أولياء العقد في النكاح الفضولي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
النكاح الفضولي صحيح، ولكن يقف على
الإجازة من وليّ العقد في الحرّ والعبد ولو زوّجهما غير الأبوين وقف على إجازتهما فلو ماتا أو مات أحدهما بطل العقد مطلقاً، أجاز الثاني أم لا. ولو بلغ أحدهما فأجاز ثم مات، عزل من تركته نصيب الباقي فإذا بلغ ولم يجز بطل العقد، و إنْ أجاز أُحلف أنّه لم يجز للرغبة في
استيراث التركة وأُعطي نصيبه لا ولاية للأُمّ وأبيها على الولد مطلقاً فلو زوّجت الولد فأجاز صحّ ولو أنكر بطل.
(
النكاح ) الفضولي صحيح، ولكن (يقف على
الإجازة ) من وليّ العقد، فإن أجاز لزم، وإلاّ بطل على الأظهر الأشهر، بل عليه
الإجماع عن المرتضى مطلقاً
(في الحرّ والعبد) وعن الحلّي في الأول خاصة،
وعن الخلاف في الثاني كذلك.
للنصوص المستفيضة، التي كادت تكون متواترة، يقف عليها المتتبّع لأخبار النكاح في غير مسألة.
منها : النبويّ المتقدّم في البكر التي زوّجها أبوها فأتته صلي الله عليه وآله وسلم تستعدي ـ : «أجيزي ما صنع أبوك».
والصحيح المتقدّم أيضاً في تزويج غير
الأبوين الصغيرين، المصرّح بالصحّة والوقوف على الإجازة.
ونحوه الخبر المتقدّم في أول الفصل في تزويج
الامّ ولدها.
والحسن : عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال : «ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه، وإن شاء فرّق بينهما»، قال : فقلت : أصلحك الله، إنّ الحكم ابن عيينة و
إبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل
النكاح فاسد، فلا تحلّ إجازة السيّد له، فقال عليه السلام: «إنّه لم يعص الله تعالى، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز».
والخبر المرويّ بعدّة طرق فيها الصحيح، وفيه : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال : إنّي كنت مملوكاً لقوم، وإنّي تزوّجت
امرأة حرّة بغير إذن مولاي، ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟ فقال له : «أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟» فقال : نعم وسكتوا عنّي ولم يعيّروا عليّ، فقال : «سكوتهم عنك بعد علمهم إقرارهم، اثبت على نكاحك الأول».
ومن هذه الأخبار وإن اختصّ مواردها بالنكاح يستفاد جواز الفضولي في سائر العقود بفحوى الخطاب؛ للاتّفاق فتوًى وروايةً على شدّة
أمر النكاح، وعدم جواز المسامحة فيه بما ربما يتسامح في غيره، فإذا جاز الفضولي في مثله جاز في غيره بطريق أولى، كما لا يخفى على أولي البصيرة والنهى.
خلافاً لأحد قولي الشيخ في الخلاف و
المبسوط ، فأفسد الفضولي هنا من أصله،
ولفخر الدين، فأطلق الفساد.
للأصل، وتوقيفيّة العقود الناقلة، فلا تصحّ إلاّ بدليل، والأخبار الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الوليّ أو المولى : منها : الأخبار العاميّة النافية للولاية عن البكر البالغة، المرويّة عن أبي هريرة وعائشة.
ومنها : الرواية الخاصّية الحاكمة بفساد تزويج
الأمة بدون إذن سيّدها.
وفي الجميع نظر؛ لتخصيص
الأصل بما تقدّم، ومعه لا يصلح دعوى عدم الدليل.
والأخبار العاميّة المناقشة فيها واضحة؛ حيث إنّ راويها عائشة وأبو هريرة، اللذان هما أكذب البريّة؛ مع أنّه أنكرها المحقّقون من العامّة، كما في المسالك و
التذكرة .
والخاصّية مع ضعفها سنداً غير صريحة الدلالة، فيحتمل أنّ الفساد بدوام عدم
الإذن الغير المنافي ذلك للصحّة مع الإذن في الجملة، ومع ذلك غير صالحة هي كما تقدّمها من الأدلّة للمعارضة لما مرّ من الأدلّة بالمرّة من وجوهٍ عديدة. ودعوى الشيخ
الإجماع على الفساد في الخلاف موهونة بمصير معظم الأصحاب بل عداه كافّة ، سوى فخر الدين إلى المخالفة له في المسألة.
(ولو زوّجهما غير الأبوين) مطلقاً، كان فضوليّاً، و (وقف على إجازتهما) بعد
الإدراك . (فلو ماتا أو مات أحدهما) قبل الإجازة (بطل العقد) مطلقاً، أجاز الثاني أم لا. (ولو بلغ أحدهما فأجاز) لزم العقد من جهته من
تحريم المصاهرة، فيحرم عليه إن كان زوجاً ـ :
الأُخت ، والخامسة، وكلّ من الامّ والبنت، إلاّ إذا فسخت، فلا
حرمة ، على إشكال في الأُمّ، من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد، أو رافع له من حينه، والأصحّ : الأوّل؛ فإنّ
الإجازة إمّا جزء أو شرط، وأيّهما كان فلا يصحّ النكاح بدونها. مضافاً إلى عدم تبادر هذه الصورة ممّا دلّ على حرمة الأُمّ بمجرّد العقد على البنت. وإنْ كان زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره مطلقاً، إلاّ إذا فسخ. وهل لها حينئذٍ نكاح أبيه أو ابنه؟ فيه الوجهان في
إباحة الامّ بالفسخ.
كلّ هذا إذا كان المجيز حيّاً. وأمّا إن أجاز (ثم مات، عزل من تركته نصيب) الآخر (الباقي) إلى أن يبلغ، (فإذا بلغ) ولم يجز بطل العقد، (و) إنْ (أجاز أُحلف أنّه لم يجز للرغبة) في
استيراث التركة (وأُعطي نصيبه) منها. واعتبر الحلف رفعاً للتهمة في أكثر موارد المسألة، وأمّا الباقي المنتفية فيه ككون الباقي الزوج، والمهر بقدر
الميراث أو أزيد فالأجود وفاقاً للروضة
عدم الحلف إن لم يتعلّق غرض بإثبات
أعيان التركة بحيث يترجّح على ما ثبت عليه من الدين، أو يخاف امتناعه من أدائه، أو هربه، ونحو ذلك ممّا يوجب التهمة.
ومع ذلك فالموجود في الرواية : موت الزوج وإجازة الزوجة خاصّة، وأنّها تحلف بالله تعالى ما دعاها إلى أخذ
التركة سوى الرضاء بالتزويج. فهي لما ذكرنا غير منافية، ولكن فتوى الأصحاب مطلقة في
إثبات الحلف لأخذ التركة، فإن كان إجماع، وإلاّ فالمسألة محلّ مناقشة.
والمستند في هذا التفصيل : صحيحة أبي عبيدة، قال : سألت
أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين، فقال : «
النكاح جائز، وأيّهما أدرك كان على الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا» قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت : فإن كان الرجل أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح، ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أترثه؟ قال : «نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال : «يجوز عليها تزويج
الأب ، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية».
والمراد بالوليّين في الصدر بقرينة الذيل من عدا الأبوين، كالوصيّ الوليّ في المال، ونحوه. ويستفاد منه بفحوى الخطاب حكم ما لو زوّج أحدَ الصغيرين الوليّ، أو كان أحدهما بالغاً رشيداً وزوّج الآخر الفضولي، فمات الأوّل، فإنّه يعزل للثاني نصيبه، ويحلف بعد بلوغه كذلك، وإن مات بطل
العقد ؛ للزوم العقد هنا من الطرف الآخر، فهو أقرب إلى الثبوت ممّا هو جائز من الطرفين كما في الصغيرين وفاقاً للقواعد والمسالك والروضة
وغيرهم.
نعم، لو كانا كبيرين وزوّجهما الفضولي، ففي تعدية الحكم إليهما إشكال : من مساواته للمنصوص في كونه فضوليّاً من الجانبين، ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك. ومن ثبوت الحكم في الصغيرين على خلاف
الأصل ، من حيث توقّف الإرث على الحلف، وظهور
التهمة في الإجازة، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر. وهو أوجه، وفاقاً للقواعد
وجماعة.
و
الأولويّة المدّعاة لتصحيح الأول للفقير غير مفهومة.
وفي ثبوت المهر على الزوج إذا كان هو الباقي خاصّة بمجرّد الإجازة من دون الحلف، وجهان : من أنّه حقّ مترتّب على ثبوت النكاح، ولم يثبت بدونهما. ومن أنّ الإجازة كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به، كالمهر؛ وإنّما يتوقّف
الإرث على اليمين لقيام التهمة وعود النفع إليه محضاً، فيثبت ما يعود عليه دون ماله، ولا بُعدَ في تبعّض الحكم وإن تنافي الأصلان الموجبان لهذين الحكمين أي الزوجيّة وعدمها وله نظائر كثيرة في الشريعة، منها : ما لو اختلفا في تحقّق النكاح، فإنّ مدّعيه يحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر، ولا يثبت النكاح ظاهراً، و
إطلاق النصّ بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.
وهذا هو الأقوى، وعليه ففي إرثه منه إشكال : من توقّف الإرث على اليمين، ومن أنّ
الإقرار لا يوجب المؤاخذة إلاّ بنصف المهر، فإنّ غاية ما يلزم : تحقّق الزوجيّة في طرفه، وهو لا يستلزم إلاّ ثبوت نصف المهر، ولا دليل على الزائد. وهذا أوجه، وفاقاً لفخر الإسلام
وجماعة.
ثم إن مات الباقي بعد الإجازة وقبل اليمين، ففي استحقاقه التركة إشكال : من تمام الزوجيّة، ومن توقّف الإرث على اليمين. وهو الوجه، وفاقاً لفخر الإسلام؛
لمنع تمام الزوجيّة، فإنّه بالإجازة الخالية عن التهمة. وأمّا لو جنّ قبل الأمرين أو أحدهما، عزل نصيبه من العين إن أمكن، وإلاّ فمن المثل أو القيمة إلى
الإفاقة مطلقاً، أو مع عدم خوف الضرر على الوارث أو المال، فيدفع إليه معه ، ويضمن للمجنون إن أفاق وأجاز وحلف؛ لعدم معلوميّة استحقاقه الآن، والأصل عدمه؛ مضافاً إلى
انتفاء الضرر و
الإضرار في الشريعة.
(لا ولاية للأُمّ) وأبيها على الولد مطلقاً (فلو زوّجت الولد فأجاز صحّ) مطلقاً، ذكراً كان أو أُنثى، وقع التزويج في الصغر أو الكبر؛ لكونه فضوليّاً، فيشمله عموم أدلّته. (ولو أنكر بطل) العقد مطلقاً إجماعاً، وتبعه
المهر كذلك فيما لو كان المعقود عليه فضولاً أُنثى، وعلى الأشهر الأظهر فيما عداه أيضاً. (وقيل) وهو الشيخ في النهاية : (يلزمها) أي
الأُمّ (المهر) للمعقود عليها تماماً.
للخبر : عن رجل زوّجته امّه وهو غائب، قال : «النكاح جائز، إن شاء المتزوّج قبل، وإن شاء ترك، فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأُمّه».
وليس فيه مع ضعفه كما ترى دلالة عليه، بل يدلّ على خلافه؛ للتصريح فيه بأنّ المهر لازم لُامّه، وهو غير لزومه عليها، فالمعنى حينئذٍ : أنّه لا مهر عليها، بل لها استعادته مع الدفع، و
الامتناع منه مع عدمه، فعلى أيّ تقديرٍ هو لها لا عليها. ويفهم منه عدم لزومه لها مع الإجازة، بل عليها؛ ولعلّه لبذلها إيّاه لها من نفسها، فتكون كمن ضمنه عن الزوج لها.
ولا يحتاج حينئذٍ إلى حمله على
ادّعاء الوكالة الموجب للمهر؛ لتضمّنه التغرير الموجب للضمان، مع عدم
إشعار الخبر به. مضافاً إلى التأمّل في صحّته، بناءً على أنّ البضع إنّما يضمن بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقاً، والعقد الموجب له لم يثبت فلم يثبت موجَبُه، وعلى تقدير ضمانه مطلقاً فالمثل لا المسمّى المتوقّف على صحّة العقد، وضرر الغرر يندفع بالأول، إلاّ أن يحمل المهر في العبارة عليه، وفيه تكلّف. وقيل بلزوم المهر مع دعوى
الوكالة منتصفاً؛ لوقوع الفرقة قبل الدخول.
وفيه : منع استلزامها التنصيف مطلقاً، بل الأصل يقتضي لزومه كَملاً، إلاّ في
الطلاق أو الموت على
الاختلاف فيه، فينتصف فيهما، ولم يقعا، فلا وجه للقول بالانتصاف هنا، بل اللازم الجميع، كما هو ظاهر المتن والشرائع والقواعد،
وهو الأقوى على تقدير صحّة دعوى أنّ ادّعاء الوكالة بمجرّده يوجب المهر، وإلاّ فالبحث فيه ساقط من أصله كما ترى. وظاهر كلام المصنّف ـ : (ويمكن حمله على دعوى) الامّ (الوكالة) إرجاع الحمل إلى القول، ولا ضرورة إليه، بل قد لا يمكن، مع تصريح القائل بخلافه. ولعلّ المراد : حمل المستند أي الرواية وإن لم تساعده العبارة.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۱۰۳- ۱۰۶.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۱۱۱- ۱۱۵.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۱۲۰- ۱۲۱.