الإنشاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الخلق و
الإيجاد و
الإحداث و
الإبداع و وفي
الاصطلاح هو صفة للكلام .
الإنشاء: بمعنى
الابتداء و
الارتفاع و
الإيجاد و
الإبداع ، يقال: أنشأ السحاب يمطر، أي بدأ. وأنشأ يحكي حديثاً، أي جعل. وأنشأ يقول، أي ابتدأ فلان ينشئ الأحاديث، أي يضعها، ومن أين أنشأت، أي خرجت. وقوله تعالى: «أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَعرُوشَاتٍ»،
أي ابتدعها وابتدأ خلقها.
والجامع بين هذه المعاني هو أنّ الإنشاء يفيد
الإحداث ، سواء كان إحداثاً معنوياً أو مادّياً.
وفي
الاصطلاح : هو صفة للكلام حيث قالوا: بأنّ
لكلّ كلام نسبة تامّة بين أجزائه.
وهذه النسبة تارةً لها واقعية خارجية تامّة، فأنت بكلامك تحكي تلك النسبة، فالحكاية عنها تسمّى بالإخبار أو الخبر.
واخرى لا يكون لها واقعية خارجية تامة يحكي الكلام عنها، وتسمّى الإنشاء.
وهو عبارة عن
إفادة معنى آخر لم يكن أصلًا قبله،
فيكون بمعنى الابتداء والإبداع الذي هو من معاني الإنشاء.
وهي القصد، وهو ممّا يعتبر في الإنشاء.
قال
الجرجاني : «
الإرادة : صفة توجب للحي حالًا يقع منه الفعل على وجه دون وجه. وفي الحقيقة هي ما لا يتعلّق دائماً إلّا بالمعدوم، فإنّها صفة تخصّص أمراً ما لحصوله ووجوده».
فالإرادة تكون من مقدّمات الإنشاء.
الإنشاء بمعناه اللغوي والاصطلاحي وقع موضوعاً لعدّة من الأحكام الشرعية نذكّر في المقام جملة منها، وهي كما يلي:
أ- اتّفق
الفقهاء على عدم جواز إنشاء السفر بعد زوال الشمس من يوم الجمعة لمن توفّرت فيه شرائط وجوب
صلاة الجمعة حتى يصلّي الجمعة.
ب- صرّح الفقهاء بكراهة إنشاء السفر في
شهر رمضان ، واستثنى البعض ما كان بعد مضيّ ثلاثة وعشرين يوماً منه.
أ- من أنشأ
الإحرام قبل بلوغه ثمّ أدرك أحد الموقفين (الوقوف
بعرفات أو
بالمشعر الحرام ) بالغاً أجزأه حجّه؛ لأنّه زمان يصحّ إنشاء الحجّ فيه.
ب- من يعرف من حاله أنّه يتمكّن من الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس، فعندنا يصحّ له إنشاء الإحرام ويدرك الحجّ.
ج- يصحّ للعبد أن ينشئ إحراماً لو كان قبل أحد الموقفين، ولو أحرم
بإذن سيّده ثمّ اعتق قبل أحد الموقفين صحّ حجّه.
د- يحرم إنشاء الإحرام قبل
إكمال أفعال الإحرام الأوّل.
إنشاء الشعر و
إنشاده و
الاستماع إليه مباح، إلّاأن يكون هجاءً لمؤمن أو تشبيباً بامرأة معيّنة، إلّاأنّ في بعض النصوص ما يدلّ على كراهته، كقوله تعالى: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ».
وما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً».
واختاره بعض الفقهاء،
كما يكره في بعض المواضع كالمساجد،
وحال الطواف،
ويوم الجمعة،
وللصائم في شهر رمضان،
كما دلّت على ذلك بعض الروايات وصرّح به الفقهاء. والحكم في أغلب عباراتهم منصبّ على إنشاده إلّافي
جامع الشرائع حيث حكم بكراهة إنشاء الشعر في الطواف، لكن يمكن
استفادة عموم الحكم للإنشاء من سبب الكراهة في تلك المواضع والحالات وهو
الانشغال عن الذكر والعبادة المطلوبة فيها كما صرّح به الفقهاء. وتفصيل ذلك في محالّه خصوصاً مصطلح (إنشاد، شعر).
قسّم الفقهاء وظائف العامل وصاحب
الأصل في باب
المساقاة ، فجعلوا إنشاء النهر و
المنجنون ( الدولاب التي يستقى عليها. )
على صاحب الأصل، فقالوا: يجب على المالك إنشاء الأنهار والدلاء والثور؛ لأنّ هذه اصول أموال فلا تجب على العامل.
لا يجوز للإمام أن يقرّ
أهل الذمّة على إنشاء
بيعة أو
كنيسة .
وتفصيل ذلك في (أهل الذمّة).
اختلف الفقهاء في جواز قصد معاني الآيات حين قراءتها في الصلاة وعدمه، ومنشأ الخلاف هو
إمكان الجمع وعدمه بين قصد المعنى وقصد اللفظ في
استعمال واحد، حيث إنّ القراءة المأمور بها في الصلاة هي من استعمال اللفظ في اللفظ، وقصد المعنى هو إنشاؤه واستعمال اللفظ في المعنى.
من هنا ذهب من قال بعدم إمكان الجمع إلى عدم جوازه كما هو منسوب إلى
الشيخ الطوسي ،
وصرّح به بعض معلّقي العروة؛
استناداً إلى
استحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى- كما هو المشهور- وقصد المعنى بالقراءة من هذا الباب؛ لأنّ قراءة القرآن هي قصد الحكاية عن اللفظ الذي نزل به الوحي، فإذا قصد بها الخطاب أو الدعاء أو نحو ذلك فقد قصد استعمال اللفظ في المعنى المخبر به، فاجتمع القصدان في استعمال واحد، وهو ممتنع عقلًا.
ومن قال بالإمكان-
كالسيّد اليزدي والحكيم والخوئي وغيرهم
- ذهب هنا إلى الجواز؛ وذلك لأنّ المانع منه تخيّل استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وهذا- مضافاً إلى عدم استحالته كما حقّق في علم الاصول- لا يلزم منه الاستعمال في أكثر من معنى؛ إذ القارئ يستعمل لفظه في اللفظ الجزئي الخاص ويحكي عنه حكاية استعمالية، لكنّه يجعله عبرةً إلى معناه يقصد بذلك
الإخبار عنه أو إنشاءه- كما في باب الكنايات- فإنّ معنى المكنّى عنه مقصود للمتكلّم ويخبر عنه، وليس ممّا استعمل اللفظ فيه، وإنّما استعمله في المعنى المكنّى به والذي لم يقصد الإخبار عنه.
وكذا في باب الحكم الوارد على المفهوم العام الذي لوحظ عبرةً ومرآةً للأفراد، فإنّ المقصود هو الحكم على تلك الحصص المتكثّرة، مع أنّ اللفظ غير مستعمل فيها وإنّما استعمل في معناه، فإذاً قصد المعنى بالقراءة نظير المعاني الكفائية، ولا يلزم منه الاستعمال المذكور، فلا
امتناع من هذه الناحية.
المشهور لدى الفقهاء
انحصار الإنشاء بفعل الماضي، فلا يقع بالأمر ولا بالمضارع؛ لأنّ
الأمر استدعاء ، وقصد الإنشاء بالمستقبل خلاف المتعارف.
بينما يرى جماعة من الفقهاء- منهم
الإمام الخميني و
السيّد الخوئي - صحّة الإنشاء بالأمر أيضاً؛ وذلك لأنّ دلالة كلّ من الأفعال حتى الفعل الماضي على الإنشاء إنّما تكون بالقرائن الحالية أو المقالية؛ إذ الفعل الماضي ليس صريحاً في الإنشاء وإلّا لما جاز استعماله في الإخبار، مع أنّه كثيراً مّا يستعمل في الإخبار أيضاً؛ إذ إفادة الفعل الماضي للإنشاء إنّما تكون بالقرينة، ولا مانع من إفادة الأمر والمضارع للإنشاء بالقرينة أيضاً.
لم يتعرّض له الفقهاء بخصوصه، إلّاأنّه يمكن استفادة حكمه من مطويّات بحوثهم في الأبواب المختلفة كبحث الأمر والعقود و الإيقاعات ، والظاهر أنّه في كلّ مورد منها يتّبع دليله الخاص، فليس هناك عموم أو
إطلاق يستفاد منه حكم عام أو مطلق ينطبق على جميع الموارد. فالإنشاء بعد الإنشاء بمعنى الأمر بعد الأمر، فقد ذكره الاصوليّون وخرجوا بالنتيجة إلى أنّه تأكيد للأوّل. والإنشاء بعد الإنشاء في باب الطلاق، لا أثر له كما تعرّض له الفقهاء في التطليقات الثلاث في مجلس واحد.
وفي باب
الإقرار عقيب الإقرار- وهو وإن لم يكن من الإنشائيات- غير أنّه يشبه الإنشاء من هذه الحيثية- فقد أكّد الفقهاء هناك بأنّ الإقرارين ثابتان ويؤخذ بهما المقرّ.
هذا فيما إذا كان المنشأ الثاني نفس الأوّل، أمّا إذا كان غيره لكن مضاد للأوّل فهنا يكون ناسخاً للأوّل، كما إذا أوصى بوصيّة، ثمّ أوصى باخرى مضادّة للُاولى، فقد صرّح بعض الفقهاء-
كالمحقّق الحلّي - أنّه يعمل بالأخيرة وأكّده
المحقّق النجفي بقوله: «بلا خلاف ولا إشكال؛ لكونها ناسخة للُاولى ورجوعاً عنها عرفاً».
وقد يقع التعارض بين الإنشائين، كما لو أنشأ ملكية شيء واحد لشخصين بإنشائين مختلفين فيقع
التعارض أو
التزاحم بينهما.
لا إشكال في أنّ العقود والإيقاعات مثل البيع والطلاق من الامور الإنشائية التي لابدّ من تحقّقها بالإنشاء، وإلّا فلا تحقّق لها،
فالعقود كلّها إنشائيّات وكذا الإيقاعات،
وهل المعتبر فيها هو الإنشاء اللفظي فقط أو يكفي فيها مطلق الإنشاء ولو فعلياً كالتعاطي؟
ولو فرض
اعتبار الإنشاء القولي فهل يعتبر فيه أن يكون لفظاً مخصوصاً أو يكفي فيه كلّ ما أفاد مضمون ذلك العقد و
الإيقاع ولو كان بالكناية؟ كلّ ذلك فيه خلاف عند الفقهاء تطلب تفاصيلها في محالّها.
نعم، صرّحوا في بعض العقود والإيقاعات باعتبار لفظ خاصّ فلا يتحقّق إنشاؤه بكلّ لفظ مبرز لعنوان ذلك العقد والإيقاع فضلًا عن الإنشاء الفعلي، وذلك مثل: النكاح والطلاق.
وكما لا يتحقّق العقد والإيقاع إلّا بالإنشاء كذلك لا ينفذ قضاء الحاكم إلّا بإنشاء الحكم، فلو لم ينشأ الحكم- ولو بالكتابة أو
الإشارة ونحوهما- لا ينفذ ولا يتنفّذ على الآخرين؛
بمعنى أنّه ما دام لم يصل القضاء مرحلة الحكم و
الإلزام لم يكن عدم
إجرائه نقضاً للحكم ولا معاقباً عليه.
وفيه بحوث:
لا إشكال في أنّ الإنشاء عندهم عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ،
غير أنّهم اختلفوا في تفسير ذلك، فالمشهور
على أنّه إيجاد فرد حقيقي لما هو الاعتبار العقلائي للمعنى.
وذهب
الشيخ الآخوند إلى أنّه وجود إنشائي للمعنى.
ويتميّز تفسير الآخوند عن سابقه بأنّ التفسير السابق يحدّد الإنشاء في دائرة الاعتبارات العقلائية دون غيرها، فلا يشمل الصفات النفسانية- كالتمنّي والترجّي و
الاستفهام - فلا تكون من الإنشائيّات؛ إذ هذه الامور لا تدخل في حدود الاعتبارات العقلائية، بل هي صفات نفسانية وجودها تابع لأسبابها التكوينية، بينما في تفسير الآخوند لم يتحدّد الإنشاء في حدود الاعتباريّات العقلائية،
فهو شامل للصفات النفسانية أيضاً.
ويرى
الشيخ الأصفهاني أنّ الإنشاء هو كون اللفظ وجوداً عرضياً للمعنى، والمصحّح لكون اللفظ وجوداً عرضياً للمعنى هو العلقة الوضعية القائمة بين اللفظ والمعنى.
وعلى أساس هذا التفسير يكون اللفظ وجوداً مجازياً للمعنى، بخلاف التفسيرين السابقين حيث إنّ اللفظ وجود حقيقي للمعنى.
ولكن خالف السيّد الخوئي رأي المشهور، وذهب طبقاً لمسلكه المعروف في باب الوضع- من أنّ الوضع عبارة عن التعهّد و
الالتزام النفساني من المتكلّم- إلى أنّه متى ما قصد معنى خاصاً أن يتكلّم بلفظ مخصوص.
ومن الواضح أنّ التعهّد والالتزام إنّما يصحّ إذا كان متعلّقهما أمراً اختيارياً، وما ذهب إليه المشهور في الإخبار والإنشاء ليس أمراً اختيارياً يتعلّق به التعهّد والالتزام، فإذاً لا يصحّ تفسير الإنشاء والإخبار بما ذكره المشهور، بل الإخبار والإنشاء كلاهما عبارة عن
الإبراز ، غير أنّه في الإنشاء إبراز الأمر النفساني، وفي الإخبار إبراز قصد الحكاية عن ثبوت الشيء أو عدمه.
هذا، وتفصيل الكلام في محلّه من علم الاصول.
تكلّم الفقهاء والاصوليّون في هذا الموضوع في عدّة مواضع كالواجب المعلّق والمشروط وأبواب الوصيّة و
البيع الفضولي وغيرها.
والمعروف عندهم عدم إمكان الانفكاك بين الإنشاء والمنشأ؛ إذ هما كالإيجاد والوجود،
بل هما نفسه.
غير أنّ
المحقّق النائيني خالف المشهور في التشريعيات وذهب إلى إمكان
الانفكاك فيها باعتبار أنّ زمام الامور التشريعية بيد الشارع، فكما يمكنه إيجاد الوجود فعلًا يمكنه إيجاد الوجود على موضوعه فيما بعد أيضاً؛
وذلك لأنّ الإنشائيّات امور اعتبارية، ويكون زمام أمرها بيد المعتبر النافذ اعتباره، فله إيجادها بأيّ وجه شاء، فالذي بيده زمام الملكية له أن يوجدها بالفعل، وله أن يوجدها في المستقبل كما في الوصيّة.
وحيث إنّ الشرعيّات اعتباريّات، وهي خفيفة المؤنة، فتكون تابعة للاعتبار، والاعتبار أمره بيد المعتبر.
واورد عليه بأنّ البرهان القائم على امتناع التفكيك بين الإيجاد والوجود لا يختص بالامور التكوينية، بل يشترك فيه كلّ موجود في الوعاء المناسب له، تشريعياً كان أو تكوينياً.
فإذاً لا وجه
لاختصاص المنع بالتكوينيّات.
ويمكن
استظهار هذا الرأي من السيّد الإمام الخميني أيضاً، حيث قال: «وليس التمليك والتملّك الواقعيان من قبيل الإيجاد والوجود أو الكسر و
الانكسار ، بل
الإيجاب والقبول موضوع لاعتبار العقلاء».
ينقسم الإنشاء إلى خارجي وقلبي، والمقصود من الخارجي: ما كان إيجابه باللفظ أو الكتابة أو الإشارة أو تعاط من الطرفين أو طرف واحد.
والإنشاء الخارجي أيضاً ينقسم إلى قسمين، وهو الإنشاء اللفظي أو ما يقوم مقامه- كالإشارة- والفعلي: وهو
التعاطي .
والفرق بينهما هو أنّ المنشأ بالمعاطاة لم يكن لازماً ولا يترتّب عليه
أثر اللزوم؛ وذلك لعدم وجود المقتضي للزوم فيه، وهو العقد الواقع بين المتعاقدين، الدال بالدلالة الالتزامية على التزام كلّ منهما لصاحبه بالثبات.
نعم، قد يوجد فيه ما يقتضي لزومه كما في الرهن؛ فإنّ
الاستيثاق والتضمين للمرتهن بعدم ذهاب دينه وإن كان
استحصاله من العين المرهونة لا يحصل له مع جواز الفسخ ورجوع الراهن بالعين المرهونة.
وبالجملة، طبع
المعاطاة الجواز لا ينافي وجود جهة تقتضي اللزوم.
والمقصود من الإنشاء القلبي هو ما لو أنشأ التمليك- مثلًا- في قلبه. وقد يبدو من كلمات السيّد اليزدي أنّ هناك من ينكر الإنشاء القلبي باعتبار أنّه يرجع إلى الكلام النفسي، وهو غير معقول.
لكنّه علّق عليه بأنّ معقولية الإنشاء القلبي من الواضحات؛ إذ لا دخل له بالكلام النفسي أوّلًا، ولو فرض رجوعه إليه فلا إشكال فيه أيضاً؛ إذ لا نسلّم عدم معقولية الكلام النفسي بهذا المعنى، وإلّا فإنّ النيّة- بناءً على
الإخطار - كلام نفسي، وكذلك إنشاء الطلب في القلب وهكذا،
وهما معقولان بلا إشكال.
ثمّ إنّه تصدّى لبيان الفرق بين الإنشاء الخارجي والقلبي بأنّ الإنشاء القلبي لا يكون مظهراً لعناوين العقود والإيقاعات وإنّما يحصل به مجرّد التمليك، فلو أنشأ التمليك في قلبه وقبل المشتري كذلك فلا يكون بيعاً حقيقياً وإن حصل التمليك؛ إذ العرف لا يصدّق البيع إلّاإذا كان بالإنشاء الخارجي، بل يقول: الظاهر أنّ الأمر في جميع العقود والإيقاعات كذلك إلّا في مثل النذر والعهد، حيث حكي عن الشيخ تحقّقهما بمجرّد النية القلبية؛ لأنّها بينه وبين اللَّه، فلا حاجة فيهما إلى مظهر خارجي. هذا، ويمكن دعوى تحقّق
الإباحة أيضاً بإنشاء الرضا في النفس.
تعليق الإنشاء تارة يطلق ويراد به ما يقابل التنجيز الذي هو شرط صحّة العقود، فلا يصحّ العقد لو كان معلّقاً على أمر خارج عن
الاختيار أو لم يعلم تحقّقه.
واخرى يطلق ويراد به إمكان إنشاء المعلّق مقابل الإنشاء المنجّز، وهذا ما نبحثه في المقام فنقول: الإنشاء هو إيجاد المعنى باللفظ، والتعليق: هو
إناطة شيء بشيء آخر، فلو نسب التعليق إلى الإنشاء معناه: أنّك أوجدت الشيء، وأنّك علّقت وجوده، وهذا هو التناقض
أو الخلف.
ومن هنا أحالوا تعليق الإنشاء وقالوا: بأنّ الإنشاء- سواء كان اعتبارياً أو تكوينياً- يستحيل تعليقه، فكما لا يمكن تعليق وقوع الضرب على أحد على كونه عدوّاً بأن لا يكون الضرب الصادر منه ضرباً إذا لم يكن عدوّه، كذلك يستحيل كون إنشاء شيء أو إخباره معلّقاً على شيء فإنّ إيجاد المعنى المقصود إمّا حاصل رأساً، وإمّا لا يحصل، فوقوع الإيجاد معلّقاً مرجعه إلى التناقض.
بينما يرى بعض الفقهاء إمكان تعليق الإنشاء. وما توهّم من التناقض فهو خلط بين الامور التكوينية والامور الاعتبارية التشريعية؛ لأنّه لا مانع من إيجاد الملكية معلّقاً على حصول أمر في الخارج، وهذا ليس من التناقض؛ إذ التناقض يبتني على تحقّق الإيجاد وعدمه في زمان واحد، وهذا ممّا لا يلزم في الامور الاعتبارية؛ لأنّ المفروض أنّ المنشئ أنشأ الملكية معلّقة في مقابل عدم إنشائه أصلًا، وإنشائه منجّزاً، فالتناقض إنّما يلزم في المقام لو لزم عدم تحقّق الإنشاء المعلّق أو عدم تنجّزه بعد حصول ما علّق عليه، ولا يلزم شيء منهما في المقام.
ومرجع هذا الكلام أنّه هناك إيجادين، إيجاد تكويني واقعي والذي سمّي بلفظ (كُنْ)، وهذا يستحيل تعليقه، وإيجاد اعتباري والذي سمّي بالإنشاء، وهذا ممّا يمكن تعليقه، بل هو واقع بالفعل في الامور الاعتبارية.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۲۲۱-۲۳۰.