الرق المانع من الإرث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
موانع
الإرث هو ما يمنع
الإنسان من أن يرث ما تركه الميّت ميراثاً أصلًا مع كونه من
أهل الإرث وفي طبقة الإرث ودرجته، وكون المنع (وصفاً) قائماً في نفسه، لا (أمراً قائماً) في غيره وإلّا لكان حجباً، واختلف
الفقهاء في عدد الموانع فذكر بعضهم ثلاثة وآخر أكثر من ذلك، وكيف كان، فما أجمع الفقهاء على مانعيّته ثلاثة، وهي: الكفر، والقتل، والرق ، ونبحث في التالي عن مانعية الرق من الإرث، و الرق هو كون
الإنسان مملوكاً لإنسان آخر، سواء كان ذكراً أو انثى، وله أنواع كالقنّ والمدبّر وامّ الولد والمكاتب.
اتّفق
الفقهاء على مانعية الرق للإرث من الجانبين (الوارث والمورّث) من غير فرق بين القنّ والمتشبّث بالحرّية كأُمّ الولد والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً من مال
الكتابة . أمّا المنع في جانب الوارث فهو بمعنى أنّه لا يرث الإنسان إذا كان رقّاً، سواء كان المورّث حرّاً أو رقّاً، بل يرثه الحرّ وإن كان ضامن جريرة دون الرقّ وإن كان ولداً، وإذا لم يكن له وارث حرّ في جميع الطبقات حتى ضامن الجريرة سوى المملوك اشتري من التركة واعتق واعطي بقيّة المال، وإن لم يمكن لقصور التركة- مثلًا- كان ميراثه للإمام على المشهور.
وأمّا في جانب المورّث فبمعنى أنّ الرقّ لا يورّث بل ماله لمولاه بحقّ الملك لا بالإرث وإن كان له ابن حرّ.
وهذا ممّا لا ريب فيه بين الفقهاء، بل
الإجماع عليه
بلا فرق في ذلك بين القول بملك العبد وعدمه. غير أنّه على القول بعدم قبوله الملك لا يظهر وجه للمانعيّة في الموروثيّة، وأنّ المنع إنّما يعقل بعد تحقّق المقتضي للإرث كوجود مال موروث، كما أنّ عدم ترك الميّت مالًا أصلًا لا يعدّ مانعاً، وإنّما يظهر على القول بأنّه يملك، وقد تصوّر
الشهيد الثاني : «حينئذٍ أنّه ملك غير مستقرّ يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته، كما إذا باعه».
ويدلّ عليه- مضافاً إلى كونه مقتضى القاعدة؛ لأنّ العبد وأمواله لمولاه- الروايات المستفيضة،
بل المتواترة،
وهي على طوائف:
الاولى: ما دلّ على عدم إرث العبد، وهي روايات مستفيضة متظافرة،
كروايتي
الفضيل بن يسار و
علي بن رئاب :
«العبد لا يرث».
ومنها: ما ورد من التفصيل بين عتق المملوك قبل قسمة التركة فيرث أو بعدها فلا، وسيأتي ذكر بعضها.
الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على توريث المكاتب بقدر ما عتق منه، وهي كثيرة فيها الصحاح وغيرها، كرواية
منصور بن حازم عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «
المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدّى»،
ونحوها غيرها.
الطائفة الثالثة: ما دلّ على منع
التوارث بين الحرّ والمملوك، كقوله عليه السلام في صحيح محمّد بن مسلم: «لا يتوارث الحرّ والمملوك»،
ومثله غيره،
و
الأصل في
باب المفاعلة أن تكون من الطرفين.
لو تقرّب الحرّ بالمملوك إلى حرّ لم يمنع من الإرث وإن منع السبب، كما لو كان الوارث الصلب رقّاً وله ولد حرّ، ورث الحرّ جدّه
بغير خلاف،
كما هو الحال في الكافر والقاتل؛ فإنّهما لا يمنعان من يتقرّب بهما إلى الميّت.
واستدلّ له- مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة- بوجود المقتضي للإرث في الولد وهو القرابة، و
انتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا منع أبيه وهو غير صالح للمانعيّة؛ لأنّ المانع هو الرقّية في الوارث وهو منتفٍ، كما في الكفر والقتل.
وبرواية مهزم عن الإمام الصادق عليه السلام: في عبد مسلم وله امّ نصرانيّة، وللعبد ابن حرّ، قيل: أ رأيت إن ماتت امّ العبد وتركت مالًا؟ قال: «يرثها ابن ابنها الحرّ».
لو اعتق المملوك على ميراث فله صور:
الاولى- أن يكون الوارث أكثر من واحد بحيث يحتاج إلى قسمة
التركة بينهم فيعتق المملوك قبل القسمة، وفي هذه الصورة يشاركهم في الميراث على حسب
استحقاقه إن كان مساوياً لهم في الطبقة والدرجة، واختصّ بالمال أجمع إن كان أولى بلا خلاف،
وتدلّ عليه الروايات القادمة.
الثانية- أن يعتق بعد قسمة الميراث وفي هذه الصورة لا ميراث له من غير خلاف،
كما في الروايات المستفيضة،
كصحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «من اعتق على ميراث قبل أن يقسّم الميراث فهو له، ومن اعتق بعد ما قسّم فلا ميراث له»،
ونحوها رواية
ابن مسكان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام .
ورواية اخرى لمحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام: في الرجل يسلم على الميراث، قال: «إن كان قسّم فلا حقّ له، وإن كان لم يقسّم فله الميراث»، قال:
قلت: العبد يعتق على ميراث، قال: «هو بمنزلته».
ويلحق بها العتق مقارناً مع القسمة، كما تقدّم في الكافر، وكذلك الكلام فيما إذا كان الوارث منحصراً في الزوجة و
الإمام فأعتق قبل القسمة فإنّه كما إذا أسلم
الكافر قبل القسمة فإنّه يرث.
الثالثة- أن يعتق بعد ما قسّمت بعض التركة، ففي الإرث من الجميع أو الباقي خاصّة أو عدمه مطلقاً أوجه،
نحو ما تقدّم في
إسلام الوارث الكافر بعد قسمة بعض التركة.
الرابعة- أن يكون
المستحقّ للتركة واحداً غير الإمام وفي هذه الصورة لم يستحقّ العبد بعتقه نصيباً،
بلا خلاف معتدّ به في شيء من ذلك، بل الإجماع عليه.
نعم، ظاهر الشيخ في
المبسوط و
الإيجاز أنّه إن اعتق قبل حيازة المال ورث،
وقد تقدّم نحو هذا في إسلام الوارث.
بل الظاهر هنا مساواة الإمام عليه السلام لغيره من الوارث المتّحد حيث يفرض عدم فكّ الوارث المملوك؛ لقصور التركة أو نحو ذلك ممّا يوجب كون الإرث للإمام- كما سيأتي- فإذا اتّفق تحرير العبد لم يشاركه؛ لعدم صدق
إعتاقه قبل القسمة كغيره من الوارث المتحد.
ولكن في
الوسيلة أنّه إن اعتق قبل النقل إلى بيت المال ورث، ويظهر ذلك من
الإصباح أيضاً.
وكذا هو يتأتّى على مبنى الشيخ المتقدّم آنفاً.
إذا لم يكن للميّت وارث في جميع الطبقات حتى ضامن الجريرة سوى المملوك، اشتري المملوك- اتّحد أو تعدّد- من التركة واعتق واعطي بقيّة المال، وهذا في الجملة ممّا لا خلاف فيه،
بل في
الجواهر دعوى الإجماع بقسميه عليه.
مضافاً إلى أنّ النصوص وافية في الدلالة عليه:
منها: قول الإمام الصادق عليه السلام في رواية
سليمان بن خالد قال: «كان
أمير المؤمنين عليه السلام يقول: في الرجل الحرّ يموت وله امّ مملوكة، قال: تشترى من مال ابنها ثمّ تعتق ثمّ يورثها».
ومنها: قوله عليه السلام في رواية
عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: في رجل توفّي وترك مالًا وله امّ مملوكة، قال: «تشترى امّه وتعتق، ثمّ يدفع إليها بقيّة المال».
ومنها: قوله عليه السلام في رواية
جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يموت وله ابن مملوك، قال: «يشترى ويعتق، ثمّ يدفع إليه ما بقي».
وغيرها من النصوص الواردة في شراء
الأب و
البنت و
الأخت و
الأخ ، الواضحة الدلالة على الحكم.
وفي المسألة فروع نذكرها مع أدلّتها
باختصار :
لو امتنع المالك عن بيعه اجبر على البيع كما هو القاعدة في كلّ ممتنع عمّا وجب عليه، فيقهر حينئذٍ على
إيقاع صورة البيع، بل يحتمل عدم الحاجة إلى
الإجبار ، وإنّما يقوّم قيمة عدل ويعطى القيمة ويقوم ذلك مقام بيعه أو أنّ من له
الإكراه يكون موجباً قابلًا،
فقد ورد في ضمن خبر
عبد الله ابن طلحة عن الإمام الصادق عليه السلام، قلت: أ رأيت إن أبى
أهل الجارية كيف يصنع؟
قال: «ليس لهم ذلك، يقوّمان قيمة عدل، ثمّ يعطى مالهم على قدر القيمة»،
وهل يكفي شراؤه من أجل الحرّية والإرث في تحقّق ذلك أم لا بدّ من
إنشاء العتق بعد الشراء؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنّ تحريره يحتاج إلى الصيغة مطلقاً سواء كان ممّن ينعتق عليه في حياته أم لا؛ عملًا بإطلاق أدلّة المقام حيث ورد فيها: (يشترى ويعتق)، بل فيها ذلك في خصوص
الامّ و
الابن ممّن ينعتق عليه بالشراء لو كان حيّاً.
ثانيهما: حصول تحريره بمجرّد شرائه؛ إذ المراد بهذا الشراء الفكّ لا الشراء الحقيقي، فلا حاجة في عتقه إلى صيغة، بل يكفي في حرّيته فكّه المستلزم
لإزالة ملك مالكه عنه فليس هو إلّا ملكاً للَّه كغيره من الناس.
وهناك
احتمال ثالث وهو: أن يقال- بعد فرض كون شرائه بعين مال التركة الباقي على حكم مال الميّت باعتبار عدم الوارث له-: تتّجه صيرورة العبد بحكم مال الميّت على حسب ثمنه المدفوع عنه فيتّجه انعتاقه قهراً عليه إن كان ممّن ينعتق كذلك وإلّا احتيج إلى صيغة تحرير. ذكره صاحب الجواهر إلّا أنّه اعترف بعدم معرفة قائل به.
إنّ الذي يتولّى شراءه وتحريره هو حاكم الشرع أو من يقوم مقامه مع عدم الوصي على ذلك، بل قد يقال: إنّ ذلك وظيفة الحاكم على وجه لا يجوز للميّت الوصيّة بها لغيره؛
والوجه فيه هو
إطلاق أدلّة وظائف الحاكم.
ذهب المشهور
إلى أنّه لو قصر المال عن ثمن العبد لا يفك ويكون الميراث للإمام؛ لأنّ الفك مخالف للأصل، فيقتصر فيه على المعلوم، وهو ما إذا وفى المال بقيمته. وهناك قولان آخران:
القول الأوّل: أنّه يفكّ بما وجد وسعى في الباقي، قال العلّامة في
المختلف : إنّه ليس بعيداً عن الصواب،
وفي
المسالك أنّه قول متّجه فيما ورد النصّ و
الاتّفاق على فكّه،
وفي الروضة أنّه متّجه فيما اتّفق على فكّه وغير متّجه في غيره.
وناقش في ذلك المتأخّرون كصاحب الجواهر وغيره.
القول الثاني: الفكّ إلى أن يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء، أخذاً من عدة الشهور، كما نقل عن
الفضل بن شاذان ،
وهو- كما ترى- لا وجه له.
ولو ترك وارثين أو أكثر وقصر نصيب كلّ واحد منهم أو نصيب بعضهم عن قيمته دون الآخر فقد اختلفت كلمات الفقهاء فيه:
فالمشهور
أنّه لم يفكّ أحدهم وكان الميراث للإمام؛ للاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن الذي هو وفاء التركة بشراء جميع أهل الطبقة من الورثة.
وفي قبال المشهور ذهب بعض الفقهاء إلى فكّ من يفي نصيبه بقيمته من المال.
قال
العلّامة الحلّي : «لو قصر نصيب أحدهما اشترى الآخر واعتق وأخذ المال».
بينما استشكل فيه في القواعد حيث قال: «وهل يفكّ من ينهض نصيبه بقيمته لكثرته أو لقلّة قيمته؟ فيه إشكال».
وقال
فخر المحقّقين : «لا إشكال عندي في هذه المسألة أنّه يجب عتق واحد؛ لوجود المقتضي وهو وجود قريب وارث على تقدير الحرّية، لكنّ الاحتمال في الترجيح، هل يرجّح من يفي نصيبه بقيمته أو لا؟ يحتمل الأوّل وهو اختيارنا...ويحتمل الثاني... وعلى الثاني يقرع، وأمّا منع العتق في الكلّ فلا».
وقال الشهيد الثاني في المسالك: «في عتقه قوّة؛ لوجود قريب يرث على تقدير حرّيته، ونصيبه يفي بقيمته، فانتفى المانع من جهته، وانتفى عتق غيره؛ لوجود المانع».
وقال في
الروضة : «وعلى المشهور لو تعدّد الرقيق وقصر المال عن فكّ الجميع وأمكن أن يفكّ به البعض ففي فكّه بالقرعة أو التخيير أو عدمه أوجه، وكذا
الإشكال لو وفت حصّة بعضهم بقيمته وقصر البعض، لكن فكّ الموفى هنا أوجه».
وفصّل
المحقّق الأردبيلي بين ما إذا وفت حصّة بعضهم بقيمته فاختار فكّ الموفى دون من لم يف، فقال: «والفرق بينه وبين ما إذا لم يف حصّة كلّ واحد بثمنه ظاهر، كعدم الفرق بينه وبين من يكفي حصّته بثمنه وبقي شيء من التركة ولم يكن معه من لا يفي حصّته به وعدمه، فالفرق بينهما وبين الأوّلين- كما هو ظاهر
الشرائع ، واختاره
المحقّق الثاني - غير ظاهر».
وردّ بأنّ الجميع كما ترى بعد ما عرفت من
الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النصّ الذي لا ريب في خروج الفرض عنه.
إذا وجد وارث بعد شراء العبد وعتقه يبطل الشراء والعتق؛ لتوقّف صحّتهما على عدم الوارث.
لو انعتق بعض العبد ورث من نصيبه بقدر حرّيته ومنع بقدر رقيته. وكذا يورث منه
بلا خلاف فيه
بل عليه الإجماع،
ويدلّ عليه أيضاً قول
الإمام الباقر عليه السلام في رواية
محمّد بن قيس : في مكاتب كانت تحته
امرأة حرّة فأوصت عند موتها بوصيّة، فقال أهل الميراث: لا نجيز وصيّتها له، أنّه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى: «أنّه يرث بحساب ما اعتق منه».
وحينئذٍ يعطى بقدر ما فيه من الحرّية ممّا يرثه على تقدير الكمال، ويختصّ الباقي بغيره وإن تأخّر عنه، وأنّه بجزئه الحرّ لا يحجبه عن تمام
الإرث .
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۶۴-۷۲.