الحجر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو الممنوع شرعًا أو قانونًا من التصّرف في ماله.
هو : لغة المنع والحظر
والتضييق ، وشرعاً : ما أشار إليه الماتن في تعريف (المحجور) من أنه (هو الممنوع من التصرف في ماله) شرعاً.
وهو ثابت بالكتاب والسنة
والإجماع ، قال سبحانه (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً)
وقال جلّ شأنه (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ).
وهو قسمان : حجر على
الإنسان لحقّ غيره، كالمفلّس لحقّ الغرماء، والمريض لحقّ الورثة، والمكاتب لحقّ السيد،
والراهن لدين
المرتهن ؛ وحجر عليه لحقّ نفسه، وهو ثلاثة :
الصبي والمجنون والسفيه. وقد يورد على التعريف مناقشات سهلة ليس للتعرض لذكرها والجواب عنها مزيد فائدة.
(وأسباب الحَجر) بحسب ما جرت عادة الأصحاب بذكره في الباب (ستة) وإلاّ فهي أزيد، وهي : (الصغر، والجنون، والرقّ، والمرض، والفلس، والسفه). قيل
: وجه الحصر أن الحجر إمّا عام للأموال والذِّمَم أو خاصّ بالأوّل ، والأوّل : إما أن يكون ذا غاية يعلم زوال سببها أم لا ، والأوّل ذو السبب الأوّل ، والثاني ذو الثاني ، والثاني : إما أن يكون الحجر فيه مقصوراً على مصلحة المحجور عليه أو لغيره، والأول ذو السادس، والثاني : إما أن يكون مالكاً للمحجور عليه أو لا، والأول ذو الثالث، والثاني : إما أن يكون موقوفاً على حكم الحاكم أو لا، والأوّل ذو الخامس، والثاني ذو الرابع.
وثبوت الحجر بالستة مجمع عليه، كما عن التذكرة،
وبه صرّح جماعة؛ وهو الحجة المخصّصة
للأصل وعموم الأدلّة
بإثبات السلطنة؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية فيما عدا الأوّلين، والآية الثانية، والسنة المستفيضة الآتي إلى ذكر بعضها
الإشارة في الأوّل، وفحواهما في الثاني، مع تأيّد الحكم فيه مطلقاً وفي غير المميّز من الأوّل
بالاعتبار جدّاً.
•
زوال الحجر بالبلوغ ،ولا يزول حجر الصغير إلاّ بوصفين: الأوّل :
البلوغ .
•
زوال الحجر بالرشد ، وهوكما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف، وساعده العادة والعرف.
(و) اعلم أن بتعريف الرشد المتقدم يعرف (السفيه) المتّصف بضدّه و (هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة) ويفسدها ولا يصلحها. ومما تقدّم من الإجماع وغيره يظهر وجه منعه عن التصرفات المالية وإن حدث سفهه بعد رشده. مضافاً إلى النصوص المستفيضة، منها : «إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلّط واحداً منهم على ماله الذي جعله الله تعالى قياماً»
الحديث.
ومقتضاه كالأصل، وعموم آية المنع عن تمكين السفيه من المال،
ومفهوم (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)
ومنطوق : «فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً»
الدالّين على الحجر بمجرّد السفه عدم توقّفه على حكم الحاكم. وكذا زواله؛ لظاهر
الآية الأُولى، وهو أحد القولين المشهورين في المسألة وأصحّهما، وفاقاً لجماعة.
خلافاً لآخرين،
فاعتبروا حكمه في ثبوته وزواله؛ نظراً منهم إلى مخالفة كلّ منهما للأصل فيقتصر فيهما على المتيقن، وهو ما كان بحكم الحاكم، كالمفلّس. ووجه النظر فيه ظاهر لكلّ متدبّر فيما مرّ وناظر.
وهنا قولان آخران مفصِّلان بين الثبوت فالأوّل، والزوال فالثاني، كما في أحدهما؛ وبينهما بالعكس، كما في الثاني، والأوّل مختار اللمعة،
والثاني مجهول القائل، كما صرّح به جماعة.
وكيف كان (فلو باع والحال هذه) أي بعد ثبوت حجره بمجرّدثبوت سفهه، أو بشرط حكم الحاكم به على
الاختلاف (لم يمض بيعه) وإن ناسب أفعال العقلاء إلاّ مع
إجازة الولي، فيمضي على القول
بالفضولي وجواز بيع السفيه
بإذن الولي، كما هو مذهب الفاضل وغيره.
خلافاً للطوسي وابن حمزة،
فمنعا منه؛ وحجتهما عليه غير واضحة، مع
اقتضاء الأصل والعمومات السليمة عن المعارض في المقام جوازه. (وكذا لو وهب أو أقرّ بمال) لم يمضيا مطلقاً، كسائر تصرفاته المالية؛ لمكان حجره عنها.
(و) مقتضى الأصل، وعمومات أدلّة جواز التصرفات، مع
اختصاص أدلّة حجر هذا الفرد كتاباً وسنة وإجماعاً بالمال : أنه (يصحّ) تصرفاته الغير المالية من نحو (طلاقه وظهاره
وإقراره بما لا يوجب مالاً) كالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص وإن كان نفساً، وكالنسب وإن أوجب النفقة على الأصحّ؛ لتضمّنه أمرين غير معلومي التلازم، فيقبل في أحدهما دون الآخر، كالإقرار بالسرقة على وجه يؤخذ بالمال دون
القطع . وعليه ففي
الإنفاق على المقرّ له من مال المقرّ أو بيت المال قولان، ولا خلاف في أصل الحكم على الظاهر، مضافاً إلى الإجماع المحكي في بعض العبائر.
(والمملوك) المراد به ما يشمل المملوكة، لعموم الأدلّة (ممنوع من) جميع (التصرفات) الماليّة وغيرها (إلاّ)
الطلاق ، أو إذا كانت (بإذن المولى) إجماعاً في أصل المنع، كما قدّمناه في بحث عدم مالكيّته عن المختلف ، وحكاه أيضاً غيره في غيره وفي
الاستثناء الأخير أيضاً؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الآية الكريمة (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)
في الأول، والنصوص المستفيضة بل المتواترة في المقامين، مضى بعضها في البحث المتقدم وغيره، ويأتي بعض منها في
النكاح وغيره.
وعلى الأشهر الأظهر في الاستثناء الأوّل إذا كانت الزوجة غير أمة المولى، كما يأتي في بحثه. خلافاً لآخرين، فنفوا خياره فيه أيضاً؛ التفاتاً إلى صحاح كثيرة يأتي الكلام عليها ثمة.وعن التذكرة استثناء
الضمان أيضاً؛ لأنه تصرف في الذمة لا بالعين.
ويردّه عموم الآية، مع عدم وضوح شاهد على التخصيص بالبديهة.
(والمريض ممنوع من
الوصية بما زاد عن الثلث) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تقدّم وتأخّر، وادّعى في الغنية عدم الخلاف فيه،
بل في الشرائع وغيره
الإجماع عليه؛ وهو الحجة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة، بل المتواترة.
قيل : خلافاً لوالد الصدوق
وبعض النصوص القاصرة سنداً ودلالةً ومقاومة لما مرّ من وجوه عديدة جدّاً.
وسيأتي الكلام في المقام في بحث الوصية إن شاء الله تعالى مستقصًى.
(وكذا) الكلام (في) منعه عن (التبرعات المنجّزة) الغير المعلّقة على الوفاة، كالهبة
والوقف والتصدق والمحاباة في
البيع أو الإجارة أو نحو ذلك، إذا كانت زيادة على الثلث، فيمنع عنها كالوصية (على الخلاف) الآتي ذكره في بحثها إن شاء الله تعالى مستقصًى.وحيث تصرّف في محل المنع توقّف على إجازة الورثة ولا تقع من أصلها فاسدة، بلا خلاف؛ للمعتبرة الآتية ثمة.
(
والأب والجدّ للأب) وإن علا (يَليان على الصغير والمجنون) بلا خلاف، كما في المسالك،
بل إجماعاً، كما عن التذكرة وفي غيرها؛
وهو الحجة، كالنصوص المستفيضة، بل المتواترة الواردة في
التزويج ،
الصريحة في ثبوت ولايتهما عليهما فيه، المستدل بها بالفحوى والأولوية في المسألة؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الواردة في بحثي أموال الأيتام والوصية وغيرهما من المباحث الكثيرة.
فلا ريب ولا خلاف في المسألة، ولا في نفوذ تصرّفات أحدهما مع فقد الآخر، أو الموافقة وعدم المعارضة، أو سبق تصرف المتصرف منهما.وأما مع التقارن ففي تقديم الأب، أو الجدّ، أو
البطلان ، احتمالات، بل وأقوال، أوسطها الوسط، لفحوى ما دلّ على ثبوته في التزويج من الإجماعات المحكية والنصوص المستفيضة.
(فإن فُقِدا فالوصي) لأحدهما (فإن فُقِد الوصي فالحاكم) بلا خلاف فيهما وفي الترتيب بين الأولياء، وكون المراد بالحاكم حيث يطلق من يعمّ الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، بل على الأخير الإجماع في المسالك؛
وهو الحجة فيه، كالنصوص المستفيضة الواردة في الوصية في ثبوت ولاية الوصي، ويستفاد من بعضها ثبوت الولاية للحاكم مع فقد الوصي وللمؤمنين مع فقده،
وهو كثير، بل لعلّه مستفيض ذكر بعضها مع الخلاف في الأخير في كتاب
التجارة ، وباقي الأخبار تعرف من كتاب الوصية.
ثم
الولاية في مال السفيه الذي لم يسبق له رشد كذلك للأب والجدّ، إلى آخر ما ذكر، وفاقاً للشهيدين وغيرهما؛
عملاً
بالاستصحاب ، وفحوى ما دلّ على ثبوتها في النكاح من الإجماع المحكي في عبائر كثير من الأصحاب.
خلافاً للأكثر، كما في المسالك وغيره قال : هو أشهر القولين.
فأثبتوها هنا للحاكم على
الإطلاق .
ولا دليل عليه يعتدّ به إلاّ ما قيل من ظهور توقّف الحجر عليه ورفعه على حكمه في كون النظر إليه.
وفيه نظر؛ لمنع التوقف أوّلاً، كما مضى . ثم منع الظهور ثانياً؛ لعدم التلازم جدّاً، إذا لا منافاة بين توقّف
الأمرين على حكمه وكون النظر
والولاية إلى الأبوين بعده أصلاً. وإن سبق رشده وارتفع عنه الحجر بالبلوغ معه ثم لحقه السفه فللحاكم الولاية دونهم.
قيل : لارتفاع الولاية عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلاّ بدليل، وهو منتف، والحاكم وليّ عامّ لا تحتاج توليته إلى دليل وإن تخلّف في بعض الموارد.
وظاهر
المسالك والروضة وغيرهما
عدم الخلاف فيه. فإن تمّ إجماعاً كان هو الحجة، وإلاّ فالقول بالولاية للأبوين هنا أيضاً لا يخلو عن قوة؛ التفاتاً إلى ثبوته في بحث التزويج على الأقوى بالأولوية.
مضافاً إلى ظهور
الإجماع من التذكرة المشار إليها ثمة،
المستلزمة لثبوت الحكم هنا بأولوية أُخرى زيادة على الأولوية الأوّلة، وسيأتي ثمّة بيان ضعف التعليل المتقدم
لإثبات ولاية الحاكم في المسألة. وهذا القول هو الظاهر من العبارة وما ضاهاها، حيث أُطلق فيها
المجنون بحيث يشمل من اتّصل جنونه بصغره ومن تجدّد له ذلك بعد رشده، والسفيه
بالإضافة إلى المال بمعنى المجنون، ولعلّه لذا لم يذكر وليّ السفيه
اكتفاءً منه ببيان وليّ المجنون، والله العالم.
رياض المسائل، ج۹، ص۲۳۶-۲۵۸.