أنواع الإجارة بلحاظ الموجر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
للإجارة أنواع، قد يكون الموجَر- بالفتح- إنساناً ليقوم بعملٍ معيّن، وقد يكون الموجَر عيناً كالحيوان ينقل عليه، وقد يكون غير ذلك من سائر الأعيان، وتفصيل ذلك في الامور التالية.
•
إجارة الإنسان ، لا خلاف
ولا إشكال بين
المسلمين في جواز
إجارة الآدمي، بل عليه دعوى
الإجماع أيضاً؛
لأنّ له منافع محلّلة ومتقوّمة تتعلق بها أغراض العقلاء، وقد تقدمت (في الفصل الأوّل من بحث
حكم الإجارة .) الآيات
والروايات الدالّة على الجواز.
ويكره إجارة الإنسان نفسه،
فإن فعل ذلك فقد حظر عليه الرزق، والأفضل التعرّض
للتجارة ،
كما تدلّ عليه بعض الأخبار، كرواية
مفضّل بن عمر : سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق».
وكذا رواية
عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يتجر فإن هو آجر نفسه أعطى ما يصيب في تجارته، فقال:
«لا يؤاجر نفسه ولكن يسترزق اللَّه عز وجل ويتجر فانّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق».
ويؤكّد ذلك في الصنائع الدنيئة مع الشرط
كالحجامة كما سيأتي.
ويشترط في إجارة الإنسان جميع ما يشترط في إجارة الأعمال من
القدرة على العمل وجواز التصرف
والولاية عليه والمعلومية
والإباحة وغيرها مما تقدم.
وتقدم الكلام أيضاً في حقيقة إجارة الأعمال وأنّها التزام شخصي أو عيني.
لا إشكال في صحة استئجار الحيوان في سائر أنواع المنافع
إجماعاً ،
وهي كإجارة الأعيان من حيث إنّ منفعة الحيوان يملكها المستأجر
بالإجارة ، وإن كان لبعض أنواع هذه الإجارة أحكاماً خاصة، وهي كالتالي:
لا خلاف في لزوم معلومية منفعة الحيوان كغيره من شرائط المنفعة كما تقدم، إنّما الكلام في طرق معلوميتها بالنسبة لسائر أنواع المنافع كالركوب والحمل والحرث وغيرها.
والمستفاد من كلمات الفقهاء أنّ المدار في ذلك على نفي
الغرر والجهالة
عرفاً وعادة في زمان الاستئجار بحيث تصير المنافع معلومة عند المتعاقدين، ومن هنا فانّه يجوز الاستئجار حتى مع عدم تعيين المنفعة لو كانت هناك عادة مضبوطة؛ لاختلاف ملاكات المعلومية وطرقها باختلاف الأزمنة والأمكنة أحياناً.
هذه هي القاعدة الكلّية في معلومية المنفعة، إلّا أنّهم اختلفوا في تطبيقها وحدودها، فإنّ أهم ما ذكروه
في هذا المجال هو أنّ إجارة الحيوان تارة تقع على عين الدابة- كما لو استأجر فرساً للحمل أو الركوب مثلًا- فانّه لا بد من تقدير المنفعة بالزمان أو العمل حيث يلزم في كلٍّ منهما تعيين كلّ ما له دخل في معلومية المنفعة ورفع الغرر
والجهالة كتعيين الدابة بالمشاهدة أو الوصف،
وتعيين نوع ما يحمل عليها وكونه آدمياً
أو متاعاً وزاداً، وكذا تعيين كيفية السير وسائر لوازم الحمل والركوب. كما يجب تعيين الأرض خصوصاً إذا قدّره بالعمل، وكذا إذا قدّره بالزمان كما هو صريح
الشيخ والعلّامة
وغيرهما. خلافاً
للشهيد الثاني حيث قال:
«لو قدّره بالمدة لم يعتبر معرفة الأرض».
واخرى تقع الإجارة على العمل بأن يستأجره لنفس الإيصال أو حمل المتاع إلى مكان معيّن أو لحرث جريب معلوم، فإنّه لا بد من تعيين العمل من جميع الحيثيات التي تختلف الأغراض باختلافها ليرتفع الغرر والجهالة.
صرّح
العلّامة بحرمة إجارة الحيوان لما يكون فيه ضرراً كثيراً عليه سواء أطلق في العقد أو صرّح به، كما لو قال: آجرتك لتركب أو تحمل عليه ما شئت، بينما يجوز ذلك في إجارة الأرض؛ لأنّ
الاضرار بالحيوان وإيذائه حرام في نفسه. هذا بالنسبة
للحكم التكليفي .
وأمّا
الحكم الوضعي فالقول بالبطلان مبني على شرطية
إباحة المنفعة شرعاً في صحة الإجارة أو على تحقق الغرر، والجهالة إذا كانت الإجارة على العمل الكثير المضرّ بالحيوان مجهولًا.
قال العلّامة: «لو قال: آجرتكها لتحمل عليها ما شئت فالأقوى
البطلان ؛ لأنّ ذلك لا يمكن
الوفاء به، ويدخل فيه ما يقتل البهيمة. ولو قال: آجرتكها لتحمل عليها طاقتها لم يجز أيضاً؛ لأنّ ذلك لا ضابط له».
وقال
السيد العاملي أيضاً: «لا يجوز إجارة الدابة لأكثر الركاب ضرراً؛ لأنّ للحيوان حرمة في نفسه، فلا يجوز إطلاق ذلك فيه؛ ولما في ذلك من الغرر».
تجب
نفقة الدابة على المالك مدة الإجارة كسقيها وعلفها؛ لأصالة عدم وجوب ذلك على غيره، وعدم دخول النفقة في متعلّق الإجارة لتجب على المستأجر، إلّا إذا اشترط المالك ذلك أو كانت هناك عادة منضبطة يرجع إليها، وهي قد تختلف باختلاف الموارد والأعراف وأنحاء الإجارة.
ثمّ إنّه إذا كان المالك للحيوان غائباً وتعذّر
استئذانه في الإنفاق عليها استأذن الحاكم فيه، ورجع على المالك بما أنفقه وإن تعذّر الإذن من الحاكم أشهد عليه، وإن لم يمكن ذلك أيضاً أنفق عليها مع قصد الرجوع، ويقدّم قوله في تعيين قدرها.ثمّ إنّه لو أهمل في
الإنفاق فتلفت ضمن تلفها ونقصها؛ لاستناد ذلك إلى تقصيره في حفظ الأمانة، إلّا أن يكون المالك قد نهى عن الإنفاق.
هذا هو مذهب أكثر فقهائنا
عدا ظاهر المحقق والعلّامة
حيث صرّحا بوجوب النفقة على المستأجر، ويمكن حمل كلاميهما على صورة عدم حضور المالك، قال الأوّل: «يجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها، ولو أهمل ضمن».
نعم، لو شرط المالك كون النفقة على المستأجر صحّ إذا كانت معيّنة بحسب العادة، أو عيّناها معاً على وجه يرتفع به الغرر.
تقدم شطر من الكلام عنه في بحث الأحكام التبعية للإجارة ونتعرض هنا إلى ما انصب كلام الفقهاء حوله من بحث إبدال الزاد لو تلف أو سرق، وخلاصة الكلام فيه أنّه إذا اشترط المالك حمل شيء وقدّره اتبع الشرط في ذلك بلا إشكال، وكذا إن اشترط إبداله كلّما تلف أو فنى أو شرط عدم
الإبدال .
وأمّا إذا لم يشترط شيئاً- بأن أطلق العقد فتلف المحمول- جاز له إبداله بمثله كما صرح بذلك الفقهاء،
بل ادعى العلّامة
عدم الخلاف فيه.
نعم إذا اشترط حمل شيء يفنى عادة- كالزاد- فإنّه حينئذٍ لا يجوز الإبدال- لو فنى بالأكل المتعارف- كما صرّح به الفقهاء
عدا الشيخ
حيث جوّزه هنا أيضاً.
وليس هذا من باب التعبّد بل من جهة ما يستفاد أو يقتضيه إطلاق الإجارة في هذه الموارد من اشتراط الخصوصية أو عدمه.
انظر
الأحكام التبعية للإجارة .
انظر
الأحكام التبعية للإجارة .
انظر
الأحكام التبعية للإجارة .
ذهب الفقهاء إلى جواز إجارة الفحل للضراب،
بل يمكن دعوى
الإجماع عليه مضافاً إلى
السيرة ،
وصرّح المحقق وغيره
بالجواز على
كراهة .
قال العلّامة: «تكره إجارته وليس محرّماً عند علمائنا؛ لأنّه انتفاع
مباح ، والحاجة تدعو إليه، فجاز كإجارة الظئر
للارضاع ، ولأنّها تستباح
بالاعارة فتستباح بالإجارة كسائر المنافع، والنهي نهى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عسيب الفحل» للكراهة والقصد، وإن كانت هو الماء لكن سوّغنا ذلك للضرورة وادعاء الحاجة، ولا بأس أن يأخذ صاحب الفحل
هدية أو كرامة على ذلك، وليس مكروهاً إجماعاً».
وكيف كان، لم يخالف في ذلك أحد من الفقهاء عدا القاضي حيث احتاط في عدم الجواز.
ثمّ إنّ الكلام في ذلك يقع في جهتين:
الجهة الاولى: أنّ الإجارة إنّما شرّعت لنقل المنافع مع بقاء العين، ولذا وقع الإشكال في إجارة الفحل للضراب؛ لأنّ المني عين تالفة، وقد تقدم للأعلام محاولات في مطابقتها مع القواعد.
الجهة الثانية: معلوميّة هذه المنفعة، فانّه لا بد من تعيينها وتقديرها بالمرة أو المرتين كما ذكر ذلك العلّامة حيث قال «ينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدّره بالمرة أو المرتين أو المرات المعيّنة لا بالمدة...
ويتعذّر انضباط مقدار العمل فيتعيّن التقدير بالفعل إلّا أن يكتري فحلًا لإطراق ماشية كثيرة كفحل تركه في إبله فإنّ منفعته هذه تتقدر بالزمان المعيّن لا بعدد المرات».
وقال
السيد اليزدي أيضاً: «ويعيّن بالمرة والمرتين»،
ووافقه عليه جماعة من الفقهاء عدا
السيد الحكيم حيث قال في موضع: «هذا في غير ضراب الماشية فانّه يتقدّر بالزمان».
هل يجوز استئجار الشاة لإرضاع سخلة أو صبي من لبنها أو استئجارها للحلب أو الانتفاع بصوفها ونتاجها؟
اختلف الفقهاء
في جواز ذلك لكون اللبن والصوف من الأعيان التالفة التي لا يجوز وقوعها مورداً للإجارة، وتفصيل الكلام عن ذلك في محله.
يجوز إجارة الكلب للصيد وحراسة الماشية والزرع؛ لما له من منافع محلّلة ومتقوّمة بالمالية، ولصحة بيع هذه الكلاب، وأنّ ما يصح بيعه تصح إجارته، وبذلك صرّح الشيخ ومن تأخّر عنه.
إذا اشترط في عقد الإجارة شيئاً أو كان هناك عرف أو عادة جارية وجب العمل على مقتضى ذلك. ولو أطلق العقد ولم يكن عرف وعادة يرجع اليهما وكان ذلك من لوازم تسليم المنفعة دخل في متعلّق الإجارة ووجب على المؤجر الوفاء به، وإن كان من باب التسهيل في استيفاء المستأجر فلا يجب عليه. وحينئذٍ فإن وقعت
الإجارة على الدابة وكانت المنفعة معيّنة- كما لو استأجر الفرس للركوب أو البقرة للحرث فكلّ ما يتوقّف عليه استيفاء تلك المنفعة فهو على المؤجر. والمرجع في تعيين ما يتوقّف عليه الاستيفاء هو العرف والعادة.
وإن وقعت على الدابة بلا تعيين نوع المنفعة- على فرض تسليم صحة ذلك- فلا تدخل معها الآلات؛ لأنّ تسليم المنفعة هنا يتحقق بتسليم عين الدابة.
وإن وقعت الإجارة على نفس العمل مع ذكر نوع الدابة أو بدونه فتدخل حينئذٍ الآلات؛ لأنّ ذلك من لوازم تسليم تلك المنفعة.
•
إجارة الأعيان، تجوز
إجارة كلّ ما يمكن
الانتفاع به مع بقاء عينه، ويملك المستأجر بالإجارة تلك المنفعة، ولا يشترط أكثر من تملك المنفعة وإن لم تكن الرقبة قابلة للتمليك
والبيع كما في العين
الموقوفة أو
المصحف الشريف عند من لا يجيز بيعه.
ولا بد من تعيين نوع المنفعة وتحديد مدتها ومشاهدة العين وأوصافها إلى غير ذلك من الشروط العامة في الإجارة.
وقد تعرّض الفقهاء لبعض أنواع إجارة الأعيان لأهميتها ولما لها من أحكام خاصة نتعرّض لها تفصيلًا.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۲۷۸-۳۶۷.