الارتداد (من يتحقق منه الارتداد)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يعتبر في
الارتداد توفّر الشرائط العامّة للتكليف وهي:
البلوغ وكمال العقل
والاختيار ،
بل في
الجواهر : يمكن تحصيل
الإجماع عليه؛ مضافاً إلى معلوميّة اعتبارها في نحو ذلك.
وصرّح بعض آخر باعتبار القصد أيضاً،
كما هو ظاهر كلمات آخرين حيث ذكروا أنّه لا عبرة بما يصدر من الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه.
والمراد من اعتبار هذه الشروط اعتبارها شرعاً أو في ترتيب أحكام الارتداد، لا تحقّق الارتداد وصدقه كما يظهر من تعبيرهم.ولعلّه لهذا عدل بعض المتأخّرين- كالسادة الحكيم
والخميني والخوئي - إلى التعبير ب: يشترط في ترتيب الأثر على الارتداد البلوغ و....
بناءً على اعتبار البلوغ فلا عبرة بما يصدر من الصبي ممّا يقتضي الارتداد
وإن كان مراهقاً؛
لحديث رفع القلم عن الصبيّ
وحكم العقل بذلك،
وعلى هذا فلا يقام
الحدّ على الصبيّ لارتداده.نعم يؤدّب بما يرتدع به.
خلافاً
للشيخ في
الخلاف حيث حكم
بإسلام الصبي المراهق وارتداده، وأنّه يقتل إن لم يتب؛ مستدلّاً له بما ورد من
إقامة الحدود على الصبي البالغ عشراً، ونفوذ
وصيّته وعتقه .
واجيب عنه بأنّه لا يمكن التعويل على الخبر المذكور والعمل به؛ لشذوذه وعدم صراحته ومعارضته بما هو أقوى منه من وجوه،
كالأدلّة الدالّة على رفع القلم عن الصبي، والأدلّة الدالّة على اعتبار البلوغ في الكفر وترتّب أحكامه.
ويترتّب على اعتبار العقل في
إجراء أحكام الارتداد أنّه لا عبرة بردّة
المجنون حال جنونه مطلقاً، سواء كان مطبقاً أو أدواريّاً، من دون خلاف فيه.
ويدلّ عليه النقل والعقل
- كما تقدّم في الصبي- فلا يقتل المجنون الذي أتى بالردّة، بل ليس بمرتدّ واقعاً؛ لعدم تحقّق الارتداد منه وعدم صدقه عليه، فكما أنّ إسلامه لا يعتبر اسلاماً كذلك كفره لا يعتبر كفراً، وإنّما هو محكوم بحكم الإسلام ويعامل معه معاملة المسلم فيحكم بطهارة بدنه وحفظ نفسه ووجوب
غسله وتجهيزه
ودفنه بعد
موته .
وأمّا السكران إذا ارتدّ ففي إلحاقه بالمجنون أو الصاحي خلاف، فالأكثر على أنّه يلحق بالمجنون فلا عبرة بردّته؛
لفقد التمييز حالها الذي هو شرط في التكاليف عقلًا وشرعاً،
وأنّ الأصل أيضاً بقاء إسلامه إن كان مسلماً، وبقاء كفره إن كان كافراً؛
ولذا لا يحكم أيضاً بإسلامه حال السكر إذا كان كافراً.
وذهب الشيخ في
المبسوط إلى أنّ السكران متى ارتدّ أو أسلم حكم بارتداده وإسلامه؛ مدّعياً أنّ ذلك مقتضى المذهب، وأمّا عقوده الباقية فلا يصحّ، ولا طلاقه ولا عتاقه.
وقال في موضع آخر أيضاً: «وعندنا أنّ السكران يختلف حاله فيما له وفيما عليه، فأمّا طلاقه وعتقه وعقوده كلّها فلا يصحّ عندنا بحال، وأمّا إذا زنى أو لاط أو جنى أو قذف أو سرق فإنّه يتعلّق به جميع أحكامه كالصاحي».مستدلّاً له بأنّ الظواهر التي تتعلّق هذه الأحكام بها عامّة في السكران والصاحي، وإنّما أخرجنا بعضها بدليل.
ووافقه ابنا إدريس
وسعيد الحلّيان .
ويظهر من
المحقّق النجفي الميل إلى إلحاقه بالصاحي؛ لأنّ المراد من الحكم بارتداده جريان حكم المرتد عليه؛ لإطلاق ما دلّ على أنّه بحكم الصاحي ومنع اعتبار قصد
الإنكار والاستخفاف ، وأنّ ذلك لا ينقص عن إلزامه بالطلاق الواقع منه المصرّح به في كلام بعضهم.
وفصّل ثالث بالنسبة إلى أفعال السكران بين الأفعال التي لا يتوقّف صدق عنوان الفعل الذي هو الموضوع والمتعلّق للحكم على قصد الفعل
كالقتل والزنا ، فهنا يؤخذ السكران بالأفعال المذكورة ويترتّب على الفعل الصادر عنه حال سكره الحكم المترتّب عليه، وحديث رفع الخطأ لا يعمّ هذه الموارد؛ لتحريم
الشارع شرب المسكر، وهذا التحريم
إلزام على المكلّف بالتحفّظ على ما يصدر من فعل
الحرام حال سكره حتى ولو كان ارتكابه محتملًا.
وبين ما إذا كانت من الأفعال التي لا ينطبق عنوان الفعل على العمل إلّا بالقصد حال العمل- كعنوان
الشهادة والإنكار والإقرار
والطلاق والبيع وسائر العناوين الإنشائيّة- فالسكران بسكر موجب لفقد التمييز حال العمل يوجب عدم تحقّق ذلك العمل، ومن هذا القسم الإسلام والكفر.
ثمّ بناءً على القول بأنّ السكران كالصاحي فهل هو مختصّ بالسكران الآثم بسكره أو أنّه كذلك وإن لم يكن عن عصيان كما إذا شربه للتداوي عند
انحصار علاجه بذلك؟
قد يتوهّم من الإطلاق الثاني، إلّا أنّه استظهر بعضهم الأوّل، اقتصاراً على المتيقّن في مخالف القواعد، مع فقدان النصّ المقتضي عموم التنزيل المزبور.
تقدّم أنّ من جملة الشرائط المعتبرة في الحكم بالارتداد
الاختيار ، فلا عبرة بما يقع من المكره من فعل أو قول موجبين للارتداد حال الاختيار، فلو اكره على شيء من ذلك كان لغواً، ولا يحكم بارتداده، كما صرّح به الفقهاء،
بل في المبسوط نفي الخلاف عنه.
وتدلّ عليه الآيات والروايات:
فمن
الآيات قوله تعالى: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».
ومن
الروايات قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام:«قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن امّتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه...»
الحديث.بل ربّما استدلّ عليه بحكم العقل أيضاً كما في
مجمع الفائدة .
وعلى هذا فيجوز للمكره إظهار الأفعال الدالّة على الكفر والكلمات الصريحة فيه حتى البراءة. وأمّا ما ورد من النهي عن
البراءة في بعض الأخبار فيحمل على ضرب من التأويل أو يطرح؛ لمعارضته بالأقوى من وجوه، خصوصاً بعد قوله تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً»،
بل الظاهر وجوبه مع
الخوف على النفس أو الطرف. نعم، ينبغي له
التورية مع إمكانها،
بل ظاهر
الفاضل الاصفهاني وجوبها حينئذٍ.
ولا فرق في الحكم بين أن يكره على الارتداد في دار الإسلام أو دار الحرب إلّا أنّهم اختلفوا في
افتقاره إلى تجديد الإسلام لو اكره عليه في دار الحرب.
فظاهر
الشيخ الطوسي افتقاره إلى تجديد الإسلام ووجوب عرض الإسلام عليه.قال في المبسوط: «إن كان ذلك ( الإكراه على الارتداد) في دار الحرب وعاد إلى دار الإسلام يعرض عليه الإسلام؛ لأنّه لا يعلم
إكراهه على ذلك، فإن أتى حكم بأنّه كان مسلماً، وإن أبى حكم بردّته من حين قالها».
وظاهره وجوب العرض عليه مع حكمه بارتداده على تقدير
امتناعه من حين إكراهه.وذهب بعض آخر- ومنهم العلّامة والشهيد
- إلى عدم افتقاره إلى ذلك، ولا يجب عرض الإسلام عليه؛ لعدم تحقّق الارتداد منه كي يحتاج إلى تجديد الإسلام حيث انّ عبارة المكره كالعدم.
نعم، ذهب بعضهم إلى أنّه لو امتنع من تجديده حيث عرض عليه دلّ على اختياره في الردّة.
واستشكل فيه الفاضل الاصفهاني بعد اختياره له أوّلًا.
بينما ذهب آخرون إلى أنّه لو امتنع من تجديده لم يحكم بكفره أيضاً؛ لعدم الفرق بينه وبين المسلم بعد فرض لغويّة ما وقع منه من الارتداد.
دعوى الإكراه على الارتداد تارة تكون مع وجود
الأمارة على ذلك كالأسر لدى الكفّار، واخرى مع عدمها.
ففي الصورة الاولى ذهب الفقهاء إلى قبول قوله؛
مستدلّين عليه بترجيح حقن الدماء
واستصحاب الإسلام ودرء الحدّ بالشبهة.
بل ذكر بعضهم كفاية
احتمال الإكراه إذا لم يقم دليل على عدم الإكراه، كما إذا شهد اثنان على أصل صدور الكفر منه من دون أن يصرّحا بعدم الإكراه فادّعى الإكراه، قبل منه؛
لأنّ الحدود تدرأ بالشبهات، مضافاً إلى أنّ فيه جمعاً بين قوله وقول الشاهدين من دون تكذيب لهما.
لكن أجاب عن ذلك
السيد الخوئي بأنّ كبرى الحدود تدرأ بالشبهة لم تثبت وإنّما هي رواية مرسلة، مع أنّه لا شبهة في أمثال المقام؛ إذ المراد إن كان هو
الشبهة الواقعية فهي متحقّقة في أكثر موارد ثبوت الحد، وإن كان المراد الشبهة واقعاً وظاهراً فهي غير متحقّقة في المقام؛ لتحقّق ما يوجب الارتداد، والمانع- الذي هو الإكراه- مدفوع بالأصل.
وهي أن يدّعي الإكراه مع عدم وجود الأمارة والقرينة على ذلك، وصدور ما ظاهره الارتداد منه، أو قامت البيّنة على ارتداده- فالمعروف أنّه لا يقبل قوله حينئذٍ.
واستدلّ له بأنّ الظاهر أو البيّنة حجّة على ثبوت الأحكام وقد تحقّقت فوجب الأخذ بها.
ولتحقّق ما يوجب الارتداد، والمانع- وهو الإكراه- مدفوع بالأصل.
ولكن استظهر بعض
الاكتفاء بمجرّد قوله وادّعائه الإكراه وإن لم تكن أمارة عليه؛ مستدلّاً بأنّ ذلك شيء متعلّق به، وهو بنفسه يوجب الشبهة.
لا إشكال في اعتبار قصد الردّة فلا عبرة بما يقع من الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه من الأقوال والأفعال المقتضية للارتداد والكفر لو وقعت من غيرهم.
وكذا لا عبرة بما يقع من الغالط
والجاهل بالموضوع أو الحكم.
ومن ذلك أيضاً ما يصدر عند
الغضب بحيث لا يملك معه نفسه.
بل لو ادّعى عدم القصد إلى ما تلفّظ به وإنّما سبق به اللسان أو لغفلة عن معناه أو عن أدائه إلى ما يقتضي الكفر أو
السهو عن ذلك أو الحكاية عن الغير صدّق بلا يمين
إذا لم يعلم كذبه.
وكذا الحكم لو ادّعى شبهة أو تقيّة مع قبول احتمالهما عند العقلاء.
واستدلّ لذلك بالأصل- وهو الاستصحاب- والاحتياط والشبهة الموجبة لدرء الحدّ عنه.
وفي خصوص الغضب بما ورد عن
علي ابن عطيّة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: كنت عنده وسأله رجل: عن رجلٍ يجيء منه الشيء على جهة غضب يؤاخذه اللَّه به؟فقال: «اللَّه أكرم من أن يستغلق عبده».
وأمّا ما ورد من أنّ الغضب يفسد الإيمان
فمحمول على ما يقع منه مختاراً لأجل الغضب لا ما يشمل الفرض المزبور.
ثمّ إنّه ذكر
الشيخ جعفر كاشف الغطاء أنّه لو صدرت بعض كلمة الردّة حال الكمال وأتمّها حال النقص لم تكن ردّة، وفي العكس إشكال.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۳۷۳-۳۸۰.