الاستحالة (تطبيقاتها)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستحالة (توضيح) .
ذكر الفقهاء
تطبيقات للاستحالة، نشير إلى جملة منها:۱-استحالة
النطفة حيوانا، ۲-استحالة
الكلب أو الخنزير ملحا، ۳-استحالة
النجس أو
المتنجس إلى
الرماد أو
الدخان ، ۴-استحالة النجس أو المتنجس
بخارا ، ۵-استحالة
الخشب المتنجس فحما، ۶-استحالة
الطين المتنجّس خزفا أو آجرا.
من موارد الاستحالة تحوّل
النطفة إلى حيوان، فإن كان ذلك
الحيوان ممّا قام الدليل على طهارته كان محكوماً بالطهارة الواقعيّة، وإن لم يتمّ دليل على طهارته ولا على نجاسته كان محكوماً بالطهارة الظاهريّة؛ لجريان
أصالة الطهارة فيه، وادّعى
المحقّق البحراني الاتّفاق على
الطهارة في هذا المورد.
ونظير هذا المورد استحالة
الخمر أو الماء المتنجّس الذي شربه حيوان
مأكول اللحم إلى بول أو عرق، وكذا استحالة
الطعام النجس الذي أكله إلى
روث أو
لبن .
لو وقع كلب أو خنزير في
الأرض المالحة فاستحالا إلى الملح فالمعروف بين الفقهاء طهارة ذلك الملح،
إلّا أنّ
المحقّق الحلّي حكم بعدم الطهارة،
وتبعه العلّامة الحلّي في بعض كتبه،
وإن تردّد في بعضها الآخر.
واستدلّا عليه بأنّ
النجاسة قائمة بالأجزاء النجسة لا بأوصاف الأجزاء، فلا تزول بتغيّر أوصاف محلّها وتلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية؛ لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها.
وبتقريب آخر: أنّ أجزاء النجاسة لم تزل بالاستحالة وإنّما تغيّرت تلك الصورة، وكما أنّ النجاسة حكم شرعي لا تثبت إلّا بدليل، كذا حصول الطهارة موقوف على
الدليل ، ولم يثبت».
واجيب عنه: بأنّ
الملاك هو تلك الصورة مع
الاسم ؛ لأنّ
أحكام الشرع جارية على المسمّيات بواسطة الأسماء، وحيث إنّ
المخاطب كافّة الناس فينزّل على ما هو
المتفاهم بينهم عرفاً أو لغةً، ولا ريب أنّ الذي كان من أفراد نوع الكلب قبل الاستحالة قد زال عنه ما كان وصار من أفراد
الملح بحيث لا يصدق عليه ذلك الاسم، بل يعدّ إطلاقه عليه غلطاً.
وبعبارة اخرى: أنّ
الصدق العرفي كافٍ في صدق الاستحالة، و
العرف هنا يرى الملح صورة نوعيّة اخرى وحقيقة جديدة مغايرة للحقيقة السابقة من الكلب والخنزير، ويكفي في الحكم بطهارة الصورة الأخيرة
قاعدة الطهارة .
المعروف بين الفقهاء طهارة ما أحالته
النار رماداً أو دخاناً، وادّعى
الشيخ الطوسي الإجماع على الطهارة في الأوّل،
بل ادّعاه غيره في كلا الموردين، إمّا نصّاً
أو ظهوراً.
إلّا أنّه حكي عن المحقّق الحلّي التردّد في الرماد،
كما حكي عن الشيخ الطوسي الحكم بنجاسة
الدخان المتصاعد من
الدهن النجس.
وعمدة الدليل على الطهارة هو أنّ هذا المورد من باب الاستحالة و
التبدّل في الصورة النوعيّة؛ لأنّ العرف يرى الرماد أو الدخان جسماً جديداً مغايراً للجسم السابق من عين نجسة أو شيء متنجّس، ويكفي ذلك في صدق الاستحالة هنا وعدم كونه من تفرّق الجسم القديم، فلا مجال للتمسّك بإطلاق دليل نجاسته ولا بالاستصحاب؛ لقيام التنجّس منفعلًا من النجاسة الذاتيّة بالجسم، وقد تبدّل.
ويكفي في الحكم بطهارتهما قاعدة الطهارة، قال
السيّد الحكيم : «الاولى الاستدلال على طهارة
الرماد والدخان بقاعدة الطهارة».
بل يمكن أن يقال: إنّه لو فرض عدم كون هذا المورد من الاستحالة، ولكن مع ذلك يحكم بالطهارة في رماد نجس العين أو دخانه إذا لم يصدق عليه العنوان السابق؛ إذ يكفي في طهارة الأعيان النجسة مجرّد تغيّر العنوان والاسم ولو لم تتبدّل الصورة النوعيّة. نعم، تتوقّف الطهارة في رماد الشيء المتنجّس أو دخانه على الاستحالة وتبدّل الصورة النوعيّة، ولا يكفي تغيّر العنوان والاسم. واستدلّ أيضاً بالسيرة العملية للمتشرّعة، قال
الفاضل الإصفهاني : «إنّ الناس مجمعون على عدم التوقّي من رماد النجاسات وأدخنتها وأبخرتها».
المعروف بين الفقهاء أيضاً طهارة بخار النجس أو المتنجّس، بل يستظهر من كلام بعض الفقهاء أنّه لا كلام فيه؛ للسيرة
المستمرّة على عدم التوقّي منه كما في
بخار الحمّام والبول.
وفي قبال ذلك قال العلّامة الحلّي: «أمّا البخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمعت منه
نداوة على جسم صقيل وت
قاطر فإنّه نجس، إلّا أن يعلم تكوّنه من
الهواء كالقطرات الموجودة على طرف
إناء في أسفله جمد نجس فإنّها طاهرة».
وصرّح بعض المتأخّرين أيضاً بطهارة بخار البول أو الماء المتنجّس إذا تقاطر من سقف الحمّام إلّا مع العلم بنجاسة السقف.
واستدلّ السيّد الخوئي على الطهارة ب «- أنّ ذلك من الاستحالة والتبدّل في الصورة النوعيّة و
الحقيقة ؛ إذ البخار غير البول وغير الماء المتنجّس لدى العرف، وهما أمران متغايران ولا يقاسان بالغبار و
التراب ؛ لأنّ العرف يرى الغبار عين التراب، وإنّما يصعد الهواء للطافته وصغره، لا لأنّه أمر آخر غير التراب، ومن هنا يصحّ عرفاً أن يقال عند نزول
الغبار : إنّه ينزل التراب، وأمّا البخار فلا يقال إنّه ماء».
وفي قبال ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى عدم كون هذا المورد من الاستحالة؛ لأنّ البخار ليس إلّا الأجزاء المائيّة التي اختلطت مع الهواء في
الصعود إلى العلو، فلمّا زالت عنها
الحرارة المكتسبة من مجاورتها للنار وعادت إليها برودتها تتثاقل وتميل إلى مركزها فتنفض الهواء وتنعزل عنه وتعود إلى الأسفل بالتقاطر، وهذا ليس من الاستحالة وتبدّل الصورة النوعيّة بل من تفرّق أجزاء الجسم الأوّل، وهو غير مطهّر.
ونوقش فيه: أوّلًا: بأنّ
الملاك هنا هو نظر العرف، والبخار عند العرف ليس إلّا جسماً جديداً مغايراً للجسم السابق، ويكفي ذلك في صدق الاستحالة وعدم كونه من باب تفرّق
الجسم الأوّل.
وثانياً: لو فرض أنّ هذا المورد ليس من الاستحالة ولكن مع ذلك يحكم بالطهارة في بخار نجس العين كالبول إذا لم يصدق عليه عنوان البول؛ إذ يكفي في طهارة الأعيان النجسة تغيّر العنوان، ولا تتوقّف طهارتها على الاستحالة وتبدّل الصورة النوعيّة. نعم، لا يكفي في طهارة بخار المتنجّس تغيّر العنوان، بل تتوقّف طهارته على الاستحالة والتبدّل في الصورة النوعيّة.
هذا، وقد ذهب
الشهيد الصدر إلى أنّ هذا الفرع ليس من فروع
مطهرية الاستحالة و
صغرياتها حيث قال: «و
التحقيق أنّ الحكم
بارتفاع النجاسة وعدم ثبوتها في البخار ومن فروعها، بمعنى أننا حتى لو بنينا على أنّ الاستحالة في المتنجسات لا توجب الحكم بالطهارة نلتزم في
المقام بعدم نجاسة البخار الحاصل من تبخير
المائع المتنجس، فإنّ هناك خلافاً في أنّ الاستحالة هل توجب ارتفاع النجاسة في المتنجسات أو لا، كما إذا استحال الخشب رماداً ... ومنشأ الخلاف أنّ ما هو موضوع الحكم بالنجاسة هل يكون محفوظاً بعد الاستحالة أو لا؟
فالقائل بعدم ارتفاع النجاسة بتحول الخشب إلى رماد يقول: إنّ موضوع الحكم بالنجاسة في
المتنجس إنّما هو الجسم، ولا دخل لخصوصية الخشبية و
الرمادية فيه، وحيث أنّ الجسم لا يزال محفوظاً فالنجاسة باقية. والقائل بارتفاع النجاسة عن المتنجس بالاستحالة يصور للنجاسة موضوعاً بنحو لا يكون محفوظاً بعد الاستحالة.
ولكن في مسألتنا- وهي عدم الحكم بنجاسة البخار
الحاصل من المائع المتنجس- ينبغي
الالتزام بعدم النجاسة على كلا ذينك القولين في مسألة استحالة المتنجسات، وليس عدم النجاسة للبخار في المقام متوقفاً على القول بعدم النجاسة في سائر موارد استحالة المتنجسات، وذلك لأنّ
كبرى البحث في مطهرية الاستحالة في المتنجسات والنزاع في ذلك بين القولين المزبورين إنّما هو في مورد يكون المستحال إليه في نفسه قابلًا للاتصاف بالنجاسة في نفسه، كما هو الحال في مورد استحالة الخشب إلى رماد، فإنّ الرماد قابل
للاتصاف بالنجاسة في نفسه، ولهذا لو لاقته النجاسة مع الرطوبة وهو رماد لحكم بنجاسته بلا إشكال.
وإنّما الكلام- بعد
الفراغ عن قابليته للنجاسة- في أنّ النجاسة التي كانت ثابتة له سابقاً حال الخشبية هل ترتفع عنه بزوال الخشبية أو لا؟ فمن يقول بأنّ النجاسة الثابتة له سابقاً لا ترتفع عنه، يدعي أنّ الخشبية لا دخل لها في موضوع تلك النجاسة. وأنّ موضوعها محفوظ بعد الرمادية أيضاً.
وأمّا في مسألتنا- أي في البخار الحاصل من المائع المتنجس- فهو خارج عن موضوع ذلك النزاع، ويتعين فيه الالتزام بعدم نجاسة البخار حتى لو قيل بنجاسة الرماد في تلك المسألة، لأنّ البخار في نفسه لا يقبل الحكم بالنجاسة عليه
بالارتكاز العرفي كسائر الغازات، وهذا هو الفرق بينه وبين الرماد، ولهذا لو لاقت النجاسة المرطوبة مع البخار حال كونه بخاراً لا يحكم بنجاسته، ولا يصح
التمسك بإطلاق أدلّة
الانفعال بالملاقاة؛ لأنّها منزلة على الارتكاز العرفي القاضي بعدم قابلية الأجزاء البخارية للانفعال والتنجس، وهذا يعني أننا حتى لو فرض أنا التزمنا بنجاسة الخشب المتنجس بعد تحوله إلى رماد بدعوى أنّ نفس الموضوع للنجاسة محفوظ فتكون النجاسة باقية تمسكاً باطلاق دليلها أو بالاستصحاب لا يمكننا أن نلتزم بذلك في البخار الحاصل من المائع المتنجس لا بدعوى أنّ
إطلاق دليل نجاسة المائع المتنجس يشمل حال كونه بخاراً أيضاً، كما يفترض شمول إطلاق دليل نجاسة الخشب المتنجس لحالة كونه رماداً ولا بدعوى استصحاب النجاسة الثابتة قبل تحول المائع إلى بخار.
أمّا
الدعوى الاولى فيدفعها: أن دليل نجاسة المائع المتنجس إنّما هو دليل الانفعال بالملاقاة وهو منزل على الارتكاز العرفي، وحيث إن البخار لا يقبل الحكم عليه بالنجاسة والقذارة بحسب الارتكاز العرفي فلا يكون لدليل الانفعال إطلاق ليشمل البخار، وإلّا للزم التمسك باطلاقه
لاثبات أنّ البخار يتنجس
ابتداءً عند ملاقاة النجاسة له بما هو بخار، وهذا بخلاف الخشب المتنجس المستحيل مادراً، إذ قد يتوهم هناك بعد فرض أنّ الرماد في نفسه قابل للنجاسة وجود إطلاق في دليل الانفعال بالملاقاة يشمل الخشب بعد صيرورته رماداً،
لانحفاظ الموضوع وهو عنوان الجسم مثلًا.
وأمّا الدعوى الثانية فيرد عليها: ان معنى عدم قابلية البخار بما هو غاز للحكم بالنجاسة بحسب
الارتكاز العرفي أنّ الحالة المقابلة للبخارية والغازية دخيلة في موضوع الحكم بالنجاسة بحسب الارتكاز العرفي ومقومة له فمع زوالها لا يكون الموضوع العرفي محرزاً بقاء ليجري الاستصحاب. وهكذا اتضح أنّ المتعين هو الالتزام بعدم نجاسة البخار وأن هذا ليس متوقفاً على قبول كبرى المطهرية في الاستحالة في باب المتنجسات وإن كنا نقبل ذلك الكبرى أيضاً...».
ثمّ إنّ البخار على تقدير نجاسته في ذاته فهل هو منجّس لجسم آخر أو لا؟ قد يبدو من بعض الفقهاء أنّ البخار حال
التصاعد وعدم
الاجتماع لا ينجّس شيئاً؛ لعدم صدق المماسّة و
الملاقاة المعتبرة في التنجيس، وهذا بخلاف ما إذا اجتمع وانفصل عن الهواء فهو حينئذٍ نجس ومنجّس للجسم الملاقي.
إذا تحوّل الخشب المتنجّس فحماً فهل هو من باب الاستحالة والتبدّل في الصورة النوعيّة أو لا؟ يظهر من كلام جملة من الفقهاء
أنّ هذا المورد هو من باب الاستحالة والتبدّل في الحقيقة النوعيّة؛ لأنّ
الفحم غير الخشب فيتبدّل موضوع حكم النجاسة، والنجاسة العرضيّة وإن كانت مترتّبةً على عنوان الجسم أو الشيء إلّا أنّ المتبدّل به شيءٌ والمتبدّل عنه- الذي حكم بنجاسته بالملاقاة- شيءٌ آخر، والذي لاقى
النجس هو الجسم القديم وهو الخشب دون
الجديد وهو الفحم.
وفي قبال ذلك ذهب بعضهم
إلى أنّ هذا المورد ليس من باب الاستحالة؛ لأنّ
الاختلاف بين الخشب والفحم ليس اختلافاً في الذات والحقيقة النوعيّة، بل هو اختلاف في
الأوصاف كتماسك الأجزاء وتفرّقها، فالموضوع للنجاسة يبقى بعد تحوّله فحماً ويبقى بتبعه حكمه وهو النجاسة. وعلى
تقدير الشكّ يحكم أيضاً بالنجاسة؛ لاستصحاب بقاء الموجود الخارجي على الجسم يّة السابقة.
وأمّا مسّ النار للخشب فلا يوجب طهارته؛ إذ لا دليل على مطهّريّة النار في نفسها. وقد توقّف في المسألة بعض آخر من الفقهاء.
ذهب جملة من الفقهاء
في المقام إلى الطهارة، وهو
المنسوب إلى الأكثر،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ له بأنّ هذا المورد من الاستحالة والتبدّل في الذات والصورة النوعيّة فتجري قاعدة الطهارة في
الخزف و
الآجر .
ويناقش فيه بأنّ
الطين والخزف أو الآجر ليست بينهما
مغايرة عند العرف، بل هما من حقيقة واحدة، فإنّ الخزف أو الآجر ليس إلّا طيناً مطبوخاً، فهذا المورد يكون من باب تبدّل الأوصاف لا من باب الاستحالة، وعلى هذا فيحكم بنجاستهما؛ لشمول إطلاق أدلّة تنجّس
الملاقي ما لم يطهر، وعلى تقدير الشكّ في الاستحالة فالحكم هو النجاسة أيضاً؛ لاستصحاب بقاء الموجود الخارجي على الجسميّة السابقة.
هذا بناءً على عدم
إمكان تصوّر الشبهة المفهوميّة للاستحالة في المتنجّسات، كما سيأتي شرح ذلك في كلام السيد الخوئي. نعم، بناءً على إمكان تصوّرها فلا يجري
استصحاب الجسميّة لما قرّر في محلّه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهوميّة، بل تجري قاعدة الطهارة عندئذٍ.
وذهب جمع كثير من الفقهاء إلى القول بالنجاسة في هذا المثال،
ونسب إلى أكثر المتأخّرين،
ويتّضح وجهه ممّا تقدّم من عدم تبدّل الجسميّة التي هي المقصود بالصورة النوعيّة في المقام. وتوقّف بعضهم في هذه المسألة.
ثمّ إنّ هناك موارد
وأمثلة اخرى يعتبر بعضها من الاستحالة ولو عرفاً، وهذه الاستحالة إمّا من
الأعيان النجسة أو من المتنجّسات، وبعضها الآخر ليس من الاستحالة بل من تبدّل الأوصاف وتفرّق الأجزاء، وأمّا الشكّ في الاستحالة في الموارد المتقدّمة وغيرها فسنبحثه في
النقطة اللاحقة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۱۸۴-۱۹۲.