ولاية الأب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في ثبوت
الولاية للأب والجدّ للأب على الولد النسبي في الجملة. وقد تعرّض الفقهاء لذلك في بعض الموارد، منها: النكاح والطلاق والمال والدعاوي وغيرهم.
ولاية الأب والجدّ للأب ثابتة على الولد الصغير في النكاح بغير خلاف؛ فإنّ للأب وللجدّ للأب الولاية في
تزويج البنت و
الابن إذا كانا صغيرين غيربالغين .
وكذا الحال بالنسبة للولد البالغ مع
الجنون ،
وقع البحث بينهم في ثبوت ولايتهما مع الجنون المنفصل بالبلوغ والرشد،
ولا ولاية لهما على البالغ الرشيد.
قال
المحقّق الحلّي : «ولا ولاية لهما على
الثيّب مع البلوغ والرشد، ولا على البالغ الرشيد، ويثبت ولايتهما على الجميع مع الجنون».
وقال
المحقّق السبزواري، «تثبت الولاية في النكاح للأب والجدّ للأب على الأشهر الأقوى للأخبار المستفيضة... ولا ولاية للأب على الثيّب مع بلوغها ورشدها على الأقوى... ولا على
الصبيّ البالغ... وتثبت ولايتهما على البالغ المجنون إذا اتّصل جنونه بالصغر عند الأصحاب، ولو طرأ الجنون بعد البلوغ والرشد ففي ثبوت الولاية لهما أو للحاكم قولان... وفي ثبوت الولاية للأب والجدّ أو للحاكم في السفه المتّصل بالصغر قولان، أمّا في الطارئ بعد البلوغ والرشد فالمشهور أنّها للحاكم».
نعم، وقع الكلام في البكر الرشيدة؛ فإنّ للفقهاء في ذلك أقوالًا خمسة أو ستّة.
قال
المحقّق الحلّي : «وتثبت ولاية الأب والجدّ للأب على الصغيرة... ولا
خيار لها... وكذا لو زوّج
الأب أو الجدّ الولد الصغير لزمه العقد.
وهل يثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات، أظهرها سقوط الولاية عنها وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع، ولو زوّجها أحدهما لم يمض عقده إلّا برضاها، ومن الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع، ومنهم من عكس، ومنهم أسقط أمرها معهما (الأب والجدّ) فيهما (الدائم والمنقطع).
وفيه رواية اخرى دالّة على شركتهما في الولاية حتّى لا يجوز لهما أن ينفردا عنها بالعقد...» .
وحاصل العبارة، أنّ في المسألة خمسة أقوال. وأضاف
السيّد الحكيم قولًا سادساً حيث قال: «والذي يتحصّل من جميع ما ذكرنا، نفوذ عقد الأب بدون
إذن البنت. .. ونفوذ عقد البنت بدون إذن الأب... لكن يجوز للأب نقضه، فإذا نقضه انتقض... هذا كلّه
بالإضافة إلى الأب. وأمّا الجدّ فلا ولاية له على البكر لا منضمّاً ولا مستقلًاّ» .
فإنّ للولي أن يطلّق عمّن اعتراه الجنون المطبق بعد بلوغه، وكذا عمّن بلغ فاسد العقل على المشهور شهرة عظيمة وإن خالف فيه بعض الفقهاء، ولكن ليس له أن يطلّق عن الصغير؛ فإنّه بيد من أخذ بالساق.
فللأب والجدّ للأب ولاية التصرّف في مال ولده لو كان طفلًا أو مجنوناً ،
والنظر في مصالحه وشئونه سواء كان ذلك ببيع
أو
إجارة أو
المضاربة بالمال أو رهنه
، كما أنّ لهما أن يأخذا للطفل بالشفعة
، وأيضاً يعتبر قبضهما في
الهبة و
الوقف ونحوهما بمنزلة قبض الولد، ولهما استيفاء الدية للصبي لو جني عليه خطأ،
ولهما أيضاً أن يوكّلا عن الولد الصغير في كلّ ما لهما الولاية فيه كغيرهما من الأولياء ،
وأيضاً يمكن للولي
إخراج الزكاة عن الصغير، وكذا
الخمس بناءً على تعلّقهما بأموال الصبي.
فإنّ للوليّ
إقامة الدعوىعن المولّى عليه، قال
الفاضل الاصبهاني: «ويشترط في المدّعي البلوغ والعقل وأن يدّعي لنفسه أو لمن عليه ولاية الدعوى منه... فلا يسمع دعوى الصغير ولا المجنون؛ إذ لا عبرة بعبارتهما، ولا دعواه مالًا لغيره إلّا مع الولاية كالوكيل و
الوصيّ والحاكم ونائبه والأب والجدّ...»
.
فإنّ للأب ولاية استيفاء الحدّ والتعزير الثابتين للولد، قال الفاضل الاصبهاني: «له (للأب) ولاية
الاستيفاء للتعزير لو كان الولد المقذوف صغيراً؛ لأنّه غير صالح للاستيفاء، والعفو معرض للسقوط. وكذا لو ورث الولد الصغير حدّاً كان للأب الاستيفاء»
.
وقد وقع بحث بينهم في أنّ له العفو عن الحدّ والتعزير أو لا؟
قال
المحقّق الكركي : «ليس له (للولي ) العفو مطلقاً غير مقيّد بالمال؛
لانتفاء الغبطة في ذلك، وقال (العلّامة) في
التذكرة : (وإن عفا مطلقاً فالأقرب
اعتبار المصلحة أيضاً؛ فإن كانت المصلحة في العفو مجّاناً اعتمدها، كما أنّ له الصلح ببعض ماله مع المصلحة)، وما قرّبه قويّ متين».
اختلف الفقهاء في ثبوت الولاية وعدمها، فلو كان وليّ الدم صغيراً أو مجنوناً قتلت امّه مثلًا وله وليّ أب أو جدّ أو غيرهما فقد ذهب بعض إلى أنّه ليس لأحد أن يستوفي القصاص حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا سواء كان القصاص في الطرف أو النفس؛ ولعلّه لعدم ثبوت الولاية على مثل ذلك ممّا لا يمكن تلافيه.
وذهب آخرون إلى ثبوت الولاية هنا؛ لعموم أدلّة الولاية.
كما أنّ له استيفاء الدية بدلًا عن القصاص، وحكي عن بعض الفقهاء المنع منه.
ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى قسمين:
من الشروط ما يعود إلى الولي في نفسه كالبلوغ والعقل وعدم السفه في التصرّفات المالية، ويشترط أيضاً فيه
الإسلام؛ لانتفاء السبيل للكافر على
المسلم، والولاية سبيل على المولّى عليه، كما هو واضح.
وأمّا
العدالة فقد اختلف الفقهاء في اشتراطها، فذهب بعض إلى
الاشتراط كما هو مختار فخر المحقّقين،
واختار آخرون العدم.
قال
المحقّق النجفي : «لو نقص الوليّان بجنون ونحوه ثمّ كملا عادت الولاية؛ لتناول الإطلاقات حينئذٍ. ولو كان أحدهما كافراً والولد بحكم المسلم بتبعيّته لأحدهما فالظاهر عدم ولايته؛ لأنّها سبيل للكافر على المسلم ( «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» )،
ولا يعتبر فيها العدالة؛ للإطلاق. نعم، قد يقال باعتبار عدم العلم بخيانتهما، وإلّا انعزلا».
من الشروط ما يعود إلى مورد
إعمال الولاية، حيث اشترط بعض الفقهاء في فعل الولي
اشتماله على المصلحة.
قال
الشيخ الطوسي- بعد ذكر أولياء الطفل-، «فكلّ هؤلاء لا يصحّ تصرّفهم إلّا على وجه
الاحتياط والحظّ للصغير المولّى عليه».
وقال
العلّامة الحلّي، «الضابط في تصرّف المتولّي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة، وكون التصرّف على وجه النظر والمصلحة... ولا نعلم فيه خلافاً إلّا ما روي عن
الحسن البصري»
،
بل قال بعضهم، «إنّ الذي يظهر من بعض العبارات سيّما القدماء أنّ اشتراط التصرّف بالمصلحة مفروغ عنه عندهم وأنّه مسلّم فيما بينهم» ،
قال سبحانه، «وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ».
لكن ثمّة فقهاء آخرون لم يشترطوا أكثر من عدم المفسدة في فعل الولي، منهم
الشيخ الأنصاري و
السيّد الإمام الخميني و
والسيّد الخوئي؛
لأنّ الأدلّة لم تنه إلّا عن الفساد والمضارّة، فيتمسّك بإطلاق الروايات المثبتة لولايتهما في غير هذا الفرض.
بل صرّح بعض الفقهاء بأنّ ولاية الأب والجدّ غير مشترطة بشيء من ذلك ما لم ينعقد
إجماع على خلافه.
قال
المحقّق النائيني : «الحقّ ثبوت الولاية له (للأب) ولو مع المفسدة والمضرّة للطفل؛ وذلك
لإطلاق الأدلّة... وعلى هذا فكما يجوز تصرّف
الأب والجدّ في مال نفسه لو لم يكن سفيهاً وإن كان ضرريّاً فكذا يجوز تصرّفه في مال المولّى عليه، إلّا أن ينعقد إجماع على خلافه أو يتمسّك بقوله سبحانه: «إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...»... فإنّ الحكم بالإطلاق لا يخلو من قوّة.
وكما أنّ الولاية تامّة للأب والجدّ زمان حياتهما تصحّ
الوصيّة منهما بها .
وهذه الولاية ثابتة للأب والجدّ للأب في جميع الموارد.
قال المحقّق النجفي: «وأمّا الأب والجدّ للأب وإن علا... فلا خلاف في أنّه يمضي تصرّفهما... في مال الطفل بل وفي غير المال ما دام الولد ذكراً أو انثى غير رشيد لصغر من شأنه ذلك أو سفه أو جنون ولو متّصلًا بالبلوغ»
.
نعم، ليس له أن يعتق عنه إلّا مع الضرورة، كالخلاص من نفقة الكبير العاجز.
ثمّ إنّ الولاية لا تثبت للولد من
الرضاع .
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۶۸- ۷۳.