، وإلّا فتتوضّأ أيضاً بناءً على المشهور، ولكن على المختار عندنا فلا حاجة إلى الوضوء؛ لإغناء كلّ غسل عن الوضوء، وإن كان الأحوط ضمّ الوضوء إلى الغسل، فحال الطواف حال الصلاة، بل لو فرضنا أنّ هذه الرواية الصحيحة لم تكن فالأمر كما بيّنا.
بيان ذلك: أنّ
ابتلاء النساء بالاستحاضة كثير، ولا ريب أنّ الاستحاضة حدث والطواف غير ساقط عنها ويعتبر فيه الطهارة ولم يذكر كيفيّة طهارة المستحاضة وطوافها في نصوص المقام مع كثرة الابتلاء بها، ولا يمكن إهمالها كما لم يهملوا كيفيّة طواف الحائض، فيعلم من هذه الامور والقرائن بعد ضمّ بعضها إلى بعض أنّ حكم المستحاضة ما ذكرنا، وأنّ حال الطواف حال الصلاة».
إلّا أنّه قد صرّح في كتاب الطهارة بأنّ المستحاضة يكفيها الوضوء للطواف، ولا يعتبر
الاغتسال في حقّها؛ استناداً إلى الأخبار الدالّة على أنّ وظيفة المستحاضة هي الغسل مرّة واحدة أو ثلاث مرّات، فلا دليل على وجوب غسل آخر في حقّها ولا على مشروعيّته.
فإنّه يقال: «بل إنّ مقتضى الأخبار الواردة في اشتراط الطواف بالوضوء (إلّا في الطواف المندوب)
عدم صحّته ممّن لا وضوء له. نعم، علمنا خارجاً أنّ الجنب ونظيره من المكلّفين بالاغتسال يكفيهم الغسل عن الوضوء، وأمّا المستحاضة فلم يدلّنا دليل على أنّ غسلها الواحد أو أغسالها كافية عن الوضوء؛ لأنّ غاية ما تدلّ عليه الأخبار أنّ غسل المستحاضة الواحد أو المكرّر ممّا تستباح به الصلاة في حقّها، وأمّا أنّه كغيره من الأغسال في
الإغناء عن الوضوء فهو محتاج إلى دليل، وعليه فمقتضى
إطلاق ما دلّ على اشتراط الطواف بالوضوء لزوم التوضّي للمستحاضة إذا أرادت الطواف، فحال الطواف حال الصلاة في حقّها، فكما أنّها تتوضّأ لكلّ صلاة من غير الفرائض الخمسة فكذا تتوضّأ للطواف أيضاً».
وأمّا
الاستدلال بصحيح عبد الرحمن المتقدّم لتوقّف صحّة الطواف على الوضوء أو الغسل له مستقلّاً فغير تام؛ لأنّه في مقام بيان أنّ المرأة المستحاضة بعد أيّام قرئها يكون حكمها حكم باقي المكلّفين الذين يشرع في حقّهم الصلاة، فهي ممّن شأنه أن تصحّ صلاته كما يصحّ منها الطواف، ويجوز لزوجها أن يأتيها، فالخبر يكون في مقام بيان
أصل الحلّيّة، لا في مقام بيان ما هو شرط لصحّة الطواف أو جواز الوطء.
ويشهد لذلك أنّ السؤال إنّما يكون عن أصل جواز الوطء والطواف لا عن شرطهما.
وأمّا صلاة الطواف فقد صرّح السيّد الخوئي بأنّها إذا كانت مستحاضة بالقليلة فكما تتوضّأ للطواف تتوضّأ لصلاته، وأمّا إذا كانت مستحاضة بالمتوسّطة فتغتسل غسلًا واحداً للطواف وصلاته وتتوضّأ لكلّ منهما، وأمّا إذا كانت مستحاضة بالكثيرة فتغتسل لكلّ من الطواف والصلاة ولا حاجة إلى الوضوء إن لم تكن محدثة بالأصغر على مختاره وإلّا فتتوضّأ بناءً على المشهور.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۱۴۷- ۱۵۱.