القتل المانع من الإرث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
موانع
الإرث هو ما يمنع
الإنسان من أن يرث ما تركه الميّت ميراثاً أصلًا مع كونه من
أهل الإرث وفي طبقة الإرث ودرجته، وكون المنع (وصفاً) قائماً في نفسه، لا (أمراً قائماً) في غيره وإلّا لكان حجباً، واختلف الفقهاء في عدد الموانع فذكر بعضهم ثلاثة وآخر أكثر من ذلك، وكيف كان، فما أجمع الفقهاء على مانعيّته ثلاثة، وهي: الكفر، والقتل، والرق ، ونبحث في التالي عن مانعية القتل من الإرث.
أجمع
الفقهاء على مانعيّة القتل من
الإرث ؛ والحكمة في ذلك مقابلة القاتل بنقيض مطلوبه ومعاقبته على فعله، و
احتياطاً في عصمة الدم لكي لا يقتل
أهل المواريث بعضهم بعضاً طمعاً في الميراث.
فيكون من أظهر أمثلة: (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه).
هذا، وينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام:
قتل العمد، والخطأ، وشبه العمد.
ولكلٍّ منها أحكام نذكرها تباعاً:
وهو تارة يكون عن ظلم واخرى عن حقّ.
لا خلاف بين الفقهاء
في مانعيّته، بل عليه
إجماع المسلمين،
فلا يرث القاتل عمداً ظلماً من تركة المقتول ولا من ديته شيئاً وان تاب وندم على فعله.
ويدلّ عليه أخبار كثيرة بلغت حدّ
الاستفاضة :
منها: صحيحة
الحلبي عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «إذا قتل الرجل أباه قتل به، وإن قتله أبوه لم يقتل به، ولم يرثه».
ومنها: صحيحة
هشام عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: لا ميراث للقاتل».
ومثلهما غيرهما.
لا خلاف
بل الإجماع
على أنّ قتل العمد بحقّ أو طاعة لا يمنع من الميراث، كالقتل حدّاً أو قصاصاً
أو دفاعاً عن نفسه
أو عرضه أو ماله،
فلو قتل الرجل أباه وهو كافر أو باغٍ على إمام عادل أو قتله بأمر
الإمام فإنّ ميراثه منه ثابت لم يمنع منه.
ولا فرق في ذلك بين ما يجوز للقاتل تركه كالقصاص، وبين ما لا يجوز تركه كقتل المحارب ورجم المحصن.
ويدل عليه عمومات أدلّة الإرث كتاباً وسنّةً، و
اختصاص روايات نفي الإرث بالقاتل عمداً وظلماً؛ لما فيها من القرائن والتعبيرات الظاهرة في
إرادة القتل بغير حقّ، بل ودلّت عليه معتبرة
حفص بن غياث صراحة، قال: سألت
جعفر بن محمّد عليهما السلام عن طائفتين من المؤمنين، إحداهما باغية والاخرى عادلة، اقتتلوا فقتل رجل من أهل
العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من
أهل البغي وهو وارثه، أ يرثه؟ قال: «نعم؛ لأنّه قتله بحقّ».
ومورد الحديث وإن كان خاصّاً بمن يجب قتله طاعةً ولكنّ التعليل الذي في ذيله يفيد العموم لكلّ من كان قتله بالحقّ وإن جاز تركه كالقصاص والدفاع عن المال.
اختلف الفقهاء في منع القتل خطأً عن الإرث وعدمه على أقوالٍ ثلاثة:
عدم المنع مطلقاً- أي يرث من التركة والدية
- وهو الأشهر؛
لعمومات الإرث كتاباً وسنّة، حيث خرج العامد الظالم بالدليل وبقي غيره،
وللروايات الكثيرة:
منها: صحيحة
عبد الله بن سنان قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل قتل امّه أ يرثها؟ قال: «إن كان خطأً ورثها، وإن كان عمداً لم يرثها».
ومنها: رواية
محمّد بن قيس عن
الإمام الباقر عليه السلام : «أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام قال: إذا قتل الرجل امّه خطأً ورثها، وإن قتلها متعمّداً فلا يرثها».
ومثلهما غيرهما.
ولأنّ الحكمة الباعثة على نفي الإرث منتفية عن القاتل خطأً حيث لم يقصد القتل.
المنع مطلقاً- أي من التركة والدية- وهو قول
ابن أبي عقيل و
الفضل بن شاذان،
ولم يوافقهما عليه أحد من الفقهاء سوى ظاهر
الكليني و
الشيخ الصدوق، فإنّهما نقلاه عن الفضل بن شاذان ولم يعلّقا عليه.
واستدلّ له
بإطلاق بعض الروايات، كصحيحة
هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ميراث للقاتل».
وبصريح رواية
الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا يقتل الرجل بولده إذا قتله، ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده، ولا يرث الرجل أباه إذا قتله وإن كان خطأً».
ورواية
العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- قال: «ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأً».
وغيرها.
واستدلّ له أيضاً بأنّه مقتضى الاحتياط في الدماء، ولأنّه يؤخذ منه الدية فكيف يرثها؟!.
ونوقش في ذلك بحمل الأخبار المطلقة على القاتل العامد؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ بالخصوص على إرث القاتل خطأً.
وأمّا الأخبار الخاصّة المانعة من إرث الخطأ مطلقاً فهي ضعيفة سنداً،
وقد تحمل على المنع من إرث الدية خاصة، إلّا أنّها كالصريح في النظر إلى إرث
أصل التركة بحيث لا يمكن حملها على النظر إلى إرث الدية بالخصوص،
ثمّ لو فرض صحّتها سنداً فهي معارضة مع ما دلّ من الروايات المعتبرة على إرث القاتل إذا كان خطأً، كصحيحة ابن سنان وموثقة محمّد ابن قيس المتقدّمتين، وهما وإن كانتا مخصوصتين بقتل
الامّ خطأً إلّا أنّه لا يحتمل الفرق بين قتلها وبين قتل غيرها خطأً، بل لعلّ عدم الإرث لو كان ففي قتلها أولى، وبعد التعارض يحكم بترجيح ما دلّ على الإرث؛ لمخالفته مع فتوى الجمهور.
كما أنّه لا تنافي بين
تسليم الدية وبين الميراث منها أو ممّا عداها.
القول الثالث: المنع من الدية خاصّة،
وقد ذكر غير واحد أنّه المشهور بين الفقهاء؛
للجمع بين الأخبار
بعد ضمّ ما دلّ من الروايات على عدم إرث القاتل من دية المقتول،
مضافاً إلى كونه أحوط الأقوال.
وممّا يشهد من الروايات على الجمع المذكور
النبويّ المروي في الخلاف
عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ترث
المرأة من مال زوجها ومن ديته، ويرث الرجل من مالها ومن ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرث من ماله ولا من ديته، وإن قتله خطأً ورث من ماله ولا يرث من ديته».
وقال
السيد العاملي في
مفتاح الكرامة : «هذه الرواية وإن لم تكن موجودة في الجوامع العظام إلّا أنّها جاءت من ناحية أصحاب الجوامع وخرجت عن أيديهم، كما خرج غيرها في الاصول ممّا هو مشتمل على رجال العامّة، ولم تأتنا من ناحية العامّة فقط حتى نردّها فما بقي فيها إلّا ضعف السند، وضعفها منجبر بعمل الأصحاب والشهرة العظيمة، فلتكن حجّة وشاهداً على الجمع بين الأخبار المتعارضة. »
وقال
الشهيد الثاني في
المسالك : « إنّ الرواية عامّية.»
واستدلّ
السيّد الشهيد الصدر على ذلك:
ب «أنّ ما دلّ على أنّ القاتل خطأً يرث وإن كان بإطلاقه يشمل الدية، إلّا أنّه معارض بإطلاقه لما دلّ على أنّ القاتل لا يرث من الدية الشامل للقاتل خطأً، وبعد التعارض بالعموم من وجه يرجع إلى
إطلاق ما دلّ على نفي إرث القاتل بوصفه مرجعاً فوقيّاً».
ثمّ إنّه يستوي في القتل خطأً السبب السائغ المؤدّي إلى القتل كضرب الوالد الولد تأديباً، والممنوع كضرب غير المستحق وجرحه، فيرث القاتل من التركة فيهما.
وفصّل بعضهم بين السبب الممنوع والسائغ، فمنع في الأوّل وأثبته في الثاني. قال العلّامة في
المختلف : «قال
الفضل بن شاذان النيسابوري : لو أنّ رجلًا ضرب ابنه ضرباً غير مسرف في ذلك يريد تأديبه فمات
الابن من ذلك الضرب ورثه
الأب ، وإن ضرب الابن ضرباً مسرفاً لم يرثه الأب، فإن كان بالابن جرح فبطّه الأب فمات الابن من ذلك، فإنّ هذا ليس بقاتل وهو يرثه».
وأمّا المنع من الدية أو عدمه فيتبع مختارهم في قتل الخطأ. ومنع
المحقّق النجفي الإرث من الدية في السبب الغير السائغ واستظهر المنع في السبب السائغ أيضاً، بناءً على القول بثبوتها فيه؛ لتحقّق الموجب وإن انتفت المؤاخذة، كما في الخطأ المحض.
اختلف الفقهاء في
إلحاق شبه العمد بالعمد أو الخطأ على قولين:
الأوّل: إلحاقه بقتل العمد فلا يرث، ذهب إليه
ابن الجنيد والعلّامة
وآخرون؛
لعموم أدلّة منع القاتل من الإرث له، كقوله عليه السلام: «لا ميراث للقاتل»،
خرج قتل الخطأ المحض بدليله فبقي ما عداه.
بل في
كنز الفوائد ( قال): «أنّه وإن لم يقصد القتل إلّا أنّه قصد الفعل الذي هو سبب القتل، وقاصد السبب يجري مجرى قاصد المسبّب».
الثاني: إلحاقه بقتل الخطأ المحض فيرث من التركة دون الدية، وهو صريح جماعة من الفقهاء،
وظاهر المعظم حيث قسّموا القتل في المقام إلى عمد وخطأ فقابلوا العمد بالخطإ فلا بدّ أن يكون مرادهم بالخطإ ما يشمل شبيه العمد؛ إذ من البعيد
إهمال المعظم لحكمه مع كثرة وقوعه ومسيس الحاجة إليه.
ويدلّ عليه ظاهر الروايات حيث أطلق فيها الخطأ وقوبل به العمد على وجه يراد منه الحصر، فيكون الظاهر منها إرادة الأعمّ الذي هو إطلاق شائع كشيوع تقسيمه إليهما.
يمنع القاتل من الإرث إذا توفّرت فيه الشرائط التالية، وهي: شرائط التكليف العامّة في القاتل، وصحّة
انتساب القتل إليه، وأن يكون المقتول مستقرّ الحياة قبل القتل. ولكلّ من هذه الامور أحكام، وإليك تفصيل ذلك:
مرتكب القتل إذا كان مسئولًا عن فعله شرعاً فلا إشكال في أنّه يمنع من الإرث، وأمّا إذا لم يكن مسئولًا عنه؛ لرفع التكليف عنه أو لتنزيل أفعاله منزلة الخطأ- كالصبي والمجنون وغيرهما- ففيه خلاف، حيث ألحق العلّامة قتل الصبي والمجنون والنائم بالعمد في المنع من الإرث؛
لدخوله في عموم «القاتل لا يرث ممّن قتله».
وألحقه في
التحرير بالخطإ فحكم بتوريثه من التركة،
وهو مذهب غيره من الفقهاء.
وقيل بمنعهما دون النائم؛
لعدم صدق الخطأ في قتلهما حقيقةً، بخلاف النائم، وعدم العموم في روايات تنزيل عمد الصبي والمجنون منزلة الخطأ لجميع الأحكام، وإنّما هو تنزيل بلحاظ باب العقوبة والدية.
كما أنّه إذا استفيد من الجمع بين الروايات أنّ المعيار في عدم الإرث كون قتل العمد محرّماً وظلماً- أي مع تنجّز التكليف- كانت النتيجة بصالح القول بالإرث؛ تمسّكاً بعموماته.
كما أنّه إذا فرض أنّ مقتضى العمومات منع القاتل عن الإرث، إلّا ما خرج بالدليل الخاصّ، وهو القتل الخطأ الوارد في جملة من الروايات، فمن الواضح أنّ ذلك لا يشمل عمد الصبي و
المجنون فيبقى تحت عمومات منع القاتل عن الميراث، بوصفها مرجعاً فوقانيّاً يرجع إليه كلّما لم يتمّ دليل على التخصيص.
وأمّا إرثه من الدية فيبتني على الخلاف في قتل الخطأ.
ومن جملة شرائط المنع من الإرث صحّة إسناد القتل إلى القاتل، فلو لم يصحّ لا يمنع، وقد اختلفوا فيما يصحّ
الإسناد فيه وما لا يصحّ، ونتعرّض لها بالتفصيل:
صرّح
العلّامة الحلّي بعدم الفرق بين المباشر والسبب في منع القاتل من الإرث أو عدم منعه فقال: «لا فرق في العمد بين المباشرة والتسبيب، وكذا في الخطأ، فلو شهد مع جماعة ظلماً عمداً على مورّثه فقتل لم يرثه، وإن كان خطأً ورثه من التركة، ولو شهد بحقّ فقتل ورثه».
وكذا اختاره غيره من الفقهاء.
نعم، التسبيبات التي لا توجب القصاص، وإنّما توجب ضمان الدية فقط، كحفر بئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطريق، لا يمنع المسبِّب من الإرث؛
لعدم صدق قتل العمد عليه.
وأمّا راكب الدابّة إذا وطأت دابّته من يرثه أو قائدها أو سائقها فاختار الفضل
منع الراكب دون القائد والسائق، ومنعهم جميعاً العماني،
وألحقهم العلّامة الحلّي بالقتل الخطأ،
وهو المشهور؛ لعدم صدق العمد.
لو تشارك اثنان أو أكثر في قتل من يرثونه فقتلوه منعوا من الإرث.
قال السيّد العاملي: «هذا ممّا لا ريب فيه؛ لأنّه أحد القاتلين».
بل قال المحقّق النجفي: إنّ ذلك وإن لم يستقلّ المشارك بالتأثير لو انفرد في القتل.
إذا أمر شخص شخصاً عاقلًا مختاراً بقتل آخر فامتثل أمره بإرادته واختياره فقتله فلا إشكال في أنّه ارتكب حراماً، ويحكم بحبسه إلى أن يموت، إلّا أنّه لا يكون قاتلًا لا عمداً ولا خطأً.
واستدلّ له بضعف السبب، وعدم صدق عنوان القاتل عليه.
نعم، لم يستبعد السيد الشهيد الصدر إلحاقه بالعمد فيما إذا كان القاتل يعد مكرهاً، حيث قال: «لا يبعد اعتباره من القتل العمدي إذا كان العبد مكرهاً على القتل، بل لا يبعد ذلك في كلّ من كان بحكم العبد من حيث كونه واقعاً تحت سلطانه وإكراهه، فإنّ
الإكراه وإن لم يكن مجوّزاً للقتل؛ إذ لا تقيّة في الدماء، ولكنّه مع ذلك يجعل للمكره آثار القاتل العمدي، كما دلّت عليه في مورد العبد المأمور من قبل سيّده روايات بعضها صحيح،
بل يمكن أن يقال بقطع النظر عن تلك الروايات، أنّا لو التزمنا بعدم ثبوت القصاص على الآمر المكره ولو كان المأمور عبده؛ عملًا بإطلاق رواية زرارة،
فلا ينافي ذلك الالتزام بعدم الإرث في المقام؛ تمسّكاً بإطلاق ما دلّ على أنّ القاتل لا يرث بعد صدق عنوان القاتل في موارد الإكراه، وكون المأمور واقعاً تحت سلطان الآمر وإن لم يكن مثل هذا الإكراه مجوّزاً شرعاً للمأمور، وعليه فالأقرب أنّ الآمر المكره لا يرث».
استشكل العلّامة الحلّي في إلحاق الممسك والناظر- الذي يوضع ربيئة للقاتل لكي لا يدهمه أحد
- بالقاتل.
وذكر ولده في وجه الإشكال أنّه: «ينشأ من مشاركتهما للقاتل، فكانا كالسبب؛ إذ أحدهما محصّل شرط والآخر لنفي المانع وللمناسبة كالقاتل، والمنع في الممسك أقوى؛ لأنّه جزء السبب. ومن أنّ النصّ إنّما ورد في القاتل وهما ليسا بقاتل»، ثمّ قوّى المنع.
وقال السيد العاملي: «الظاهر أنّ الناظر... غير قاتل لغة وعرفاً وإن كان له حظّ في التمكين؛ إذ ليس كلّ فاعل ما له مدخل في التمكين بفاعل، وإلّا فلعدم المنع من الفعل دخل في التمكين أيضاً، وعلى ذلك خرّج العدليّة نسبة
الإضلال ونحوه إلى اللَّه تعالى شأنه... وأمّا الممسك فإنّه يصدق عليه أنّه قاتل عرفاً، يقال: - من غير ريب- قتلاه، أضجعه أحدهما وذبحه الآخر من غير تجوّز عرفاً. نعم، لا يقال: إنّه قاتل لغة إلّا على ضرب من المجاز... فالمنع في الممسك أقوى».
قال العلّامة الحلّي: «في اشتراط
استقرار الحياة إشكال».
وذكر ولده فخر المحقّقين لكلٍّ من المنع وعدمه وجهاً، أمّا وجه عدم المنع فهو أنّ غير مستقرّ الحياة بحكم الميّت، والجناية عليه تكون جناية على الميّت، وليس في الأدلّة شيء يدلّ على أنّ الجناية على الميت تمنع من الإرث. وأمّا وجه المنع من الإرث فهو وقوع القتل عليه، وما يكون موضوعاً للمنع من الإرث هو (القتل)، فيشمله عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «القاتل لا يرث».
وجعل بعضهم المدار في المنع وعدمه على صدق
اسم القتل وعدم صدقه.
وجعل المحقق النجفي حكم المسألة تابعاً لما هو المراد من استقرار الحياة، فإن اريد به ما لا يبقى يوماً أو يومين أو يوماً ونصف يوم كما قالوه في الذبيحة فالحقّ عدم
الاشتراط ؛ لتحقّق القتل معه قطعاً، وإن اريد به ما ينتفي معه النطق والحركة الاختياريّان فالاستقرار شرط كالمذبوح؛ لأنّ غير المستقرّ بهذا المعنى ميّت أو في حكم الميّت، فلا يتحقّق فيه القتل.
تبقى هنا بعض المسائل التي ترتبط بمانعيّة القتل، وهي:
قال المحقق النجفي: «يستوي في ذلك (المنع من الإرث بالقتل عمداً ظلماً) الأب والولد وغيرهما من ذوي
الأنساب والأسباب، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل لعلّه إجماع؛ لعموم الأدلّة... فما عن بعض العامّة من تخصيص القتل المانع بما يوجب قصاصاً أو كفارةً- فيخرج حينئذٍ قتل الوالد الولد؛ لأنّه لا يوجبهما-
باطل قطعاً».
لو لم يكن للمقتول وارث سوى القاتل كان ميراثه للإمام؛
لأنّه وارث من لا وارث له.
وجاء في كلمات بعض الفقهاء المتقدّمين أنّه لبيت المال
ووجّهه فقهاؤنا المتأخّرون بأنّ المراد به بيت مال الإمام لا المسلمين أي من
الأنفال .
لا يمنع من يتقرّب بالقاتل من الإرث، فلو قتل أحدٌ أباه وللقاتل ولد ورث جدّه إذا لم يكن هناك وارث الصلب، ولم يمنع من الميراث بجناية أبيه،
واستدلّ عليه- مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة- بخبر جميل عن أحدهما عليهما السلام قال: «... وإن كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول».
ونحوه خبر آخر له.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۵۳-۶۴.