النية في الوضوء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
النية وهي القصد إلى فعل
الوضوء، مقارنة
لغسل الوجه؛ ويجوز تقديمها عند
غسل اليدين؛ واستدامة حكمها حتى الفراغ.
النية وهي القصد إلى فعله مقارنة
لغسل الوجه المعتبر شرعا، وهو أول جزء من أعلاه، لعدم تسمية ما دونه غسلا شرعاً، مشتملة على قصد
الوجوب فيما لو كان واجباً بوقوعه في وقت عبادة واجبة مشروطة به،
والندب في غيره.
والتقرب به إلى اللّه تعالى، بأن يقصد فعله للّه سبحانه، امتثالاً لأمره، أو موافقة لطاعته، أو طلباً للرفعة عنده بواسطته تشبيهاً بالقرب المكاني، أو لنيل
الثواب عنده، أو الخلاص من عقابه.
على خلاف في صحة الأخيرين من جمع
، نسبه شيخنا الشهيد في قواعده إلى الأصحاب
،
استناداً منهم إلى منافاته للإخلاص المأمور به. وهو خلاف ما يستفاد من
الكتاب والسنّة المتواترة معنىً، ولذا اختار جملة من المحقّقين الجواز
.
وقيل: أو مجرداً عن ذلك، فإنه تعالى غاية كل مقصود
.
وعلى
الاستباحة مطلقا، أو الرفع حيث يمكن.
ولا شبهة في
إجزاء النية المشتملة على ما تقدّم وإن كان في وجوب ما عدا القربة نظر، لعدم قيام دليل عليه يعتدّ به. أمّا هي فلا شبهة في اعتبارها في كل عبادة، بل ولا خلاف فيه فتوىً ودليلاً، كتاباً وسنّة، وربما نسب في الذكرى إلى
الإسكافي الاستحباب في الطهارات الثلاث
، ولكن المصنف في المعتبر نسب إليه الوجوب
.
وكذا تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون مشتركاً، إلا أنه على ما قيل
، لا
اشتراك في مثل الوضوء حتى في الوجوب والندب، لأنه في وقت
العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجباً، وبدونه يكون مندوباً، وعلى التقديرين يكون معيّناً.
ويجوز بل ويستحب كما في
القواعد تقديمها عند
غسل اليدين المستحب للوضوء لوقوعه من حدث
البول أو
الغائط أو
النوم،
والاغتراف من
إناء لا يسع كرّاً أو مطلقاً، مع خلوّهما عن النجاسة المتيقنة، عند الأكثر التفاتاً إلى كونه من الأجزاء المندوبة له.
وهو غير معلوم، فالتأخير إلى غسل الوجه أولى، وفاقا لجماعة، منهم الشهيد في
البيان والنفلية، وعن
ابن طاووس التوقف في ذلك.
وعلى الأول جاز التقديم عند
المضمضة والاستنشاق أيضا. وعن ظاهر الغنية وموضع من السرائر تخصيص الجواز به خاصة
.
وهو حسن لو ثبتت فيهما الجزئية، ولكن
النصوص بخروجهما من الوضوء كثيرة
.
ودعوى الوفاق
على كونهما مع ما تقدّم من سننه لا يستلزم الدلالة على الجزئية؛ لكونه أعم.
وتجب استدامة حكمها حتى الفراغ من الوضوء بمعنى أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها كما في
الشرائع وعن
المبسوط والمنتهى والجامع والتذكرة ونهاية الإحكام.
ونسبه
الشهيد إلى الأكثر، قال: وكأنه بناءً منهم على أنّ الباقي مستغن عن المؤثر
. ولعلّه أراد أنه إذا أخلص العمل للّه تعالى ابتداء بقي الخلوص وإن غفل عنه في الأثناء.
وعن
الغنية والسرائر: أن يكون ذاكراً لها غير فاعل لنية تخالفها
.
ومقتضاه اعتبار استدامتها فعلاً كما هو مقتضى الأدلة لوجوب تلبس العمل بجميعه بالنية، والاستدامة الحكمية مستلزمة لخلوّ حلّ العمل عنها، إذ ليست بنية حقيقة.
ومبنى الخلاف هو الاختلاف في تفسير أصل
النية المعتبرة، هل هي الصورة المخطرة بالبال، أم نفس الداعي إلى الفعل وإن لم يكن بالبال مخطرا في الحال؟
فعلى الأول لا يمكن اعتبار الاستدامة الفعلية بناءً على تعذّرها أو تعسّرها، إذ ما «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ»
. واعتبار الحكمية حينئذ بالمعنى المتقدّم بناءً على أنّ «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»
وذلك لاعتبارها بالمعنى المزبور في أصل النّية كاعتبار الجزء في الكل، وسقوط الكل بالأمرين لا يستلزم سقوط جزئه، لما عرفت. فتأمّل.
وعلى الثاني ممكن اعتبارها فيجب.
وحيث إنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلّا الثاني بناء على دلالتها على اعتبار النيّة في أصل العمل ومجموعه، وهو ظاهر في وجوب بقائها بنفسها إلى منتهاه، وهو في المخطر كما عرفت غير ممكن، وليس بعد ذلك إلّا الداعي فتجب إرادته منها، ولا صارف يوجب المصير إلى الأوّل.
هذا مع أنّ معناها لغةً وعرفاً ليس إلّا ذلك، ولذا العامل عملاً لم يخطر القصد بباله حينه لا يكون في العرف عاملاً بغير نيّة، بل لا ريب في تلبس عمله بها عند أهله، وليست العبادات فيها إلّا مثل غيرها، وإنما الفارق بينهما اعتبار الخلوص
والقربة في الأوّل دون الثاني.
فالمكلّف به المشترط في صحّة العبادات ليس إلّا الخصوصيّة وهي
الإخلاص دون أصل النيّة، لعدم القدرة على تركها، ولذا قيل: لو كلّفنا اللّه تعالى
بإيقاع الفعل من دون نيّة لكان تكليفاً بما لا يطاق
.
وممّا ذكر ظهر سقوط كلفة البحث عن المقارنة وتقديمها عند غسل اليدين؛ لعدم انفكاك
المكلّف على هذا التقدير عنها، فلا يتصوّر فقدها عند القيام إلى العمل ليعتبر المقارنة لأول العمل الواجبي أو المستحبّي.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۱۱۷-۱۲۱.