البطالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي تعطَّل عن العمل ، عَدِم الوظيفة ولم يجد ما يرتزق منه.
البطالة: هي التعطّل عن العمل،
يقال:بطل
الأجير يبطل بطالة- بالكسر والفتح- أي تعطّل، فهو بطّال.
والتبطّل: فعل البطالة، وهو اتّباع
اللهو والجهالة.
لا يختلف
المعنى الاصطلاحي عن
المعنى اللغوي ، غايته أنّه يظهر من كلمات
الفقهاء أخذ القصد لترك العمل في البطالة بحيث يترك العمل مع
القدرة عليه؛
ولهذا وجدنا أنّ الفروع الفقهية التي ذكروها للبطالة يؤخذ فيها عادةً
إهمال الشخص وتركه العمل.
من المعلوم مرجوحيّة البطالة ومبغوضيّتها، وقد حثّ
الدين الحنيف على العمل
والارتزاق ورفع شأن الكادّ على عياله،
حتى ورد في
خبر الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «الكادّ على عياله
كالمجاهد في سبيل اللَّه».
وذمّ البطالة
والاتّكال على معونة الناس بالسؤال وغيره؛
ووردت في ذلك روايات:
منها: ما رواه
علي بن غراب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال عن
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ملعون ملعون من ألقى كلّه على الناس، ملعون ملعون من ضيّع من يعول».
ومنها: رواية
العلاء ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «أيعجز أحدكم أن يكون مثل
النملة ؟! فإنّ النملة تجرّ إلى جحرها»،
بينما نجد البطّال الملقي كلّه على غيره مستعين لا معين، يُطعَم ولا يُطعِم، ومن ثمّ كان من أذلّ الناس وأبعدهم عن
الخير ؛
لانسلاخه عن
الفطرة الإنسانية .
ومنها: ما رواه
أبو بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّوجلّ يبغض كثرة
النوم ، وكثرة الفراغ».
ومنها: رواية
سعد بن أبي خلف عن
أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، أنّه قال في وصيّته لبعض ولده: «وإيّاك والكسل والضجر؛ فإنّهما يمنعانك حظّك من الدنيا والآخرة».
ومنها: قول
أبي جعفر عليه السلام: «قال
موسى عليه السلام: يا ربّ، أيّ عبادك أبغض إليك؟ قال: جيفة بالليل، بطّال بالنهار».
وليس فيه: «يا ربّ».
وتثبت حرمة البطالة في كلّ مورد ثبت فيه وجوب
التكسّب على
المكلّف ، كما لو كانت هناك حاجة إلى التكسّب
بأن اضطرّ إليه الرجل
لإبقاء مهجته ومهجة عياله،
فإذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه وكان متمكّناً من تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه وجب عليه ذلك.
ومن هنا صرّح بعض الفقهاء بأفضليّة طلب
الرزق على التفرّغ
للعبادة ،
فقد روى
علي بن عبد العزيز ، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ما فعل عمر بن مسلم؟» قلت: جعلت فداك، أقبل على العبادة وترك
التجارة ، فقال: «ويحه، أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له؟! إنّ قوماً من
أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزلت: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً• وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»
أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول اللَّه، تُكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنّه مَن فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب».
وفي رواية
الشيخ الصدوق بهذا
السند قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي لأبغض الرجل فاغراً فاه إلى ربّه فيقول: ارزقني، ويترك الطلب».
وفيه: «يقول» بدل «فيقول».
لا ينبغي
الشكّ في أنّ
التمسّك بالأسباب لا ينافي اليقين والثقة باللَّه جلّت عظمته
والتوكّل عليه؛ إذ ليس معنى ذلك البطالة ورفع اليد عن الأسباب والوسائط رأساً، بل معناه عدم
الاعتماد عليها والوثوق بها، ومن ثمّ اشتهر: أنّ التمسّك بالأسباب لا ينافي التوكّل.
ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم
للأعرابي - لمّا أهمل ناقته وقال: توكّلت على اللَّه-: «إعقلها وتوكّل».
للبطالة أثر في
الزكاة والنفقة ؛ وذلك كالتالي:
لا إشكال في
استحقاق الزكاة من سهم سبيل اللَّه من كانت له القدرة الفعليّة على العمل ولم يعمل بطالة.
إنّما
الإشكال في استحقاقه للزكاة من سهم الفقراء، وقد اختلفوا في ذلك على قولين:
أنّ البطالة موجبة لمنع الزكاة. وهو
المشهور ،
واستظهره
السيّد الحكيم من عبارة بعض الفقهاء،
واحتاط فيه
السيّد اليزدي ، حيث قال: «والأحوط عدم أخذ القادر على
الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلًا»،
واختاره بعض المعاصرين.
ويدلّ على ذلك ما رواه
أبو بصير ، قال:سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «ولا تحلّ الزكاة لمن كان محترفاً وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة».
ولعدم صدق
الفقير بالنسبة إليه عرفاً وشرعاً؛
لأنّه كان قادراً على الاكتساب لكنّه لم يفعل تكاسلًا، ككثير من البطّالين وأهل السؤال ممّن لهم القدرة الفعلية على كثير من الصنائع والحرف اللائقة بحالهم، ولكنّهم تعوّدوا على البطالة والتعيّش بالصدقات التي لم يشرّعها اللَّه جلّ شأنه إلّا للعجزة ومن لا يساعدهم كسبهم على نفقاتهم ونفقة عيالهم، كلّ ذلك صرّح به
كاشف الغطاء ، ثمّ قال: «لعلّ في إعطائهم(من الزكاة) تعطيل للأيدي العاملة وترويج للبطالة، ولعلّه من أعظم المحرّمات لمن يعرف ذوق
الشارع الحكيم وحكمة الأحكام».
أنّ البطالة لا توجب منع الزكاة.واختاره
المحقّق النجفي ، واستظهره من عبارة بعض القدماء والمتأخّرين أيضاً،
وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه.
واستدلّ لذلك بصحيح
معاوية بن وهب ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: يروون عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنّ
الصدقة لا تحلّ لغني، ولا لذي مرّة سويّ، المرّة: القوّة والشدّة. والسوي: الصحيح الأعضاء.
فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «لا تصلح لغني».
وهو ظاهر في اقتصار المنع على الغني، فالعاطل عن العمل من غير عذر يجوز له أخذ الزكاة.
ويستدلّ له أيضاً بالسيرة المستمرّة في سائر الأعصار والأمصار على إعطائها للأقوياء القادرين على الاكتساب.
وقد ناقش في ذلك السيّد الحكيم بقوله:«وإطلاق الأدلّة مقيّد بما ذكر،
والسيرة على
الإعطاء ممنوعة بنحو يعتدّ بها، ولا سيّما مع احتمال اختصاصها بصورة
العجز عن التكسّب فعلًا، وإن كان قادراً عليه قبل ذلك فتركه اختياراً، فإنّه لا بأس بالبناء على الجواز في الفرض؛ للعجز عن التكسّب
والاحتياج إلى النفقة».
صرّح بعض الفقهاء بأنّ نفقة
الولد العاطل عن العمل تسقط عن
الأب مع قدرته على التكسّب.
قال
الفاضل الهندي : «لو صار الولد قادراً على التكسّب أمره
الولي به؛ لأنّه نوع من التأديب، وسقطت عن الأب نفقته؛ لأنّه غني، سواء الذكر والانثى».
كما وصرّح بعض المعاصرين بأنّه: «من كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع وقد ترك ذلك طلباً للراحة فالظاهر عدم وجوب
الإنفاق عليه. نعم، لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلًا بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الإنفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره».
من واجبات الدولة
والحاكم الإسلامي توفير العمل ورفع البطالة بالمعنى الآخر، أي عدم القدرة على الاكتساب لعدم توفّر سبل الكسب والعمل الذي يدرّ عليه بالدخل.
والبطالة بهذا المعنى أحد أهم المعضلات والمشاكل التي تعاني منها الشعوب اقتصادياً واجتماعياً، ولا شكّ أنّ من واجبات الدولة والحاكم الإسلامي وضع سياسة اقتصادية ناجحة توفّر لكلّ أفراد الامّة القدرة على
العيش والدخل اللائق بهم، كما يجب عليه توفير سبل
الارتقاء بالحياة الاقتصادية للناس
وازدهارها .
قال
الإمام علي عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر: «... اللَّه اللَّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البُؤسى والزَمنى، فإنّ في هذه الطبقة قانعاً .(القانع: هو السائل الذي لا يلحّ في السؤال ويرضى بمايأتيه عفواً.)
ومعترّاً، (المعترّ: وهو المُعترِض للسؤال.)
واحفظ للَّه ما استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلّات صوافي
الإسلام (الغلّات: جمع غلّة، وهي الدخل الذي يحصل منالزرع والثمر واللبن والإجارة والنتاج ونحو ذلك.
والصوافي: الأملاك والأراضي التي جلا عنها أهلها أو ماتوا ولا وارث لها، واحدتها: صافية.
في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثلَ الذي للأدنى...».
مع اختلاف يسير.
وقد يكون توفير فرص العمل مقدّماً على المساعدات العينية والنقدية للمحتاجين؛ لأنّ في الاولى ضمان
الاستقرار المالي لأفراد
المجتمع الإسلامي وتشجيعاً لهم على الكسب والعمل، فيما الثانية قد تخلق عندهم حالةً من الاتّكال وعدم العمل والانتاج.
وهذا ما لعلّه يفهم من الموقف الفقهي بتقديم الإقراض على الصدقة، وهو موقف نابع من بعض الروايات الشريفة؛ لأنّ
الإقراض يفرض على المقترض العمل لسدّ الدين، ممّا يضاعف قوّة
الإنتاج .
ولا يقف الحكم هنا في حق
الدولة الإسلامية على ذلك، بل ينبغي لكلّ من يمكنه المساعدة في رفع البطالة، وحتى لو لم نجعل ذلك بالعنوان الأولي على الدولة إلّا أنّه ثابت عليها بالعنوان الثانوي؛ لأنّ البطالة ترفع مستوى الجريمة في المجتمع وتضعف قدرة المجتمع الإسلامي على الإنتاج وتحقيق التنمية ويزداد معها معدّل الطلاق والعزوبة ممّا يساعد في تفشي الأخلاق السلبية المرفوضة.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۶۳-۳۶۸.