الإحجاج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو القصد والقدوم، وهو مشتق من الحج.
الإحجاج إفعال من
الحجّ، وهو
القصد والقدوم.
قال
الجوهري: أحججت فلاناً إذا بعثته ليحجّ.
وليس لدى
الفقهاء في الإحجاج اصطلاح خاصّ، بل استعملوه في معناه اللغوي، أي بعث الغير للحجّ ببذل ما يحتاج إليه بالمصاحبة معه أو بدونها. نعم يستعمل عادة في إحجاج الصبي غير المميّز ونحوه الذي لا يتمكّن من مباشرة المناسك بنفسه.
إحجاج الغير إن كان بتجهيزه وإرساله لأن يحجّ للمرسِل فهو
استنابة، ويتبعه أحكام
النيابة في الحجّ وهذا لا يطلق عليه الإحجاج عادة في عرف الفقهاء.
وإن كان من باب
الفضل والإحسان ببذل
المال له كي يحجّ
لنفسه، ويدخل فيه أيضاً
الصبيّ المميّز القادر على
أعمال الحجّ بناءً على مشروعيّة
عباداته، فهذا يطلق عليه عادة بذل الحجّ ويطلق على حجّه أيضاً
الحجّ البذلي، وقد صرّح
باستحبابه جمع من
الفقهاء.
بل صرّح
المحقّق النجفي باستحباب إحجاج
العيال ولو
بالاستدانة، أو تقليل
النفقة.
واستدلّ لذلك:
أوّلًا: بخبر
الحسن بن علي الديلمي مولى
الرضا عليه السلام قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «من حجّ بثلاثة من
المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللَّه عزّ وجلّ
بالثمن».
وثانياً: بأنّ التسبيب إلى الخير أمر مرغوب فيه
شرعاً لا سيّما في مثل الحجّ الذي فيه فضل عظيم.
بل قد
يجب، وذلك كما إذا ترك الناس الحجّ بما يستلزم أو يُخاف تعطيله، فيجب حينئذٍ على
الحاكم إلزامهم بالحجّ
والإنفاق عليهم من
بيت المال مع الحاجة إليه.
وذهب بعض
إلى وجوبه على ذوي الأموال مع عدم تمكّنهم من الحجّ.
وإن كان بإحجاج من لم يتمكّن من إتيان
المناسك بنفسه
كالصبي غير المميّز والمجنون- والذي يعبّر عنه عادة بالإحجاج كما مرّ- فظاهر كثير من الفقهاء استحبابه،
بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه،
بل في الجواهر: إمكان تحصيل
الإجماع عليه.
ويدلّ على
الاستحباب روايات كثيرة:
منها: صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام... قال: قلت له: إنّ معنا
صبيّاً مولوداً فكيف نصنع به؟ فقال: «مر
امّه تلقى
حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها» ؟ فأتتها فسألتها كيف تصنع؟
فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه، وجرّدوه، وغسّلوه كما يجرّد المحرم، وقفوا به المواقف فإذا كان يوم
النحر فارموا عنه، واحلقوا رأسه، ثمّ زوروا به
البيت، ومري
الجارية أن تطوف به بين
الصفا والمروة.
وغيرها من الروايات.
ولا فرق بين
الصبي والصبيّة كما صرّح به بعض
الفقهاء بل ادّعي أنّه المشهور.
واستدل لذلك:
أوّلًا: بأنّ ذكر الصبي في
الأخبار من باب المثال.
وثانياً: بأنّ لفظ الصبيان في الاستعمالات المتعارفة يستعمل في
الأعم منهما.
وثالثاً: بقاعدة
إلحاق الإناثبالذكور،
واستشكل فيه
النراقي.
وأمّا
المجنون فقد ألحقه أكثر الأصحاب
بل
المشهور بالصبي.
واستدلّ عليه: بأنّه ليس أخفّ حالًا من الصبي،
وأنّ ذكر الصبي في الروايات إنّما هو من باب المثال،
وبقاعدة التسامح.
ولكن صرّح عدة منهم
بعدم الدليل عليه،
وأنّ إحجاجه لا بدّ أن يكون برجاء المطلوبيّة.
تعليقة البروجردي، الخميني، الگلبايگاني.
وكيف كان فظاهر القائلين بجواز احجاج
الصبي أو استحبابه انّ
الإحرام بعدئذ يقع للصبي بحيث يكون هو
المحرم دون
الولي.
ولذلك يجب على
الولي أن يجنّبه
المحرمات سواء كان
نفسه محرماً أم لا.
قد مرّ حكم احجاج
الصبي وأمّا كيفيته على ما ذكره
الفقهاء بأن يأمره الولي بفعل ما يقدر عليه، ويفعل هو عنه ما يعجز عنه فينوي
الولي عنه بأن يلبسه
ثوبي الإحرام ويقول ذكر
السيد الخوئي أنّ استحباب التلفّظ
بالنية إنّما هو في
أعمال حجّ نفسه.
: «اللهمّ إنّي أحرمت هذا الصبي» إلى آخر ما يقوله
المحرم في
النيّة، ثمّ يأمره
بالتلبية إن قدر عليها، ويلقّنه التلبية، وإن لم يحسنها يلبّي هو عنه. وكذلك الطواف والسعي بين الصّفا والمروة والوقوف
بعرفات [[|والمشعر]]
والرمي والصلاة. ويجنّبه عن كلّ ما يجب
الاجتناب عنه.
ويدلّ على ذلك ما تقدّم من صحيحة
عبد الرحمن بن الحجّاج، وما في صحيحة
زرارة، عن أحدهما عليهما السلام قال:
«إذا حجّ الرجل بابنه وهو
صغير فإنّه
يأمره أن يلبّي، ويفرض
الحجّ، فإن لم يحسن أن
يلبّى لبّوا عنه، ويطاف به،
ويصلّى عنه...
ويتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من
الثياب والطيب».
وهي تدلّ على أنّ
الصبي إذا كان
مميّزاً قادراً على
التلبية والصلاة وما تتقوم به
العبادة من
النيّة والقصد، فإحجاجه يكون
بأمر ه، بأن يقوم هو بذلك. وإن لم يكن يحسن شيئاً من ذلك قام وليُّه بذلك نيابةً عنه مع حفظ صورة الأعمال من
الإحرام باتّقاء ما يتّقى على المحرم من الثياب والطيب،
والإطافة،
والسعي به،
ووقوف الموقفين،
والحلق، أو
التقصير.
وقد توسّع بعضهم فاستفاد
استحباب المحافظة على الصورة في
الصبي الذي لا يحسن
الصلاة بأن
يأمره بفعل صورة
الصلاة. قال
الشهيد الثاني قدس سره: «ويصلّي عنه ركعتيه إن نقص سِنُّهُ عن ستٍّ، ولو أمره بصورة الصلاة فحسن»،
وقريب منه في الدّروس،
ويظهر من
المدارك الميل إليه
واعترض عليه بأنّه
اجتهاد في مقابل
النص،
وذكر بعضهم في
رمي الجمار: أنّه يستحبّ
للولي أن يترك الحصى في كفّ
الصبي، ثمّ يأخذ ويرمي عنه.
ونوقش فيه بأنّه لا مستند له.
وأضاف
العلّامة الحلّي: «وإن وضعها في يد
الصغير ورمى بها وجعل يده كالآلة كان حسناً».
وأيّده
المحقّق النجفي بقوله: «هو كذلك محافظة على الصورة منه؛ لأنّ الرمي من أفعال
الحجّ».
وأمّا
الطهارة فقد اختلفت كلماتهم في اعتبارها في
إطافة الصبي وهي كما يلي:
الأوّل: اعتبار طهارة
الولي والصبي بأن
يتوضّأ الولي ويوضّئ الصّبي.
الثاني: كفاية طهارة الولي،
كما يومئ إليه ما في صحيحة زرارة من الاجتزاء بالصلاة عنه.
الثالث: وجوب الطهارة
للصبي فقط إذا تمكّن من
الوضوء- ولو صورة- وإذا لم يتمكّن فعلى الولي؛ لأنّ ذلك مقتضى القاعدة المستفادة من النصوص من اتيان الصبي مباشرة بالمقدور وإتيان الولي عنه بالمعذور، وهو المطابق للمرتكزات في الأعمال التي يمرّن الصبيان عليها اهتماماً
بالعمل حتى يكبر عليه الصبيان ويشيب عليه
الشبّان.
الرابع: إن تمكّن
الطفل من الوضوء ولو بتعليم الولي إيّاه
وإحداثه وإيجاده فهو وإلّا فلا يعتبر الوضوء لا على نفس الطفل ولا على الولي؛ لأنّ ما ورد من إحجاج الصبي إنّما هو بالنسبة إلى أفعال
الحجّ كالطواف والسعي والرمي ونحو ذلك، وأمّا الامور الخارجيّة التي اعتبرت في الطواف فلا دليل على إتيانها صورة، كما أنّه لا دليل على أنّ الولي يتوضّأ عنه فإنّ الوضوء من شرائط
الطائف لا الطواف، والمفروض أنّ الولي غير طائف.
لا خلاف بين
الفقهاء في أنّ الولي يجوز له إحجاج الصبي،
بل يمكن تحصيل
الإجماع عليه،
إلّا أنّهم اختلفوا في المراد من الولي في المقام، فالمشهور أنّه الولي
الشرعي،
قال
المحقّق الحلّي:
«الولي من له
ولاية المال كالأب والجدّ للأب
والوصي»،
وزاد في المدارك
الحاكم قائلًا: «وربما ظهر من قول المصنف رحمه الله (والولي من له ولاية المال) ثبوت الولاية في ذلك للحاكم أيضاً... ولا بأس به لأنّه كالوصي».
وأضاف في الدّروس: وكيل الأب والجدّ والوصي.
وقال
السيد اليزدي قدس سره: «المشهور على أنّ المراد بالولي في
الإحرام بالصبي الغير
المميّز الولي الشرعي من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما،
والحاكم،
وأمينه، أو وكيل أحد المذكورين».
واستدل
له بورود لفظ الولي في صحيح
ابن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدّموه إلى
الجحفة، أو إلى بطن مرّ، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم، ويطاف بهم، ويرمى عنهم، ومن لا يجد
الهدي منهم
فليصم عنه وليّه».
ولكن ذهب
المحدّث البحراني إلى أنّ المراد من
الولي في المقام هو
الأب والجدّ فقط. واستدلّ لذلك: بأنّه المتبادر من الولي في هذا المقام، وأنّ مجرد كون الوصي
والحاكم لهما
ولاية المال لا يوجب الولاية لهما على
البدن، إذ الحجّ يستلزم التصرّف في المال والبدن.
هذا وذهب عدّة من
الفقهاء إلى جواز إحجاج
الصبي لكلّ من يتولّى ويتكفّل أمره ولو لم يكن وليّاً شرعيّاً، وهو الظاهر من
الشيخ الطوسي والنراقي والسيّد اليزدي والسيّد الخوئي قدس سرهم.
قال
الشيخ الطوسي: «الولي الذي يصحّ إحرامه عنه...
الأب والجدّ وإن علا... وإن لم يكن وليّاً، ولا وصيّاً، ويكون
أخاً وابن أخ، أو
عمّاً،
وابن عمّ، فلا ولاية له عليه، وهو
والأجنبي سواء، فإن تبرّع به عنه انعقد إحرامه».
واستدلّ له
بإطلاق أكثر الأخبار مثل قوله عليه السلام في صحيح
ابن عمّار: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدّموه...» أي سواء كانوا مع أولياءهم أو لا.
وقوله عليه السلام في صحيحة
عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة: «إذا كان
يوم التروية فاحرموا عنه وجرّدوه
وغسّلوه»،
ب ۱۷ من أقسام الحج، ح ۱.
وبأنّه لا دليل على حرمة كلّ تصرّف
بالصّبي ما لم يستلزم تصرّفاً ماليّاً ونحوه.
وإن كان قد يجاب على ذلك بأنّ العموم غير ظاهر، فلو قيل مثلًا: «قدّموا ما كان معكم من المال» لم يشمل بعمومه الأموال
المغصوبة.
ولكن هذا قابل للجواب بوضوح الفرق بين الأمرين.
هذا في غير
الامّ، وأمّا الامّ فبناءً على ما ثبت من
الإطلاق وعدم اختصاص الحكم بالوليّ الشرعي كما مرّ من بعض
الفقهاء فواضح. وأمّا بناءً على عدمه فالمنسوب إلى المشهور
أنّ لها ولاية إحجاج الصبي أيضاً.
واستدلّ لذلك بخبر ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: مرّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم برويثة وهو حاجّ فقامت إليه
امرأة ومعها صبيّ لها، فقالت: يا رسول اللَّه أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: «نعم ولكِ أجره».
والظاهر من السرائر
والشرائع
والقواعد
أنّه لا يجوز لها إحجاج الصبي، وهو صريح إيضاح الفوائد.
واستدلّ له
السيّد الحكيم بأنّ حرمة التصرّف بالصبي أو بأمواله بغير إذن وليّه تقتضي ذلك.
كما أجاب عن الرواية بأنّه لا إطلاق لها يشمل صورة عدم ولاية الامّ عليه ولو
بالاستئذان من وليّه
الشرعي.
ولكنّ الصحيح أنّ
الإطلاق واضح، إلّا أنّ الكلام في ثبوت
المقيّد وهو أدلّة عدم نفوذ تصرّف غير الولي الشرعي فيقيّد الحكم بصورة الاستئذان من الوليّ.
ولكن هذا أيضاً قابل للجواب كما لا يخفى.
أمّا ما يجب
إنفاقه فيه على كلّ حال من
المأكل والمشرب والمسكن ونحوها ممّا تتوقّف عليه حياته فهو يكون من ماله- إذا كان له مال- سواء كان في
السفر أو
الحضر.
وأمّا الزائد على
نفقة الحضر ممّا يستلزمه السفر فلا يخلو الأمر من حالين:
فقد يكون السفر مصلحة للصبي، كما إذا توقّف حفظه على السفر به كما لو فرضنا أنّه لم يجد شخصاً أميناً يطمئن به في بلده حتى يودع الطفل عنده، فلا بد أن يأخذه معه تحفّظاً على
الطفل، فصرف
المال الزائد على
نفقة الحضر يكون مصلحة للصبي فيحسب من ماله.
وقد لا يكون الأمر كذلك، فحينئذٍ إذا أخذه معه فلا محالة تكون النفقة الزائدة على الولي دون الصبي. وهذا ممّا لا خلاف فيه ظاهراً بين الأصحاب.
ولا يختصّ بسفر الحجّ، بل يعمّ جميع الأسفار.
ولعل المراد من إطلاق بعض
الفقهاء كون النفقة على الولي ذلك.
وأمّا ثمن
الهدي فالظاهر أنّه لا خلاف أيضاً في كونه على الولي؛
لأنّ المستفاد من الروايات استحباب إحجاج الصبي، وأمّا صرف ماله فيه فإنّه يحتاج إلى دليل آخر، والمفروض أنّ صرف ماله في الهدي ليس من مصالح الصبي؛ لأنّه يمكن أن يأخذه معه ولا يحجّ به.
هذا مقتضى القاعدة، واستدلّ له- مضافاً إلى ذلك- ببعض الروايات
التي يستفاد منها أنّ الكبار الذين
تكفّلوا أمر الصبيان مأمورون
بالذبح عن
الصغار وأنّ الهدي على من يحجّ بالصبي لا على نفس الصبي.
وأمّا الكفّارات:
فالمشهور أنّ كفارة
الصيد- الذي لا يختصّ بحال
العمد- فإنّها على
الولي، وذهب
ابن إدريس إلى عدم وجوب الكفّارة أصلًا، لا على الولي ولا في
مال الصبي، وقال
العلّامة في التذكرة
أنها تجب في مال الصبي.
وأمّا الكفّارات الاخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الولي، أو تكون في مال الصبي، أو لا يجب الكفّارة فيها أصلًا، أقوال.
وتفصيل كل ذلك في محلّه.
الظاهر من كثير من
الفقهاء أنّه يجوز صرف
الزكاة للإحجاج؛ لكونه من مصاديق سبيل اللَّه تعالى الذي هو من مصارف
الزكاة.
كما إذا
أوصى بشيء في سبيل اللَّه تعالى، أو وقفه، أو
نذره فيه يجوز صرفه في الإحجاج أيضاً.
ويدل على ذلك بالخصوص روايات:
منها: صحيحة
علي بن يقطين أنّه قال
لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به موالي وأقاربي؟
قال: «نعم، لا بأس».
ومنها: رواية الحسين بن عمر قال:
قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ رجلًا أوصى إليّ بمال في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ»، قلت: أوصى إليّ في السبيل.
فقال: «اصرفه في الحجّ، فإنّي لا أعلم سبيلًا من سبله أفضل من
الحجّ».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۰۰-۲۰۹