الضمان بالتعدي والإفساد في الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
نبحث في هذه المسألة من مسائل
الإجارة عن
ضمان نفس العين المستأجرة أو
منافع العين أو منافع الأجير وأيضا نبحث عن ضمان الأجير
بالإفساد و ضمان ما يتلفه
العبد الأجير والدابة المستأجرة وأحكامه.
المعروف- الذي عليه دعوى
الإجماع من غير واحدٍ من الفقهاء
- ضمان المستأجر للعين
بالتعدّي في الاستيفاء وغيره، وإن غصب بعد التعدّي أو
تلفت لا بسببه كما هو مقتضى القاعدة؛ إذ يده يد عدوان ما لم ترد العين إلى مالكها.
نعم له الرجوع على الغاصب إذا دفع مثله أو قيمته للمالك لأنّه مقتضى القاعدة في موارد تعاقب الأيادي. وبذلك صرّحت جملة من الأخبار كخبر
أبي ولّاد وغيره
الدالّة على ضمان الدابة بالتجاوز عن الموضع المشترط.
أمّا النقص الحاصل باستيفاء المنفعة عادة- كهزال الدابة بالركوب أو الجرح اللّاحق على ظهرها- فهو غير مضمون؛
لاستحقاق المستأجر ذلك بعين استحقاق استيفاء المنفعة، وإلّا لما كانت الإجارة للركوب ونحوه مشروعة، ولا يعقل ضمان ما يستحقه لكونه من مقتضيات
العقد عادة.
ومن هنا حكموا بجواز ضرب الدابة إذا وقفت أو كبحها باللجام بالنحو المتعارف
لو لم يمنع منه المالك حال العقد ولم تكن هناك قرينة عليه.
بل قيل: لا أثر لمنعه ضمن العقد لو توقّف الاستيفاء بالنحو المتعارف على ضربه خاصة،
كما أنّه لا أثر لمنعه بعد العقد أيضاً إذا كان مقتضى العقد جوازه بعد كونه متعارفاً.
إذاً فالضرب والكبح في أمثال هذه الموارد هو من حق المستأجر عادة، فيكون من مقتضى عقد الإجارة؛
بل هو مأذون من قبل المالك؛ إذ النحو المتعارف بمثابة
الإذن أو
الشرط الضمني غير المصرّح به، كما تشهد له السيرة وفعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
نعم، اختلفت كلماتهم في ضمان الدابة لو تلفت بالضرب، والمفهوم من كلام جملة منهم
بل صريح بعض آخر
عدم الضمان لو لم يتجاوز المستأجر الحد المتعارف في الضرب.
واستدلّ له أوّلًا: بأنّ الضرب ونحوه حق المستأجر لتوقّف استيفاء المنفعة عليه، فيكون موافقاً لمقتضى عقد الإجارة، فلا
ضمان .
وثانياً: بأنّ التلف في المقام مأذون فيه من قبل المالك بمقتضى التعارف؛ لاقدامه على الإجارة المتوقّفة- من حيث الاستيفاء- على الضرب الذي ربّما يؤدّي إلى التلف،
فلا يشمله عموم من أتلف بعد فرض الإذن.
وخالف في ذلك
العلّامة في
التذكرة وبعض المعلّقين على العروة،
نظراً إلى أنّ مجرّد الإذن في الاستيفاء غير كافٍ في رفع الضمان إن لم يكن على نحو المجانية
وبراءة الذمة ؛ إذ الظاهر أنّ إذن المالك منوط بالسلامة،
ومجرد التعارف لا يستلزم الإذن ليرفع الضمان، إلّا إذا توقّف الانتفاع المتعارف على هذا النحو من الاستيفاء بحيث ينتزع منه الإذن لدى العقلاء.
•
ضمان منافع العين، تارة تكون
المنفعة التي يستوفيها المستأجر محلّلة واخرى محرمة، وفي المنفعة المحلّلة قد يكون متعلّق
الإجارة بالنسبة لما استوفاه المستأجر من الأقل والأكثر، وقد يكون من قبيل الضدين، فالبحث يقع في ثلاثة صور تأتي فيما يلي.
إذا استأجر أجيراً
للكتابة - مثلًا- ثمّ استعمله في
الخياطة فإنّ الكلام في ضمان الاجرتين أو ضمان اجرة المسمّى فقط أو هي مع الزيادة، هو الكلام في العين المستأجرة، وإن قيّد
السيد اليزدي الحكم بضمان الاجرتين في إجارة الحر بما إذا كان المستأجر متعمداً مع غفلة الأجير واعتقاده أنّه العمل المستأجر عليه.
واعترض عليه بعض الأعلام
بأنّ تخصيص الحكم بجهل الحر وعلم المستأجر بلا مخصص، بل قد ينسحب الحكم إلى العكس بأن يكون الأجير عالماً والمستأجر جاهلًا بذلك فإنّ الضابط فيه: أنّه كلّما صدر الأمر من الآمر لا بقصد التبرّع وكان العمل من العامل لا بقصد المجانية أوجب ذلك صدق استيفاء المنفعة المحترمة، وكان موجباً للضمان، سواء كانا عالمين أو جاهلين أو مختلفين.
لكنه اجيب عنه بأنّ الأجير في فرض عمله وإقدامه على العمل المنافي- حتى مع أمر المستأجر إيّاه- يكون هو المفوّت على نفسه لا المستأجر، وحينئذٍ إمّا أن يقال
بالانفساخ القهري
أو ضمان قيمة العمل الفائت مع ثبوت حق الفسخ للمستأجر، فالتقييد المذكور بلحاظ استحقاق الاجرة المسمّاة لا اجرة المثل للعمل المستوفى بالأمر.
•
ضمان الأجير بالإفساد، إنّ إفساد
الأجير لما استؤجر عليه تارة يكون بالمباشرة وأخرى بالتسبيب فهنا صورتان:
الأولى،
الإفساد مباشرة.
الثانية، التسبيب في الإفساد.
العين المستأجرة إمّا أن تكون ذات عقل واختيار
كالعبد أو لا يكون كذلك كالدابة، والكلام في موردين:
إذا آجر المولى عبده لعمل فأفسد فعلى من يكون الضمان؟
اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال، فذهب جماعة- منهم
الشيخ في إجارة
النهاية والحلبي والعلّامة في
الارشاد وغيرهم
- إلى أنّ الضمان يكون على المولى.
ولكن ظاهر الحلي وصريح
المحقق الثاني أنّه على العبد يتبع به بعد
عتقه ،
وليس على المولى ضمان ذلك بل نفى الحلي الخلاف فيه.
نعم لو كان التضييع باذن المولى تعلّق به الضمان.
بينما اختار المحقق
والعلّامة في أكثر كتبه
وجماعة آخرون
لزوم الضمان على المولى لكن في كسب العبد مطلقاً، وعليه حمل
كلام الشيخ في إجارة النهاية، فيكون موافقاً لما في باب المكاسب من كون الضمان في كسبه.
وحينئذٍ فلو قصّر العبد كان في ذمته يتبع به بعد العتق.
وفصّل
الشهيد الثاني بين تفريط العبد في ذلك فيبقى في ذمته يتبع به بعد العتق، وبين عدم التفريط فيكون في كسبه.
نعم لو كان
الإفساد باذن المولى تعلّق به.
وذهب
المحقق الاصفهاني وبعض المعلّقين على
العروة إلى التفصيل بين إتلاف مورد الإجارة فيكون على المولى، وبين إتلاف غيره فيكون على العبد في كسبه.
ومنشأ الاختلاف في ذلك كلّه هو الاختلاف في مقتضى القاعدة وكيفية الجمع بين النصوص الواردة في المسألة.
قد يقال
: إنّ مقتضى القاعدة تعلّق الضمان بالعبد نفسه، وأنّه يتبع به بعد عتقه؛ إذ أنّ المولى لم يأذن في الإفساد فهو أجنبي عمّا أتلفه العبد، وقد قال تعالى: «وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى».
واستشكل فيه
الأردبيلي بأنّه يلزم منه الضرر على المستأجر؛ إذ قد لا ينعتق أو ينعتق بعد موت المستأجر.
وأمّا على مستوى النصوص الخاصة، فقد وردت في المقام روايتان:
احداهما:
ما رواه
زرارة وأبو بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: في رجل كان له غلام فاستأجره منه صائغ أو غيره، قال: «إن كان ضيّع شيئاً أو أبق منه فمواليه ضامنون».
الثانية:
صحيحة
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجل استأجر مملوكاً فيستهلك مالًا كثيراً، فقال: «ليس على مولاه شيء، وليس لهم أن يبيعوه ولكنه يستسعى، وإن عجز عنه فليس على مولاه شيء ولا على العبد شيء».
ولم يتعرض بعض الفقهاء إلّا للرواية الاولى فقط، فحملها المحقق والشهيد الثانيان
على ما لو كان التضييع بإذن المولى، هذا ولكن عمل بها
العلّامة فأفتى بمضمونها.
وحاول بعض الفقهاء الجمع بين الروايتين فذكر لذلك عدّة وجوه:
الأوّل:
ما ذكره صاحب
الوسائل من حمل الرواية الثانية على عدم إذن المولى في الإجارة، فتكون النتيجة التفصيل بين ما إذا كانت الإجارة بإذن السيّد فيكون الضمان عليه، وبين ما إذا لم يكن بإذنه فيكون الضمان على العبد يستسعى في تحصيله.
الثاني:
تقييد ضمان المولى في الرواية الاولى وحمله على الضمان المتمثّل بكسب العبد- الذي هو من أموال المولى أيضاً- كما هو صريح الصحيحة الثانية، وبذلك حاول المحقق رفع التهافت بين عبارتي الشيخ في
النهاية كما تقدّم.
لكنه قد يعترض على الجمع المذكور بأنّه بناءً على الفرض الثاني في الرواية الاولى- أي قوله: «أو أبق» - لا يمكن تعلّق حق المضمون له بكسب العبد؛ إذ ضمان المولى عند
اباقه ليس إلّا للأُجرة المسمّاة، فهذا الضمان ضمان
المعاوضة المقتضي لانفساخ المعاملة، ولا معنى لأن يكون رجوع الاجرة المسمّاة في كسبه.
الثالث:
ما ذكره بعض المحققين من ظهور الاولى في إتلاف مورد العمل، بخلاف الثانية فإنّها إمّا ظاهرة في إتلاف مال آخر أو هي مطلقة فتقيّد بالرواية الاولى.
ويحتمل هنا وجه آخر للجمع بينهما، وهو أن يقال: بأنّ مورد الصحيحة الاولى رجل كان له غلام فاستأجره منه صائغ فيكون المؤجر والمتعهد بالغلام في الإجارة هو الرجل المالك لا الغلام، بخلاف الصحيحة الثانية فإنّها واردة في استئجار المملوك الكبير مستقلًا عن مولاه وإن كان باذنه، وعليه يكون المملوك بنفسه طرفاً للعقد ومتعهداً بالوفاء دون مولاه.
ويؤيّد ذلك ما فهمه المحقق والعلّامة
من الروايتين حيث قالا: «ولو آجر مملوكه أو استؤجر باذنه أو آجر نفسه باذنه»، إلّا أنّهما قيّدا الصحيحة الاولى بالثانية.
ثمّ إنّه بناءً على ثبوت الضمان على المولى فانّه لا يضمن أكثر من قيمة العبد
أو كسبه.
هذا كلّه في ضمان غير
الجناية على نفس أو طرفٍ، أمّا في الجناية عليهما فإنّ الضمان يتعلّق برقبته بمقتضى النص الخاص في المقام (كصحيحة
محمد بن قيس )،
وحينئذٍ للمولى فداؤه بأقل الأمرين من
الأرش وقيمة العبد مع خطأ الجناية، ولا يتقيد ذلك بكون الإفساد بإذن المولى.
وأمّا لو كانت الجناية عن عمدٍ فإنّ لولي دم المقتول أو المجني عليه اختيار ذلك، وليس للمولى في ذلك من شيء، حيث يثبت لولي الدم
القصاص ابتداءً، كما أنّ له الاسترقاق لو كانت الجناية مستوعبة للقيمة.
ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم ضمان صاحب الدابة لو عثرت فتلف المتاع أو نقص، وكذلك الملّاح لو غرقت السفينة؛ لعدم استناد التلف إليهما بعد أن لم يكونا هما السبب في
العثرة والغرق.
نعم، يتوجه عليهما الضمان لو كان المكاري هو السبب في ذلك كما لو ضربها فهاجت، وكذا الملّاح لو أتلف المتاع بيده أو بما يعالج به السفينة فغرقت.
ويدل على عدم الضمان خبر
السكوني :
بأنّ
أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يضمّن من الغرق والحرق والشيء الغالب.
ولم يخالف في ذلك إلّا
أبي الصلاح حيث حكم بالضمان، قال: «إذا سقطت الدابة بحملها ضمن مؤاجرها ما تفسده من حملها».
وكذا نسب إلى الشيخ ضمان الملّاح والمكاري وإن كان التلف عن غير تفريط،
إلّا أنّه في
النهاية قال: «إذا استثقل البعير أو الدابة بحملهما فصاحبهما ضامن لما عليهما من المتاع».
وقيّد
ابن إدريس الضمان بصورة التفريط في الحفظ والرعاية،
ونفى عنه العلّامة البأس.
وعوّل الشيخ في المسألة على رواية
الحسن بن صالح عن
الصادق عليه السلام قال:
«إذا استقلّ البعير أو الدابة بحملهما فصاحبهما ضامن إلى أن تبلغ الموضع».
هذا ولكن اورد على الاستدلال بها بضعف السند،
وبأنّها محمولة على فرض دعوى التلف من غير بيّنة، أو على التفريط.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۲۴۴-۲۶۳.