الفيء في الإيلاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الفيء أو الفيئة- بفتح الفاء وكسره- بمعنى الرجوع،
والمراد هنا الرجوع إلى ما حلف على تركه- وهو الوطء- وهو بعد
انقضاء مدّة التربّص ومطالبة الزوجة به واجب على المؤلي على نحو
الوجوب التخييري ، بمعنى أنّه يجب عليه بعد انقضاء المدّة ومطالبة الزوجة إمّا الرجوع بالوطء أو
الطلاق .وتفصيل أحكامه ضمن ما يلي:
المؤلي إذا كان قادراً على الوطء يكون فيئه بالوطء في القبل لا محالة، ولا يحصل بغيره كالوطء في الدبر ونحوه.وأقلّه غيبوبة الحشفة في الثيّب
وإذهاب العذرة بالوطء في البكر، وهو أيضاً راجع إلى الأوّل؛ لأنّ تغيّب الحشفة يزيل العُذرة ولذا يكتفى عنه بالأوّل.وحينئذٍ فيجوز لها
المطالبة بالوطء لقدرته عليه. نعم، لو طلب
الإمهال يمهل بما جرت العادة فيه، فيمهل الشبعان إلى أن يخفّ عنه ثقل الطعام؛ فإنّه مانع من الغرض، والجائع إلى أن يأكل ما يتهيّأ به لذلك، ولا يمكّن من أن يشبع فيفضي إلى مهلة اخرى، ويمهل من كان يغلبه النعاس حتى يزول ما به.وبالجملة، ما به يحصل التهيّأ
والاستعداد لذلك، ولا يتقدّر بيوم أو بثلاثة أيّام عندنا، خلافاً لبعض العامّة- لعدم دليل عليه، بل يرجع فيه إلى العرف والعادة.
وأمّا إذا كان عاجزاً عن الوطء عقلًا لمرض ونحوه، أو شرعاً لمانع شرعي فيه أو فيها، من
إحرامٍ أو
صوم أو حيض أو غيرها، فلا يجوز لها المطالبة بالوطء قطعاً، وإن كان يتحقّق به الرجوع لو طالبته وفعله المؤلي- وإن أثم كما سيجيء- وقد ادّعى في
الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه، بل في
المسالك ادّعاء
الإجماع على عدم جواز المطالبة به حينئذٍ.
وهل يجوز لها المطالبة بفيئة العاجز- وهي
إظهار العزم على الوطء عند القدرة-؟ ذهب إلى ذلك جملة من الفقهاء،
بل نسبه
الشهيد في المسالك إلى جماعة المتأخّرين،
وفي الجواهر أنّه المحكي عن كثير.
واستدلّ له بإطلاق الأدلّة الدالّة على جواز المطالبة بعد انقضاء مدّة التربّص، وبقاعدة الميسور، وبأنّه مخيّر بين الفئة والطلاق، وربما يطلّقها إذا طالبته، فلا تستلزم المطالبة محذوراً، وبعدم كون المانع منها، بل هي ممكّنة، وإنّما المانع من اللَّه تعالى،
ولا يضرّ ضعف بعض هذه الوجوه بعد
إطلاق الأدلّة.نعم، قد يفصّل في جواز المطالبة بين ما إذا كان المانع من جهة الرجل فيجوز لها المطالبة، وما إذا كان المانع من جهتها فلا يجوز.
واحتجّ له بظهور عذره، وكون المانع منها، وكون العمدة في الفيئة الوطء، وهو محظور هنا.
ولكن أجيب عنه بعدم الفرق بين عدم قبول المحلّ وعدم قدرة الفاعل، فلا فرق بين الحيض وغيره في ذلك.
ثمّ إنّه لا فرق في تحقّق الفيء بالوطء في القبل بين ما كان وطياً حلالًا شرعاً- كما إذا لم يكن مانع شرعي من صوم أو إحرام أو حيض- أو كان وطياً حراماً؛ وذلك لتحقّق ما حلف على تركه وحصول الغرض، فينحلّ به
الإيلاء - وإن أثم- سواء كانت هي أيضاً موافقة ومطاوعة فيه أم لا، وسواء حرّمنا موافقتها له- لصدق المعاونة على
الإثم - أم لا؛ لعدم الحرمة من جهتها.قال
المحقّق الحلّي : «إذا انقضت المدّة وهو محرم الزم بفيئة المعذور، وكذا لو اتّفق صائماً. ولو واقع أتى بالفيئة وإن أثم، وكذا في كلّ وطء محرّم كالوطء في الحيض والصوم الواجب»،
وبذلك قال غيره.
وأمّا الوطء ساهياً أو مجنوناً أو شبهة فذهب
الشيخ إلى تحقّق الفيء به أيضاً، قال في
المبسوط : «وإن وطأها في حال جنونه لم يحنث، وخرج من حكم الإيلاء؛ لأنّ
الإصابة قد حصلت، وإنّما فقد فيها القصد، وفقد القصد لا يمنع من الخروج بها من حكم الإيلاء، ألا ترى أنّه لو كان له زوجتان فآلى من إحداهما بعينها ثمّ وجدها على فراشه فوطأها ظنّاً منه أنّها غير التي آلى منها، خرج من حكم الإيلاء؛ لوجود الإصابة وإن كان القصد مفقوداً».
وتبعه عليه جماعة»؛ وذلك لأنّ اليمين قد تعلّق بترك الحقيقة وقد حصلت، وأمّا عدم تعلّق الكفّارة فلتقيّدها بالتكليف وصدق
التقصير .ولكن ظاهر المحقّق الحلّي
والشهيد الأوّل
التوقّف في المسألة، حيث اكتفى بنسبة الحكم إلى الشيخ، بل ذلك صريح الشهيد الثاني في
الروضة ، حيث قال:«وللتوقف وجه».
بينما اختار في المسالك عدم تحقّق الفيئة فقال: «... ثمّ إن حكمنا
بانحلال اليمين حصلت الفيئة وارتفع الإيلاء، وإن لم نحكم به فوجهان، أحدهما: أنّه لا تحصل الفيئة وتبقى المطالبة؛ لأنّ اليمين باقية. والثاني: تحصل؛ لوصولها إلى حقّها،
واندفاع الضرر، ولا فرق في إيفاء الحقّ بين وصوله إلى صاحبه حال
الجنون والعقل كما لو ردّ المجنون وديعةً إلى صاحبها، ولأنّ وطء المجنون كوطء العاقل في التحليل وتقرير المهر وتحريم الربيبة وسائر الأحكام، فكذلك هنا. ولا يلزم من عدم وجوب الكفّارة(عدم) ثبوت الفيئة؛ لأنّها حقّ للَّهوالفيئة حقّ المرأة، ويعتبر في حقّ اللَّه تعالى من القصد الصحيح ما لا يعتبر في حقّ
الآدمي ، والأصحّ الأوّل».
ولكن أورد عليه
المحقّق النجفي بأنّه لا وجه لدعوى الوجهين بناءً على عدم انحلال اليمين؛ ضرورة أنّه يتعيّن مع عدم انحلاله عدمُ كون ذلك فيئة، وإن حصل بسببه سقوط المطالبة من المرأة في تلك الأربعة، ولكن يبقى لها حكم المطالبة في أربعة اخرى؛ لبقاء حكم الإيلاء فيها.
ثمّ قال بعد ذلك: «وقد عرفت أنّ الأقوى عندنا الانحلال، فيسقط هذا التفريع من أصله».فالمسألة مبنيّة على انحلال اليمين بالفعل الصادر سهواً ومن دون قصد وعدمه، فإذا قيل بانحلاله بذلك بطل الإيلاء أيضاً، ولو
لاستظهار أنّ متعلّق اليمين عدم الوطء المطلق، وقد ارتفع خارجاً تكويناً- وإن لم يكن موجباً للحنث- فهو من قبيل زوال موضوع الفعل المنذور أو المحلوف عليه في الخارج، الموجب
لارتفاع موضوع اليمين
والنذر وانحلالهما، وإن قيل بعدم انحلال اليمين وبقائه؛ لتعلّقه بعدم الوطء الاختياري بالخصوص، وهو لم يتحقّق بعد ومقدور للمكلّف، فالإيلاء باقٍ على حاله، وإن سقط حقّ المرأة في المطالبة في الأربعة أشهر الاولى فيبقى حقّها بلحاظ الأشهر القادمة، كما ذكره المحقق النجفي.
تقدّم أنّ المؤلي بعد انقضاء مدّة التربّص ومطالبة الزوجة يجب عليه
اختيار أحد الأمرين: إمّا الفيء والرجوع فعلًا أو قولًا- مع العجز عن الأوّل- أو الطلاق، ولا يجوز له
الإهمال والامتناع ، فلو امتنع اجبر على ذلك.
قال المحقّق الحلّي: «وإن امتنع من الأمرين حبس وضيّق عليه حتى يفيء أو يطلّق، ولا يجبره الحاكم على أحدهما تعييناً»،
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه».
والدليل عليه الروايات: كقول
الإمام الصادق عليه السلام في خبر
غياث بن إبراهيم :«كان
أمير المؤمنين عليه السلام إذا أبى المؤلي أن يطلّق، جعل له حظيرة من قصب وأعطاه ربع قوته حتى يطلّق».
وقوله عليه السلام أيضاً في خبر
حمّاد بن عثمان في المؤلي إذا أبى أن يطلّق: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب، ويجعله فيها، ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلّق».
بل في تفسير
علي بن إبراهيم ، قال:روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه بنى حظيرةً من قصب وجعل فيها رجلًا آلى من امرأته بعد أربعة أشهر، وقال له: «إمّا أن ترجع إلى
المناكحة ، وإمّا أن تطلّق، وإلّا أحرقت عليك الحظيرة».
وفي بعض الأخبار أنّه إذا امتنع ضربت عنقه.
إلّاأنّ هذه الأخبار المتضمّنة للقتل لم يعمل بها الفقهاء؛ لضعف أسانيدها
بالإرسال ، مضافاً إلى مخالفتها
للإجماع ،
وقد حملها بعضهم على صورة الامتناع عن قبول حكم
الإمام حيث قال: «فأمّا ما رواه.
عن
خلف بن حمّاد في حديث له يرفعه إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام في المؤلي «إمّا أن يفيء أو يطلّق، فإن فعل وإلّا ضربت عنقه» فهذا الخبر مرسل لا يعترض بمثله على الأخبار المسندة، ولو صحّ لكان محمولًا على من يمتنع من قبول حكم الإمام إمّا الطلاق أو
الإيفاء خلافاً عليه وعلى شريعة الإسلام؛ فإنّ من هذه صفته يكون كافراً ويجب عليه القتل، فأمّا من لم يكن كذلك لم يجب عليه أكثر من الحبس والتضييق.
كلّ ما مرّ من وجوب اختيار أحد الأمرين على المؤلي بعد انقضاء مدّة التربّص،
وإجباره عليه مع الامتناع إنّما يكون مع مطالبة الزوجة بحقّها بعد المدّة، فلو سكتت ولم تطالب بحقّها لا يجب عليه شيء.وهو صريح قول
الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام في رواية
بريد بن معاوية :«... ولا إثم عليه في كفّه عنها في الأربعة أشهر، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فسكتت ورضيت فهو في حلّ وسعة، فإن رفعت أمرها قيل له: إمّا أن تفيء فتمسّها، وإمّا أن تطلّق...».
والكلام هنا في
إسقاط حقّ المطالبة، وأنّ بإسقاطه هل يسقط هذا الحقّ على نحو
الدوام بحيث لا يكون لها حقّ المطالبة بعده ما دام
الإيلاء باقياً أو يكون لها حقّ المطالبة بعده أيضاً؟ صريح بعضهم بقاء حقّ المطالبة.قال المحقّق الحلّي: «ولو أسقطت حقّها من المطالبة لم تسقط المطالبة؛ لأنّه حقّ متجدّد، فيسقط بالعفو ما كان لازماً، لا ما يتجدّد».
وتوضيحه: أنّ من شرط صحّة إسقاط الحقّ أو العفو أو
الإبراء منه، ثبوت متعلّقه حال الإسقاط، ولمّا كان حقّها في المطالبة يثبت في كلّ وقت ما دام الإيلاء باقياً، فهو ممّا يتجدّد بتجدّد الوقت، فإذا أسقطت حقّها منها لم يسقط منها إلّاما كان ثابتاً وقت الإسقاط؛ إذ لا معنى لإسقاط ما لم يثبت- وإن وجد سببه- وذلك في قوّة عدم إسقاط شيء؛ لأنّ الآن الواقع بعد ذلك بلا فصل يتجدّد فيه حقّ المطالبة، والفرض عدم تعلّق الإسقاط به، فلها المطالبة متى شاءت.
هذا، ولكن احتمل المحقّق النجفي سقوطه به؛ اكتفاءً بوجود سببه، ولفحوى ما دلّ على سقوطه بالصلح؛
ضرورة أنّه مع فرض عدم قابلية سقوطه لعدم حصوله لابدّ أن لا يصحّ الصلح أيضاً، والفرض صحّته، فيدلّ ذلك على صحّة سقوطه بالإسقاط، ومن ذلك حقّ الدعوى الذي لا خلاف في مشروعيّة الصلح لإسقاطه، وهو أقرب شيء إلى حقّ المطالبة لها في المقام.نعم، لا يسقط بالسكوت عنه مدّة قطعاً كما هو صريح النصّ والفتوى، وإنّما الكلام في سقوطه بالإسقاط الحاصل بقولها:(أسقطته من أصله)، ونحوه.
ويمكن ابتناء المسألة على كون ذلك حقّاً أو حكماً للإيلاء، فلا يكون قابلًا للإسقاط. نعم، يمكن للمرأة السكوت والرضا بالزوجية وعدم المطالبة بإجبار الحاكم له، وهذا يرتبط بما يستفاد من ظاهر الروايات، ولا يبعد أن يكون المستفاد من الآية
ورواية بريد
المتقدّمة الثاني.
لا إشكال في تعلّق
الكفّارة بالوطء متعمّداً وعن اختيار إذا كان خلال الأربعة أشهر، أي مدّة التربّص؛ لتحقّق موضوعه وهو الحنث، فتجب به الكفّارة، وقد ادّعي عليه الإجماع.قال
المحقّق الحلّي : «إذا وطأ في مدّة التربّص لزمته الكفّارة إجماعاً».
ويدلّ عليه- مضافاً إلى عمومات تعلّق الكفّارة بحنث مطلق اليمين كقوله تعالى:«وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ»،
وقوله عليه السلام: «إذا حنث الرجل فليطعم عشرة مساكين»،
وغيرها
- ما ورد في خصوص الإيلاء، كما سيأتي.وأمّا إذا كان الوطء خارجاً عن مدّة التربّص فالمنسوب إلى الأكثر تعلّق الكفّارة به أيضاً إذا كان داخلًا في المدّة التي تعلّق الحلف بترك الوطء فيها،
بل ادّعى
الشيخ الطوسي في الخلاف
الإجماع عليه.
ولكن خالفهم الشيخ الطوسي نفسه في
المبسوط قائلًا: «إذا آلى منها ثمّ وطأها، عندنا عليه الكفّارة، سواء كان في المدّة أو بعدها، وقال قوم: إن وطأها قبل المدّة فعليه الكفارة، وإن وطأها بعدها فلا كفّارة عليه، وهو الأقوى».
ويدلّ على مذهب المشهور إطلاق الأدلّة من الآية والروايات حيث لم يفصّل فيها بين ما إذا كان في المدّة أو بعدها، فيشتركان في المقتضي للكفّارة وهو الحنث.
بل في بعض الأخبار التصريح به كما في خبر منصور، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل آلى من امرأته فمرّت أربعة أشهر، قال: «يوقف، فإن عزم الطلاق بانت منه، وعليها عدّة المطلّقة، وإلّا كفّر عن يمينه وأمسكها».
بل في بعض الأخبار لزوم الكفّارة حتى إذا طلّقها ثمّ خطبها وأراد الوطء، كالمروي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه سئل: إذا بانت المرأة من الرجل، هل يخطبها مع الخطّاب؟ قال: «يخطبها على تطليقتين، ولا يقربها حتى يكفّر يمينه».
واستدلّ لمذهب الشيخ الطوسي في المبسوط بأنّ كفّارة اليمين لا تجب مع الحنث إلّاإذا تساوى فعل المحلوف عليه وتركه أو كان فعله أرجح، وأمّا لو كان تركه أرجح- كما في المقام، حيث يكون الوطء بعد مدّة التربّص واجباً ولو تخييراً- جازت مخالفته، ولا كفّارة.وأجيب عنه بأنّ يمين الإيلاء تخالف سائر الأيمان في هذا المعنى، ومن ثمّ انعقد
ابتداءً وإن كان تركه أرجح بل واجباً، فلا وجه
لإلحاقه بسائر الأيمان في جميع الأحكام.والأصل
استصحاب هذا الحكم، بل
الدليل الدالّ على وجوب الكفّارة مع الحنث يشمله، فلا وجه لتخصيص هذا الفرد من بين أفراد الإيلاء بنفي الكفّارة
وإخراجه عن إطلاق الأدلّة».ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا كان الوطء واقعاً في المدّة التي يتناولها الحلف بترك الوطء- ولو كان خارجاً عن مدّة التربّص- وأمّا إذا كان الوطء خارجاً عن ظرف الحلف، كما إذا كان الحلف قد تعلّق بترك وطء الزوجة خمسة أشهر، وكان الفيء بالوطء بعد الخمسة، فلا كفّارة قطعاً؛ لعدم تحقّق الحنث بوجه، ولذلك قيّد الشهيد أصل
النزاع السابق بكون الوطء في المدّة التي يتناولها اليمين.
كما أنّه لابدّ في تعلّق الكفّارة من كون الوطء بتعمّد واختيار، وأمّا إذا وطأ ساهياً أو مجنوناً، أو اشتبهت المرأة بغيرها من حلائله فوطأها، أو نحو ذلك من الأحوال التي لا يكون المؤلي فيها عامداً، فلا كفّارة في هذا الوطء، كما صرّح به بعضهم،
بل في الجواهر نفي الخلاف فيه.
واستدلّ له بعدم تحقّق الحنث؛ لعدم التقصير والتعمّد،
فيندرج تحت عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم «رفع عن امّتي تسعة أشياء:الخطأ والنسيان...».
بل قال المحقّق النجفي: «من المعلوم أنّ المراد من اليمين
الالتزام بمقتضاها، ولا يكون ذلك إلّاحال التذكّر، فليس الفرض حينئذٍ متعلّقاً لليمين».
ولا ينافي ذلك القول بانحلال اليمين وتحقّق الفيء بذلك، وقد تقدّم بيان ذلك تحت عنوان ما يتحقّق به الفيء.
لا
إشكال في عدم تكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين إذا قصد التأكيد بما عدا الأوّل، وأمّا إذا أطلق أو قصد التأسيس فالمنسوب إلى ظاهر الفقهاء
- بل صريح غير واحد منهم
- أنّه كذلك مع وحدة زمان المحلوف عليه إطلاقاً وتقييداً، كأن يقول:واللَّه، لا وطئتك، واللَّه، لا وطئتك، أو يقول: واللَّه، لا وطئتك خمسة أشهر، واللَّه، لا وطئتك خمسة أشهر.ويستدلّ له بصدق إيلاء واحد مع تعدّد اليمين فتكفيه كفّارة واحدة.واشكل بأنّ كلّ يمين سبب مستقلّ في
إيجاب الكفّارة خصوصاً في صورة قصد
التأسيس ، والأصل عدم
التداخل بعد ظهور تعدّد السبب بتعدد اليمين، كما في كلّ يمين.
ولكن قال المحقّق النجفي: «اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ التأكيد لازم لتكراره، قصده أو لم يقصده؛ لأنّه كتكرار الإخبار بالجملة الواحدة، فإنّ اليمين لم يخرج عن الخطابات».
هذا إذا اتّحد الزمان، وأمّا إذا اختلف كأن يقول المؤلي: واللَّه، لا وطئتك خمسة أشهر، فإذا انقضت واللَّه لا وطئتك سنة أو دائماً، فهما إيلاءان،
أحدهما منجّز، والآخر معلّق على صفة، لكن تحقّق إيلائين مبني على صحّة الإيلاء معلّقاً على صفة، وإلّا فيختصّ الحكم بالأوّل منهما.وقد صرّح بهذا بعض الفقهاء.
قال
الفاضل الأصفهاني : «إن أوقعنا الإيلاء معلّقاً فهما إيلاءان، ويتداخلان في الأوّل في خمسة، وينفرد الثاني بباقي السنة، فيتربّص به أربعة أشهر، ثمّ إن فاء أو دافع حتى انقضت السنة انحلّا، وليس عليه بالفيئة إلّاكفّارة واحدة، وإن دافع حتى انقضت مدّة الأوّل بقي حكم مدّة الثاني، وإن طلّق ثمّ راجع أو جدّد العقد عليها وأبطلنا مدّة التربّص بالطلاق، فإن لم يبق من مدّة الثاني بعد الرجعة إلّاأربعة أشهر أو أقلّ انحلّ الثاني أيضاً، وإلّا طالبته بعد التربّص».
ونحوه قال الشهيد الثاني.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۳۵۵-۳۶۵.