الادهان للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على المحرم في حال الإحرام
الاجتناب عن امور تسمّى بتروك
الإحرام ، منها
الادهان للمحرم وهو وضع الزيت على
البدن.
اتفق
الفقهاء على أنّه لا يجوز للمحرم
التدهين بالأدهان الطيّبة اختياراً بعد
الإحرام ، قال
العلّامة الحلّي : «أجمع علماؤنا على أنّه يحرم
الادّهان في حال الإحرام بالأدهان الطيّبة، كدهن الورد والبان والزيبق، وهو قول عامة
أهل العلم، ويجب به
الفدية إجماعاً»،
بل
الأكثر على حرمة ذلك قبل الإحرام إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام.
والظاهر من كلمات أكثرهم أنّ
استعمال الدهن الطيّب من باب استعمال الطيب المحرّم فيشمله ما دلّ على المنع عن الطيب ولو
استدامة .
نعم، يظهر من
المحقّق الحلّي ما يخالفه، حيث تأمّل في ثبوت الكفّارة في استعمال الدهن الطيّب مع جزمه- قبل ذلك- بثبوت
الكفارة في استعمال الطيّب،
فيعلم منه أنّ الادّهان بالدهن الطيّب ليس من استعمال الطيب
المتعارف .
والذي يدلّ
على تحريم الادّهان بالدهن الطيّب- مضافاً إلى ما دلّ على حرمة استعمال مطلق الطيب- عدّة من الروايات:
منها: صحيحة
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، وادهن بما شئت حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ»، وقريب منه خبر
علي بن أبي حمزة .
ثمّ إنّ الظاهر من كلماتهم وإن كان
تحريم الادّهان قبل الإحرام بالمطيّب الذي يبقى أثره بعد الإحرام مطلقاً، ولكن لا يخفى أنّ اللازم تقييده بما إذا وجب الإحرام وتضيّق وقته، وإلّا لم يكن الادّهان- بما هو- محرّماً قبل الإحرام وإن حرم
إنشاء الإحرام قبل زوال
أثره .
وتردّد
الشهيد الثاني في ذلك واحتمل تحريم الادّهان بالمطيّب قبل الإحرام بمجرّد قصد الإحرام، حيث قال: «والمراد ببعدية الإحرام هنا ما بعد نيّته قبل
الإحلال منه... ووجه تحريمه قبله أنّه
وسيلة إلى المحرّم، وهو المستدام منه بعد النيّة، والوسيلة إلى المحرّم محرمة، وإنّما يتحقّق التحريم مع وجوب الإحرام على الفور، أمّا لو لم يكن واجباً أو كان غير فوري ففي تحريم الطيب قبله نظر، من
إقامة العزم عليه مقام وجوبه الفوري؛ ولأنّ الإحرام يحرّم هذه الأشياء وإن كان مندوباً، ومن أنّ فعله لمّا لم يكن متعيّناً لم يكن منافياً للطيب المتقدّم».
ووافقه جمع من الفقهاء،
فالممنوع عندهم إحداث الادّهان حال الإحرام لا الإبقاء.
واستدلّ له- مضافاً إلى
الأصل ، وجواز الادّهان ما دام محلّاً، وإن وجبت
الإزالة فوراً بعد الإحرام
- بما يظهر من
إطلاق جملة من الأخبار
:
منها: خبر
هشام بن سالم عن
الإمام الصادق عليه السلام حيث سأله
ابن أبي يعفور عن الدهن بعد الغسل للإحرام: فقال: «قبل وبعد ومع، ليس به بأس».
ومنها: صحيحة
محمّد بن مسلم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام وبعده، وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى».
ولكن اجيب عنها: بأنّه على تقدير
تسليم إطلاق مثل هذه الأخبار لما بعد الإحرام لا بدّ من تقييدها بصحيحة الحلبي ونحوها.
هذا كلّه في الادّهان بالطيّب، وأمّا الادّهان بالدهن غير الطيّب فالمشهور بين الفقهاء
أنّه لا يجوز للمحرم الادّهان به بعد الإحرام أيضاً، بل يظهر من بعضهم
الإجماع عليه، قال
الشيخ الطوسي : «الدهن على ضربين: طيّب وغير طيّب، فالطيّب هو
البنفسج والورد والزنبق والخيري والنيلوفر والبان وما في معناها، لا خلاف أنّ فيه الفدية على أيّ وجه استعمله، والضرب الثاني ليس بطيّب، مثل:
الشيرج و
الزيت و
السليخ من
البان و
الزبد و
السمن لا يجوز عندنا الادّهان به على وجه، ويجوز أكله بلا خلاف».
واستدلّ لذلك باطلاق بعض الروايات:
منها: قول الإمام الصادق عليه السلام في خبر الحلبي المتقدّم: «فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ».
ومنها: قول الإمام الصادق عليه السلام في خبر معاوية: «لا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك».
والمراد من المسّ في الدهن الادّهان لا مطلق الاستعمال؛ لجوازه في نحو
الأكل إجماعاً.
ولكنّ الظاهر من بعض المتقدّمين جواز الادّهان بغير المطيّب بعد الإحرام، فقد قال
الشيخ المفيد : «لا يدهن بالطيّب الرائحة، ويدهن بالزيت والشيرج والسمن إذا شاء».
وحرّم
سلّار وكذا الشيخ الطوسي في الجمل و
ابن زهرة .
الأدهان الطيّبة، ولم يتعرّضوا لذكر غيرها.
واستدلّ لذلك- مضافاً إلى الأصل- بإطلاق بعض الروايات الدالّة على جواز الادّهان به بعد الغسل:
منها: خبر
الحسين بن أبي العلاء ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل؟ قال: «نعم، فادّهنّا عنده بسليخة بان، وذكر أنّ أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام، وأنّه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية، أو دهناً فيه
مسك أو
عنبر ».
ومنها: خبر هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام المتقدّم، فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «قبل وبعد ومع، ليس به بأس» بقاء الدهن عليه، وتساوي
الابتداء والاستدامة، ولكن قد يمنع
الأمران .
ويعضد منع الأوّل صحيح ابن مسلم المتقدّم،
حيث ورد فيه: كان يكره الدهن
الخاثر الذي يبقى، ويمنع عن الثاني بصحيح الحلبي المتقدّم لتصريحه بحرمة الدهن بعد الإحرام، فيقدّم على مثل خبر هشام على تقدير تسليم إطلاقه لما بعد الإحرام.
وقد يستدلّ
للكراهة بمثل صحيحة
معاوية بن عمّار : «إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر و
الورس و
الزعفران ، غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة إلّا المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به».
فإنّ
التعبير بالكراهة في لسان الروايات وإن لم يكن ظاهراً بنفسه في
الكراهة المصطلحة، إلّا أنّ التعبير بها في مقابل
الحرمة كما في الصحيحة يوجب ظهورها في الكراهة المصطلحة، وليس المراد بالأدهان الطيّبة ما اشتملت على الطيب المحرّم؛
لاستثناء صورة
الاضطرار إلى الزيت، مع أنّه لا يكون مشتملًا على الطيب بوجه.
وأمّا الادّهان بغير المطيّب قبل الإحرام فلا بأس به، بل عليه
الإجماع .
واستدلّ لذلك- مضافاً إلى الأصل- بما تقدّم من الأخبار، كصحيح الحلبي وخبر ابن حمزة وخبر هشام بن سالم.
ثمّ إنّه لا خلاف ولا
إشكال بين الفقهاء في جواز الادّهان بالدهن عند الاضطرار، بل عليه الإجماع،
وتدلّ عليه الأخبار:
منها: خبر محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: سألته عن محرم تشقّقت يداه، فقال: «يدهنهما بزيت أو بسمن أو
إهالة ».
ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمّل فليبطّه، وليداوه بسمن أو زيت».
ومنها: خبر
أبي الحسن الأحمسيّ ، قال: سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام
سعيد بن يسار عن المحرم تكون به
القرحة أو
الشرة أو الدمّل، فقال: «اجعل عليه بنفسج وأشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيّبة».
كما أنّ الثابت بالروايات المانعة في حق المحرم إنّما هو الادّهان وهو لا يشمل أكل الدهن أو
الطعام الدهني، وهذا واضح.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۸۹-۵۹۴.